اليوم :29 March 2024

تفسر آيتي 6 و 7 من سورة البقرة

تفسر آيتي 6 و 7 من سورة البقرة

التفسير المختصر
إن الذين اختاروا الكفر سواء عليهم أنذرتهم أم لم تنذرهم فهم لا يؤمنون ولا يقبلون الحق، وهذا بشأن الكفار الذين علم الله فيهم أنهم يموتون على الكفر وليس المراد هنا عامة الكفار لأن كثيراً منهم دخلوا الإسلام.
{ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم} أى طبع الله قلوبهم وسمعهم فلايدخلها خير، ولاينتفعون بما يسمعونه من الحق. {وعلى أبصارهم غشاوة} غطاء فلايبصرون. {ولهم عذاب عظيم} قوي دائم.

فقه الحياة أو الأحكام
الشرح الإجمالي والمناسبة بين الآيات:
قد ذكر الله سبحانه وتعالى في الآيات الخمسة الأولى من سورة البقرة أن القرآن الكريم كتاب هداية، ولا شك في كونه صدقاً وحقاً، ثم ذكر السعداء الذين استفادوا من هذا الكتاب ولقّبهم بالمؤمنين المتقين، وبيّن علاماتهم وصفاتهم، ثم ذكر في خمس عشرة آية قوماً لم يقبلوا الهدى بل أنكروه وعاندوه، وهم فئتان: فئة كفروا وأعلنوا كفرهم ومخالفتهم، فسماهم “كافرين”، والفئة الثانية هم الذين لم يجترأوا على أن يعلنوا ما يعتقدون به من كفر وضلالة طمعاً في الدنيا الفانية، واختاروا طريق الخدعة والحيلة فكانوا يقولون للمسلمين قد أسلمنا معكم، وإذا اجتمعوا مع الكفار وجالسوهم قالوا إننا معكم في العقيدة والفكر وإنما نلتقي بالمسلمين لنخادعهم ونكشف عن أسرارهم وأحوالهم، وهؤلاء هم المنافقون في مصطلح القرآن الكريم.
وقد أنزل الله سبحانه وتعالى آيتين بشأن الكفار وثلاث عشرة آية بشأن المنافقين، وذكر أحوالهم وصفاتهم. فاذا نظرنا في مجموع هذه الآيات وجدنا أن القرآن الكريم عرّف خلالها مصدر الهدی في جانب، وفي جانب آخر قسّم شعوب العالم على أساس قبول الهداية وإنكارها إلى قسمين: قسم اهتدى و رضي بالحق فسماهم “مؤمنين” أو “متقين”، وقسم أنكر الحق وزاغ عن الطريق فسماهم “كافرين” أو “منافقين”.
فالقسم الأول هم الذين قال عنهم: {صراط الذين أنعمت عليهم}، والثاني الذين نهانا عن إتباعهم، فقال بشأنهم: {غير المغضوب عليهم ولا الضالين}.
قد علم مما سبق أنّ البشرية في نظر القرآن الكريم إن أردنا تقسيمها لا يمكن ذلك إلا على أساس الفكر والاتجاه، ولا عبرة للّون والجنس واللغة والأوضاع الإقليمية في ذلك. وإلى هذا أشار القرآن الكريم: {خلقكم فمنكم كافر ومنكم مؤمن}. (سورة التغابن).
وقد ذكر الله سبحانه و تعالى في الآيتين {إن الذين كفروا سواء عليهم الخ} الكفار الذين أدّى كفرهم إلى العناد، فأعرضوا عن الحق وعاندوه ولم يستمعوا إلى البراهين ولم تنفهعم البينات، وقد جرت سنة الله عليهم أن يعجل الله لهم بعض عقوبتهم في هذه الدنيا وذلك أن ختم الله على قلوبهم وسمعهم وجعل على أبصارهم غشاوة، فحرموا من قبول الحق والصدق كأنهم لم يعقلوا ولم يسمعوا ولم يبصروا هذا الحرمان المبين وهذا عقابهم في الدنيا، وأما في الآخرة فبشرهم الله تعالى بعذاب عظيم.

تعريف الكفر:
الكفر معناه التغطية، ومنه الكفران بمعنى عدم الشكر لأن الذي لا يشكر مولاه كأنه يغطي نعمته ويسترها ولا يظهرها، والكفر في اصطلاح الشرع إنكار ما يجب الإيمان به لأن الإيمان هو التصديق بما ثبت مجيء النبي صلى الله عليه وسلم به بداهة ويقيناً، فالذي ينكر أمراً مما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا يصدقه يقال له الكافر.

