اليوم :6 October 2024

نظرة إلى حياة الشيخ “نظرْمحمد” ديدكاه وخصائصه

نظرة إلى حياة الشيخ “نظرْمحمد” ديدكاه وخصائصه

المولد والدراسة: ولد الشيخ نظر محمد ابن مزار، في ١٣١١ ه.ش (1351 من الهجرة)، في قرية “دامن” من توابع مدينة “إيرانشهر”. التحق بالابتدائية وعمره عشر سنوات، وكان يتعلم بجانب ذلك القرآن الكريم وبعض الكتب الدينية على إمام المسجد في قريته، والذي كان من سكان منطقة “مسكوتان” من توابع مقاطعة “فنوج”.
تأثر الشيخ نظر محمد بتشجيعات إمام المسجد، فسافر مع مجموعة من أترابه إلى باكستان للدراسة سنة 1371 من الهجرة، ودرس العلوم الابتدائية في مدرسة “تندو الله يار” من توابع إقليم “سند”. ولما حدثت مشكلات في هذه المدرسة، سافر إلى مدرسة “دار الرشاد” الدينية في منطقة اسمها “بير جندا”، ثم في السنة الثالثة من حضوره في باكستان، توجه إلى مدرسة “دار الهدى” في مدينة “تيدي” في إقليم سند. بعد سنتين من دراسته في هذه المدرسة، أصيب بمرض، وكان السبب في أن يسافر إلى كراتشي للتداوي.
كانت هذه الرحلة سببا للتعرف على جامعة دار العلوم كراتشي، المركز العلمي الكبير، ويتعلم على كبار العلماء مثل الشيخ المفتي محمد شفيع العثماني، والشيخ رشيد أحمد اللدهيانوي، والشيخ سليم الله خانْ وغيرهم.
لبث الشيخ خمس سنوات يتعلم في هذا المركز العلمي الكبير، وكان زميلا لشخصيتين مشهورتين من الشخصيات المعاصرة لباكستان، وهما الشيخ المفتي محمد رفيع العثماني، والشيخ المفتي محمد تقي العثماني، حفظهما الله.

التعرّف على مولانا غلام الله خانْ:
لما كان الشيخ نظرمحمد في كراتشي، تعرّف على الشيخ “غلام الله خان”، مفسر القرآن الكريم، وأغرم بآرائه التوحيدية وخطبه الحماسية.
ذكر الشيخ نظرمحمد ديدكاه في مقابلة له مع مجلة “نداي إسلام” حول بدايات هذا التعرف بما يلي:
«كان الشيخ غلام الله يأتي في ذلك الوقت إلى كراتشي، ويلقي خطبا للناس، وكانت المبتدعة في كراتشي يغسلون المسجد الذي يلقي فيه الخطبة، وكانت البدع قد عمت هذه المدينة، وكانت المبتدعة لهم الكلمة المسموعة في كراتشي، وكانت نشاطات علماء الحق محدودة بدار العلوم كراتشي، ولا خيرة لهم خارج إطار تلك المحدودة، إلى أن جاء الشيخ غلام الله والشيخ شاه عناية الله البخاري من “بنجاب” لأول مرة. ولما قدما كانا يلقيان الخطب للناس في الشوارع وميادين كراتشي. تلك الخطب جعلت الكثيرين من العامة محبين ومريدين للشيخ غلام الله، فكانوا يدعون الشيخ غلام الله كل سنة إلى كراتشي ليخطب للناس، ولقد أثرت هذه الخطب في حياتنا، وغيرتنا، وجعلتنا مغرمين بشخصيته».
ولقد شارك في دورة تفسيرية لدى كل من الشيخين الجليلين، الشيخ غلام الله، والشيخ عبد الغني الجاجروي، رحمهما الله.

التخرج من دار العلوم تندو الله يار:
بعد ما انتقلت جامعة دار العلوم كراتشي من حي “نانكواره” إلى حي “لاندي”، واصل الدراسة في هذا المركز، ورجع بعد سنة إلى إيران لزيارة الأهل.
ولما انتهت العطلة رجع إلى باكستان، لكن لما لم يكتمل تسجيل الطلبة الذين جاء بهم من إيران في دار العلوم، اضطر إلى أن يغادر دار العلوم ويذهب إلى “تندو الله يار”، ولقد أمضى سنة دورة الحديث الشريف وآخر السنوات الدراسية في هذه المدرسة على الشيخ “ظفر أحمد عثماني”، كما بايع مع الشيخ ظفر أحمد رحمه الله، وتخرج من هذه المدرسة.

العودة إلى الوطن:
عاد الشيخ “نظر محمد ديدكاه” بعد التخرج سنة 1381 من الهجرة إلى إيران، وتم استخدامه في وزارة التعليم والتربية، وكان عضوا في المجلس المحلي لمدينة إيرانشهر إلى سنة 1399.

التمثيل في أول دورة لمجلس الشورى الإسلامي:
كان الشيخ نظرمحمد ديدكاه رشح نفسه بتوجيه من الشيخ عبد العزيز رحمه الله من مدينتي إيرانشهر وسرباز، للمشاركة في أول انتخابات للمجلس بعد الثورة الإسلامية. فاز الشيخ نظر محمد ديدكاه في تلك الانتخابات باكتساب سبعين في المائة من الأصوات، وظل ممثل هذه المنطقة في المجلس من 13 رجب 1400 إلى 26 شعبان 1404.

