أشار فضيلة الشيخ عبد الحميد، إمام وخطيب أهل السنة في مدينة زاهدان، في خطبة الجمعة (16 ربيع الأول 1446) إلى “الرحمة والشفقة” و”إقامة العدل”، كأهم صفات النبي الكريم صلى الله عليه وسلم في جميع المجالات، ومنها الحكم والسياسة، وأكد على ضرورة اتباع هديه المبارك الذي أوصى به النبي صلى الله عليه وسلم وشدد عليه.
النبي محمد ﷺ قام بتربية الإنسان
وتطرق فضيلة الشيخ عبد الحميد بمناسبة شهر ربيع الأول ومولد الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم إلى سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم، وتابع قائلا: إن النبي الكريم صلى الله عليه وسلم ربّى الذين كانوا في الشرك والوثنية والتكبر، وكوّن منهم رجالا كاملين. لقد علم النبي الكريم ﷺ البشرية درس الإنسانية والحرية والعقيدة والسلوك والأخلاق، والذين تربوا في مدرسة النبي صلى الله عليه وسلم تحولوا إلى رجال كاملين مثاليين.
وأضاف فضيلته: في العصر الحاضر الذي يدّعي الإنسان المعرفة والحكمة في مختلف مجالات الصناعة والتكنولوجيا، فهل استطاع أن يكوّن أناسا مثاليين؟ إلى أي مدى تمكنا من تدريب الرجال الكاملين في مراكزنا الأكاديمية والعلمية، الذين يمكنهم تعليم الأخلاق والحرية والتحرر للإنسانية، ويكونوا عاملين أيضا بها؟
كان رسول الله ﷺ معلم الأخلاق وأسوة الشفقة والرحمة
واعتبر خطيب أهل السنة في زاهدان “الشفقة والرحمة” من أبرز صفات النبي الكريم صلى الله عليه وسلم، وتابع قائلا: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم معلما للأخلاق، ولقد علم الرحمة والرأفة لمن رباهم، ونصحهم بعدم الاعتداء على النساء والأطفال والشيوخ في الحروب، وعدم تدمير دور عبادة الأمم والديانات.
واستطرد فضيلته قائلا: اليوم كثر القتل وسفك الدماء في العالم، ويقتل الأبرياء بكثرة، إن مشاهد غزة والحرب في أوكرانيا وروسيا هي أمثلة تظهر أن الإنسان يستخدم القنابل والأسلحة التدميرية دون أي خوف، وأن أغلب ضحايا هذه القنابل والأسلحة، هم النساء والأطفال والشيوخ والمدنيين الأبرياء والعزل. إن الإنسانية تشعر بالخجل برؤية هذه الأحداث والمشاهد التي تشاهد في العالم المعاصر.
كان النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه يحسنون معاملة الأسرى ولم يعذبوا أو يؤذوا أحداً
وأشار خطيب أهل السنة في زاهدان إلى معاملة رسول الله صلى الله عليه وسلم مع الأسرى، قائلا: أسر في غزوة بدر سبعون رجلاً من المشركين. لم يكن للنبي الكريم صلى الله عليه وسلم سجن ولا مكان لاحتجاز الأسرى، فقسّم الأسرى على الصحابة ليأخذوهم إلى بيوتهم، وكان الصحابة يطعمون الأسرى مما يأكلون، وفيما يتعلق بمصير أسرى بدر، فقد كانت هناك رؤيتان بين المسلمين؛ ذهب فريق إلى أن هؤلاء الأسرى يجب قتلهم لأنهم سيكونون في المستقبل مرة أخرى في صفوف العدو، ويقاتلون ضد المسلمين، لكن رأي النبي صلى الله عليه وسلم وجماعة أخرى من الصحابة العفو، وأن يتم إطلاق سراحهم على أمل أن يصبحوا مسلمين وتنتهي العداوة مع الله ودين الإسلام وينفعوا الآخرين.
