اليوم :26 April 2024

تفسير “بسم الله الرحمن الرحيم”

تفسير “بسم الله الرحمن الرحيم”

البسملة‌ آية‌ من‌ آيات‌ القرآن‌ الكريم‌
اتفق‌ أهل‌ الإسلام‌ على أن‌ “بسم‌ الله‌ الرحمن‌ الرحيم‌” جزء من‌ سورة‌ “النمل”، كما اتفقوا علی‌ أنها تكتب‌ في‌ بداية‌ كل‌ سورة‌ غير سورة‌ التوبة، ولكن‌ اختلفت‌ آراء الأئمة‌ ‌في البسملة‌، هل‌ هي‌ جزء كل‌ سورة‌ أم‌ لا؟
ذهب‌ الإمام‌ أبوحنيفة‌ رضي‌ الله‌ عنه‌ إلی‌ أن‌ البسملة‌ آية‌ مستقلّه‌ تكتب‌ قبل‌ كل‌ سورة‌ للفصل‌ بين‌ السورتين‌، وليس‌ جزءا من‌ أي‌ سورة‌ غير سورة‌ “النمل‌”.

تبدأ التلاوة‌ وكل‌ أمر ذي‌ بال‌ بالبسملة
كان‌ أَهل‌ُ الجاهلية‌ يبدأون‌ أعمالهم‌ باسم‌ أصنامهم‌ التي‌ كانوا يعبدونها، فأنزل‌ الله‌ سبحانه‌ وتعالی‌ أول‌ آية‌ أمر فيها ببداية‌ القراءة‌ باسم‌ الرب‌، فكان‌ ردّاً على التقليد الجاهلي‌ السائد.
قال‌ السيوطي‌ رحمه الله: جميع‌ الكتب‌ بدأت‌ باسم‌ الله‌.
وقال‌ بعض‌ العلماء: إن‌ “بسم‌ الله‌ الرحمن‌ الرحيم‌” من‌ خصائص‌ الأمّة‌ المحمّدية‌. فيمكن‌ الجمع‌ بين‌ القولين‌ أن‌ّ “بسم‌ الله” ‌يشترك‌ فيه‌ جميع‌ الكتب‌ المنزلة،‌ ولكن‌ “بسم‌ الله‌ الرحمن‌ الرحيم”‌ من‌ خصائص‌ القرآن‌ الكريم،‌ كما ورد في‌ بعض‌ الروايات‌ أن‌ّ النبي‌ صلی الله عليه وسلم إذا كان‌ يبدأ أمراً يقول‌ أو يكتب‌ “باسمك‌ اللهم”،‌ فلما نزلت‌ آية‌ “بسم‌ الله‌ الرحمن‌ الرحيم‌” اختارها النبي صلی الله عليه وسلم، فكانت‌ سنة‌ جارية‌. (روح المعاني والقرطبي)
إن‌ّ القرآن‌ الكريم‌ يؤكد كثيرا علی‌ أن‌ يبدأ كل‌ عمل‌ باسم‌ الله، وقال‌ النبي صلی الله عليه وسلم: «كل‌ أمر ذي‌ بال‌ لم‌ يبدأ باسم‌ الله‌ فهو أبتر».
وقال‌ رسول‌ الله صلی الله عليه وسلم: «أغلق‌ بابك‌ واذكر اسم‌ الله‌ وأطفي‌ء مصاحبك‌ واذكر الله‌ وخَمِّر إنائك‌ واذكر اسم‌ الله‌ وأوك ‌سقاءك‌ واذكر اسم‌ الله‌. (قرطبي ج 1 ص 98)
وكذلك‌ ورد في‌ الحديث‌ أن‌ يبدأ الأكل‌ والشرب‌ والوضوء والركوب‌ والنزول‌ وكل‌ عمل‌ باسم‌ الله‌.

