فضيلة الشيخ عبد الحميد في خطبة الجمعة:

سيدنا الحسين علّم البشرية درس الشجاعة والحرية

سيدنا الحسين علّم البشرية درس الشجاعة والحرية

أشار فضيلة الشيخ عبد الحميد، إمام وخطيب أهل السنة في مدينة زاهدان، في خطبة الجمعة (10 محرم 1445) بمناسبة عاشوراء وذكرى حادثة كربلاء المؤسفة، إلى بعض الدروس والعبر من قيام سيدنا الحسين رضي الله عنه.

لم يكن يزيد أهلا لقيادة الأمة المسلمة
وأشار فضيلة الشيخ عبد الحميد إلى بيان شيء من قيام الحسين رضي الله عنه، قائلا: عندما بدأت البيعة ليزيد، لم يرض سيدنا الحسين وبقايا الصحابة الكرام وخواص الأمة باستخلاف يزيد ولم يبايعوه، لأنهم لم يكونوا يثقون بكفاءته وقدرته على إدارة البلاد الإسلامية وإقامة العدل، ومن هنا بدأت العداوة، فأراد عمال يزيد تضييق الساحة على من لم يبايعه، فأقام سيدنا الحسين بالمدينة المنورة فترة، لكن أمير المدينة كان يضايقه دائماً ليبايعه، فذهب إلى مكة حيث كان عبد الله بن الزبير حاكماً على مكة، ولم يكن بايع عبد الله بن الزبير أيضا يزيد.
وتابع فضيلة الشيخ قائلا: عندما سمع أهل العراق أن الحسين والعديد من أصحابه رفضوا مبايعة يزيد، دعوا الحسين للقيام والقدوم إلى الكوفة. عزم على السفر إلى العراق والكوفة استجابة لدعوة أهل الكوفة، وقد حذره كثيرون بمن فيهم عبد الله بن العباس من أن أهل الكوفة قد لا يفون بوعودهم ويتخلون عن دعمهم بسبب الإغراء وتهديدات الخصوم، لكن الحسين رضي الله عنه شعر بالواجب والمسؤولية.
وأضاف: عندما رأى سيدنا الحسين أن يزيد شخص ضعيف ولا يمكن إصلاحه، وبخلافته لا تتحقق العدالة، وتنهار كافة منجزات الرسول والخلفاء الراشدين، أصرّ على موقفه وغادر الحجاز مع مجموعة صغيرة، لكن عندما وصل إلى أرض العراق، أدرك أن العديد من الذين كتبوا إليه، قد تراجعوا عن مواقفهم وانحازوا إلى جيش عبيد الله بن زياد.

علّم الحسين البشرية ألا يقبلوا الذل أبدا
وأشار خطيب أهل السنة إلى بعض الدروس والعبر في حادثة كربلاء، وقال: إن حادثة كربلاء وقيام سيدنا الحسين درس لكافة المسلمين وأحرار العالم؛ لم يرض الحسين رضي الله عنه بالاستسلام، وطلب العودة إلى المدينة المنورة، كما أنه عرض التفاوض مع يزيد، لكن لم يعطوه فرصة العودة ولا الذهاب إلى يزيد، وعندما طلبوا منه الاستسلام، رفض وقال: “هيهات منّا الذلة”. علّمنا سيدنا الحسين الدرسَ أنه لا ينبغي للمسلم أن يكون ذليلا أو يقبل الذل.
وتابع قائلا: لما بقي الحسين -رضي الله عنه- وحيدا في الميدان قال في لحظاته الأخيرة: “هل من ناصر ينصرني؟” فعندما لم يكن أحد، ذهب هو بنفسه إلى الساحة وتناول كأس الشهادة. بهذا علم الجميع أن النصر لا يكون إلا من عند الله وفي عالم الأسباب مع الناس.
وأضاف: تدل حادثة كربلاء على أن المقربين لله تعالى وأولياءه، ليست لديهم قوة إلهية وغيبية من جانب الله تعالى، وأن القوة الغيبية بيد الله تعالى فقط؛ قد يكون لدى البعض أسباب وإمكانيات، فالحكومات لديها الأسباب والإمكانيات، ويزيد كانت لديه قوة وجيش وإمكانيات، لكن الحسين رغم مكانته السامية لم يكن بيده نار تحرق أعدائه، ولا بحر يغرقهم، ولا جبل يرفعه فيلقيه على رؤوسهم.
وقال مدير جامعة دار العلوم زاهدان: إن الحسين رضي الله عنه علّمنا درس الشجاعة والحرية، والشهادة هي منزلة ورتبة وفضل ونعمة من الله تعالى، والله تعالى رزق الحسين باستشهاده مكانة ورتبة عالية، لكن الله عز وجل أذل كل من قاتل الحسين من أجل السلطة والوصول إلى المنصب، ومات الكثير منهم أذلة.

