اليوم :23 April 2024

مطالب أهل السنة في إيران بعد مرور أربعين عاما من عمر الثورة

مطالب أهل السنة في إيران بعد مرور أربعين عاما من عمر الثورة

لقد مضى على النظام الحاكم في إيران أربعون عاما بدءا من ثورة 57 وحتى ٩٧ (الشمسية) وقد تكيف الشعب الإيراني مع هذا النظام أربعين عاما، وهو السن الذي يبلغ الإنسان والمجتمعات فيه مرحلة الرشد والتحول وتظهر فيها علامات التكامل الفكري.
من جانب آخر فهناك متطَلبات ومستلزَمات يجب الاهتمام بها، وقد وردت في كتاب الله إشارات إلى مرور الإنسان بمراحل الحياة المختلفة وحتى وصوله إلى سن الأربعين:
{ حَتّٰىٓ إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُۥ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِىٓ أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِىٓ أَنْعَمْتَ عَلَىَّ وَعَلٰى وٰلِدَىَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صٰلِحًا تَرْضٰهُ وَأَصْلِحْ لِى فِى ذُرِّيَّتِىٓ ۖ إِنِّى تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّى مِنَ الْمُسْلِمِينَ }[ الأحقاف : 15]
ومن هذا الإرشاد القرآني تتبين لنا مقتضيات ضرورية عند الوصول إلى سن الأربعين وهي:
١ – طلب التوفيق من الله على شكر النعم التي أنعم الله بها على الإنسان وعلى والديه.
٢- اتخاذ منهج قويم في الحياة والعمل مع الله بحيث ينتهي بالإنسان إلى رضى الله تبارك وتعالى.
٣- الدعوة الصالحة وتمني الخير للأولاد والأجيال القادمة.
٤- استعراض السلوك ونوعية التعامل والنظر في سجل الأعمال السابقة وإصلاح العثرات والزلات.
٥- امتثال أوامر الله والاجتناب عن نواهيه والاستعداد لما بعد الموت.

وهناك مستلزَمات لا بد أن يُعتنى بها عندما يبلغ نظام سياسي أو حكومة سنّ الأربعين:
أوّلا: وقبل كل شيء يجب على الناس وعلى رجال الحكم خاصة أن يؤدوا شكر النعم التي أنعم الله بها عليهم ومتّعهم بالحكم والتمكين خلال هذه المدة.
ثانيا: بعد أربعة عقود من التجارب والمرور بالمنعطفات المختلفة، يجب اتخاذ أسلوب صالح وحسَن في الحكم بحيث يجلب رضى الرب والخَلق جميعا.
ثالثا: يجب أن يكون هناك تخطيط واهتمام من أجل مستقبل مزدهر للجيل القادم، ولذلك فلا بد من منهج سياسي قويم وأسلوب صحيح في التعامل يمهدان الأرضية المناسبة من أجل تقدم الشعب و تطوير مستقبله.
رابعا: يجب أن يقفوا عند حصاد أربعة عقود ماضية وينظروا بإنصاف في الإيجابيات والسلبيات، ويندموا على القرارات الخاطئة والسياسات الرعناء، ويفكروا في أخذ خطوات لازمة من أجل الإصلاح والتغيير.
خامسا: يجب أن يفكروا في عاقبة أمرهم ويستحضروا المحاسبة أمام أحكم الحاكمين.

مطالب أهل السنة في إيران:
في رمضان ۱۴۴۰ هق. اجتمع جمع كبير من علماء السنة في إيران ونخبهم مع الرئيس روحاني في ضيافة منه على مائدة الإفطار، وكان من بينهم شخصيات بارزة مثل فضيلة الشيخ عبد الحميد، (إمام وخطيب أهل السنة ورئيس جامعة دار العلوم بمدينة زاهدان) الذي ألقى كلمة بالنيابة عن باقي النخب والشخصيات السنية الحاضرة في الجلسة، وبعد الإشارة إلى خدمات الدولة، تطّرَق إلى الحديث عن مطالب أهل السنة وتوقعاتهم من الحكومة.
وذكر فضیلة الشيخ عبد الحميد في هذا الحفل أن إيران تتكون من العرقيات والمذاهب المختلفة الذين لهم حقوقهم وحرياتهم التي يجب أن تتوافر لهم وتؤدى إليهم، وأكد أن مراعاة حقوق جميع القوميات والمذاهب وتوفير حرياتهم ومشاركتهم في المجالات كلها كما هو حقهم، كل ذلك ضروري من أجل استدامة الأمن واستحكام الوحدة.
وأكد أيضا على ضرورة توفير الحريات القانونية والعدالة في الحكم، مؤكدا أن أمن الدولة و تحقق الوحدة القوية مرهونان بالعدالة في الحكم وتوفير الحريات اللازمة.
وصرّح أيضا أنّ لأهل السنة في إيران مطالب كثيرة، وعلى رأسها مطلبان في غاية من الأهمية، أحدهما توسيع نطاق الحريات، وثانيهما استخدام مؤهلي أهل السنة ونخبهم من دون فوارق وتمييزات.
وأضاف أن الحریات في إيران موجودة لكنها جزئية ومحدودة، وأن أهل السنة يريدون أن يحصلوا على حقهم من الحريات الكافية في إطار الدستور.
ولا شك أن فضيلة الشيخ عبد الحميد ومُعظَم علماء ونخب أهل السنة في إيران لم يقتصروا على دعم نظام الجمهورية الإسلامية فحسب، ولكنهم إضافة إلى ذلك دعوا الشعب إلى الحضور في الميادين السياسية كلها، ومن صور ذلك موقف أهل السنة من وحدة الأراضي الإيرانية ومشاركتهم في كافة المجالات الحكومية، سواء السياسية أو الاجتماعية كالمشاركة في الانتخابات المختلفة ودورهم المرموق في ذلك.
والجانب الأهم في كلام فضيلة الشيخ عبد الحميد هو الإشارة إلى سقف الحريات في إطار القانون، والسؤال الذي يطرح نفسه هو: ما هي الحريات التي يضمنها الدستور وما هي الحريات التي تتوفر في إطار الدستور؟ فلا أقل من أن يُحظى أهل السنة بالحرية في إطار الدستور، ولمعرفة ذلك لا بد من مراجعة بعض البنود. ورد في البند الثاني عشر من الدستور:
«الديانة الرسمية لإيران هو الإسلام، والمذهب الجعفري الإثني عشري هو المذهب الرسمي للبلاد وهذا البند غير قابل للتغيير والمناقشة، والمذاهب الأخرى كالحنفية والمالكية والشافعية والحنبلية والزيدية كلها تُحظى بالاحترام، وأتباع هذه المذاهب أحرار في أداء شعائرهم وفقا لما يقتضيه فقهُهم، وفيما يتعلق بتعليم أبناءهم وفي المسائل الفردية (مثل الزواج، والطلاق، والميراث، والوصايا) والدعاوى المتعلقة بذلك. لأهل السنة حقوق رسمية في المَحكمات، وفي المناطق التي غالبية سكانها من إحدى تلك المذاهب المذكورة، فالأحكام غير الرسمية في إطار صلاحيات المجلس المحلي لتلك المنطقة ستكون وفقا لذلك المذهب مع مراعاة حقوق بقية المذاهب»
البند التاسع عشر:
«الشعب الإيراني من أي عرق وطائفة كان، يتمتع بالحقوق المساوية، ولا تمييز في اللون أو اللغة أو العرق».
البند العشرون:
«كل أفراد الشعب من الرجال والنساء تحت حماية الدولة، ويُحظون بكافة حقوقهم الإنسانية والدينية والسياسية والثقافية في إطار الأحكام الشرعية».

