ما أسعد الإنسان الذي حفظه الله من فتنة الأولاد، خاصة أولاد هذا الزمان. فلا ينفع أولاد هذا الزمان وليس فيهم شيء إلا إضاعة الوقت والدين، إلا من كان منهم عونا في الدين، فسبحان الله إذن من نعمة عظيمة.
يحكى أن وليا من أولياء الله تعالى كان لا يرغب في الزواج، رأى مرة في المنام فاستيقظ مفاجئا، وقال لمريديه وأتباعه وكان له أتباع ومريدون مخلصون: “أطلبوا لي يد إمرأة أتزوجها”. فبحثوا له عن زوجة، فتم القران بينه وبين المرأة، ورزقه الله ولدا. توفي المولود بعد الولادة، ثمّ خاطب هذا الإنسان الصالح زوجته قائلا: إن غايتي من الزواج قد تحققت؛ فأنت الآن مختارة إن كنت تريدين الدنيا فأنا أطلقك وتزوجي من شئت، وإن كنت تريدين أن تقضي عمرك في ذكر الله تعالى، فامكثي عندي. رجحت المرأة البقاء معها لما أنها كانت متأثرة بصحبتها، واشتغل الزوجان بعبادة الله تعالى وذكره.
سأله بعد مدة بعض خواصه وحاشيته ما السر في القضية يا شيخ؟ فحكى سبب زواجه هكذا: “كنت نائما ورأيت المحشر، والناس يعبرون الصراط. رأيت شخصا يعبر الجسر وكان في مشيه اضطراب، فجاء طفل وأخذ بيده وعبر به مسرعا عن الجسر، فسألت من هذا؟ فقيل هذا ولده الذي مات في الصغر، فصار له قائدا هنا. عندئذ فتحت عيناي، فخطر ببالي لماذا أحرم أنا من هذ الفضل. لعل نجاتي تكمن في مولود يرزقني الله تعالى. لأجل ذلك تزوجت وقد تحقق مرادي فمات الطفل الذي ولد لي في الصغر”.
هذه من همة أولى الهمة وخاصةِ الله تعالى حيث يرضون بتقدير الله تعالى ويعتبرون وفاة الطفل في الصغر تحقيقا للمقصود والغاية. وفي عصرنا عندما يموت الولد، يلطمون على وجوههم ويشقون جيوبهم. الأولاد سواء ماتوا أو عاشوا أحياء، لكنهم كانوا ذخرا لآخرتنا؛ فهم نعمة كبيرة من جانب الله تعالى. وإن لم يكونوا ذخرا لآخرتنا فهم فتنة ووبال كبير للإنسان.
قصة سيدنا موسى عليه السلام وعبد من عباد الله الصالحين موجود في القرآن العظيم، حيث قتل ذلك العبد الصالح طفلا فقال له موسى: “قَالَ أَقَتَلْتَ نَفْساً زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَّقَدْ جِئْتَ شَيْئاً نُّكْراً”. وقد كان شرط على موسى أن لا يسأله عن سبب أي فعل يفعله أثناء السفر ولا يعترض. ثم بين ذلك العبد الصالح لموسى حكم الأفعال التي فعلها أثناء صحبة موسى فقال: “وَأَمَّا الْغُلامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَا أَنْ يُرْهِقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا فَأَرَدْنَا أَنْ يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًا مِنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْمًا”.
القصة تدل على أن الولد الذي يموت في الصغر الأفضل له ولوالديه موته في ذلك الوقت، لأجل هذا وإن كنا نشاهد المتدينين يغتمون على أولادهم، لكنهم لا يجزعون. فالذي يعتقد أن الله حكيم، فهو لا يجزع لواقعة وحادثة أبدا، لكن الذي لا ينظر إلى حكم الله تعالى، فعندما يواجه واقعة موت لولد له، فهو يفزع كثيرا ويجري على لسانه بأن ولده لو كان حيا لكان كذا، وتخرج نيران الحزن والهم والغم والجزع والفزع والكرب من سويداء قلبه.
أعزتي! ماذا نعلم نحن عن مستقبل أولادنا وقادم أيامهم، وعماذا سيكون هو إن بقي حيا! يجب أن نغتنم ما يحدث ففيه الحكمة والمصلحة. فمن الممكن أن يكبر ويصلح كافرا ويرد والديه أيضا إلى الكفر والطغيان. الكثير من الناس يتمنون الأولاد؛ فكما أن الأولاد نعمة، عدم الأولاد أيضا نعمة. عدم الأولاد أن لا يولد له أصلا، ومن ولد له ومات فعليه الشكر أكثر.
الأولاد عذاب لبعض الناس، كالمنافقين الذين قال عنهم الله تعالى: “وَلَا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَأَوْلَادُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ”.
ففي الصغر سبب لتفويت وضياع الصلوات والعبادات، وعندما يكبرون تكون لديهم أنواع من الأفكار والأحلام. يحلمون الأموال والمنازل والمراكب الفاخرة، سواء بقي من الدين في حياتهم أم لا، وسواء روعي الحلال أم لا؟
فالمناسب لمن لا يرزق الأولاد؛ أن يجتنب عن اللهو وليجلس وليذكر الله تعالى ويشتغل بعبادته.
(تعريب من “خطبات حكيم الأمة”، من صفحة 60 إلى 64)
تعليقات