أشار فضيلة الشيخ عبد الحميد إمام وخطيب الجمعة لأهل السنة في مدينة زاهدان في خطبة هذه الجمعة إلى مسئولية الحكومة الدينية في قضية الصلاة قائلا: من أهم مسؤليات الحكومة الدينية هي التطرق إلى إقامة الصلاة والتمهيد لإقامتها في أنحاء البلاد والتشجيع عليها.
وأشار سماحته إلى منع بعض الجهات الحكومية من إقامة صلاة الجمعة حتى في بعض البيوت في المدن الكبرى، قائلا: إننا نأسف جدا على ممارسة بعض العناصر الذين يبادرون إلى منع صلاة جمعة تقام في البيت، والتضييق على من يقيمها، وإن هؤلاء جماعة منحرفون فكريا وهم في الحقيقة أصحاب الأفق الضيق، وإن لديهم حساسية زائدة بالمساجد والمدارس والدعوة والتبليغ التي نشاطاتها لا صلة لها بالخلافات السياسية ولا المذهبية أبدا. مع أن الدستور لم يمنع أحدا من ممارسة طقوسه الدينية ولا ممارسة نشاطاته الدينية، مسلما كان أو غير مسلم. (ألقى فضيلة الشيخ عبد الحميد هذه الكلمات احتجاجا على منع أهل السنة من إقامة صلاة الجماعة في بعض الجامعات الحكومية ومخافر الجيش والشرطة، وكذلك منع إقامة الجمعة والعيدين لأهل السنة في بعض المدن الكبرى مثل أصفهان ويزد وكرمان وكاشان وبعض المناطق في ضواحي العاصمة طهران.)
وأضاف: لا ينبغي المنع من إقامة الصلاة، بل يجب دعوة الجميع إلى إقامتها. نحن نأمل أن يبادر الجميع من الشيعة والسنة إلى إقامة هذه الفريضة التي هي أهم أركان الإسلام بعد التوحيد، وهي تضمن فلاح الدارين.
واعتبر فضيلته مخالفة المسئولين لبناء المساجد والمدارس والمعاهد الدينية لأهل السنة مغايرة تماما لمبادئ الحكومة الدينية، قائلا: إن الدستور قد صرّح بحرية التعليم والتبليغ لأتباع المذاهب الأخرى.
واستطرد فضيلة الشيخ عبد الحميد قائلا: في بعض القرى التي توجد فيها عائلة واحدة فقط على المذهب الشيعي (في مناطق السنة) يبنى لها المسجد، ونحن لا نخالف هذا الأمر لأن الشيعة لا يعبدون عليا رضي الله عنه وكذلك لا يعبد السنة عليا ولا عمر رضي الله عنهما، بل إنهم جميعا يعبدون الله تعالى، ولكن القضية التي تبعث على القلق أنه لا يُسمَح لنا ببناء المساجد والمدارس الدينية في المدن الكبرى التي يسكن فيها جم غفير من أهل السنة.
ثم تطرق فضيلة الشيخ بعد تلاوة قول الله تعالى “وأقم الصلاة إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر” إلى أهمية الصلاة في الإسلام قائلا: إن الصلاة فرضت في أوائل البعثة في مكة المكرمة. ولما هاجر الرسول صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، كان همه الوحيد هو تأسيس المسجد، وكان مسجد قباء هو أول مسجد بناه صلى الله عليه وسلم، وإن كان هذا المسجد لا يبلغ مكانة الحرمين الشريفين في المنزلة، لكنه يمتاز بكونه أول مسجد بناه الرسول عليه الصلاة والسلام عقب دخوله المدينة.
ثم لما استقر المسلمون في المدينة وأسسوا فيه الدولة الإسلامية فرأوا إقامة الصلوات بجماعة في مكان، فبنوا المسجد النبوي كثاني مسجد بعد الهجرة. وكان موضعها مربدا ليتمين فاشتروه منهما، وكانت فيه قبور المشركين وفيه خرب وفيه نخل فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بقبور المشركين فنشبت ثم بالخرب فسويت وبالنخل فقطع، فصفوا النخل قبلة المسجد وجعلوا عضادتيه الحجارة.
