أشار فضيلة الشيخ عبد الحميد إمام وخطيب أهل السنة في مدينة زاهدان، في خطبة الجمعة (13 ربيع الأول 1445) إلى ذكرى جريمة “الجمعة الدامية في زاهدان” التي وقعت في 30 سبتمر من العام الماضي، على أن عوائل الشهداء والجرحى وعامة الشعب لا يزالون يطالبون بـ”المعاقبة الشرعية والقانونية” لمرتكبي هذه الجريمة.
الشعب لا يحتجون من أجل الأجانب / لقد ألقى الفقر والبؤس بظلاله على البلاد
أضاف فضيلة الشيخ عبد الحميد قائلا: يُواجه الشعب الإيراني مشكلات حقيقية؛ لقد تحمّل هؤلاء الشعب المشكلات والمصاعب لمدة 44 عامًا، لكنهم اليوم يرفعون أصواتهم ويحتجون. هؤلاء الشعب لا يحتجون من أجل أي حكومة أو بلد آخر، ولا يقومون بهذه الاحتجاجات أبدًا للأجانب، بل المشكلات جعلت الشعب الإيراني في ضغوط.
وتابع فضيلته قائلا: المشكلات الاقتصادية والمعيشية شائعة بين الشعب الإيراني، وجميع الشعب يعانون من هذه المشكلة، لأنّ رواتبهم لا تكفي لحاجات عيشهم، وهم يخجلون أمام أهلهم وأولادهم ولا يستطيعون تلبية مطالبهم، وفي هذه الأيام، عندما أعيد فتح المدارس والجامعات، لا يستطيع الكثيرون شراء الأشياء التي يحتاجها أطفالهم ولا إعداد الزي المدرسي لهم، ولا يملك الكثيرون القدرة على شراء الطعام لأطفالهم، والعديد من الشركات والتجار مدينون أو لا يستطيعون تحصيل طلباتهم من الناس.
وأكد خطيب أهل السنة في زاهدان قائلا: الفقر والمعاناة ألقت بظلالها على كافة شرائح المجتمع؛ الموظفون ورجال الأعمال وأصحاب الصناعات والإنتاج كلهم يواجهون مشكلات ولا يعرفون ماذا يفعلون؟ لقد فقدت العملة قيمتها ولم يعد يسدّ الحاجة. في الماضي، كانت عشرة ملايين تومان تعادل عشرة آلاف دولار وحتى أقل من ذلك، وحتى ثلاثمائة ألف تومان كانت تساوي ألف دولار، ولكن اليوم تساوي عشرة ملايين تومان مائتي دولار. أي عامل يمكنه العيش؟ عندما يأتي بعض أهل القرى ويصفون حالهم، نكاد نبكي من سوء أوضاعهم؛ لقد أصاب الجفاف الماشية والزراعة ولم يعد لديهم ما يفعلونه. فمن أين يأكلون؟ لماذا لا تفكر السلطات في هذا المجال بجدية؟ لقد أطلق المسؤولون وعوداً، لكن حتى الآن لم تأت هذه الوعود بأي نتيجة.
انتشر “الفساد” و”التمييز” في البلاد / يبحث العديد من المديرين عن المصالح الشخصية بدلاً من مصالح الشعب
وأشار فضيلة الشيخ عبد الحميد كذلك إلى “الفساد” و”التمييز” باعتبارهما مشكلتين أساسيتين في البلاد، وقال: الشكاوى والاحتجاجات العامّة مرتبطة بالظلم والفساد، ومن المؤسف أن الفساد قد تسلل إلى هيئة إدارات البلاد، وتمكّن فيها. لا أقول الجميع، لكن الكثير من الموظفين والمديرين يبحثون عن المصالح الشخصية بدلاً من مصالح الشعب. هناك تمييز وعدم مساواة في جميع أنحاء البلاد، وهذا التمييز شديد للغاية في المناطق القومية والمذهبية؛ يعاني سكان هذه المنطقة من التمييز وعدم المساواة منذ أربعة وأربعين عامًا. إنّ تواجد أهل السنة والبلوش في دوائر مركز المحافظة ضئيل للغاية، ولا توجد عدالة في التوظيف، ونحن نحتج على هذه القضية منذ عدة عقود، وقد طرحت هذه القضايا في خطب الجمعة ومن قبل النواب، وعرضت على الرؤساء والحكومات، لكنها لم تؤدي إلى نتائج مطلوبة.