ما هي‌ الحكمة‌ في‌ البداية‌ باسم‌ الله‌؟
إن‌ الإسلام‌ أوصی‌ ببدء كل‌ أمر باسم‌ الله،‌ فأراد بذلك‌ أن‌ يكون‌ اتجاه‌ الحياة‌ إلی‌ الله‌ تعالی،‌ فإذا ابتدأ كل‌ عمل‌ باسم‌ الله‌ تعالی‌ كأنّه‌ يجدّد العهد في‌ جميع‌ شؤون‌ حياته‌ مع‌ ربه‌ ويقرّ أنه‌ لا يستطيع‌ أن‌ ينجز أي‌ عمل‌ إلّا بمشيئة‌ الله‌ وإرادته،‌ وأنه‌ محتاج‌ إلی‌ الله‌ في‌ كيانه‌ وجميع‌ شؤونه‌، وهذا هو الاهتمام‌ الّذي‌ يُحوّل‌ الأعمال‌ والحركات‌ كلها عبادة‌ يؤجر المرء عليها.
اهتمام‌ يسير وعمل‌ قليل‌ لا يأخذ وقتاً طويلاً، ولكن‌ إذا واظب‌ الانسان‌ علیه‌ صيّر دنياه‌ ديناً.
هنا يختلف‌ أمر المؤمن‌ عن‌ الكافر، فكِلاهما يأ كلان‌ ويشربان،‌ ولكن‌ المؤمن‌ يذكر الله‌ قبل‌ أن‌ يرفع‌ اللقمة‌ إلی‌ فمه‌، ويعترف‌ بعمله‌ أن‌ّ هذه‌ اللقمة‌ التي‌ اجتازت‌ مراحل‌ كثيرة‌ حتی‌ وصلت‌ إلي‌ّ، لم يكن‌ بإمكاني‌ الحصول‌ عليها، وإنما هو الله ‌الذي‌ جعل اللّقمة‌ من‌ الطعام‌ والجرعة‌ من‌ الماء تمرّان بهذه‌ المراحل‌ الكثيرة‌ حتی‌ أوصلها إلي‌ّ.
ولا شك‌ أن‌ للسماء والأرض‌ والهواء وجهود الناس‌ كلها دور هام‌ّ في‌ طعامنا وشرابنا واللقمة‌ التي‌ نسيغها.
المؤمن‌ والكافر كلاهما ينامان‌ ويستيقظان‌، يمشيان‌ ويتحركان‌، لكن‌ العبد المؤمن‌ قبل‌ أن‌ ينام‌ وبعد أن‌ ينام‌ وبعد أن‌ ينهض‌ يذكر ربه‌ ويجدد بذلك‌ صلته‌ بالله‌، فتتحول‌ أعماله‌ ونشاطاته‌ حتی‌ في‌ سبيل‌ المعاش‌ إلی‌ عبادات‌ يؤجر عليها وتكتب‌ في‌ ميزان‌ حسناته‌ له‌.
إنّ‌ العبد المؤمن‌ عند ما يستخدم المراكب والمطايا ويذكر اسم‌ الله‌ عند ركوبها‌ فكأنه‌ يشهد أن‌ّ الله‌ هو الّذي‌ خلق‌ هذه‌ الوسائل ‌ وهيأها وسخّرها وما كان‌ لها مقرناً، إن‌ العبد المؤمن‌ يرى‌ ذلك‌ من‌ صنع‌ الله‌ الذي‌ أتقن‌ كل‌ شيء.
هو الذي‌ خلق‌ الحديد والخشب‌ والفلزّات‌ الأخری،‌ وخلق‌ العمال‌ والصناع‌ فعملوا مركباً يستفيد منه‌ الإنسان‌ ويذهب‌ به‌ حيث‌ شاء ولا يدفع‌ إلا فلوساً قليلة؛ وأمّا الفلوس‌ التي‌ دفعها للاشتراء والركوب‌ لم يكن‌ يملكها قبل‌ مدة‌، وإن‌ّ الله‌ هو الذي‌ هيّأ أسباب‌ تملّكها والحصول‌ عليها. فانظر أيها القارئ الكريم‌ إلی‌ تعاليم‌ الإسلام‌ الغراء كيف‌ ينتقل‌ المرء من‌ عمل‌ بسيط‌ (البسملة‌ عند كل‌ عمل‌) إلی‌ عقيدة‌ قوية‌ شاملة،‌ ولأجل‌ هذا يقال‌ إن‌ البسملة‌ وصفة‌ كيمياوية ‌تجعل‌ التراب‌ ذهباً. فللّه‌ الحمد علی‌ دين‌ الإسلام‌ وتعاليمه‌.
مسئلة‌: تسنّ‌ الاستعاذة‌ ثم‌ البسملة‌ قبل‌ بداية‌ التلاوة،‌ وأمّا خلال‌ التلاوة‌ فتسن‌ّ البسملة‌ عند بداية‌ كل‌ سورة‌ غير سورة‌ البراءة‌.