وأشار فضيلته إلى نموذج من المعاملة الحسنة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وتابع قائلا: أسر الصحابة في إحدى المعارك ثمامة، رئيس إحدى القبائل، فربطوه بسارية من سواري المسجد ، فخرج إليه النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فقال: ما عندك يا ثمامة؟ ، فقال: عندي خير يا محمد! إن تقتلني تقتل ذا دم، وإن تنعم تنعم على شاكر، فأطلق رسول الله سراحه، وأسلم ثمامة، وكان سبباً في إسلام كثير من الناس.
وأضاف فضيلة الشيخ عبد الحميد قائلا: لا مكان للإعدام في سيرة الرسول الكريم وشخصيته؛ لقد تحمل النبي ﷺ المنافقين الذين اقترح بعض الصحابة قتلهم، ولم يقبل هذا الاقتراح، وقال: حتى لا يتحدث الناس أن محمدا يقتل أصحابه، ولم يقتل النبي صلى الله عليه وسلم نفسا إلا في حد أو قصاص، وهكذا كان الصحابة والخلفاء يحسنون التعامل مع الأسرى ولا يعذبونهم.
الإسلام دين الأخلاق والسلوك والرحمة والمغفرة
وتابع فضيلة الشيخ عبد الحميد قائلا: الإسلام دين الأخلاق والسلوك والرحمة والمغفرة، وانتشر الإسلام في عهد النبي وأصحابه بالأخلاق. الإسلام دين يصلح علاقة المخلوق بالخالق، وينقذه من التعلق بالنفس والأشياء المادية، ويزينه بالتقوى. إن الرسول الكريم والخلفاء الراشدين لم يجمعوا لأنفسهم أموال الدنيا، بل أطعموا الآخرين، وتحملوا الجوع والمشقة بأنفسهم.
وتابع فضيلته قائلا: في عهد الرسول الكريم ﷺ كان هناك سلام وعدل، ولم يكن أحد يشعر بالقلق من انتهاك حقوقه. ولقد وضع النبي ﷺ حداً للتمييز الذي كان موجوداً منذ زمن الجاهلية، وببعثة الرسول الكريم ﷺ انتهى الظلم والقسوة، وجاء العدل والإنصاف، وفي ظل عدل النبي صلى الله عليه وسلم وإنصافه، نال الجميع السلام.
لا ينبغي أن يكون الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مسيئا / أي سلوك يسبب كراهية الناس من الدين فهو حرام
وأضاف خطيب أهل السنة قائلا: لم يكن في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ضيق ولا تشدد، ولم يكن الأمر أنه إذا ارتكب أحد معصية، يتعرض لمعاملة قاسية تشوه سمعته، لكن المؤسف أن البعض يبلغون الدين بطريقة ينتشر المنكر والفساد في المجتمع، وتروج كراهية الناس من الدين بدلاً من المعروف. أي دعوة أو تبليغ أو أمر بالمعروف أو نهي عن المنكر، أو أي موقف يسبب كراهية الناس من الدين، فهو حرام، فهذا النوع من الدعوة ليس إصلاحا بل فساد، يقول الله تعالى: “ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة”.
وأكد فضيلته قائلا: لا ينبغي أن يكون الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مع الإساءة، بل يجب أن يكون برحمة ولطف وحكمة حتى يشعر الطرف الآخر أن هذه الدعوة من باب الخير.
إقامة العدل أفضل وسيلة لحل المشكلات
واستطرد فضيلة الشيخ عبد الحميد مؤكدا على ضرورة الاقتداء بالنبي الكريم والخلفاء الراشدين في كلّ المجالات، وتابع قائلا: لقد أخذنا دين الإسلام عن النبي الكريم ﷺ والخلفاء الراشدين، وإن اتباع سيرة الرسول الكريم ﷺ ليس فقط في أداء سنن الصلاة والحج والصيام وغيرها، بل في التعامل والصبر والتحمل، وفي منهج الرسول الكريم ﷺ والخلفاء الراشدين في الحكم، فكل هذا أيضًا جزء من أسلوب سيرته ﷺ الذي يجب اتباعه.
