اليوم :3 December 2024

فضيلة الشيخ عبد الحميد في خطبة الجمعة:

لن تستطيعوا إسكات النّسوة ما لم يحققن مكانتهن

لن تستطيعوا إسكات النّسوة ما لم يحققن مكانتهن

أعرب فضيلة الشيخ عبد الحميد، إمام وخطيب أهل السنة في مدينة زاهدان، في خطبة الجمعة (27 ذو القعدة 1444) عن أسفه من عدم الاهتمام بحقوق المرأة ومكانتها، معتبرا “الحفاظ على الكرامة واحترام الحقوق” من أهم مطالبات النسوة في إيران، مصرحا أن صوت النسوة لن يسكت ما لم تتحقق مكانتهن وحقوقهن.
وتابع فضيلته قائلا: للأسف، لا يهتم بمكانة المرأة في بعض الدول والمجتمعات الإسلامية كما ينبغي، وتمارس بحقهن تشديدات لا أصل لها في الكتاب والسنة، بينما تشكل النساء نسبة كبيرة من سكان العالم ولديهن المواهب والقدرات والكفاءات.
وأضاف قائلا: يجب أن ندرس تاريخ المرأة وما قمن به من أعمال وبطولات، فزوجة فرعون وقفت أمام فرعون ونصر الحق والنبي موسى عليه السلام، والسيدة هاجرة زوجة إبراهيم كانت من البطولة والهمة بمكانة لا يبلغ مكانتها وصبرها الآلاف من الرجال، وقد تحملت المشاق في صحراء مكة مع ابنها، ولن تجدوا في رجال هذا العصر من يملك همة كهمة هاجرة، وإن الكعبة بنيت بجهود سيدنا إبراهيم وهاجرة وإسماعيل عليهم السلام. انظروا إلى مريم عليها السلام عندما ولدت نبي الله عيسى عليه السلام، تحملت الافتراءات وقامت بتربية عيسى عليه السلام، ودعمته في نبوته ورسالته.
وأضاف فضيلة الشيخ عبد الحميد قائلا: انظروا إلى نساء التاريخ الإسلامي، كيف نصرت خديجة الكبرى، الرسول صلى الله عليه وسلم في اللحظات الأولى من الوحي، ودائما كانت تدعمه وتقويه وتصرف ماله على تقوية الإسلام، وإن أسماء بنت أبي بكر شجعت ابنها على الدفاع عن الدين أثناء هجوم حجاج الثقفي على مكة وطلبت منه أن يحارب الظلم بقوة.
واستطرد خطيب زاهدان قائلا: هؤلاء النسوة كن صانعات التاريخ والملاحم والبطولات في تاريخ البشرية، وعلى مرّ التاريخ كانت هناك آلاف النساء اللواتي كن مؤثرات على مصير البشر، بحيث تربت في أحضانهن رجال أسود ومغاوير.
وأضاف فضيلة الشيخ عبد الحميد قائلا: لماذا لا تحظى المرأة بالمكانة التي يجب أن تحتلها في عصرنا؟! اليوم تشكو النساء لأنهن لا يتمتعن بهذا الاحترام والكرامة والمكانة، ولا يتم الاهتمام بتعليم المرأة ولا يتم تقديرها كما ينبغي، ليصلن إلى مكانتهن المطلوبة.
وتابع فضيلته مخاطبا رجال الحكومة: لا يمكن لكم إسكات صراخ النسوة وصوتهن ما لم يتم إزالة العلة. لا فائدة من التعامل مع المعلول ولا نتائج لها. أطلقوا سراح النساء والسجناء السياسيين واحترموا النساء، فقد أذن النبي صلى الله عليه وسلم بالنساء للقدوم إلى المسجد، فكانت النساء يصلين خلف الرجال في المسجد النبوي، وينتفعن بتعاليم النبي الكريم. لم يكن المسجد النبوي مكانا للعبادة فحسب، بل كان أيضا جامعة ومركزا علميا حيث كانت النساء يأتين ويتعلمن العلوم وأمور دينهن، وأمر صلى الله عليه وسلم أن تأتي النسوة إلى المصلى، ويرددن التكبير مع تكبير الناس ويشاركن في الصلاة، وكانت النساء يستفدن من خطب النبي الكريم.
وأضاف: يعتقد الكثيرون أن المرأة هي فقط لرعاية الأطفال والعمل في المطبخ، في حين أن مكانة المرأة أعلى بكثير من هذا، ولا شك أن النساء يقمن بتولي هذه المهام، لكن يمكنهن أن يقمن بدورهن في القضايا المصيرية والمهمة، فيجب على جميع البلاد الإسلامية الانتباه إلى مكانة وكرامة المرأة وتعليمها.
وأكد فضيلته قائلا: الشكوى الحالية للمرأة في إيران أنها لا تجد لنفسها هذه المكانة الأصلية، وعلى الرغم من أنه يبدو أن النقاش يجري حول الحجاب ومثل هذه القضايا، لكن الحقيقة أن هذه كلها أعذار، والسبب الأصلي هو مكانة المرأة وكرامتها وحقوقها، فاحترموا حقوق المرأة وكرامتها ومكانتها وسيتم حل بقية القضايا.

