الإمام الكسائي الكوفي 119 هـ، 737 م _ 189 هـ – 805م.

الإمام الكسائي الكوفي 119 هـ، 737 م _ 189 هـ – 805م.

خريطة إيران العريقة

خريطة إيران العريقة

اسمُهُ ونَسَبُهُ:
هو علي بن حمزة بن عبد الله بن بهمن بن فيروز, مولى بني أسد, النحوي, الكوفي , أبو الحسن الكسائي: إمام في اللغة والنحو والقراءة… وأحد السبعة القراء المشهورين.

أصله:
هو من أولاد الفرس (ايران).
المُلَقَّبُ: بِالكِسَائِيِّ؛ لِكِسَاءٍ أَحرَمَ فِيْهِ.
قال الإمام ابن الجزري: واختلف في تسميته بالكسائي فالذي رويناه عنه أنه سئل عن ذلك , فقال : لأني أحرمت في كساء. وقيل غير ذلك…
قال الشاطبي رحمه الله:
وَأَمَّا عَلِيٌّ فَالْكِسَائِيُّ نَعْتُهُ    لِمَا كانَ في الْإِحْرَامِ فِيهِ تَسَرْبَلاَ

مولده:
119 هـ، 737 م.

البلد التي ولد فيها:
وُلد في إحدى قرى الكوفة.

شُيُوخه:
أخذ القراءة عرضا عن حمزة أربع مرات وعليه اعتماده , وعن محمد بن أبي ليلى وعيسى بن عمر الهمداني.
وحدَّث عن: جعفر الصَّادق، والأَعمش، وسليمان بن أَرقَم، وجماعةٍ.
وروى الحروف عن أبي بكر بن عياش وإسماعيل ويعقوب ابني جعفر عن نافع (ولا يصح قراءته على نافع كما ذكره الهزلي بل ولا رآه), وعن عبد الرحمن بن أبي حماد, وعن أبي حيوة شريح بن يزيد في قول وقيل : بل شريح أخذ عنه, وعن المفضل بن محمد الضبي, وقتيبة بن مهران, وغيرهم.
ورحل إلى البصرة فأخذ اللغة عن الخليل.

تلاميذه:
إبراهيم بن زازان وأحمد بن جبير وأحمد بن منصور البغدادي وحفص بن عمر الدوري وزكريا بن وردان وعبد الله بن أحمد بن ذكوان وعبيد الله بن موسى وعلي بن عاصم وعمر بن حفص المسجدي وعيسى بن سليمان والفضل بن إبراهيم وأبو عبيد القاسم بن سلام وقتيبة بن مهران والليث بن خالد ومحمد بن سفيان ومحمد بن سنان ويحيى بن آدم ويحيى بن زياد الخوارزمي….
فهؤلاء المكثرون عنه , وأما المقلّون فهم إسحاق بن إسرائيل وحاجب بن الوليد وحجاج بن يوسف بن قتيبة وخلف بن هشام البزار وزكريا بن يحيى الأنماطي ومحمد بن يزيد الرفاعي ويحيى بن زياد الفراء ويعقوب الدورقي ويعقوب الحضرمي روى عنه الحروف وقال الحافظ أبو عمرو الداني أن عبد الله بن ذكوان سمع الحروف من الكسائي حين قدم دمشق.
وعلّم الرشيد ، ثم علّم ولده الأمين .
وأما راوياه فهما الليث وحفص الدوري:
قال الشاطبي رحمه الله بعد أن ذكر الكسائي:
رَوَى لَيْثُهُمْ عَنْهُ أَبُو الْحَارِثِ الرِّضاَ… وَحَفْصٌ هُوَ الدُّورِيُّ وَفيِ الذِّكْرِ قَدْ خَلاَ
قال الشارح:
لَيثهم مثل وَرْشُهم, هو أبو الحارث الليث بن خالد، مات سنة أربعين ومائتين، والرضى أي المرضى أو على تقدير ذي الرضى, وحفص هو الدوري الراوي عن اليزيدي ولهذا قال في الذكر قد خلا أي سبق ذكره فيما ذكرناه من النظم.

