فضيلة الشيخ عبد الحميد: إذا لم تستطيعوا أن تحبوا الصحابة فاجتنبوا من الإساءة إليهم

فضيلة الشيخ عبد الحميد: إذا لم تستطيعوا أن تحبوا الصحابة فاجتنبوا من الإساءة إليهم
molana18قال فضيلة الشيخ عبد الحميد إمام وخطيب الجمعة لأهل السنة في زاهدان في خطبة هذه الجمعة مشيرا إلى مكانة الصحابة ودور الخليفة الراشد أبي بكر الصديق في نصرة الإسلام: إن وصيتي لجميع المسلمين أنكم إذا لم تستطيعوا أن تحبوا الصحابة وأهل البيت، فاجتنبوا من أن تبغضوهم أو تحملوا في صدوركم غلا أو حقدا بالنسبة لهم. وإن لم تمدحوهم فاجتنبوا من الإساءة لهم والإستهانة بهم، وعلينا أن نحب ذلك الجيل العظيم حيث كانوا سببا لحياتنا وإسلامنا وإنهم الذين كانوا أنصار الرسول في ترشيد دعوته ورسالته والذين زكاهم القرآن قائلا: مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا”. وإن سر نجاح هذا الجيل من الأمة كانت في سجودهم وركوعهم كما وصفه الله في هذه الآية وأسباب تخلف المسلمين في هذه العصور هي الابتعاد عن تعاليم الرسول وسيرته وسيرة الصحابة رضي الله عنهم.

وأضاف فضيلة الشيخ قائلا: إن أكثر أهل الدنيا يعلمون أن أفضل جيل وأمة بعد الأنبياء هم صحابة الرسول عليه الصلاة والسلام. ولا شك أن الصحابة كانوا من البشر كما أن الأنبياء أيضا كانوا من جنس البشر، ولكن هنا فرق واسع بين إنسان وإنسان، وفرق بين البشر والبشر. ربما نرى الكثيرين يقيسون الصحابة على أنفسهم ويقال في مثل “المرء يقيس على نفسه”. وهؤلاء يقيسون الصحابة على أنفسهم ويعتبرونهم أناسا مثلهم وليس هكذا، بل البشر ليسوا سواء في الدرجات والمراتب، فأفضل الخلق بعد الأنبياء هم صحابة الرسول عليه الصلاة والسلام.
وأشار سماحة الشيخ حفظه الله إلى بعض تضحيات الصحابة في نصرة الإسلام والرسول عليه الصلاة والسلام قائلا:  إن الصحابة ضحوا بجميع ما كانوا يملكون في نصرة الرسول صلى الله عليه وسلم، وودوا لو ضحوا بأنفسهم وما عندهم لحماية الرسول صلى الله عليه وسلم. وفي أصعب الظروف وأسوأها استقاموا في سبيل الله تعالى، وكانوا يفضلون أن تقطع رؤوسهم ولكن لا يصاب الرسول بشوكة في رجله، وقد ضحوا بأموالهم وأنفسهم لحماية هذا الدين.
فهاجروا على أرجلهم  في أصعب الظروف والأحوال إلى المدينة المنورة، و تحملوا أنواع المشكلات والمصائب في سبيل الإسلام، فالمهاجرون من الصحابة سماهم الله “المهاجرين”، والأنصار أيضا سماهم الله “الأنصار”، وقام الأنصار في المدينة بإيواء المهاجرين في بيوتهم ومنطقتهم وقاموا أيضا بتقسيم أموالهم مع إخوانهم من المهاجرين، وأقام الرسول عليه الصلاة والسلام المؤاخاة بين هذين الفريقين من الناس.
وأشار سماحة الشيخ إلى مكانة الخلفاء الأربعة الراشدين بين المهاجرين قائلا: إن أفضل الصحابة من المهاجرين والأنصار هم الخلفاء الراشدون الأربعة الذين اتفق جميع الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ على فضلهم ومكانتهم. وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقربهم ويكرمهم ويعظمهم لا لأجل قرابته لهم بل لأجل مناقبهم ومكارمهم ومكانتهم العالية.
وأضاف فضيلة الشيخ: لا شك أن جميع الصحابة كانوا مخلصين وأتقياء، لكن هناك تفاوت في مراتب الإخلاص ودرجاته.
