أشار فضيلة الشيخ عبد الحميد، إمام وخطيب أهل السنة في مدينة زاهدان، في خطبة الجمعة (6 ربيع الأول 1445) إلى الجهود الأخيرة التي بذلها بعض المسؤولين من أجل إنهاء قضية الجمعة الدامية في زاهدان، مؤكدا على أنه لا بد لحل هذه القضية من الإتيان من أبوابها.
لم يكن النبي الكريم صلى الله عليه وسلم يفكّر في راحته وراحة أهله، بل كان يفكر في مصلحة الشعب
وأشار فضيلة الشيخ عبد الحميد في بداية خطبته إلى سيرة الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، والثورة التي أحدثته رسالته للعالم، وأضاف قائلا: لم يكن هناك عدل ولا إنصاف ولا احترام للحقوق قبل بعثة خاتم النبيين. لقد أرسل الله تعالى خاتم أنبيائه بصدر واسع وقلب منشرح حتى يتمكن من هداية أمم انحطت في العقيدة والأخلاق. فمن ناحية كان نزول القرآن الكريم، ومن ناحية أخرى كان التخطيط الحكيم وأساليب الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم سبباً في أكبر التطورات في مكة والحجاز والجزيرة العربية في أقصر وقت ممكن.
وأشار خطيب أهل السنة في زاهدان قائلا: أهم أسرار النجاح في تعليم المجتمع والأمة، بالإضافة إلى الجهد الكبير الذي بذله الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، يكمن في أن الرسول الكريم كان يبدأ بالعمل من نفسه، وكان كل خططه وتوجيهاته وأوامره مدعومة برصيد عملي. لم يخصص النبي صلى الله عليه وسلم لنفسه أي ميزات، وكان الصحابة إذا ربطوا حجراً على بطونهم من الجوع ربط النبي صلى الله عليه وسلم حجرين على بطنه. إذا لم يكن لدى الصحابة خبز يوم أو يومين، فإن الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم لم يكن لديه خبز من ثلاثة أيام أو أكثر، وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أوصى الصحابة رضي الله عنهم بصلاة الليل كان يقوم بنفسه الليل حتى تورمت قدماه المباركتان.
وأضاف: لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم يفكر في أن تكون حياته وحياة أولاده أكثر راحة ورفاهية من غيرهم. ولو كان النبي صلى الله عليه وسلم يفكر في راحة أولاده، على حساب جوع الشعب، لما حقق هذا النجاح العظيم. لقد تحمل النبي صلى الله عليه وسلم وأهل بيته المشاق والمشكلات أكثر من غيرهم، وكانوا يفكرون دائما في تحسين حياة الآخرين، ولم يمض وقت طويل حتى أصبحت ثلث الأرض تحت راية التوحيد في عهد الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم وعهد الخلفاء الراشدين، وحدثت نهضة خارقة في العالم.
الرسول الكريم لم يعمل كمسيطر على الناس، ولم يكن هناك سجن في عهده
وأضاف فضيلة الشيخ عبد الحميد قائلا: إن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يكن يعمل كمسيطر على الناس، ولم ينزّل أحدا من مركبه، ولم يعتقل أحدًا لعدم امتثاله لله في تعليم، بل كان يطبق كل عمل بالتعليم والإرشاد، وإن كانت له نصيحة في الحجاب لم يوقف أحدا في الطريق، بل الناس كانوا يلتزمون بأنفسهم. وفيما يتعلق بالإيمان والتوحيد والصلاة وما إلى ذلك، فقد تصرف بنفس الطريقة. ولم يطبق إلا الحدود الشرعية، وهي حدود محددة في حالة اعترف بها الشخص نفسه. لم يكن هناك سجن في عهد النبي صلى الله عليه وسلم. ذات مرة أحضروا سجينًا وربطوه بعمود المسجد. فلما رآه سأله: قال: مَاذَا عِنْدَك فقال: عندي يا محمد خير، إِنْ تَقْتُلْ تَقْتُل ذَا دَمٍ، وَإِنْ تُنْعِمْ تُنْعِمْ عَلَى شَاكِر، فأمر النبي الكريم بإطلاق سراحه، فلما رأى ذلك الشخص هذا الخلق من النبي الكريم اعتنق الإسلام.