من ملامح شخصيته وأخلاقه:
كان الكسائي رحمه الله صادقا في كلامه, دمث الخلق, متواضعا, طموحا …
قيل لأبي عمر الدوري لم صحبتم الكسائي على الدعابة التي كانت فيه. قال: لصدق لسانه.
وأحيانا كان يلحن في القراءة مع إمامته.
يقول الفَرَّاء، سمعتُ الكسَائيَّ يقول: رُبَّما سبَقَنِي لِسَانِي بِاللَّحن.
وعن خَلَف بن هِشامٍ: أَنَّ الكسائيَّ قرأَ على المِنبَر: {أَنَا أَكْثَرَ مِنْكَ مَالاً} بِالنَّصْبِ، فَسَأَلُوْهُ عَنِ العِلَّةِ، فَثُرْتُ فِي وُجُوْهِهِم، فَمَحَوْهُ، فَقَالَ لِي: يَا خَلَفُ! مَنْ يَسْلَمُ مِنَ اللَّحْنِ؟!
قال الكسائي: حججتُ مع الرشيد فقدمتُ لبعض الصلوات فصلّيتُ فقرأتُ: (ذريةً ضعافاً خافوا عليهم)، فأَمَلتُ ضِعافاً، فلمّا سلّمتُ ضربوني بالنّعال والأيدي وغير ذلك حتى غشي علي، واتصل الخبر بالرشيد فوجه بمن استنقذني، فلمّا جئتُه قال لي: ما شأنك؟
فقلتُ له: قرأتُ لهم ببعض قراة حمزة الرديئة ففعلوا بي ما بلغ أمير المؤمنين، فقال: بئس ما صنعتَ، ثم ترك الكسائي كثيراً من قراءة حمزة .
وأحيانا كان ينسى حتّى يشقّ عليه القراءة في الصلاة.
يقول ابن الدورقي: اجتمع الكسائي واليزيدي عند الرشيد فحضرت صلاة , فقدّموا الكسائي يصلي, فارتج عليه قراءة ( قل يا أيها الكافرون ), فقال اليزيدي : قراءة" قل يا أيها الكافرون" ترتج على قاريء الكوفة.
فحضرت صلاة فقدّموا لليزيدي فارتج عليه في " الحمد " فلما سلّم قال:
احفظ لسانك لا تقول فتبتلى … إنّ البلاء موكل بالمنطق
 قَال الكِسَائِيُّ:
صَلَّيتُ بالرَّشيد، فَأَخطَأْتُ في آيةٍ، ما أَخطَأَ فيها صَبِيٌّ …  فواللهِ ما اجترَأَ الرَّشيدُ أَنْ يقُول: أَخْطَأْتَ، لكن
قال: أَيُّ لُغَةٍ هَذِهِ؟
قُلتُ: يا أَمير المُؤمنين! قد يَعثُرُ الجَوَادُ.
قال: أَمَّا هذا فنعَمْ.
قال: قال الكسائي: حلفتُ ألا أكلم عامياً ألا بما يوافقه ويشبه كلامه، وذلك أنّني وقفتُ على نجارٍ فقلتُ له: بكم ذانك البابان؟ فقال: بلحتان. فحلفتُ ألّا أكلّم عاميا إلّا بما يصلحه.
رأى الكسائي النبي صلى الله عليه وسلم في المنام فأقرّ عليه الصلاة و السلام قراءته, يقول الكسائي:
إنّي كنتُ أقريء الناسَ في مسجد دمشق فاغفيتُ في المحراب فرأيتُ النبي صلى الله عليه وسلم فيما يرى النائم داخلا من باب المسجد فقام إليه رجل فقال: بحرف من نقرأ؟ فأومأ إلي .
فهذا تصريح منه بدخوله دمشق وإقرائه بمسجدها , ولو اطلع أبو القاسم بن عساكر الحافظ على هذا لذكره فيمن دخل دمشق فإنه ذكر غيره بأخبار واهية , ولا يمنع دخول الكسائي دمشق فإنه كان أولا يطوف البلاد كما ذكر غير واحد وإنما أقام ببغداد في آخر وقت , وقد ذكر هذه الحكاية أيضا أبو الحسن طاهر بن غلبون في كتابه (التذكرة) .