ولما انتهوا عن بناء المسجد اهْتَمَّ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم لِلصَّلاَةِ كَيْفَ يَجْمَعُ النَّاسَ لَهَا فَقِيلَ لَهُ انْصِبْ راية عِنْد حضُور الصَّلاَة فَإِذَا رأَوْهَا آذَنَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا فَلَمْ يُعْجِبْهُ ذَلِكَ قَالَ فَذُكِرَ لَهُ يَعْنِى – شَبُّورَ الْيَهُودِ فَلَمْ يُعْجِبْهُ ذَلِكَ وَقَالَ « هُوَ مِنْ أَمْرِ الْيَهُودِ ». قَالَ فَذُكِرَ لَهُ النَّاقُوسُ فَقَالَ « هُوَ مِنْ أَمْرِ النَّصَارَى ». يقول عبد الله بن زَيْدِ بْنِ عَبْدِ رَبِّهِ وَهُوَ مُهْتَمٌّ لِهَمِّ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- لَمَّا أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِالنَّاقُوسِ يُعْمَلُ لِيُضْرَبَ بِهِ لِلنَّاسِ ، فِي الْجَمْعِ لِلصَّلاةِ طَافَ بِي ، وَأَنَا نَائِمٌ رَجُلٌ يَحْمِلُ نَاقُوسًا فِي يَدِهِ ، فَقُلْتُ لَهُ : يَا عَبْدَ اللَّهِ ، أَتَبِيعُ النَّاقُوسَ ؟ قَالَ : وَمَا تَصْنَعُ بِهِ ؟ فَقُلْتُ : نَدْعُو بِهِ إِلَى الصَّلاةِ ، قَالَ : أَفَلا أَدُلُّكَ عَلَى مَا هُوَ خَيْرٌ مِنْ ذَلِكَ ؟ قُلْتُ : بَلَى قَالَ : تَقُولُ : اللَّهُ أَكْبَرُ ، اللَّهُ أَكْبَرُ ، اللَّهُ أَكْبَرُ ، اللَّهُ أَكْبَرُ ، أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ ، أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ ، أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ ، أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ ، حَيَّ عَلَى الصَّلاةِ ، حَيَّ عَلَى الصَّلاةِ ، حَيَّ عَلَى الْفَلاحِ ، حَيَّ عَلَى الْفَلاحِ . وقد سمع النبي ليلة الإسراء الملك يقول بها ثم أمر بلالا بتعلم هذه الكلمات والنداء بها.
وأضاف فضيلة الشيخ قائلا: لقد اختصر ديننا كله في هذه الكلمات القصيرة الموجودة في الأذان ، والأذان في الحقيقة هو شعار يختص بديننا، ولا نظير له في الأديان السماوية السابقة، ففيه التشهد بوحدانية الرب جل جلاله ورسالة سيد المرسلين والدعوة إلى إقامة الصلاة والسعي إليها.
وأضاف قائلا: يتضح من الدعوة إلى الصلاة بعد التشهد أن الصلاة أهم عبادة بعد التوحيد والإيمان بالرسالة النبوية، وهو أهم ركن في الإسلام. وهي الدعوة إلى الفلاح الحقيقي، فإذا حان وقت الصلاة فهو وقت الفلاح ولا فلاح في غير الصلاة إذا جاء. فلا فلاح في الدراسة ولا في غيرها من الأعمال عند ما جاء وقت الصلاة. قال النبي عليه الصلاة والسلام “من نام عن الصلاة فلا نامت عيناه”.
وتابع فضيلة الشيخ قائلا: ليست كلمة أثقل على الشيطان من كلمات الأذان. ورد في الحديث الشريف “إِذَا أُذِّنَ بِالصَّلاَةِ أَدْبَرَ الشَّيْطَانُ لَهُ ضُرَاطٌ حَتَّى لاَ يَسْمَعَ التَّأْذِينَ ، فَإِذَا سَكَتَ الْمُؤَذِّنُ أَقْبَلَ، فَإِذَا ثُوِّبَ أَدْبَرَ فَإِذَا سَكَتَ أَقْبَلَ، فَلاَ يَزَالُ بِالْمَرْءِ يَقُولُ لَهُ اذْكُرْ مَا لَمْ يَكُنْ يَذْكُرُ حَتَّى لاَ يَدْرِى كَمْ صَلَّى”.
