صيام العين

صيام العين

 

د. عائض القرني 
 
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه أجمعين، وبعد:
وللعين أيضاً صيامٌ، وأيّ صيام؟
صيام العين غضّفها عن الحرام، وإغماضها عن الفحشاء، وإغلاقها عن المناهي.

قال تعالى: «قفلْ لفلْمفؤْمفنفينَ يَغفضّفوا مفنْ أَبْصَارفهفمْ وَيَحْفَظفوا ففرفوجَهفمْ ذَلفكَ أَزْكَى لَهفمْ إفنَّ اللَّهَ خَبفيرٌ بفمَا يَصْنَعفونَ * وَقفلْ لفلْمفؤْمفنَاتف يَغْضفضْنَ مفنْ أَبْصَارفهفنَّ وَيَحْفَظْنَ ففرفوجَهفنَّ» (النور: 30 ـ 31). العين منفذٌ للقلب، وبابٌ للرّوح.

* وأنا الذي جلب المنيةَ طرففه – فمَن المطالَب والقتيل القاتل صحّ عن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ أنّ علياً سأله عن النظر، فقال: «غفضَّ بصرَك».

مَن لم يحبسْ نظره أفصيب بأربعف مصائبَ:

أوّلها: تشتّتف القلب في كلّ وادف، وتَمَزّقه في كلّ أرض، فلا يقرّ له قرار، ولا يهدأ له بال، ولا يجتمع له شمل، فهو مطعون، يئنّ ويشكو من فعل العين بسبب نظراتها وتلفّتاتها.

ثانيها: إتعاب النفس وتعذيبها بفقد ما نظرت إليه وعدم تحصيله؛ فالنفس من فعل العين في حسرة وفي همّف واضطراب.

* وكنتَ متى أرسلتَ طرفَك رائداً – إلى كلّ عينف أتعبتْك المَناظرف

* أصبتَ الذي لا كلّه أنت قادر – عليه ولا عن بعضه أنتَ صابرف ثالثها: فقدان حلاوة الطاعة بإطلاق النظر. فقل: على نور الإيمان السلام إذا ما تأدّبت العين، وصامتْ عن الحرام، ولا يجد ذوقَ الإيمان، وطَعم اليقينف إلا مَن غضّ بصرَه، وأطبق أجفان عينيه.

رابعها: ذنبٌ عظيمٌ، وإثمٌ كبيرٌ جزاءً وففاقاً لفما فعلت العين بالإعراض، ولفما هتكت من المحارم. وما وقع ساقطٌ في الفاحشة إلا بعد إطلاق النظر، وضياع البصر، فلا حولَ ولا قوةَ إلا بالله العليّ العظيم.

يقول أحد السلف: أطلقت عيني مرة في حرام، فنسيت القرآن الكريم بعد أربعين سنةً. جزاء من غضّ بصره عن الحرام أن يبدله الله إيماناً يجد حلاوته في صدره.

قالوا عن العين: هي رائد، إذا أفرسل صاد، وإذا انقيدَ انقاد، وإذا أفطلق وقع القلب في فساد.

وقالوا عن العين: إذا أفْلَتَّ حبلَها أوبقتْك، وإذا أطلقْتَ قيدَها عذّبتْك.

قال شاه الكرماني: مَن غضّ بصره عن الحرام، وعَمَر باطنَه بالتّقوى، وظاهرَه باتّباع السنة لم تخطئ له ففراسة. وتلا قوله تعالى: «إفنَّ ففي ذَلفكَ لَاياتف لفلْمفتَوَسّفمفينَ» (الحجر: 75). في غض البصر وحبس العين خمس كراماتف ومنافع:

أوّلها: طاعة المولى ـ جلّتْ قدرته ـ في أمره بفغَضّ البصر. وحسبك بهذه نعمةً وعزّةً في الدنيا والآخرة.

ثانيها: سلامة القلب وعماره، وجمع شمله وراحته، واطمئنانه وسروره وفرحه.

ثالثها: البعد عن الفتن، والأمان من البلايا، والتّحرّفز من الخطايا.

رابعها: يفتح الله على العبد بالعلم والمعرفة والتوفيق والسداد جزاءَ تقواه.

خامسها: فرقانٌ من الله في قلوب العارفين، ونور الباري في نفوس الصادقين، يعطيه ـ تبارك اسمه ـ لمَن غضّ بصره.

إذا دخل رمضان طلب من العين أن تصوم طاعةً للحيّ القيّوم، فكم للجوع من فضل على العين!

* جزى الله المَسير إليك خيراً – وإن ترك المطايا كالمزادف الجوع يكسر جموح العين، ويحبس خطاها، ويقيّد مَداها.

المصدر : الشرق الأوسط

تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مزيد من المقالات