بغض النظر عن الخلافات والمناقشات حول البند الثاني عشر في حين إقراره و مدى قناعة أهل السنة به وأنه إلى أي حد يُطَمْئِن أهلَ السنة، فهناك أسئلة تطرح نفسها بقوة وهي: إلى أى حد كان لهذا البند دور في تضمين حقوق أهل السنة على أرض الواقع طوال أربعين عاما؟
على سبيل المثال؛ هل هذا البند يضمن السماح ببناء مسجد لأكثر من مليون مواطن سني في طهران؟
السؤال الثاني الذي شغل فكر الجيل الجديد ويعيد تكراره حينا بعد حين هو: ما هو موقف رجال الحكم من إعطاء حقوق أهل السنة؟ هل يعتقدون أن لأهل السنة حقوقا يجب أن تُؤدى؟ هل يصدّق رجال الحكم أن أهل السنة خلال أربعين عاما من عمر النظام لم يُكرَموا بانتصاب وزير أو محافظ منهم ولو لمرة واحدة؟! فيما لا يُلحظ أنّ ذلك مخالف للدستور ومع ذلك لم يثبت في تاريخ النظام الحاكم أن انتصب وزير أو محافظ من أهل السنة.
إذن فماذا سيكون جواب رجال الدولة للناس وللتاريخ على هذه الأسئلة، وكيف سيجيب أهل السنة عن هذه الأسئلة إذا سألهم الأجيال القادمة، وهم على أقل تقدير يشكلون خُمس سكان البلد، وقد ثبت حضورهم في كافة المجالات إلى جانب الحكومة!
على كل فإن الشعور الإنساني يقتضي تطبيق العدالة، والعدالة الإسلامية والعدالة الاجتماعية لهما مقتضيات، وربنا تعالى يقول:{يٰٓأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا كُونُوا قَوّٰمِينَ لِلَّهِ شُهَدَآءَ بِالْقِسْطِ ۖ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَـَٔانُ قَوْمٍ عَلٰىٓ أَلَّا تَعْدِلُوا ۚ اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوٰى ۖ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۚ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌۢ بِمَا تَعْمَلُونَ }[ المائدة : 8 ]
إن تطبيق العدالة الشاملة والحقيقية هو ما يضمن بقاء أي نظام على وجه الأرض واستقراره في القلوب، كما يجلب تمني الخير له ظاهريا وباطنيا، ويُحّسن صورته لدى العالم ويُنير تاريخ الدُوَل والرعية.
والجدير بالذكر أن الدعايات والإدعائات الفارغة والنصح والتوجيه الفارغ، لا ينفع للتستر على الحقائق وتزوير الواقع، ولن يُقنع القلوب.
من جانب آخر فإن الهجمات الاقتصادية والسياسية المستمرة، والتهديدات العسكرية المتوالية، تقتضي العمل من أجل الحفاظ على الوحدة، وذلك من خلال التعايش السلمي والعدالة الاجتماعية.
وفي الأخير فإن الاعتراف بالحقائق وتطبيق العدالة ومراعاة قوانين التعايش السلمي، والاهتمام بكافة المذاهب والأعراق، وأداء حقوقهم المشروعة على السواء، وعدم حرمانهم مما شُرع لهم بموجب الدستور، سيُفضي إلى إخماد نيران المؤامرات الخارجية، وسيُقوّي أبنية النظام والدولة، كما سيجلب رضى الرب وسيجلب الخيرات والبركات الوافرة.

المصدر: مجلة نداي اسلام/ العدد: 76-77

تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مزيد من المقالات