تفسير “بسم‌ الله”‌
نبدأ الآن بتفسير البسملة،‌ فنقول‌ بتوفيق‌ الله‌ سبحانه‌ وتعالی‌: إن ‌”بسم‌ الله” فيها ثلاث‌ كلمات‌: “الباء”، و”الاسم‌”، و”الله”.
الباء تستعمل‌ لمعان‌ كثيرة‌؛ ثلاثة‌ منها تناسب‌ هذا المقام.
الأول‌: المصاحبة‌، أي‌ اتصال‌ شي‌ء بشي‌ء.
الثاني‌: الاستعانة‌.
الثالث‌: التبرك‌.
{الاسم}‌: ما يسمّی‌ به‌ موجودٌ، وفيه‌ أبحاث‌ علمية‌ لا حاجة إلى الخوض فيها لعامّة‌ الناس‌.
أمّا لفظ‌ {الله}‌ فهو عَلَم‌ للرب‌ّ سبحانه‌ ومن أجمع‌ أسمائه.‌ وقال‌ بعض‌ العلماء إنه‌ الإسم‌ الأعظم،‌ ولا يطلق‌ على غير الله،‌ ولا يثنّی ولا يجمع‌ لأن‌ّ الله‌ واحد لاشريك‌ له‌؛ فمعنی‌ “باسم‌ الله” علی‌ أساس‌ المعاني‌ الثلاثة‌ لكلمة‌ “الباء”: مصاحباً باسم‌ الله‌، مستعينا باسم‌ الله‌، متبركا باسم‌ الله‌. ففي‌ كل‌ صورة‌ من‌ الصور الثلاثة‌، الكلام‌ لا يتم‌ معناه‌ إلّا إذا قدر الفعل‌ المناسب‌ للمقام‌، فالفعل‌ المقدر ههنا، «ابتدأ» أو«أقرأ»، والأجدر بالمقام‌ أن‌ يقدر الفعل‌ بعد «باسم‌ الله‌» أي‌ بسم‌ الله‌ أقرأ، أو ابتدأ.

الرحمن‌ الرحيم‌
كلاهما صفتان‌ للّه‌ تبارك‌ وتعالی‌، فمعنی الرحمن‌: هو الذي‌ عمّت‌ رحمته‌ كل‌ شيء‌ ولا يخلو كائن‌ إلا وتشمله‌ رحمته‌. أمّا الرحيم‌ فهو الذي‌ تمت‌ رحمته‌ أو تكاملت‌.
واعلم‌ أن‌ “الرحمن‌” وصف‌ خاص‌ للّه‌، فلا يجوز إطلاقه‌ علی‌ المخلوق‌، لأنه‌ لا يوجد أحد تشمل‌ رحمته‌ كل‌ شي‌ء غير الله‌؛ فكما أن‌ “الله” لا يثنی‌ ولا يجمع‌، فكذلك‌ “الرحمن” لا يثنی‌ ولا يجمع.
قال‌ القرطبي‌: معناه‌ ذو الرحمة‌ الذي‌ لا نظير به،‌ فلذلك‌ لا يثنی ولا يجمع،‌ كما يثنی‌ “الرحيم” ويجمع‌. (القرطبي ص 104)
والرحيم‌ يطلق‌ للمخلوق‌، كما ورد في‌ القرآن‌ الكريم‌ في‌ نعت‌ رسول‌ الله‌ صلی الله عليه وسلم، فقال‌: «بالمؤمنين‌ رئوف‌ٌ رحيم»‌.

مسئلة‌:
اتضح‌ مما قلنا أن‌ إطلاق بعض‌ الناس‌ كلمة‌ “الرحمن‌” على من‌ اسمه‌ عبدالرحمن‌ أو فضل‌ الرحمن‌ خطأ كبير، وإطلاق لا يجوز.

الحكمة‌:
ذكر في‌ البسملة‌ اسمان‌ أو صفتان‌ من‌ أسماء الله‌ الحسنی‌ وصفاته‌ العليا، وهما “الرحمن”‌ و”الرحيم”،‌ وكلاهما مشتقان ‌من‌ الرحمة،‌ ويدلّان‌ علی‌ كمال‌ الرحمة‌ وسعتها، وفي‌ هذا إشارة‌ إلی‌ أن‌ّ الله‌ سبحانه‌ وتعالی‌ إنما خلق‌ الكون‌ وخلق‌ السموات‌ والأرض‌ برحمته‌ وفضله‌ وهو غني‌ عنها، وما أكرهه‌ أحد علی‌ خلقها، وإنما اقتضت‌ رحمته‌ أن‌ يخلق‌ ويربّي‌ الخلق‌ كيف‌ يشاء.
ما نبوديم‌ وتقاضاي‌ ما نبود لطف‌ تو ناگفته‌ ما مي‌شنود.
(لم‌ نكن‌ موجودين‌ ولم‌ نطلب‌ شيئاً كأنك‌ قد سمعت‌ ما لم‌ نقله‌ ولم‌ نسأله)‌

تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مزيد من المقالات