حادثة كربلاء” و”وقعة الحرة” من أكبر جرائم حكومة يزيد / لا ينبغي قتل الناس من أجل الحكومة
وقال خطيب أهل السنة في زاهدان: كان يزيد هو السبب في حادثة كربلاء، وهو السبب في وقعة الحرة، عندما هاجم المدينة المنورة. جريمة كربلاء ووقعة الحرة جريمتان عظيمتان لحكومة يزيد لن يغفرها التاريخ والمسلمون. ارتكب يزيد كل هذه الجرائم من أجل حكومته، ولم يشعر بالخجل من مدينة الرسول وبقايا الصحابة وأحفادهم. لا ينبغي قتل الناس من أجل بقاء الحكومة. أخاطب جميع الحكومات الإسلامية وغير الإسلامية في العالم بأن الحكومة نصيب من مال الدنيا، ولا قيمة للدنيا أن يقتل بسببها الإنسان مخالفيه.
واستطرد فضيلته قائلا: لو كان يزيد عاقلا وذكيا، لكان يأتي ويقبّل قدمي الحسين رضي الله عنه، ويسترشده ويطلب منه أن يتحمل هذه المسؤولية، ولو فعل هذا لكان اكتسب مرضاة الناس ومرضاة الرب في الدنيا والآخرة، لكن لم يكن يزيد أهلا التفاوض والانتقاد والإصلاح، بل كان مصيبة للعالم الإسلامي. كان يزيد زعيما غير كفء، ويتفق الشيعة والسنة وجميع المسلمين على أن قيام الإمام الحسين كان مشروعا ومن أجل إقامة العدل والقسط.

لا ينبغي أن يتكبر الحاكم على الناس / في ظل المشكلات الاقتصادية لا تشددوا على الشعب في المسائل الأخرى
وقال فضيلة الشيخ عبد الحميد في جزء آخر من خطبته: إنّ الشعب الإيراني من أفضل الشعوب، ولقد تعاون هذا الشعب خلال أربعة وأربعين عاما، وصوّت أكثر من 98٪ من الشعب الإيراني بـ “نعم” للجمهورية الإسلامية، وشاركوا في جميع الانتخابات، والشعب هم الذين تحملوا الحرب المفروضة لمدة ثماني سنوات، وأرسلت النساء أبنائهم للدفاع عن وحدة أراضي البلاد. لهؤلاء النساء والرجال الذين قدموا مساعدات مالية وأرسلوا شبابهم للدفاع عن سيادة الأراضي، حق على الحكومة.
وصرّح فضيلته قائلا: الحاكم والحكومة والنظام كل ما لديهم ملك لهذا الشعب. الشعب هم الذين ينتخبون الحكومة والشعب، ويتم تعيين جميع المسؤولين بشكل مباشر أو غير مباشر من قبل الشعب، لذلك من حق الشعب أن يسمع إلى كلامهم.
وأكد فضيلته قائلا: استمعوا إلى هؤلاء الشعب، وكونوا متواضعين أمام هؤلاء الشعب. خاطب الله تعالى النبي صلى الله عليه وسلم، وهو أطهر البشر وأعظمهم، فيقول له: “واخفض جناحك لمن اتبعك من المؤمنين”، فعلى الحاكم أن يجلس بجانب الشعب ومعهم على بساط واحد ويستمع إليهم. يجب الحفاظ على كرامة الشعب واحترامهم.
وتابع فضيلة الشيخ عبد الحميد قائلا: ليس صحيحا أن البعض ينسب كل شيء للعدو؛ يعلم الله ويعلم الشعب أنه ليس كل شيء من جانب العدو. صحيح أن العدو يبذل قصارى جهده دائما، لكن هذه هي المشكلات التي يواجهها الشعب في حياتهم، لقد دمر الاقتصاد المريض في البلاد كل شيء. قلما يوجد من لا يعاني من هذا الوضع. المشكلات الاقتصادية ليست لشهر أو شهرين، بل تستمر ولا يبدو علاج للمستقبل أيضا.
وأشار خطيب أهل السنة في زاهدان: مع هذه المشكلات التي يعاني منها الشعب، فإن نصيحتي للسلطات ألا يشددوا على الشعب في القضايا الأخرى، بل يجب التعامل مع الشعب. إذا كان الشعب لا يريد مسؤولا في السلطة، فهذا من حقهم أن يتم عزله. في البلدان الأخرى يستقيل الرؤساء والوزراء أحيانا من مناصبهم.
وتابع فضيلته قائلا: انظروا ماذا يريد الشعب، فمرضاة الله في رضا الناس. إن الرحمة على الشعب تستجلب رحمة الله تعالى، فإذا لم يتم الاهتمام بالشعب، وإذا تخلى عنا الشعب، سنواجه المشكلات.