ليس من المناسب مضايقة شرطة مكافحة الشغب للناس في المقابر
وقال فضيلة الشيخ عبد الحميد في جزء آخر من خطبته: إن من القضايا المتداولة في العالم أن الناس يعبرون عن التعاطف مع أسر الذين يموت أحباؤهم أو يقتلون، وهذا واجب إسلامي وإنساني، لكن نسمع هذه الأيام أن بعض الأشخاص الذين يذهبون إلى المقابر لزيارة قبور أحبائهم يتعرضون للأذى والإزعاج وأحيانا يواجهون شرطة مكافحة الشغب في المقابر، وهذا سلوك غير صحيح، فهذه المقابر خارج المدينة ومن يذهب إليها لا يزعج أحداً وإنما يذرف دموعا فقط، حتى لو أن أحدهم تكلم بشيء يجب تحمله والتسامح معه.
وشدد فضيلته: نصيحتي لكل من يجعلهم الله تعالى على رأس السلطة، ويوليهم أمور الناس، أن يوسعوا صدورهم، فلا يمكن الحكم على الناس بالنظر الضيق. يجب أن تكون لدى الحاكم رؤية واسعة ونظرة أبوية، وأن يتسامح مع السب، فإذا كان الحاكم لا يتحمل الشتائم والكلمات القاسية، لا يمكنه أن يحكم. يجب أن يكون للحاكم قلب واسع ويتسامح ويتعامل مع جميع العرقيات والمذاهب والديانات المختلفة في البلد، ويتحمل كذلك الانتقادات القاسية، ويتحمل المصاعب على كاهله، لأن لذة الحكم في هذه الأمور.
وتابع: لقد أمر الله تعالى نبيه بأن يصبر على أذى اليهود والنصارى، ويعرض عنها، وهذه هي الأخلاق والتحمل اللذين علمنا الإسلام إياهما، لذلك يجب أن توسعوا صدوركم، فمهما اتسع الصدر زاد التحمل والصبر في الإنسان.

لا بد من مراعاة حقوق المواطنة للبهائيين والدراويش والزرادشتيين وسائر الأقليات
واستطرد فضيلة الشيخ قائلا: الأمر الآخر الذي يزعجني كثيرا هو أن طائفة البهائية في البلاد تشتكي من الاستيلاء على مقابرهم في بعض المناطق، أو يشكو أفراد هذه الطائفة من أنه لا يتم تسليم جثث موتاهم في كثير من الأحيان.
وصرح فضيلته قائلا: صحيح أن البهائيين ليسوا مسلمين، لكنهم بشر ومواطنون، ألا يجب احترام حقوق المواطنة الخاصة بهم؟ ألا يجب إيقاف المتطرفين الذين يريدون الاستيلاء على مقابرهم؟ سمعت أنه تم إعدام عدة نساء بهائيات ولم يتم تسليم جثثهن، وأخذ المسؤولون الجثث معهم ودفنوها. ما هذا الذي حدث؟! عندما نسمع هذا الخبر نشعر بالإحباط كإنسان وكمسلم، فإن دين الإسلام لم يأمرنا بهذا، ولا شك أن هذه الأعمال أعمال متطرفة.
وأكد خطيب أهل السنة قائلا: البهائيون والدراويش والزرادشتيون هم أيضا بشر ولهم حقوق، فكل من يعيش في إيران، سواء كانوا مسلمين أم غير مسلمين، إيرانيون ويجب احترام حقوقهم؛ هذا هو تعليم الإسلام. إذا كان للإسلام تعليم غير هذا فأرجو أن تقنعونا. عندما نقول إنها حكومة إسلامية، يجب أن نحترم حقوق الجميع وحقوق المرأة وسائر الطوائف والطبقات.