والهدف من الأذان والجماعة هو الحضور في المساجد والقيام في صفوف لأداء الصلاة، وكان التخلف عن الصلاة في العهد الأول يعتبر نفاقا. فعن أبي الأحوص قال قال عبدالله: لقد رأيتنا وما يتخلف عن الصلاة إلا منافق قد علم نفاقه أو مريض إن كان المريض ليمشي بين رجلين حتى يأتي الصلاة”.
وأضاف: إن المساجد بيوت منسوبة إلى الله تعالى وقد أسست مساجد مختلفة وكثيرة في أماكن مختلفة من المدينة المنورة. وقد أمر الرسول عليه الصلاة والسلام بتنظييفها وتطييبها، فعنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهَا: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- أَمَرَ بِبُنْيَانِ الْمَسَاجِدِ فِى الدُّورِ ، وَأَمَرَ بِهَا أَنْ تُطَيَّبَ وَتُنَظَّفَ”، فلا بد من كنس الكساجد وإزالة النجاسات منها.
عنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ امْرَأَةً سَوْدَاءَ كَانَتْ تَقُمُّ الْمَسْجِدَ – أَوْ شَابًّا – فَفَقَدَهَا رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَسَأَلَ عَنْهَا – أَوْ عَنْهُ – فَقَالُوا مَاتَ. قَالَ « أَفَلاَ كُنْتُمْ آذَنْتُمُونِى ». قَالَ فَكَأَنَّهُمْ صَغَّرُوا أَمْرَهَا – أَوْ أَمْرَهُ – فَقَالَ « دُلُّونِى عَلَى قَبْرِهِ ». فَدَلُّوهُ فَصَلَّى عَلَيْهَا.
وأشار فضيلة الشيخ إلى تسوية الصفوف في الصلاة كأحد الأمور الهامة في الصلاة التي واظب عليها نبي الرحمة قائلا: لقد كان النبي عليه الصلاة والسلام مهتما بشأن الصفوف في الصلاة فكان بقوم بتسويتها بنفسه. وعندما تستوي الصفوف كان يقوم بالجماعة، فعن النُّعْمَانَ بْنَ بَشِيرٍ يَقُولُ كَانَ النَّبِىُّ -صلى الله عليه يسوينا في الصفوف كما يقوم القدح.
وكان سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه في عهد خلافته يبادر إلى إصلاح الصفوف وتعديلها.
وتابع فضيلة الشيخ: الصلاة وإقامتها هي أهم مسئلة وركن في الإسلام بعد الإيمان وبعد توحيد الله عز وجل، ولقد اعتنى بها النبي عليه الصلاة والسلام أكثر عناية، ولقد فارق الدنيا وهو يشاهد صفوف المصلين، ولقد ترك الدنيا وهو يوصي بأدائها وإقامتها.
وتابع فضيلة الشيخ: لو سُئلتُ عن أكبر أزمة واجهتها الأمة في العصر الراهن لأجبتُ أنها أزمة تضييع الصلاة، فالمسلم البالغ والمسلمة البالغة لا يباليان بتضييع الصلاة، ولا يباليان بتفويتها عن مواقيتها. هذا وأن الصحابي يؤكد على التزام الجميع في حياة الرسول عليه الصلاة والسلام بالحضور في الجماعة ويعتبر التخلف عنها من علامات النفاق. وعنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّهُ قَدِمَ الْمَدِينَةَ فَقِيلَ لَهُ مَا أَنْكَرْتَ مِنَّا مُنْذُ يَوْمِ عَهِدْتَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَا أَنْكَرْتُ شَيْئًا إِلَّا أَنَّكُمْ لَا تُقِيمُونَ الصُّفُوفَ “. إن سعادة الدنيا والأخرة تكمن في الصلاة، واعلموا أنكم عندما تقومون للصلاة فقد أعلنتم بالحرب ضد الشيطان.
تعليقات