وأضاف فضيلته قائلا: كانت أخلاق النبي وسلوكه مؤثرا للغاية وأحدث تغييرات في العالم. لم يكن هناك أي ضعف في سيرة الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم وسلوكه، ولهذا يحبه جميع المسلمين إلى يومنا هذا. لقد علم الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم الإنسانية درس محبة الله ودرس الأخلاق والعدل والحرية والإنصاف، كما كان الخلفاء الراشدون والصحابة يديرون المجتمع على منهج النبي صلى الله عليه وسلم ويربون الناس عليه.
لو حفظت كرامة المرأة، لما كانت هناك حاجة لإصدار قوانين معقدة وصارمة لمراعاة الحجاب
وأضاف خطيبُ أهل السنّة في زاهدان: إن سيرة النبي الكريم صلى الله عليه وسلم هي خير مثال لكل من يريد إقامة نظام إسلامي أو حكومة إسلامية. إذا جاع الشعب ينبغي للحكام وأبنائهم أيضًا أن يجوعوا ويعتبروا أنفسهم أقل من الشعب، وأن يكون خطابهم للناس في العلانية نفس خطابهم في مجالسهم السرية، ويكونوا كما يتحدثون مع الشعب. ويتوقع الناس نفس الشيء من قادة العالم وجميع المسؤولين، حتى أولئك الذين لا يلتزمون بدين ولكنهم يديرون ويقودون بلدًا وشعبا، يتوقع الناس منهم أن يكونوا متساوين مع سائر المواطنين. والشعب لديهم نفس التوقعات أيضا من العلماء والشيوخ ومن لهم مكانة في المجتمع.
وتابع قائلا: بعد ثورة 1979 في إيران، كانت أمامنا فرصة عظيمة وكان من المنتظر أن يتم اتخاذ خطوات أساسية في تثقيف الشعب على منهج النبي الكريم صلى الله عليه وسلم وأصحابه وأهل بيته. لو أننا تصرفنا بهذه الطريقة ووقفنا إلى جانب الناس، وبنينا دنيا الشعب، وتحملنا المصاعب بأنفسنا، لكان الشعب اليوم معجبين بالحكومة، ولما كانت هناك حاجة لتطالب نساء المجتمع بالحجاب أو يوضع لهن قانون معقد وصعب للغاية، ويتم إقراره في البرلمان، وأن تتدخل الشرطة لتنفيذ الحجاب والقضايا الأخرى. لو احترمنا المرأة ووضعنا المرأة مكانها، ولو احترمنا الشباب وكان لدينا تخطيط سليم للشباب، لما كانت هناك حاجة لنزول الشباب إلى الشوارع والاحتجاجات.
وأّكّد خطيب أهل السنة في زاهدان قائلا: الحل الوحيد هو الحفاظ على كرامة المرأة والشباب، وأن ندرك الشباب بالعلم والمعرفة وتوفير المهن وفرص العمل لهم، وأن نخرجهم من حالة اليأس. فعندما يشعر الشباب بخيبة الأمل ولا يرون مستقبلاً مشرقاً لأنفسهم، فإنهم يثيرون المشكلات لأنفسهم وللآخرين. عندما تشعر المرأة بأنها لا تحظى بالاحترام والمكانة اللازمة في المجتمع، بالإضافة إلى النساء اللاتي لا يعتقدن بالحجاب، فإن المعتقدات بالحجاب يخلعن حجابهن أيضا.
الشريعة الإسلامية ليس فيها ضعف، بل الضعف يكون في سلوك الأفراد
وأبدى فضيلة الشيخ عبد الحميد أسفه على ظاهرة الإلحاد في المجتمع، وتابع قائلا: نأسف أن الإلحاد قد ازداد في المجتمع ويعتقد الكثيرون أن الوضع الحالي هو بسبب الضعف في الدين، وهذا خطأ كبير، فالضعف هو في الأفراد والأشخاص، والدين الإسلامي والشريعة والرسول الكريم مبرؤون من أي ضعف. المشكلات الحالية هي نتيجة سلوكيات وتصرفات غير صحيحة.
وتابع فضيلته قائلا: لكنا سعداء لو تمكنا من أن نظهر مثالا بين العالم ودول العالم وفي اجتماعات الأمم المتحدة. لكان مصدر فخر لنا أن يتلقى زعماء العالم رسالة أمة مثقفة، ولكن ذلك لم يحدث.