الغلو في الدين محظور في جميع الأديان والاتجاهات الدينية
وأشار فضيلة الشيخ عبد الحميد في الجزء الأول من خطبته، إلى بيان أخطار الغلو في الدين، وتابع قائلا: على مرّ التاريخ البشري، عندما مضى وقت طويل على ظهور دين، فقد بالغ أتباعه في دينهم ومحبة أسلافهم. لقد حذر الله تعالى في القرآن وهو آخر كتاب لله تعالى نزل لإصلاح المجتمع البشري إلى يوم الدين، أهل الكتاب مرارًا من الغلو، وإن القرآن الكريم بتحذيره لأهل الكتاب (اليهود والنصارى) يريد أن يحذرنا نحن المسلمين أيضا من الوقوع في الغلو والإفراط، فالغلو نوع تطرف حيث يترك الإنسان طريق الحق ويقع في الغلو.
وتابع فضيلته قائلا: إن أهل الكتاب غلوا في أنبياء الله وأوليائه ونسبوا صفات الله إلى الأنبياء. قالت النصارى إن عيسى هو ابن الله، وإنه ثالث ثلاثة، كما قالت اليهود إن عزير ابن الله، بينما كان عزيز عبد الله.
وأضاف: إن البشر الذين لا يستخدمون العقل والمنطق والنص، يخطؤون ويجعلون عباد الله شركاء لله تعالى، بينما صفات الله خاصة به تعالى. الألوهية والربوبية مختصتان بالله تعالى. الحلال والحرام بيد الله تعالى، وليس للعلماء تحريم شيء أو تحليله؛ جعل الشيء حلالاً أو حراماً حق خاص لله تعالى. على العلماء أن يطيعوا الله، وسعادتهم تكمن في ذلك. إن الصوفية والأولياء لا يملكون التصرفات الإلهية. صفة العبد هي العبودية، والألوهية والربوبية من صفات الله تعالى، ويحذر الله تعالى من يجعل العلماء والأولياء مكان الله تعالى وينسب إليهم ما ينسب إلى الله تعالى من صفات وأفعال خاصة بذاته جل وعلا.
وأضاف فضيلة الشيخ عبد الحميد: كانت تقول اليهود: لن يدخل الجنة إلا من كان يهوديا، وكانت تقول النصارى: لن يدخل الجنة إلا من كان نصرانيا، وكانت اليهود والنصارى يقولون إن المسلمين لا يدخلون الجنة. أمر الله تعالى عباده بأن يجتنبوا الأماني العابثة، ولا يجزموا قطعا بأنهم من أهل الجنة، بل يجب أن نرجو فضل الله ورحمته لدخول الجنة.
وتابع فضيلته: اليوم نسمع أن البعض يقول إنه إذا مات شخص في مدينة “مشهد” أو “قم” فإنه سيذهب مباشرة إلى الجنة من غير حساب وكتاب، والبعض يقول الشيء نفسه عن مكة والمدينة، لكن المهم والمطلوب هو عمل المرء أينما كان؛ من عمل السوء يجز به سواء كان يهوديا أو نصرانيا أو مسلما، فإنه يعاقب إذا ارتكب إثما أو ارتكب ظلما وارتكب الشرك، وحذر النبي صلى الله عليه وسلم من أن يأتي يوم يقوم فيه بعض الناس بإدخال البدع والخرافات إلى الدين، لذا فلنحرص على عدم الوقوع في هذه الخرافات.
وأضاف: لماذا نخدع أنفسنا ونخدع الناس؟! لا نستطيع تحديد مقدار الثواب والجنة والنار، فهذه يجب أن يحددها صاحب الوحي والشرع ويثبت بالقرآن والسنة. لا ينبغي لنا أن نحدد من عند أنفسنا أجورا لأي عمل، بل يجب أن نعود إلى ما هو ثابت بالقرآن والسنة وفي خير القرون. لا ينبغي لأي مسلم شيعيا كان أو سنيا، الغلو في الدين، فالغلو محظور في جميع الأديان والأفكار والاتجاهات الدينية. لنعد إلى القرآن والدين وسيرة الرسول الكريم والخلفاء الراشدين. لا يوجد كتاب أفضل من القرآن. القرآن هو مستمسكنا الرئيسي وأفضل درس وتعليم. القرآن يبين أفضل عقيدة وأخلاق وسلوك وأحكام. بوجود القرآن والسيرة النبوية، لا نحتاج إلى شيء آخر، فهذه من الأصول المشتركة بين الجميع.

تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مزيد من المقالات