 مُؤَلَفَاتُه:

للكسائي مؤلفات كثيرة منها:
كتاب اختلاف العدد.
كتاب قصص الأنبياء.
كتاب كتاب الحروف.
كتاب العدد.
كتاب القراءات.
كتاب المصادر.
كتاب النوادر الأصغر.
كتاب النوادر الأكبر.
كتاب النوادر الأوسط.
كتاب الهجاء.
مختصر في النحو.
معاني القرآن.
مقطوع القرآن وموصوله.
كتاب الحروف. وغير ذلك من المؤلفات…

مَنهَجُه في القراءة:

يقول الشيخ عبد الفتاح القاضي عن منهج الكِسائي في القراءة:
1 – يبسمل بين كلّ سورتين إلاّ بين ( الأنفال والتوبة ) فيقف أو يسكت أو يصل.
2 – يوسط المدّين المتّصل و المنفصل بمقدار أربع حركات.
3 – يدغم ذال إذ فيما عدا الجيم، ويدغم دال وتاء التأنيث ولام هل وبل في حروف كلّ منها، ويدغم الباء المجزومة في الفاء نحو ﴿ قَالَ اذْهَبْ فَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ ﴾، ويدغم الفاء المجزومة في الباء في ﴿ إِنْ نَشَأْ نَخْسِفْ بِهِمُ ﴾ في سبأ. ويدغم الذال في التاء في ﴿ عذتُ ﴾، ﴿ فنبذته ﴾، ﴿ اتخذتم ﴾، ﴿ أخذتم ﴾ ويدغم الثاء في التاء في ( أورثتموها، لبثت، لبثتم ).
4 – يميل ما يميله حمزة من الألفات ويزيد عليه إمالة بعض الألفاظ كما وضح في كتب القراءات.
5 – يميل ما قبل هاء التأنيث عند الوقف نحو رحمة، الملائكة بشروط مخصومة.
6 – يقف على التاءات المفتوحة نحو ( شجرت، بقيت، جنت بالهاء ).
7 – يسكن ياء الإضافة في ﴿ قل لعبادي الذين آمنوا ﴾ بإبراهيم، ﴿ يا عبادي الذين ﴾، بالعنكبوت والزمر.
8 – يثبت الياء الزائدة في ﴿ يوم يأت ﴾ في هود، ﴿ وما كنا نبغ ﴾ في الكهف، في حال الوصل.

ثناء العلماء عليه:

قال الشافعي رحمه الله : من أراد أن يَتبَحّر في النحو فهو عيال على الكسائي.
وقال الجاحظ: كان أثيرا عند الخليفة، حتى أخرجه من طبقة المؤدّبين إلى طبقة الجلساء والمؤانسين.
ونعته الذهبي فقال :الإِمَامُ، شَيْخُ القِرَاءةِ وَالعَرَبِيَّةِ…
اخْتَارَ قِرَاءةً اشْتُهِرَتْ، وَصَارَتْ إِحْدَى السَّبْعِ…
وَجَالَسَ فِي النَّحوِ الخَلِيْلَ، وَسَافَرَ فِي بَادِيَةِ الحِجَازِ مُدَّةً لِلْعَرَبِيَّةِ، فَقِيْلَ: قَدِمَ وَقَدْ كَتَبَ بِخَمْسَ عَشْرَةَ قِنِّيْنَةَ حِبْرٍ…
كَانَ الكِسَائِيُّ ذَا مَنْزِلَةٍ رَفِيْعَةٍ عِنْدِ الرَّشِيْدِ، وَأَدَّبَ وَلَدَهُ الأَمِيْنَ، وَنَالَ جَاهاً وَأَمْوَالاً.
قَال ابنُ الأَنباريِّ: اجتمعَ فيه أَنَّه كان أَعلمَ النَّاس بالنَّحو، ووَاحِدَهُم في الغريبِ، وأَوحَدَ في علم القُرآن، كانُوا يُكثِرُونَ عَليهِ، حَتَّى لاَ يَضبِطَ عَليهم، فكان يَجمَعُهُم، ويَجلِسُ على كُرسيٍّ، ويَتلُو، وهُم يَضبِطُون عنه، حتَّى الوُقُوف. وعن خلفٍ، قال: كُنتُ أَحضُرُ بَين يَدَي الكسائِيِّ وهُو يَتلو، ويُنَقِّطُونَ عَلَى قِرَاءتِهِ مَصَاحِفَهُم.
وقال أبو عبيد في كتاب القراءات : كان الكسائي يتخير القراءات فأخذ من قراءة حمزة ببعض وترك بعضا وكان من أهل القراءة وهي كانت علمه وصناعته ولم يجالس أحدا كان أضبط ولا أقوم بها منه.
وقال نصر: كان الكسائي إذا قرأ أو تكلم كأنّ ملكا ينطق على فيه , ورؤي في المنام فقيل: ما فعل الله بك؟
قال : غفر لي بالقران.
وقال ابن الأنباري: كان أعلم الناس بالنحو والعربية والقراءات , وكانوا يكثرون عليه في القراءات فجمعهم وجلس على كرسي , وتلى القرآن من أوّله إلى آخره وهم يستمعون ويضبطون عنه حتّى الوقف والابتداء.
وقال ابن مجاهد: اختار الكسائي من قراءة حمزة ومن قراءة غيره متوسطة غير خارجة عن آثار من تقدّم من الأئمة , وكان إمام النّاس في القراءة في عصره.
وقال إسماعيل جعفر المدني وهو من كبار أصحاب نافع: ما رأيت أقرأ لكتاب الله تعالى من الكسائي.
وقال يحيى بن معين: ما رأيتُ بعيني هاتين أصدق لهجة من الكسائي.