معنى الإنذار:
الإنذار هو الإخبار بشيء يخاف منه، كما أن الإبشار هو الإخبار بشيء يسبب السرور والفرح، وليس معنى الإنذار التخويف كما يفهم البعض وذلك لأن الإنذار يوجد فيه معنى الشفقة والرحمة، كالأب الشفيق ينذر أولاده وفلذات كبده من النار والهوامّ والسباع، بخلاف التخويف فإنه ليس فيه معنی الشفقة والرحمة كالظالم الذي يخوف الإنسان ويأخذ منه المال، فليس عمله إنذاراً ولا يقال له النذير، ولكن كل نبي هو نذير، لأنه ينذر قومه شفقة ورحمة وينذر من المصائب التي يخشى وقوعها.
فثبت من هذا أنه يجب على الدعاة والمصلحين أن يكونوا ناصحين للناس مواسين لهم اتباعاً للأنبياء عليهم السلام ولا يكتفون بالإبلاغ فقط.
أراد الله سبحانه وتعالى أن يريح نبيه ويطمئن قلبه بشأن الكفار المعاندين، الذين يصرون على كفرهم وجحودهم وجمودهم ويمنعهم استكبارهم وزيغهم من قبول الحق والإسلام، فقال لنبيه: {سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ} أي جهدك ومحاولتك لهدايتهم لا ينفعهم، وذلك لأن الله سلب عنهم التوفيق بسبب سوء أدبهم وجحودهم وتماديهم في الباطل فعاقبهم بالختم علی قلوبهم وإلقاء الغشاوة علی مسامعهم وأبصارهم فيستوي عندهم الإنذار وتركه.
معنی الختم علی قلوبهم وسمعهم كأنها مغلقة،لا يدخل فيها شيء، أی حرموا عن وعي الحق وقبوله.
فعبر عن حالة قلوبهم وأسماعهم بالختم عليها ولكن غيّر التعبير في حق أبصارهم، فقال: {وعلى أبصارهم غشاوة}، والحكمة في ذلك أن ما يدخل في القلوب والآذان فمن جهات متعددة لا من جهة واحدة، فلا يكون انسدادها وإغلاقها إلاّ بالختم، ولكن الأبصار تری من جهة واحدة فيكون انسدادها بإلقاء الغشاوة والحجاب. [مظهري]

سلب التوفيق؛ العقوبة العاجلة للمعاصي
ثبت من هاتين الآيتين أن عقوبة الكفر والذنوب تتحقق في الآخرة ولكن بعض المعاصي والذنوب تعجّل عقوبتها في الدنيا، وقد تتحقق العقوبة في صورة الحرمان من التوفيق. فالإنسان الذي حرم التوفيق يبتلی بالغفلة فيرتكب الذنوب والمعاصي دون أن يشعر بقبحها فيتمادی فيها إلی أن يقسو قلبه، ومن ثمّ نری أن الذنوب والمعاصي تؤدي إلی ذنوب أخری، وفي هذا قال بعض السلف: {ان من جزاء السيئة السيئة بعدها إن من جزاء الحسنة الحسنة بعدها}.
وورد في الحديث: «إن الرجل ليصدق فتنكت في قلبه نكتة بيضاء وإن الرجل ليكذب الكذبة فيسود قلبه» وروی الترمذي وصححه عن أبي هريرة: «إن الرجل ليصيب الذنب فيسود قلبه فإن هو تاب صقل قلبه» قال وهو الرين الذي ذكره الله تعالی في القرآن في قوله {كلا بل ران علی قلوبهم ما كانوا يكسبون} (القرطبي 1/188).

النصيحة تنفع الناصح سواء قبل بها المنصوح أم لا
علم من الآية المذكورة أنه يستوي في حق الكافرين المعاندين الإنذار وعدمه ولكن مما يجدر بالتدبر أن الله سبحانه وتعالی قال: {سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم} ولم يقل عز من قائل {سواء عليك}، فعلم أن الإنذار والتبليغ ومحاولة الإصلاح من النبي صلی الله عليه وسلم لا يضيع بل هو يؤجر علی ذلك ويزداد قرباً من الله في كل حال وإن لم يتذكر المخاطبون.
ومن ثم لم يمنع النبي صلی الله عليه وسلم من دعوة هؤلاء الكفار، فعلم أن الدعاة المصلحين مأجورون عندالله ما دامت نياتهم صالحة وأن يروا أثر دعوتهم علی المخاطبين.

الإجابة عن شبهة
يوافق مفهوم هذه الآية، مفهوم الآية التي في سورة التطفيف {كلا بل ران علی قلوبهم ما كانوا يكسبون} أي ليس الأمر كما زعمتم أيها المعتدون، بل كثرة الذنوب والمعاصي حجبت قلوبكم عن الإيمان وسببت الرين الذي منع نفاذ الحق والخير والنور إليها فأعماها عن رؤية الحقيقة فلا تهتدون.
وقد عبر عن الرين في هذه الآية بالختم والغشاوة، ولا يقال: لما ختم الله علی قلوبهم وجعل علی مسامعهم وأبصارهم غشاوة فهم معذورون في كفرهم فلماذا يعذبون؟ والجواب عن هذه الشبهة أن هؤلاء الكفرة هم الذين ضيعوا استعدادهم بارتكابهم الذنوب والخطايا، فجرت سنة الله فيهم، فختم علی قلوبهم، وعطل حواسهم وهو خالق الأفعال.
(يمكن أن نضرب مثلاً للإيضاح أنّ تلميذاً لا يجتهد في الفصل ويؤذي التلاميذ والمعلمين، ولا يكتب التمارين ولا يحترم قوانين المدرسة، فإذا نصحه المعلم لا يقبل النصيحة، فالمعلم يخرجه من الفصل عقوبة لما فعل، فيحرم هذا التلميذ من العلم والثقافة ويبقی في الجهل أبداً. فهل يقال إنه معذور في جهله؟ كلا! بل هو الذي سبب الجهل والحرمان بصنيعه، هكذا حال الكفار لما تمادوا في الباطل وخالفوا القوانين أخرجهم الله من فصل الهداية فحرموها بصنيعهم وأعمالهم عقوبة لهم).

تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مزيد من المقالات