وأضاف قائلا: التمييز موجود حتى بين الشيعة، فهناك أشخاص ذوو كفاءة وقادرون في الشيعة، فإذا كان هؤلاء الأشخاص في المناصب ستقلّ المشكلات، لكن للأسف لا يتم استخدام سوى طيف معين، والاختيارات تستبعد الأشخاص الذين يقل فيهم التديّن أو هم ذوو التفكير الحرّ، ولذلك فإن التمييز مشكلة تعاني منها البلاد بأكملها. لقد هاجر العديد من الأشخاص المستحقين من البلاد، وبقي العديد منهم في منازلهم وتمّ رفض العديد منهم بسبب التمييز العرقي والديني والقيود الأخرى، وصاروا الآن كبارا في السنّ وقد فقدوا الفرصة لخدمة المجتمع.
أعطوا الشعب الحريات القانونية والمشروعة / تغيير السياسات الداخلية والخارجيّة مطلب وطني
وأشار خطيبُ أهل السنة إلى قضية “حرية التعبير” قائلا: امنحوا للشعب الحريات القانونية والمشروعة الموجودة في العالم؛ يجب أن تكون هناك حرية التعبير والقلم، والحرية السياسية والأحزاب، حتى يتمكن الناس من الكتابة والتحدّث والنقد، وللأسف تعطلت الحريات. أذكر أنه تمّت الموافقة على برنامج اقتصادي، وانتقد أحد الخبراء هذا القرار، ولم يُمنح هذا الشخص مهلة وتمّ اعتقاله، وتبيّن لاحقاً أن الخطة الاقتصادية كانت خاطئة. إذا لم يكن هناك انتقاد في المجتمع، فإن هذا المجتمع سوف يتوقف عن النمو ويصل إلى البؤس، والانتقاد لا ينبغي أن يكون بقصد التدمير، بل يجب أن يكون بقصد الإصلاح وبما يتوافق مع تطلعات الشعب ومطالبهم الوطنية.
وأشار فضيلته قائلا: يعاني اليوم كلّ الشعب الإيراني من المشكلات، وما لم يتمّ التعامل مع هذه المشكلات، وما لم تجلسوا مع النخب والأشخاص القادرين والسياسيين الناقدين في المجتمع ولم تستمعوا إليهم، ولا تفكروا في حل مشكلات البلاد والعباد، فهذه القلاقل والمخاوف ستظلّ موجودة. ما دام هناك ألم فكيف يمكنك إيقاف الأنين؟ يجب علاج الألم بالأدوية.
واستطرد قائلا: يقول الشعب إنّ السياسات الماضية لم تنجح، ويطالب الشعب بتغيير هذه السياسات، إذ جرت العادة في جميع أنحاء العالم أنه عندما لا تنجح سياسة وقانون يقومون بتغييره، ولكن ولسوء الحظ لم يهتم بهذا الجانب في بلادنا إلا قليلا، لذلك لا بد من تغيير السياسات الداخلية والخارجية، فما لم يتم تصحيح هذه السياسات والقوانين التي تسببت في المشكلات، فمن الصعب جداً إزالتها.