التاريخ البشري لم يشهد قبل الإسلام منذ عهد أبينا آدم وبعد الإسلام إلى عصرنا هذا ولن يشهد في القادم أمثال الخلفاء الراشدين. والأفضل باتفاق الأمة الإسلامية من بين هؤلاء الأربعة هو أبوبكر الصديق رضي الله عنه.
واستطرد قائلا: كانت خلافة هؤلاء  وسيادتهم لخدمة الإسلام ونشر الدعوة الإسلامية في أنحاء العالم، وكان تبليغ الرسالة المحمدية وتبليغ هذا الدين من أكبر أمالهم وطموحاتهم، وكان همهم الوحيد أن ينقذوا العالم من جور الأديان وعبادة غير الله. وكان من أهدافهم وغاياتهم تنفيذ العدل في العالم. وأن ينقذوا العالم من براثن الشرك والظلم والجاهلية.
وأضاف فضيلة الشيخ قائلا: إن الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم كانوا غير متكلفين في المعيشة، فلم يعيشوا عيش السلاطين ولا الملوك، ولم يعيشوا عيش الزعماء المعاصرين، وقد تركوا الدنيا ولم يخلفوا مالا ولا عقارا من ورائهم يقتسمها ورثتهم من بعدهم، بل فضلوا العيش في الأكواخ على الحياة في القصور. ولم يجعلوا بينهم وبين الناس الحجّاب والبوابين.
واستطرد قائلا: إنهم أعطوا لرعيتهم الحرية وحق الانتقاد والاعتراض، وقد بلغت الحرية في عهدهم مبلغا كان بإمكان عجوز أو جارية أن تأخذ بيد الخليفة وتكلمه، فهل استطاع دعاة الحرية والديموقراطية من الزعماء المعاصرين أن يقدموا نموذجا من تلك الحرية الموجودة في عصر الراشدين، والتي تذوب جميع هتافات الحرية ودعاوي الديموقراطية أمامها؟!
وقال فضيلة الشيخ: إن هذا الرعيل من تلامذة الرسول الكريم، كانوا أناسا كاملين ومتكاملين، والجهاد الذي بدأوه على إمبراطوريتي إيران والروم، كان لأجل إنقاذ الشعوب المضطهدة من جور الحكام وظلمهم، فلم يكونوا يطمحون غنائم ولا أغراضا مادية أخرى، بل كانوا لا يرون قيمة لهذه المظاهر المادية. بويع أبوبكر رضي الله عنه بالخلافة ولكنه لم يخطر بباله عندما آمن بالرسول صلى الله عليه وسلم أنه سيكون يوما خليفة رسول الله وكذلك سيدنا علي بن أبي طالب عندما نام على فراشه في مكة حينما هاجر الرسول صلى الله عليه وسلم لم يكن يظن أنه سيكون صهرا لرسول الله صلى الله عليه وسلم وأميرا للمؤمنين، وكذلك عمر وعثمان وسائر الصحابة رضي الله عنهم.
وأشار فضيلة الشيخ إلى مكانة أبي بكر الصديق قائلا: إن أبابكر الصديق رضي الله عنه كان أفضل الصحابة وأعلمهم بإجماع الأمة، فظل خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم لمدة سنتين، خطط في هذه المدة برامج كاملة لنشر الإسلام والفتوحات الدينية. وقد اختاره الرسول صلى الله عليه وسلم لإمامة الناس، وقد كانت فيه إشارة إلى إمامته الكبرى. قالت عائشة رضي الله عنها: “لما مرض رسول الله صلى الله عليه و سلم مرضه الذي مات فيه فحضرت الصلاة فأذن فقال “مروا أبا بكر فليصل بالناس”. فقيل له إن أبا بكر رجل أسيف، إذا قام في مقامك لم يستطع أن يصلي بالناس. وأعاد فأعادوا له، فأعاد الثالثة فقال: “إنكن صواحب يوسف مروا أبا بكر فليصل بالناس”. فخرج أبو بكر فصلى فوجد النبي صلى الله عليه وسلم من نفسه خفة فخرج يتهادى بين رجلين كأني أنظر رجليه تخطان من الوجع فأراد أبو بكر أن يتأخر فأومأ إليه النبي صلى الله عليه و سلم أن مكانك”.