سبب تعلّمه النحو:

قال الفراء: إنّما تعلّم الكسائي النحو على كبرٍ، وسببه أنه جاء إلى قوم من الهباريين وقد أعيا فقال لهم: قد عييتُ. فقالوا له: أتجالسنا وأنت تلحن؟
فقال: كيف لحنتُ؟
قالوا: إن كنتَ أردتَ من انقطاع الحيلة والتحيّر في الأمر فقل عييت مخففاً، وإن كنت أردت من التعب فقل أعييت، فأنف من هذه الكلمة، ثم قام من فوره ذلك فسأل من يعلم النحو؟ فأرشدوه إلى معاذٍ الهراء فلزمه حتى أنفد ما عنده، ثم خرج إلى البصرة فلقى الخليل وجلس في حلقته، فقال له رجل من الأعراب: تركت أسد الكوفة وتميمها وعندها الفصاحة وجئت إلى البصرة، فقال للخليل: من أين أخذت علمك هذا؟ قال: من بوادي الحجاز ونجدٍ وتهامة، فخرج(إلى البادية) … وقد أنفد خمس عشرة قنينة حبرا في الكتابة عن العرب سوى ما حفظ ، فلم يكن له همّ غير البصرة والخليل، فوجد الخليل قد مات وجلس في موضعه يونس النحوي، فمرت بينهما مسائل أقرّ له يونس فيها، وصدره موضعه.

تبحره في اللغة:

قال الفضل بن شاذان: لما عرض الكسائي على حمزة خرج إلى البدو فشاهد العرب وأقام عندهم حتى صار كواحد منهم ثم دنا إلى الحضر وقد علّم اللغة.
وحدث الخطيب بإسنادٍ رفعه إلى سلمة قال: كان عند المهدي مؤدب يؤدب الرشيد، فدعاه المهدي يوماً وهو يستاك فقال له: كيف الأمر من السواك؟
قال: استك ياأمير المؤمنين.
فقال المهدي: إنا لله وإنا إليه راجعون، ثم قال: التمسوا لنا من هو أفهم من هذا.
فقالوا: رجل يقال له علي بن حمزة الكسائي من أهل الكوفة، قدم من البادية قريباً. فكتب بإزعاجه من الكوفة، فساعة دخل عليه.
قال: يا علي بن حمزة!
قال: لبيك يا أمير المؤمنين. 
قال: كيف تأمر من السواك؟
قال: سك يا أمير المؤمنين.
قال: أحسنت وأصبت، وأمر له بعشرة آلاف درهم.
يقول الكسائي: اجتمعت أنا وأبو يوسف القاضي عند هارون الرشيد، فجعل أبو يوسف يذم النحو ويقول: وما النحو؟
فقلتُ – وأردتُ أن أعلّمه فضل النحو – : ما تقول في رجل قال لرجل: أنا قاتلُ غلامِك؟ وقال له آخر: أنا قاتلٌ غلامَك، أيهما كنت تأخذ به؟
قال آخذهما جميعا.
فقال له هارون: أخطأتَ، (وكان له علم بالعربية).
قال: كيف ذلك؟
قال: الذي يؤخذ بقتل الغلام هو الذي قال: أنا قاتلُ غلامك بالإضافة، لأنه فعل ماض، وأما الذي قال: أنا قاتلٌ غلامك بالنصب فلا يؤخذ، لأنه مستقبل لم يكن بعد، كما قال الله عز وجل: (ولا تقولن لشيء إني فاعل ذلك غداً إلا أن يشاء الله). فلولا التنوين مستقبل ما جاز فيه غداً، فكان أبو يوسف بعد ذلك يمدح العربية والنحو.