جريمة الجمعة الدامية كانت غير متوقعة وهي من نتائج التمييز / يتعرض قضاة قضايا الجمعة الدامية لضغوط من جهات مختلفة
وفي جزء آخر من كلمته في زاهدان، أشار فضيلة الشيخ عبد الحميد إلى ذكرى جريمة الجمعة الدامية في زاهدان قائلا: إن ما حدث هنا في السنة الماضية في مثل هذا اليوم كان حادثا مريراً لشعبنا وللشعب الإيراني ولجميع أحرار العالم، ومثل هذا الحادث بهذه الكمية من القتلى والجرحى لم تحدث في أي مكان في العالم، حيث استشهد قرابة مائة شخص، وجرح ما يقرب من ثلاثمائة شخص، ومن بين الجرحى بعضهم فقدوا أعينهم والبعض أصبحوا معاقين.
وتابع فضيلته قائلا: لم يكن أحد يتوقع حدوث مثل هذه الحادثة، وفي مصلى هذه المدينة، حيث كان يتم فيه نقاش الانتخابات دائما من هنا، وكان المسؤولون يأتون إلى ويلقون الخطب هنا، لطالما ذكر الحديث عن الوحدة هنا، وكان من المراكز التي دعت إلى الوحدة، وكان لهذا المركز تأثير في أمن البلاد، وتحرك دائما على طريق الاعتدال ووقف في وجه المتطرفين.
وأوضح خطيب أهل السنة في زاهدان قائلا: لقد طالب الشعب طوال هذه السنة بمعاقبة من ارتكبوا هذه الجريمة وفقا للشريعة الإسلامية، وليس لدى الشعب رغبة ظالمة. يقول الشعب: الواجب في الجمهورية الإسلامية، أن من ارتكب الجريمة، أن يعاقب وفق أحكام الإسلام وقوانينه.
وأضاف: يجب أن أشكر هؤلاء الذين صبروا واقتنعوا بأن الموضوع يجب أن يتابع من الطرق القانونية. رفع العديد من أهالي الشهداء والمصابين بناء على إصرارنا ومتابعة بعض المسؤولين، هذه القضية إلى المحاكم، والبعض قالوا إن القانون لن يعاقب المجرمين ولن يصدر أي عقاب، لذلك لم يأتوا ولم يشكلوا ملفات.
وأشار فضيلة الشيخ عبد الحميد قائلا: رغم أننا نعرف القضاة المسؤولين عن التعامل مع هذه القضايا، إلا أنه سبق أن قلت إنه للأسف في بلادنا لا يتمتع القضاة بالاستقلالية اللازمة، ونحن اطلعنا من خلال المحامين الذين اخترناهم أو من خلال أهالي الشهداء الذين يترددون إلى المحكمة ومن خلال ما تسربت من كلمات القضاة، أن قضاة قضايا الجمعة الدامية يتعرضون لضغوط من جهات مختلفة، ولذلك ليس لدينا أمل كبير في أن يتمكن هؤلاء القضاة من إصدار حكم.
وأكد فضيلته قائلا: مطلبنا ومطلب الشعب كله أن ينال مرتكبو هذه الجريمة عقابهم وفق الشريعة الإسلامية، ونحن نكتفي بهذا، وهذه ليست مبالغة. نحن لا نطلب الزيادة. ونحن كأشخاص مطلعين على القضايا والأحكام الإسلامية نعتقد أن هذه الجريمة لها قصاص، وإذا أقنعنا أحد بالعقل والدليل أن هذه الجريمة لا قصاص لها، سنقتنع.
واستطرد فضيلته قائلا: لقد قال البعض: إننا سنعطي فدية للمصالحة، وقد سبق أن قلنا إن أولياء الدم غير راضين بالفدية، واليوم يتواجد جرحى وأسر شهداء الجمعة الدامية في المصلى ويقولون: إنه رغم أن الكثير منّا يحتاج إلى المال، إلا أن قلوبنا لا ترتاح بقبول الفدية.
