إن قضية شح المياه كانت سببا ليحتج عشرات الآلاف من المواطنين في خوزستان، ويرفعوا أصواتهم ضد الوضع المؤلم الراهن، ولم ينفع سفر نائب الرئيس وسائر المسؤولين إلى المنطقة وتعاطفهم مع الشعب، واستمرت الاحتجاجات.
ما هي مطالب القوميات الإيرانية؟ وما هي شكاوي أتباع المذاهب؟ ما هو الطريق للخروج من المشكلات الموجودة في ظل هذه الظروف الصعبة، وما هي التوقعات من دولة آية الله رئيسي؟
قام موقع “سني أون لاين” بإجراء حوار مع فضيلة الشيخ عبد الحميد، إمام وخطيب أهل السنة في زاهدان، في هذا الموضوع، خلاصته كما يلي:
الحقائق الموجودة في البلاد، صراخ لم يُسمع
اعتبر فضيلة الشيخ عبد الحميد “تجاهل الواقع والحقائق الموجودة في البلاد”، مشكلة كبرى، وتابع قائلا: من المشكلات الكبرى في البلاد والتي أحذّر منها منذ سنوات، ولا يهتم بها أحد، هي تجاهل الواقع والحقائق الموجودة على الأرض؛ يتجاهل الكثير من المسؤولين الحقائق الموجودة على الأرض. فلو لوحظت الحقائق، وتم التخطيط بناء على هذه الحقائق، لم يكن البلد يواجه الاضطرابات والتحديات.
وتابع فضيلته قائلا: تتكون إيران من القوميات المختلفة، والمذاهب المتنوعة، وأصحابها جميعا يشكلون إيران. جميع القوميات الموجودة في إيران حقائق؛ العرب، والأكراد، واللور، والأتراك، و والتركمن، والبلوش والفرس، وسائر القوميات كلها حقائق. جميع هذه القوميات تنبض قلوبها لهذا الوطن.
واستطرد خطيب أهل السنة في زاهدان: القوميات والمذاهب الإيرانية لها جذور في التاريخ، وحافظوا على سيادة الوطن، وكلما تعرضت إيران للهجوم ضحوا بأنفسهم ودافعوا عن الوطن، ولا أحد أكثر أصالة من هذه القوميات ولا أشرف منهم. هؤلاء أكبر ثروات البلد.
وأشار فضيلة الشيخ عبد الحميد إلى عوامل الاعتراضات في خوزستان قائلا: المواطنون العرب يقارنون بين أوضاعهم وأوضاع إخوانهم العرب في الكويت، ودول الخليج، فيرونهم في الرفاهية والنعيم، ويرون أنفسهم في الضيق والعسرة، لا يملكون رفاهية، ولا يملكون مصير أنفسهم، ويعانون من التمييز والضغوطات، مع أن أراضيهم التي ورثوها عن أجدادهم أغنى من بلاد جيرانهم العرب، لكن الفقر يعمّ بسبب سوء الإدارة. لا شك أن هذه القضية تثير الأحقاد والكراهية، فهذه الاحتجاجات ليست على شح المياه فحسب، بل يشمل جميع القضايا.
وأشار فضيلة الشيخ عبد الحميد إلى أوضاع سائر القوميات في البلاد قائلا: لو نظرنا إلى قضية الأكراد، لوجدناهم منتشرين في عدد من البلاد المجاورة. ظروف الأكراد في العراق وتركيا أحسن بكثير من أوضاعهم في إيران. في تركيا يوجد عدد من الوزراء ومسؤولين رفيعي المستوى من الأكراد، كما أن سبعين نائبا من الأكراد في البرلمان. في العراق يملكون الإقليم، ونرى أن الرئيس العراقي منهم، لكنهم في إيران يواجهون التمييزات والضغوطات ولا يستخدم كفاءاتهم.
وأضاف قائلا: هكذا الأتراك والتركمان يرون أهل لسانهم يحكمون وراء الحدود في تركيا، وتركمنستان، وآذربيجان. كما أن الكثير من سكان الجنوب الذين يعيشون في دول الخليج، يستخدمون هناك كوزير أو سفير.
وأضاف فضيلته مقارنا بين أوضاع البلوش في إيران وباكستان ودول الخليج: البلوش في باكستان رغم مشكلاتهم العديدة وصلوا إلى مناصب عالية، والبلوش في باكستان وجدوا فرصة الخدمة كرئيس الجمهورية، ورئيس الوزراء، والوزير، والمحافظ مرارا، كما أنهم وصلوا في القوات المسلحة إلى رتب عسكرية رفيعة المستوى.
واستطرد فضيلته قائلا: الكثير من البلوش من الأصول الإيرانية تم تعيينهم كوزير أو سفير، وتم توظيفهم في القوات المسلحة في مناصب مهمة جدا كرئيس أركان الجيش، في بعض دول الخليج، لكن هنا نحن في نزاع للحصول على رئاسة إدارة أو مؤسسة، ولا أحد يثق بنا في بلدنا الأصلي، ولا يؤظف مؤهلي هذا الشعب. فمن الطبيعي أن يئس البلوش في إيران إذا رأوا هذا الوضع.
وأشار فضيلة الشيخ إلى قضايا محافظة سيستان وبلوشستان ومشروع تطوير سواحل مكران قائلا: يريدون تقسيم محافظة سيستان وبلوشستان، ولكن شعبنا يرون أن هذا المشروع ليس لإعمار بلوشستان، بل لإزالة اسم بلوشستان، أو تحديده لبضعة مدن وقرى، وتضعيفه كما وقع ذلك في مناطق قومية أخرى.
