اليوم :24 April 2024

الإمام المحدث ابن ماجة القزويني

الإمام المحدث ابن ماجة القزويني

Image
فلما برز الإسلام إلی حيز الوجود استطاع بحضارته الوافرة وتعاليمه الخالدة أن يفتح القلوب والعقول ويقضي علی المدنيات الزائفة والهجمية السائدة علی الشعوب والأمم، ومفزّق ملكف الأكاسرة ومعابد المجوس بيد المسلم العربي الذي كان يملك بجنبه الإيمان وبيمينه الحسام.
ولم يتقدم الزمن بعد حتی دخلت ايران في حظيرة الإسلام خاضعة لحضارته، متبعة لتعاليمه، حتی بلغ الأمر إلی أن قام المسلم الإيراني جنباً بجنب المسلم العربي في توسيع الحضارة الإسلامية ونشر مبادئ الإسلام إلی اقطار الأرض.

ناهيك أن تعرف أن الفارس يحتضن في حجرها لفيفاً كبيراً من افذاذ الرجال الذين خلقوا المآثر وخلّفوا ثروات قيمة في الفقه والحديث واللغة والطب وغيرها من العلوم الإسلامية بيد أن جهود الإيرانيين في حفظ الحديث النبوي ونشره ظلت راية ترفرف علی قمه مآثر عباقرة الفارس؛ حيث كان الواحد منهم يخرج في طلب الحديث ماشياً متحملاً وعثاء السفر المضني غير مدبر إلی أن يقضي نحبه عند محدث كبير يسمع منه الحديث.

وكان ابن ماجة المحدث الكبير هو الآخر من هؤلاء العباقرة الذين سجل تاريخ ايران مآثرهم في طي سجلاته النيرة.
ونقدم إلی القراء الكرام ملامح من حياته المباركة، وقبل ذلك نلقي ضوءً علی تاريخ مدينة قزوين.

تاريخ بناء مدينة قزوين:

ذكر حمد الله المستوفي في كتابه « تاريخ گزيده » أنه بعث أحد من الأكاسرة جيشاً إلی ديلمان، فلما وصل الجيش إلی منطقة قزوين، تنظم الصفوف استعداداً للاقتحام، غير أن قائد الجيش شاهد في الصفوف عوجاً فأمر أحد جنوده وهو يرطن بالفارسية قائلاً: « آن كش ( كژ) وين » يعني انظر إلی ذلك العوج وقومه.

وبعد ذلك اشتهر تلك المنطقة بـ « كش وين او كژوين »؛ ولما جاء العرب عرّبوه بـ « قزوين»؛ وتطلق قزوين حالياً علی منطقة وسيعة علی سفوح جبال البرز الواقعة بين طهران ورشت وآذربايجان وكردستان.

قزوين بعد بزوغ فجر الإسلام:

فتحت قزوين في عهد خلافة سيدنا عثمان رضي الله عنه حيث ولي « براء بن عازب » العام 24 هـ علی مدينة « ري » فدخل براء بن عازب في مدينة ( أبهر ) فاتحاً، ثم دخل في قزوين فطلب الناس منه الأمن والسلام، فعرض عليهم ما عرض علی أبهر فقبلوا سوی الجزية، لكن أخيراً آل بهم الأمر إلی أن اعتنقوا الإسلام مخافة الجزية.

 ولّی عليهم براء خمس مائة نسمة من المسلمين حيث كان فيهم طليحة بن خويلدي وميسرة العائدي وجماعة من بني تغلب؛ وبالجملة كانت قزوين عبر التاريخ ملف أنظار الملوك حيث يقول محمد بن هارون الإصفهاني: إنه مرّ هارون الرشيد في سفر له من همذان ، فواجهه جماعة من القزوينين، يطالبونه بأن يخفف في العشر فوافقهم علی ذلك وبنی مسجداً جامعاً وأنفق مالاً باهظاً لصالح مدينة قزوين.

عباقرة قزوين:

اشتهرت مدينة قزوين في فن الحديث منذ القرن الثالث الهجري، وكان يعيش فيها كثير من المحدثين؛ لذلك سموا هذه المدينة بـ « باب الجنة ».

وأما الذين عاشوا فيها:

الأول : محمد بن سعيد بن سابق ابو عبدالله الرازي المتوفی 120 هـ

الثاني : الحافظ علي بن محمد بن ابي الحسن الطنافسي المتوفی 233 هـ

الثالث : عمور بن رافع ابي حجر البجلي المتوفی 237 هـ

الرابع : اسماعيل بن توبه ابو سليمان القزويني الحنفي المتوفی 247 هـ

الخامس : الإمام المحدث ابن ماجة – رحمهم الله –

وهناك كثير من المحدثين والفقهاء الذين عاشوا في قزوين ونيّروا بأسمائهم صفحات مجيدة من تاريخ فارس.