وتابع: أود أن أشكر كل الشعب الإيراني وكذلك الإيرانيين الموجودين في الخارج حيث تعاطفوا معنا ومع شعبنا بعد الجمعة الدامية وتفهموا المشكلات الموجودة هنا. لقد عانى شعب هذه المنطقة اضطهادا شديدة، والعديد من مواطنينا لا يعانون من هذا الاضطهاد وربما لا يفهمون هذا الاضطهاد، والمجزرة التي وقعت في زاهدان هي أيضاً من آثار التمييز، والتمييز يترك آثاره في الفروع المختلفة من الحياة.
وخاطب فضيلة الشيخ عبد الحميد مسؤولي البلاد، قائلا: إذا استطعتم تلبية المطالب الوطنية وحل مشكلات الشعب الإيراني، فنحن مستعدون لنطالب من الجرحى وعوائل الشهداء أن يتنازلوا عن حقهم. قد لا يكون أهالي هذه المنطقة متعلمين، لكن لديهم الذكاء والقدرة على تحليل القضايا، وأنا متأكّد من أن سكان هذه المنطقة لديهم من الرجولة أن يتنازلوا عن حقهم إذا قمتم بحل مشكلات الشعب الإيراني بأكملها.
وأضاف فضيلته قائلا: يجب عليكم أن تجلسوا مع الشعب الإيراني وتقوموا من خلال التفاوض والحوار بحلّ مشكلات الشعب التي هي في الحقيقة مشكلاتكم، وأطلقوا سراح النساء والرجال السياسيين الذين يعيشون في السجون أو في الإقامة الجبرية في منازلهم، واستمعوا إلى آرائهم.
وتابع خطيب أهل السنة في زاهدان قائلا: إذا قمتم بحل مشكلات البلاد سنطلب من الشعب الإيراني بأكمله أن يتجاوز عن حقوقه في الدماء، وستتم المصالحة الوطنية والوحدة الوطنية. الوحدة ليست وحدة مجموعة بأن يجتمع مجموعة من الناس في مكان ويتحدثوا عن الوحدة، هذه ليست وحدة، مع من تتحدون؟! الشعب الإيراني شعب مثقف، ونحن نشعر بأنه لو استمع إلى كلمات ومطالب هذا الشعب وتحققت مرضاتهم، فإن ذلك يمكن أن يؤدي إلى مصالحة وطنية كبيرة في البلاد.
أرفض العنف والاقتتال دائما
وقال فضيلة الشيخ عبد الحميد: إذا لم تتحقق معالجة مشكلات الشعب الإيراني برمّته، فإننا وشعبنا سنصبر حتى يتم تحقيق إسلامي، ونحن راضون بكل حق أعطته لنا الشريعة الإسلامية والقرآن.
وتابع فضيلته قائلا: ما أجدد عليه التأكيد هو الحفاظ على سيادة أراضي البلاد، نحن نحبّ بلدنا ومواطنينا ولا نرضى أبدًا بالعنف وأن يقتل الشعب الإيراني بعضه بعضا. أريد أن أقول بوضوح إنني لست راضيا بالحرب والعنف والاقتتال بين أبناء الوطن الواحد والفتنة، ولكن أؤكد على المساعي والجهود المدنية التي لها شرعية قانونية في العالم كله وكذلك في إيران.
وفي ختام كلمته قال خطيب أهل السنة في زاهدان: إن خطابنا لكبار المسؤولين في البلاد هو أن يفكروا في قضية زاهدان وغيرها من قضايا البلاد. نحن لسنا أعداءكم، ولكننا محسنون للجميع ونتعاطف مع الجميع، ولا تتجاهلوا الخلاف الذي نشأ في البلاد بربطه بهذا البلد وذاك البلد الأجنبي. نطالبكم بأن تجلسوا مع المنتقدين وتحلوا المشكلات وتتعاملوا مع مطالب الشعب حتى يتم حل المشكلات بالأمن والسلامة والمحبة ويتمكن شعب إيران، وهو شعب عظيم، من العيش معًا دون قلق.
تعليقات