اليوم :18 April 2024

“لولاك يا رسول الله!”

“لولاك يا رسول الله!”

اليوم هو اليوم العالمي للغة العربية، لغة الحضارة الإسلامية في كل عصر ومصر. في الماضي البعيد اهتم بهذه اللغة الشعوب المسلمة غير العرب اهتماما شمل كل جوانبها، اهتماما انتفع وينتفع بها العرب والعجم إلى يومنا هذا.
لكن مع الأسف لم تسلم اللغة العربية من الانحطاط الذي أصيب به المسلمون في القرون الأخيرة؛ فبينما كانوا يشجعون أبنائهم على تعلم الإنجليزية، في المقابل بذلت الأنظمة الاستعمارية الغربية مساعيها في تخريب اللغة العربية وأدبها ومايتعلق بها من علوم، بحيث أصبحت اللغة منسية في معظم البلاد غير العربية، وشبه منسية في الأخرى.
لا شك أن اللغة العربية حوربت في معظم البلاد الإسلامية بضراوة، وأكثر من عاداها وحاربها هم دعاة القومية والمطبلين عليها.
والاهتمام القليل الذي جرى بهذه اللغة في بعض البلاد، حيث صدرت جرائد ومجلات وأسست معاهد وانطلقت فضائيات، كان في سبيل استخدام هذه اللغة وأدبها لتحقيق مصالح سياسية فحسب، ولم تكن في سبيل خدمة اللغة العربية وأدبها خدمة خالصة تنفع العالم العربي والإسلامي وتنفع الأجيال بعد الأجيال.
من المناسب ونحن في شهر ربيع الأول الذي ولد فيه سيّد المرسلين، وفي اليوم العالمي للّغة العربية، أن نتذاكر مقالة أدبية بليغة للسيّد الإمام أبي الحسن الندوي رحمه الله، يخاطب فيها جدّه حبيب الله وخاتم النبيين وفخر المرسلين، فما أجمل الخطاب! وما أروع الأدب! وما أحسن الفكرة!
يقول رحمه الله تعالى على لسان أئمة النحو واللغة في بلاغة وأدب:
“لولاك يارسول الله ولولا الكتاب الذي نزل عليك، ولولا حديثك الذي نطقت به، ولولا هذه الشريعة التي دانت بها الأمم، واحتاجت لأجلها إلى تعلّم اللغة العربية والتفقّه فيها، لما نشأت هذه العلوم التي كتب لنا شرف الزعامة فيها، ولما كان نحو ولا بيان ولا بلاغة، ولما ألفت هذه المعاجم الكبيرة ودقق في مفردات اللغة العربية، ولما جاهدنا في سبيلها هذا الجهاد الطويل، ولما خضع العجم وهم في سعة من لغاتهم، وغبطة بلهجاتهم لدراسة اللغة العربية والتعمّق فيها، ولما كان منهم هؤلاء الأعلام الذين أقرّ بفضلهم ونبوغهم أدباء العرب وجهابذة الأدب. فأنت الرابطة يارسول الله! بيننا وبين هذه العلوم الناشئة في الإسلام، النابتة في عهد رسالتك وإمامتك، وأنت الرابطة بين العرب والعجم، وأنت الذي ملأ الله بك هذا الفراغ، ووصل البعيد بالقريب، والعجمي بالعربي. فكم لك من فضل على نبوغنا وعبقريتنا، وكم لك من فضل على ثروة العلم ونتاج العقل ومحصول الأقلام.
ولولا أنت يا رسول الله! لطويت اللغة العربية فيما طوي من اللغات واندرس من اللهجات، ولولا القرآن العظيم العربي المبين لتناولها المسخ والتحريف كما تناول اللغات الكثيرة، وابتلعتها العجمة واللهجات المحلّية وقضى عليها اللحن، ولكنه هو وجودك وشريعتك الخالدة ودينك العالمي وكتاب الله المعجز الذي منعها من العفاء والدروس، وفرض سلطانها وسيطرتها على العالم الإسلامي كله، وغرس حبّها وإجلالها في قلب كل مسلم، فأنت الذي خلّد الله بك هذه اللغة وضمن بقاءها وانتشارها وسلامتها، فلك على كل من ينطق بها أو يكتب فيها أو يعيش بها أو ينادي إليها فضل لا يجحد.”
{ الطريق إلى المدينة، أبو الحسن الندوي رحمه الله}

تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مزيد من المقالات