 من شعره:
إنما  النحو  قياس  يتبع    . . .     و به  في  كل  أمر  ينتفع
فإذا ما نصر النحو الفتى   . . .    مر في المنطق مراً فاتسع
فاتقاه  جل  من  جالسه   . . .    من  جليسٍ  ناطقٍ أو مستمع
وإذا لم ينصر النحو الفتى   . . .   هاب أن ينطق جبناً فانقطع
فتراه يرفع النصب وما  . . . كان من خفضٍ ومن نصبٍ رفع
يقرأ القران ولا يعرف ما  . . .   صرف الإعراب فيه وصنع
والذي  يعرفه  يقرؤه       . . .    فإذا ما شك  في حرفٍ رجع
ناظراً  فيه  وفي  إعرابه    . . .   فإذا  ما عرف اللحن صدع
كم وضيعٍ رفع النحو وكم   . . .   من  شريفٍ قد رأيناه وضع
فهما  فيه  سواء  عندكم     . . .     ليست  السنة  فينا  كالبدع

وحدث المزرباني فيما رفعه إلى الكسائي قال: أحضرني الرشيد سنة اثنتين وثمانين ومائة في السنة الثالثة من خلافته، فأخرج إلي محمداً الأمين وبعبد الله المأمون كأنهما بدران.
فقال: امتحنهما بشيءٍ، فما سألتهما عن شيء إلا أحسنا الجواب فيه.
فقال لي كيف تراهما؟
فقلت:
أرى قمري أفقٍ وفرعي بشامةٍ … يزينهما عرق كريم ومحتد
يسدان آفاق السماء بهمةٍ … يؤيدها حزم ورأى وسؤدد
سليلي أمير المؤمنين وحائزي … مواريث ما أبقى النبي محمد
حياة وخصب للولي ورحمة … وحرب لأعداءٍ وسيف مهند

ثم قلت: فرعٌ زكا أصله، وطاب مغرسه، وتمكنت فروعه، وعذبت مشاربه، آواهما ملك أغر، نافذ الأمر، عظيم الحلم، أعلاهما فعلوا، وسما بهما فسموا، فهما يتطاولان بطوله، ويستضيئان بنوره، وينطقان بلسانه، – فأمتع الله – أمير المؤمنين بهما، وبلغه الأمل فيهما.
فقال: تفقدهما، فكنت أختلف إليهما …
الكسائي مع اليزيدي في مجلس الرشيد:
سأل اليزيدي الكسائي بحضرة الرشيد. قال: انظر، في هذا الشعر عيب؟ وأنشده:

ما  رأينا  خرباً  نقر …  عنه البيض صقر
لا يكون العير مهراً … لا يكون، المهر مهر

فقال الكسائي: قد أقوى الشاعر، (أي أخطأ).
فقال له اليزيدي: انظر فيه.
فقال: أقوى , لابدّ ينصب المهر الثاني على أنه خبر كان. فضرب اليزيدي بقلنسوته الأرض وقال: أخبرنا أبو محمدٍ الشعر صواب، وإنما ابتدأ فقال: المهر مهر.
فقال له يحيى بن خالدٍ: أتكنني بحضرة أمير المؤمنين وتكشف رأسك؟ والله لخطأ الكسائي مع أدبه، أحب إلينا من صوابك مع سوء فعلك.
فقال: لذة الغلبة أنستني من هذا ما أحسن.
بعض الأقوال المتناقض فيه :
قال الفراء: مات الكسائي وهو لا يحسن حد نعم وبئس، ولاحد أن المفتوحة، ولاحد الحكاية، فقيل له : فكيف لم تناظره في ذلك  ؟
فقال: أشفقت أن أحادثه فيقول في كلمةً تسقطني فأمسكت .
ولكن المعاصرة حجاب كما يقولون , وإذا نُقل مثل هذا الكلام في حق الكسائي نجد خلاف ذلك أيضا , من ذلك نرى  في بعض النصوص أن الفراء نفسه يمدح الكسائي. على سبيل المثال :
حدث هارون بن علي بن المنجم في أماليه عن أبي توبه قال: سمعت الفراء يقول: مدحني رجل من النحويين فقال لي: ما اختلافك إلى الكسائي وأنت مثله في النحو؟ فأعجبتني نفسي فأتيته فناظرته مناظرة الأكفاء، فكأني كنت طائراً يغرف من البحر بمنقاره.
روى الزبيرعن إسحاق الموصلي قال: ما رأيت رجلاً منسوباً إلى العلم أجهل بالشعر من الكسائي وبالإسناد قال: كان الكسائي من أشد خلق الله تسكعاً في تفسير شعرٍ، وما رأيت أعلم بالنحو قط منه، ولا أحسن تفسيراً، ولا أحذق بالمسائل، المسألة تشق من المسألة، والمسألة تدخل على المسألة.
ثم يقول: وكان الكسائي أعلم من أبي زيدٍ بكثيرٍ بالعربية واللغات والنوادر، ولو كان نظر في الأشعار ما سبقه أحد ولا أدركه أحد حده!!
وقال أبو الطيب اللغوي في كتاب مراتب النحويين عن أبي حاتم , قال: لم يكن لجميع الكوفيين عالم بالقران ولا كلام العرب، ولولا أنّ الكسائي دنا من الخلفاء فرفعوا ذكره لم يكن شيئاً، وعلمه مختلط بلا حججٍ ولاعللٍ إلا حكايات الأعراب مطروحةً، لأنه كان يلقنهم ما يريد، وهو على ذلك أعلم الكوفيين بالعربية والقران، وهو قدوتهم وإليه يرجعون.