وأضاف خطيب أهل السنة قائلا: يرى أهلنا أن منفذي مشروع “تطوير سواحل مكران” لا يريدون التنمية والتطوير، بل يريدون تغيير النسيج القومي لسكان المنطقة والسيطرة على أراضي المنطقة الخصبة.
وصرح فضيلة الشيخ عبد الحميد قائلا: من الشكاوي الأخرى للقوميات الإيرانية هي المساعي والجهود التي تبذل في سبيل تغيير ثقافتهم وتغيير نسيجهم القومي وتسليط الأقليات الأخرى على هذه القوميات.
وتابع فضيلته قائلا: لا ينبغي أن ننسى بأن القوميات الإيرانية تتولى زمام الحكم في الكثير من البلاد، لكنهم يتعرضون للظلم والاضطهاد في إيران التي هي بلدهم الأم، وهذا يولد اليأس والسخط والكراهية.
المذاهب الموجودة في البلاد حقائق لا تُنكر
وأشار فضيلة الشيخ عبد الحميد إلى وجود الأديان والمذاهب والاتجاهات المختلفة في البلاد، قائلا: المذاهب الموجودة في البلاد حقائق؛ الشيعة والسنة من حقائق البلاد، ولهم جذور في تاريخ هذه البلاد، وليست أي من هذه المذاهب ولا الأديان والاتجاهات ظواهر جديدة في البلاد، والجميع لها جذور وأصول في هذه البلاد.
وانتقد فضيلة الشيخ عبد الحميد تحديد الحريات المذهبية لأهل السنة قائلا: يسعى البعض أن يتولوا إدارة شؤون أهل السنة، بحيث يريدون أن أدنى عمل في قرية بعيدة، لابد أن يكون بإذنهم وتحت إشارتهم، وهذا مغاير للدستور والعرف.
وأضاف فضيلة الشيخ عبد الحميد قائلا: مع الأسف لم تحترم مقدسات القوميات وشؤونهم المذهبية، ويتعرض المواطنون الفرس من أهل السنة للتمييز لأجل مذهبهم أيضا، فهؤلاء عندما يرون أبناء لسانهم يحصلون على المناصب العالية، وهم محرومون عن أدنى المناصب بسبب الفروق المذهبية، يؤدّي هذا قنوطهم ويأسهم.
وأكد خطيب أهل السنة قائلا: يجب تنظيم السياسات في البلاد وفق احترام المذاهب والقوميات وصيانة ثقافاتهم وحاجاتهم. حفظ هذه القوميات، والاحترام بثقافتهم ومعتقداتهم، يقوي الأمن والوحدة الوطنية.
هناك سخط بين الطبقات المختلفة للشعب
وأشار فضيلة الشيخ عبد الحميد إلى المشكلات التي أدت إلى سخط عامة الشعب، قائلا: الطبقات المختلفة للشعب يواجهون مشكلات عديدة في المعيشة والاقتصاد. الفساد الاقتصادي، وكذلك التكاليف الباهظة التي تنفق خارج البلاد، أنتجا الأزمة المالية والشقاء للشعب.
لو أن التطعيم كان أولوية المسؤولين لما شهدنا اليوم هذه الخسائر
وأعرب خطيب أهل السنة عن أسفه للخسائر التي لحقت بالشعب نتيجة تفشي فيروس كورونا ونقص اللقاحات الكافية في البلاد، قائلا: مما يثير السؤال في أذهان الشعب أن أكثر الدول نجحت في تطعيم شعبها تجاه الفيروس كوفيد ١٩، لماذا عجز المسؤولون من تتفيذ مشروع التطعيم بشكل جيد في البلاد، ويوفروا هذه الخدمة لشعبهم، مع أننا نمر بالموجة الخامسة، وقد فقدنا الكثير من أهلنا الصالحين، وكان رحيلهم مؤلما.
وأضاف فضيلته قائلا: مع الأسف فقدنا الفرصة، وفقدنا خيرة أشخاصنا، والمستشفيات لا تسع المرضى، ويعيش شعبنا في أسوء حال. لماذا تمتلئ المستشفيات بالإيرانيين ويعانون من قلة الإمكانات؟
واستطرد قائلا: إن أهم حاجة الشعب توفير اللقاح المناسب، وكان على المسؤولين إعداده بأي طريقة ممكنة وإنقاذ الشعب، وإن إرادة الخير بالبلاد تتطلّب أن تفتح أبواب البلاد.
آية الله رئيسي هو الأمل الأخير لإيران
وأشار فضيلة الشيخ عبد الحميد في القسم النهائي من هذا الحوار إلى الانتخابات الرئاسية الأخيرة، قائلا: القوى المختلفة في البلد أصبحت بيد تيار واحد، والأسباب متوفرة لتحسن الأوضاع، فإن لم يستطع السيد رئيسي اتخاذ القرارات حسب الحقائق الموجودة، فلا نأمل في المستقبل أن يأتي رئيس آخر ويحل عقدة من المشكلات، وأرى الدولة الجديدة هي آخر الأمل.
وأشار خطيب أهل السنة إلى أن السياسة التي تم اتخاذها في الماضي كان خاطئا: نظرا إلى جدية آية الله رئيسي وذكائه، فإن استطاع سماحته تغيير السياسات الماضية، ويدخل إلى الميدان بسياسة جديدة، ويشكل دولته حسب الحقائق الموجودة في البلاد، ويستفيد من القوميات ويحترمها، ويزيل التمييزات، ويوفر الحرية للمذاهب، يرجى أن تكتسب مرضاة القوميات والمذاهب.
تعليقات