السجن والهجرة:
قام الشيخ نظر محمد بعد نهاية دورة التمثيل في المجلس، إلى نشاطات دينية كالوعظ والتوجيه، وحل الاختلافات الشعبية في منطقة إيرانشهر.
أعتقل الشيخ نظر محمد بسبب خطبه سنة 1406، وسجن مدة ثلاث سنوات في زاهدان، ومن ثم في طهران. بعد مضي مدة السجن سافر إلى باكستان والإمارات العربية سنة 1416، ثم عاد إلى الوطن بعد ست سنوات قضاها في المهجر سنة 1422.

أبرز خصائص الشيخ نظر محمد:
١- الزهد والبساطة في العيش:
إن الشيخ نظر محمد رغم مكانته الاجتماعية والفرص السياسية التي كان يكفي الواحد منها لحصول الثروة والمال، كان إنسانا زاهدا، قليل التكلف. ولقد اختار حياة الزهد والتقشف البعيدة عن تجملات العيش، وكان يعيش في بيت متواضع من الطين والقصب، لكن هذا البيت المتواضع كان ملجأ يتعهده الكثير من الشخصيات والأشخاص من الطبقات المختلفة.

٢- الشجاعة وصراحة اللهجة:
كان الشيخ نظر محمد مشهورا بالشجاعة وصراحة اللهجة، وكان لا يبالي في بيان الحق وما يراه صحيحا، وينطق برأيه بكل صراحة وشجاعة.

٣-الدفاع عن العقيدة:
الدفاع القاطع والمستدل من العقيدة الصافية الصحيحة ولا سيما في موضوعي التوحيد والصحابة، من أبرز خصائص الشيخ نظر محمد رحمه الله، بحيث لما كان ممثلا في البرلمان، احتج على إهانة أحد الممثلين إلى معاوية رضي الله عنه والبعض من الصحابة، وألقى خطبة حماسية وحذر الممثلين من الإهانة إلى مقدسات المذاهب. كان الشيخ نظر محمد يوصي دائما بالتمسك بالعقيدة والمذهب بجانب الاحترام لمقدسات الآخرين وعقايدهم.

٤- طيب المجلس وطلاقة الوجه:
من وفقوا بالحضور في مجالس الشيخ نظر محمد رحمه الله، يشهدون بأن الشيخ كان يعامل ضيوفه بخلق حسن، وكان طيب المجلس وطيب الكلام، والكلام الطيب من أبرز صفاته، وكان يحكي عادة في مجالسه ذكرياته بأسلوب حلو وكلام طيب.

٥- الشعور بالمسؤولية والدفاع عن حقوق الناس:
كان الشيخ نظر محمد يشعر بالمسؤولية تجاه الأحداث والقضايا، ويتحدث في كل مجلس وحفلة عن المشكلات والمعضلات الاعتقادية، والثقافية، والاجتماعية، والسياسية و…
ولم يكن يعرف المسامحة وغض الطرف إذا كان الأمر يتعلق بحقوق الناس، بل كان يدافع عن حقوق الناس أينما كان ومهما كانت الظروف، وينتقد العلماء والنخب وكل من يسكت بسبب مناصبهم ومكانتهم المادية من تبيين حقوق الناس، كما كانت لهجته شديدة تجاه السياسيين والمسؤولين الذين يضيعون حقوق الناس.

٦-القدرة على حل النزاعات:
إن الشجاعة وصراحة اللهجة، والمكانة الاجتماعية، وإرادة الخير للجميع، صنعت من الشيخ نظرمحمد قاضيا ناجحا، فكان يحل النزاعات بأحسن طريقة وأعدلها، فكان يستخدم كل مواهبه ليصل الحق إلى صاحبه، ويدافع عن حق المظلوم.

٧-احترام العلماء العاملين:
من خصائص الشيخ نظرمحمد ديدكاه احترامه للعلماء العاملين الربانيين، وكان ينتقد دائما أولئك العلماء الذين يضرون بالدين ويشوّهون سمعة العلم والعلماء بطمعهم وحرصهم، ولا يخفي إعجابه بالعلماء الذين يسعون في إصلاح المجتمع في المجالات الاجتماعية والثقافية…

٨-سعة النظر والاجتناب من ضيق الأفق:
كان الشيخ نظر محمد يحترم جميع الاتجاهات الفكرية، ويجبتنب من إنكارها، ويوصي الجميع بالاحترام المتقابل، والسعي لترويج تعاليم الإسلام وقيمه الأصيلة، والاجتناب من التبليغ للأفكار والمذاهب.

لا شك أن هناك خصائص وصفات ونشاطات علمية وثقافية وتأسيس مدارس ومكاتب تعليمية للشيخ نظرمحمد، لا يسع هذه الوجيزة التطرق إلى تفاصيلها.
والشيخ نظر محمد بحق كان كما وصفه الشيخ مولانا عبد الحميد: «شخصية علمية، ورمزا وطنيا». وإن وفاته كانت خسارة كبيرة للطبقات المختلفة.

الوفاة:
توفي الشيخ نظر محمد السبت 24 شوال 1442 عن عمر أمضاه في خدمة الدين والدفاع عن حقوق المسلمين، في مستشفى خاتم الأنبياء في مدينة إيرانشهر.
وأقيمت الصلاة على جثمانه الأحد 25 شوال 1442 بحضور الطبقات المختلفة من الشعب، في المصلى الكبير في مدينة إيرانشهر بإمامة الشيخ عبد الحميد حفظه الله، ثم أودع جثمانه إلى مأواه الأخير في قرية دامن.
رحمه الله وأسكنه فسيح جناته.

تعليقات

تعليق واحد لـ : “نظرة إلى حياة الشيخ “نظرْمحمد” ديدكاه وخصائصه

  1. أسعدك المولى وجعل ما تقدمه في ميزان حسناتك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مزيد من المقالات