ولأجل ذلك لما بويع سيدنا أبوبكر الصديق في سقيفة بني ساعدة بالخلافة قال علي بن أبي طالب :”لما قبض النبي نظرنا في أمرنا فوجدنا النبي قد قدم أبابكر في الصلاة فرضينا لدنيانا من رضي رسول الله لديننا فقدمنا أبابكر”.
واستطرد سماحة الشيخ قائلا: قد اتفقت الصحابة على إمامة أبي بكر بعد الرسول، ولا أحد يستطيع أن يغير مجرى التاريخ الذي مضى، ولكن الواجب علينا هو العمل على سيرة هؤلاء الأخيار والاقتداء بهم، فأبوبكر الصديق ظل صاحب الرسول لمدة ثلاث عشرة سنة، وكان صاحبه في الهجرة، وقدم جهودا عظيمة للدفاع عن الرسول والإسلام، وكان صاحبه وناصره في المدينة المنورة، وكان مستشاره ومؤتمنه قبل الهجرة وبعدها. فقالت عائشة رضي الله عنها: “لم أعقل أبوي قط إلا وهما يدينان الدين، ولم يمر علينا يوم إلا يأتينا فيه رسول الله”.
وأشار سماحة الشيخ حفظه الله إلى الدور الرائع الذي قام به سيدنا أبوبكر الصديق بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم قائلا: أمر النبي صلى الله عليه وسلم قبل وفاته بأن يصلي أبوبكر بالناس فقال: “مروا أبا بكر فليصل بالناس”.
وكذلك صعد المنبر فقال: “إن أمَنَّ الناس عليَّ في صحبته وماله أبو بكر، ولو كنت متخذاً خليلاً غير ربي لاتخذت أبا بكر ولكن أخوة الإسلام ومودته، لا يبقين في المسجد باب إلا سُدَّ إلا باب أبي بكر”. وفي كل واحدة من هذه المناقب تعريض وإشارة إلى إمامة الصديق رضي الله عنه.
واستمر أبو بكر يصلي بالمسلمين، حتى إذا كان يوم الإثنين، وهم صفوف في صلاة الفجر، كشف النبي  ستر الحجرة، ينظر إلى المسلمين، وهم وقوف أمام ربهم. يقول الصحابة رضي الله عنهم: كشف النبي صلى الله عليه وسلم ستر حجرة عائشة ينظر إلينا وهو قائم، كأن وجهه ورقة مصحف ثم تبسم يضحك، فهممنا أن نفتتن من الفرح، وظننا أن النبي خارج إلى الصلاة، فأشار إلينا أن أتموا صلاتكم.
ولما توفي الرسول صلى الله عليه وسلم، وصل نبأ وفاته الصحابة، وكان الصديق يسكن بعيدا عن المسجد، فلما سمع الخبر أقبل على فرس من مسكنه حتى نزل، فدخل المسجد، فلم يكلّم الناس، حتى دخل على عائشة فقصد رسول الله وهو مُغشّى بثوب، فكشف عن وجهه، ثم أكبَّ عليه فقبله وبكى، ثم قال: بأبي أنت وأمي، والله لا يجمع الله عليك موتتين، أما الموتة التي عليك فقد متها، وخرج أبو بكر، وعمر يتكلم فقال: اجلس يا عمر، وهو ماضي في كلامه، وفي ثورة غضبه، فقام أبو بكر في الناس خطيباً بعد أن حمد الله وأثنى عليه: أما بعد: فإن من كان يعبد محمدا فإن محمداً قد مات، ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت، ثم تلا هذه الآية: “وَمَا مُحَمَّدٌ إِلا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ”.فتلقى الناس هذه الآية، فما يسمع بشر إلا يتلوها.
فعلينا أن نحب ذلك الجيل العظيم حيث كانوا سببا لحياتنا وإسلامنا وإنهم الذين كانوا أنصار الرسول في ترشيد دعوته ورسالته والذين زكاهم القرآن قائلا: مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا”. وإن سر نجاح هذا الجيل من الأمة كانت في سجودهم وركوعهم كما وصفه الله في هذه الآية، وأسباب تخلف المسلمين في هذه العصور الأخيرة هي الابتعاد عن تعاليم الرسول وسيرته وسيرة الصحابة رضي الله عنهم أجمعين.

تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مزيد من المقالات