في عام 1840 أصدر رئيس المجلس الاستشاري العثماني، محمد شريف، فرمانا أشبه بأمر عسكري، وأرسله الى متصرف القدس حينها أحمد آغا دُزدار”، نص على أن “الساحة المحاذية للحي المغربي وحائط البراق كلها أملاك وقفية إسلامية”.
وهذه الوثيقة التي عُرفت باسم “وثيقة دُزدار”، تعتبر من أهم الوثائق العثمانية المحفوظة بسجلات الأوقاف الإسلامية في مدينة القدس، والتي تؤكد أن العثمانيين لم يسمحوا بأي تغيير على الوضع القائم في المسجد الأقصى وخاصة بمنطقة حائط البراق والساحة المقابلة التي تعتبر جزءا من ما يسمى “وقف أبو مدين”.
وكانت “دُزدار” ضمن جملة من الوثائق وأوراق الملكية عرضتها اللجنة الوطنية العليا للقدس (إطار تابع للرئاسة الفلسطينية) خلال مؤتمر عقدته في مدينة رام الله الأربعاء، وبعضها كُشف عنه لأول مرة.
وهذه الوثيقة تتناول جزءا من الملكيات التي استخدمتها الدولة العثمانية ونظّمت ما بات يُعرف بـ”الوضع الراهن لترتيب الأماكن المقدسة”، والذي أقره السلطان العثماني عبد المجيد الأول (عام 1852) خلال معاهدته مع القوى الأوروبية، وأكدت إسلامية المسجد الأقصى بالكامل. وجاء في نص المادة (62) من الوثيقة “من المفهوم تماما أنه لا يمكن إدخال أية تعديلات على الوضع الراهن في الأماكن المقدسة”.
وخلال البحث الذي قامت عليه اللجنة العليا للقدس، وبمشاركة خبراء وأكاديميين فلسطينيين وعرب وأتراك، وبالتنسيق مع الصندوق الهاشمي لإعمار المسجد الأقصى المبارك، ومنظمة التعاون الإسلامي، جُمعت وثائق تمتد من العام 1840 وحتى قرار منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونسكو) عام 2016، وتنفي جميعها وجود ارتباط ديني لليهود بالمسجد الأقصى وحائط البراق، وتعتبره تراثا إسلاميا خالصا.
يقول مستشار ديوان الرئاسة لشؤون القدس، المحامي أحمد الرويضي، إن الخبراء قاموا بتجميع كل الوثائق التي تتعلق بالوضع القانوني للمسجد الأقصى من كل أماكن تواجدها، وبعضها كُشف عنه لأول مرة خلال البحث.
وتتضاعف الأهمية القانونية لهذه الوثائق، بحسب الرويضي في حديثه للجزيرة نت، بظل المعركة على المسجد الأقصى المبارك ومحاولة الاحتلال فرض أمر واقع جديد عليه تحت عنوان التقسيم الزماني والمكاني.
وخلال البحث عن الوثائق وتجميعها تمت مراجعة كل الأوراق الخاصة والمراسلات منذ الفترة العثمانية وخلال فترة الانتداب البريطاني، بما فيها المراسلات السرية التي كانت بين المندوب السامي (ممثل بريطانيا في فلسطين خلال الانتداب) وحكومة لندن، والمواثيق الدولية في الأمم المتحدة، وأرشيف المحاكم الشرعية في القدس.
وبحسب الرويضي، فإن هذه الوثائق تثبت ملكية الفلسطينيين القانونية لكامل المسجد الأقصى و”مساحته 144 دونما و900 متر” وهو ما يجعلها مادة علمية لتشجيع الباحثين والمهتمين على تفعيل البعد القانوني والتاريخي، وعدم الاكتفاء بالجانب الديني في تناول قضية القدس.
وتشكل هذه الوثائق سندات قانونية يمكن البناء عليها قضائيا، كما يقول المحامي محمد هادي، الذي تابع عشرات الملفات القضائية لإثبات الملكيات في القدس من خلال عمله مستشارا قانونيا لوزارة العدل الفلسطينية.
وقال هادي للجزيرة نت، إن الأساس القانوني الذي يمكن الارتكاز عليه هو أن الوثائق المتعلقة بالملكيات العقارية تبدأ من “الكوشان” أو “الطابو” العثماني (وثيقة ملكية)، وكل ولاية قضائية تلت فترة العثمانيين كانت هذه الملكيات أساسا لها.
وتابع المحامي “في حال وجود أي خلل في تتابع وتواصل الملكيات نعود للأرشيف العثماني الذي يشكّل أساسا قانونيا موثوقا معتمدا، سواء في القضايا المرتبطة بإثبات الملكيات أمام سلطات الاحتلال أو في القضايا الدولية كمرجعية أساسية لتثبيت الحقوق الفلسطينية”.
ولكن هل هذه الوثائق كافية لحسم القضايا القانونية؟ يجيب هادي “بالدرجة الأولى هي داعمة، وإذا ما تم إثبات تسلسل ما جاء بعدها، تكون أكثر من كافية”.
وليس فقط على مستوى إثبات ملكيات الأفراد، فهذه الوثائق أساس قانوني في القضايا الجماعية أيضا وفي حال تم التوجه بشكاوى للمحاكم الدولية.
من بين الوثائق التي تناولها المؤتمر، مجموعة من سجلات محكمة القدس الشرعية ودائرة الأوقاف الإسلامية الأردنية، التي تدير جميع الأماكن المقدسة في مدينة القدس المحتلة.
وبعض هذه الوثائق أكدت على أن اسم “المسجد الأقصى الشريف” مصطلح كان يُطلق على كل ما دار عليه سور القدس القديم. إلى جانب وثائق أخرى تؤكد أن أماكن معينة خارج السور مثل “باب المتوضأ” (أو باب المطهرة) هو أيضا امتداد لما اصطلح عليه بالمسجد الأقصى.
يقول المدير العام لدائرة الأوقاف الإسلامي بالمسجد الأقصى عزام الخطيب، إن هذه الوثائق تأكيد على أن المسجد الأقصى كله وقف إسلامي، بالإضافة إلى 85% من البلدة القديمة كوقف إسلامي ومسيحي، مشددا للجزيرة نت على أن “وثائق الملكيات ثابتة ولا أحد يستطيع التعدي على الممتلكات الإسلامية في المسجد الأقصى أو القدس، أو تغيير الوضع الراهن”.
المصدر: الجزيرة.نت
تعليقات