الحجّ عبادة شاملة ومليئة بالحكم
وقال فضيلة الشيخ عبد الحميد في الجزء الأول من خطبة الجمعة بعد تلاوة آية: “الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَىٰ وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ”، قائلا: إن الحج عبادة واسعة وشاملة، وله أبعاد مختلفة، ويمكن دراسته من زوايا مختلفة، فالذين يحبون الله ورسوله يرون الحج من وجهة نظرهم، ويعتقدون أن الحج معرض للمحبة والمودة، ومعرض لمحبي الله الذين يرددون التلبية، فحركاتهم مثل حركات العشاق، وهم يتحملون المصاعب والمشاق بجنون، والمجاهدون يرونه من وجهة نظرهم الجهادية، حيث يكون فيه الجهاد بالمال والنفس، ويكافح الحجاج كل أنواع المشكلات والصعوبات.
وأضاف فضيلة الشيخ عبد الحميد قائلا: الكثير من الناس يرون في الحج رسائل اجتماعية وسياسية، فالحج عمل شامل يصرف فيه المال ويضحى بالنفس أيضا، وهناك درس اجتماعي كبير في الحج، فالمحبون لله تعالى يتجولون وقد لبسوا النعال وحلقوا رؤوسهم، وإن مشاهد مثل عرفات ومنى، والمزدلفة والطواف، معارض للعاشق الذي يبحث فيه عن حبيبه؛ والحبيب هو الله والحجاج يطلبون مرضاة الله تعالى.
واعتبر فضيلة الشيخ مناسك الحج مشهدا للتعبير عن القوة، وتابع قائلا: أثناء فتح مكة، قالت مجموعة من المشركين إن حمى المدينة أضعفت المسلمين، وليست لديهم سيوف في المطاف، فلنهجم عليهم ولنقض عليهم، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم الصحابة بالهرولة إظهارا للقوة، وقد أحب الله هذا العمل وخلده إلى يوم الدين، والآن أيضا يهز الحجاج في الطواف أكتافهم مثل الأبطال، فليس الإسلام دين العجز والبكاء، وهو دين البطولة ضد المعتدين الذين يريدون إطفاء نور الإسلام.
وأضاف خطيب أهل السنة: في الحج وحدة بين المتدينين، وهذا استعراض للقوة على من يعادي الدين والإسلام، وإن الحجاج يرمون رمز الشيطان، وهذه حرب ضد الشيطان ورمي له، فهم يحلفون أن يطيعوا الله ويرموا الشيطان بالحجارة.
وتابع فضيلة الشيخ عبد الحميد: التجربة الاجتماعية الكبيرة في الحج هي أن هذه الحشود لديهم سلائق واتجاهات مختلفة، ويرى بعضهم البعض، ويتعرفون على آلام وأوجاع بعضهم البعض، ويتعاطف بعضهم مع بعض.
وأضاف قائلا: إن نصيحة الله ورسوله للحجاج أن يزيدوا صبرهم وتحملهم هناك، لأن هذا الصبر وتحمل الغير يرضاهما الله تعالى.

في الحج منافع لجميع الناس في العالم
وتابع فضيلة الشيخ عبد الحميد قائلا: إن في الحج منافع لجميع شعوب العالم. قال الله تعالى: «جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَامًا لِلنَّاسِ»، بحيث يطلع الحجاج على أحوال كل الناس في الدنيا، ويطلبون الهداية للجميع، فالقرآن يهدي إلى خير الأخلاق والعدل والإنصاف والرحمة والتعاطف مع الآخرين، وفي الدين والكعبة منافع للجميع.
وأشار فضيلته إلى رسالة أخرى من الحج، قائلا: من هذا الاجتماع يتم التفكير لمصلحة العالم، والدعاء لهداية الجميع، ولقد فكر رسول الله صلى الله عليه وسلم في غار حراء وثور بجوار الكعبة قبل البعثة وبعدها، لا فقط لطبقة معينة ولا لشعب معين، بل للبشرية جميعا، لذلك من المناسب للمسلمين أن يوسعوا رؤيتهم وتفكيرهم.
وتابع فضيلته في ختام الخطبة: أتمنى أن يقام حج هذا العام بأمان، ويعود الجميع بحج مبرور، ونطلب من الحجاج أن يدعوا هناك لهداية الجميع وخيري الدنيا والآخرة لجميع الشعوب، ولا سيما لمشكلات الشعب الإيراني، ليفرّج الله مشكلاته ويعمر دنيا هذا الشعب وآخرته، فمن واجبنا أن نسعى حسب استطاعتنا وندعو أيضا.

تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مزيد من المقالات