لا يمكن لأحد أن يفرق بين العلماء وشيوخ القبائل وأهالي هذه المنطقة / نحن نقف بجانب المظلومين
وفي جزء آخر من كلمته، أشار خطيب أهل السنة في زاهدان إلى بعض الجهود حول قضية الجمعة الدامية، وقال: في الآونة الأخيرة حدثت بعض التحركات والجهود وأرادوا حل قضية الجمعة الدامية ومشكلتها بطريقة ما. قد وضع الله تعالى بابا لحل كل قضية ومشكلة، وقد أوصى الله تعالى إذا أردت أن تدخل بيتا فادخل من بابه، ولا تدخل من النافذة؛ إذا دخلنا من الأبواب، يمكننا أن ننجح.
وأضاف قائلا: والحمد لله، العلماء وشيوخ القبائل في هذه المنطقة متحدون بعضهم مع البعض، ولا يستطيع أحد أن يفرق بين العلماء وغيرهم، أو بين العلماء وشيوخ القبائل، أو بين العلماء والشعب، ولذلك فمن الأفضل لمن يريد أن يفعل شيئاً أن يعلم أن أسلوب الحياة في هذه المحافظة (سيستان وبلوشستان)، هو بحيث لا ينفصل العلماء والشيوخ عن عامة الناس، بل هم أهل وأبناء نفس الشعب، والحمد لله، هنا وحدة وانسجام، وهذه رحمة ونعمة من عند الله تبارك وتعالى.
وأكد مدير دار العلوم زاهدان قائلا: يجب أن أقول أيضا إننا لسنا خطرا لأحد بما في ذلك الحاكم والشعب، لكننا أكدنا أننا نقف إلى جانب المظلومين. ننصح ونرشد من ظلم، ونقول له ما فيه خيره ومصلحته.
تتحقق الوحدة الحقيقية إذا كانت عملية
في جزء آخر من خطبته، أشار فضيلة الشيخ عبد الحميد إلى مناسبة “أسبوع الوحدة” في إيران، وأضاف قائلا: “أسبوع الوحدة” مستمر في بلادنا من بداية الثورة، وقد رافقناهم خلال هذه السنوات الأربعين، وشاركنا في المؤتمرات، وتحدثنا كلما أتتنا دعوتهم، لكننا نؤمن أن الوحدة تتحقق إذا كانت مدعومة برصيد عملي. فإذا عملنا، يمكن أن تكون الوحدة متحققة ولو لم نتحدث بكلمة واحدة عن الوحدة، ولكن إذا تكلمنا ولم يكن هناك عمل، فلا تأثير لها.
واستطرد فضيلته قائلا: لو أزيل التمييز وعدم المساواة وكان لشعار الوحدة رصيد عملي سيكون مؤثرا، لكن عندما يكون هناك تمييز وعدم مساواة ومشكلات، فإن شعارات واجتماعات الوحدة لا جدوى منها. نحن لسنا ضد الوحدة، بل نؤمن بالوحدة. إن وحدة القرآن وصية عظيمة ولصالح الأمة الإسلامية ومختلف التيّارات الإسلامية، ولكن بشرط ألا تكون الوحدة شعارا، بل يكون لها أساس عملي، وألا يكون هناك تفريق بين أتباع المذاهب والاتجاهات المختلفة في مجالات العمل.
إثارة المشكلات في الذكرى السنوية لشهداء الاحتجاجات الأخيرة، كانت مزعجة
وفي الجزء الأخير من كلمته، أشار خطيب أهل السنة في زاهدان إلى حظر إقامة “مراسم الذكرى السنوية” في مناطق مختلفة من البلاد، وقال: في الآونة الأخيرة، البعض من عوائل من استشهد أبناؤهم أو أحد أفراد أسرتهم في الاحتجاجات الأخيرة، أرادوا إقامة حفل ذكرى لهؤلاء الشهداء، أو أرادوا الذهاب إلى المقابر، فحدثت لهم مشكلات واعتقل البعض؛ كان هذا التصرف مزعجا جدا لنا جميعا.
واستطرد فضيلته قائلا: في عادات العالم وفي التقاليد الإسلامية يتعاطفون ويتعاونون مع المكلومين والمتألمين، وإن الشعب الإيراني هم من بين الأمم المتحضرة، وقد أعربوا دائما عن تعاطفهم مع أولئك الذين كانوا في عزاء ومعاناة ومصيبة.
تعليقات