وشدد فضيلته على إقامة العدل، وتابع قائلا: أفضل طريقة لحل المشكلات والقضاء على عدم المساواة هو نشر العدل، وإن تطبيق العدل واستخدام الحكمة والتخطيط يمكن أن ينهي جميع مشكلات العالم، ولا ينبغي استخدام العنف والشدة لحل أي مشكلة، بل ينبغي علاج المشكلات وحلها بالحكمة والدواء.
وأضاف خطيب أهل السنة في زاهدان قائلا: الأهم هو خدمة الشعب وكسب قلوبهم، وهذا يتحقق بالأخلاق والصبر والعفو وإقامة العدل والإنصاف واحترام الشعب ومنحه الحرية.
عمليات الإعدام تؤذي الشعب
وانتقد فضيلة الشيخ عبد الحميد تزايد عمليات الإعدام في البلاد، وتابع قائلا: عمليات الإعدام في البلاد تزعج الشعب، وإذا كان الإعدام من أجل القصاص وتطبيق الحدود فهذا شيء آخر، لكن الإعدام في قضايا أخرى مثل السياسة والمخدرات وغيرها ليس مناسبا، ونتيجة لهذه الإعدامات تأيمت العديد من النساء، وأيتمت الكثير من الأبناء، كما توالت دعايات ضد بلدنا.
لا ينبغي تسييس القضايا الدينية
وأضاف فضيلة الشيخ عبد الحميد قائلا: نصيحتنا للسلطات هي عدم تسييس القضايا الدينية، فعندما تصبح القضايا الدينية سياسية يصبح الأمر معقدا، فالقضايا الدينية یتم التعامل معها بالحكمة والبصيرة، فإذا استُخدمت في قضية الحجاب بدلاً من الشتائم والاعتداءات الجسدية، الحكمة ونشر العدالة، ومعالجة المشكلات الاقتصادية والتمييز، ومحاربة الفساد المالي والرشوة، وتقصير الأيدي التي استهدفت ثروات الوطن، ستحل المشكلات وسيتجه المجتمع نحو الأخوة.
وأضاف فضيلته قائلا: جرّبوا الرحمة واللين والاستماع إلى كلام الشعب والاهتمام بمطالبهم، وتأكدوا أن هذه الطريقة ستنجح، ونحن ندعو من أجل المسؤولين الذين يحاولون القضاء على التمييز ونشر العدل.
ندين التفجيرات التي شهدها لبنان
وأشار فضيلة الشيخ عبد الحميد في الجزء الأخير من كلمته في الخطبة، إلى استمرار الجرائم الإسرائيلية في غزة، وتابع قائلا: تجاوز شهداء غزة 41 ألف شهيد. لماذا لا يترحم العالم على هؤلاء؟! أين القادة الأمريكيون والأوروبيون والساسة الغربيون؟ لماذا لا يحلون القضية الفلسطينية حتى يتمكن الفلسطينيون من تحقيق استقلالهم وتنتهي القضية؟ إلى أي مدى تترك أيدي إسرائيل مفتوحة؟! لا بد من إيقاف الظالمين والمعتدين.
وأشار فضيلة الشيخ أيضا إلى تفجير أجهزة الاتصالات في لبنان وقال: إن الحادث الأخير في لبنان وتفجير أجهزة الاتصالات الذي أدى إلى مقتل وتشويه الكثير من المواطنين، حادث مأساوي ندينه، ورغم أن إسرائيل لم تعلن ما إذا كانت وراء هذه العملية أم لا، إلا أن الجميع يعلم وأصابع الاتهام موجهة نحو إسرائيل.
وتابع فضيلته: على المجتمع الدولي ومنظمات حقوق الإنسان وكل من يفكر في الإنسانية أن يوقف القمع، وأن يحل القضية الفلسطينية بطريقة عادلة، ومن لا يقبل التسوية العادلة يجب جرّه إلى المحكمة، وإجباره على قبولها.
وتابع خطيب أهل السنة قائلا: إن الأجيال القادمة سوف تلوم الأمريكيين، والأوروبيين، والمنظمات الدولية، وقادة البلاد الإسلامية الذين يقدرون على حل هذه القضية ولا يبادرون إليها.
تعليقات