نسبه الشريف وطلبه للعلم:

هو أبو عبدالله محمد بن يزيد بن ماجة الربعي بالولاء القزويني الحافظ المشهور. أبصر النور العام 209 هجري في مدينة قزوين كما جاء في تذهيب الكمال، و ورد في الوافي بالوفيات أن « ماجة » كانت لقب والد محمد بن يزيد القزويني.

وذكر زبيري في تاج العروس أن « ماجة » كانت اسمه.

ارتحل لسماع الحديث إلی العراق والحجاز ومصر والشام والبصرة وغيرها من البلاد.

 جاء في تذكرة الحفاظ: إبن ماجة ثقة، متفق عليه، محتج به، له معرفة وحفظ وارتحال إلی العراق ومكة والشام ومصر – وقلت سنن ابي عبدالله كتاب حسن.

ويقول مؤلف حبيب السير فيه: حصل لأبي عبدالله محمد بن يزيد القزويني استماع الأحاديث الثلاثية.

توفي يوم الأثنين ودفن يوم الثلثاء عام 273 من الهجرة النبوية الشريفة، وكان عمره الشريف 64 سنة.

صلی عيله أخوه أبوبكر، وتولی دفنه أخوه ابوبكر وعبدالله وإبنه عبدالله ( كما جاء في وفيات الأعيان ).

شيوخه:

سمع بدمشق عن هشام بن عمار، عباس بن وليد خلال، عبدالله بن أحمد بر بشر بن زكوان، محمد بن خالد.
 سمع بمصرعن ابي طاهر بن سرح، محمد بن زويح ويونس بن عبدالأعلی.

سمع بحمس عن محمد بن مصطفی وهشام بن عبدالملك اليزني.

سمع بالعراق عن أبي بكر بن أبي شيبة، أحمد بن عبده، اسماعيل بن ابي موسی الفزاري، وغيرهم.

تلاميذه:

علي بن ابراهيم قطان، ابو طيب بن روح البغدادي، محمد بن عيسی الابهري وسليمان بن يزيد القزويني.

مآثره العلمية:

1- كتاب السنن وهو سادس الصحاح الستة، ويقول ابن ماجة: عرضت هذه السنن علی ابي زرعة فنظر فيه فقال: « أظن إن وقع هذا في أيدي الناس تعطلت هذه الجوامع أو أكثرها ( وفيات الأعيان ).

2- تفسير القرآن الكريم الذي اشتهر بتفسير إبن ماجة.

3- تاريخ ابن ماجة ، الذي يتناول من خلاله عصر الصحابة إلی عصره.

4- تاريخ القزوين.

مذهب الإمام ابن ماجة الفقهي:

لقد ذهب العلماء في بيان مذهبه الفقهي إلی آراء مختلفة؛ لذلك أذكر آراء العلماء المشهورين:

1- يقول المحدث شاه ولي الله الدهلوي: كان المذهب الحنبلي عند ابن ماجة راجحاً وهو يميل إليه.

2- يقول العلامة المحدث السيد أنور شاه الكشميري: علی الظن الغالب كان ابن ماجة شافعي المذهب.

3- يقول ظاهر الجزائري رحمه الله: إن ابن ماجة لم يكن يقلد العلماء المجتهدين بل كان يميل إلی قول أئمة الحديث كالشافعي وأحمد وإسحاق وأبي عبيدة.

الشروح والتعليقات علی سنن أبن ماجة:

1- شرح سنن إبن ماجة لحافظ علاء الدين المغلطائي الحنفي المتوفی 762 هـ

2- شرح سنن إبن ماجة للعلامة ابن رجب الزبيري.

3- ما تمس إليه الحاجة علی سنن ابن ماجة للشيخ سراج عمر بن علي الملقن المتوفی 804 هـ

4- الديباجة شرح سنن إبن ماجة للشيخ كمال محمد بن موسی الدميري المتوفی 808 هـ

5- شرح سنن إبن ماجة لحافظ برهان ابراهيم بن محمد المعروف بسبط ابن العجمي المتوفی841 هـ

6- مصباح الزجاجة للعلامة السيوطي لمتوفی 911 هـ

7- شرح سنن إبن ماجة لشيخ أبي الحسن محمد بن عبدالهادي السندي الحنفي المتوفي 1138 هـ

8- إنجاح الحاجة بشرح سنن إبن ماجة للشيخ عبدالغني المجددي الدهلوي المتوفي 1295 هـ

9- حاشية علی سنن إبن ماجه للشيخ فخر الحسن الكنكوهي.

10-  مفتاح الحاجة للشيخ محمد العلوي.

 

 

تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مزيد من المقالات