العلماء أكرم الناس خلقا:

أشرف الرشيد على الكسائي وهو لا يراه، فقام الكسائي ليلبس نعله لحاجةٍ يريدها فابتدرها الأمين والمأمون (ابني هارون الرشيد) , وكان مؤدّبهما فوضعا النعل بين يديه، فقبّل رؤوسهما وأيديهما ثم أقسم عليهما ألا يعاودا، فلما جلس الرشيد مجلسه قال: أي الناس أكرم خدماً؟ قال: أمير المؤمنين – أعزه الله – قال: بل الكسائي يخدمه الأمين والمأمون، وحدثهم الحديث.

وَفَاتُهُ:
مات الكسائي رحمه الله في قرية " رنبويه " التابعة لمدينة (الري) , وكان بصحبة هارون الرشيد متوجهين إلى خراسان.
ومات معه بالمكان المذكور محمد بن الحسن القاضي صاحب أبي حنيفة, فقال الرشيد: دفنّا الفقه والنحو بالري .
ورثاه أبو محمد اليزيدي مع محمد بن الحسن فقال:

تصرمت الدنيا فليس بها  خلود  …  وما قد نرى من بهجة ستبيد
لكل امرىء كأس من الموت مترع …  وما أن لنا إلا عليه ورود
ألم تر شيبا شاملا يندر البلى …  و أن  الشباب  الغض ليس يعود
سنفنى كما أفنى القرون التي خلت  … فكن  مستعدا  فالفناء  عتيد
أسيت على قاضي القضاة محمد… وفاضت عيوني والعيون جمود
وقلت إذا ما الخطب أشكل من لنا …  بإيضاحه  يوما  و أنت  فقيد
وأقلقني موت الكسائي بعده  …  و كادت بي الأرض الفضاء تميد
وأذهلني عن  كل  عيش  ولذة  … و أرق  عيني  والعيون  هجود
هما  عالمان  أوديا  و تصرما   …   فما  لهما  في  العالمين  نديد
فحزني متى يخطرعلى القلب خطرة… بذكرهما حتى الممات جديد

ولما بلغت هذه الأبيات إلى الرشيد قال يايزيدي: لئن كنت تسيء الكسائي في حياته، لقد أحسنت بعد موته. وقيل بل قال له: أحسنت يابصري، لئن كنت تظلمه في حياته، لقد أنصفته بعد موته.
عن نصير قال :دخلت على الكسائي في مرضه الذي مات فيه فأنشأ يقول:

قدر أحلك ذا النخيل وقد أرى … وأبي ومالك ذو النخيل بدار
إلّا كداركم بذي بقر اللّوى … هيهات داركم من المزوار

قال نصير: فقلتُ كلا!. ويمتع الله الجميع بك.
عاش الكسائي 70 سنة, وتوفي بالري – جنوب شرقي طهران – سنة 189 هـ – 805م.

 

الكاتب: الشيخ عبدالحميد جمعة

********************************
من مراجع البحث:
غاية النهاية في طبقات القراء – ابن الجزري (ج 1 / ص 239)
سير أعلام النبلاء للإمام شمس الدين الذهبي(ج 17 / ص 137)
البيان في تفسير القرآن ـ السيد الخوئي ص 141.
موقع (قصة الإسلام).
الأعلام للزركلي – (ج 4 / ص 283)
معجم الأدباء – لياقوت الحموي (ج 2 / ص 64)
تراجم القراء  ـ  الشيخ فائز عبد القادر شيخ الزور.
 

تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مزيد من المقالات