اليوم :29 March 2024

بعض افتراءات أهل الكتاب والمشركين على الله (تفسير آيات 116 إلى 123 من سورة البقرة)

بعض افتراءات أهل الكتاب والمشركين على الله (تفسير آيات 116 إلى 123 من سورة البقرة)

وَقَالُوا اتَّخَذَ اللَّـهُ وَلَدًا ۗ سُبْحَانَهُ ۖ بَل لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۖ كُلٌّ لَّهُ قَانِتُونَ ﴿١١٦﴾ بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۖ وَإِذَا قَضَىٰ أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ ﴿١١٧﴾

التفسير المختصر
قالت اليهود عزير ابن الله، وقالت النصارى المسيح ابن الله، وقال المشركون الملائكة بنات الله، فكذّبهم الله تعالى جميعا بالدليل القاطع، وقال: {وقالوا} بعناوين مختلفة، {اتخذ الله ولدا سبحانه} ما أعبث هذا الكلام، {بل} يستحيل عقلاً أن يكون له ولد، لأنّه لا يخلوعن حالتين: إمّا أن يكون الأولاد من جنسه أو من غير جنسه، فإن كانوا من غير جنسه فهوعيب، والله تعالى منزّه من العيب عقلا و نقلا، وإن كانوا من جنسه فمردود أيضا لأنّه تعالى لا يشبهه شيء، ولأنّ صفات الكمال التي هي من لوازم الذات الواجب هي خاصة لله تعالى ومعدومة في غيره، وبطلان اللازم يستلزم بطلان الملزوم، لذلك لا يكون غير الله ذاتا واجبا، والوجوب هو عين الحقيقة أو لازم الحقيقة فلم يشرك غير الله مع الله في الحقيقة، فبطلت الجنسية.
والآن تذكر دلائل صفات الكمال المختصة بذات الله تعالى أما أولا فـ {له ما في السماوات والأرض{ وثانياً: مع كون الكائنات في ملكيته {كل له قانتون} أيضاً، يعنى لا يقدر أحد أن يكون غالبا على تصرفات قدرته كالإحياء والإماتة، أو يبدل الأحكام الشرعية. وثالثاً هو {بديع السماوات والأرض} ورابعاً: هويتمكن من الإيجاد بحيث {إذا قضى أمرا} كالإيجاد، {فإنما يقول له كن فيكون} فلا يحتاج في الإيجاد إلى الآلات والأسباب والصُناع والأعوان، وهذه الأربع لا توجد في غير الله تعالى، وهي من البديهيات عند الذين يدعون أنّ لله ولدا، فثبت الاختصاص بذاته تعالى، وتمّت الحجة.

لطائف التفسير:
1ـ إنّ تقدير بعض الملائكة لبعض الأعمال الخاصة كالمطر والرزق و… وهكذا استعمال الأسباب والمواد والقوى، كلها تبتني على الحكمة الإلهية، وليست هي لأجل أن يتخذها الناس قاضية الحاجات، وليستعينوا بها في حوائجهم؛
2ـ قال البيضاوي: «إنّ أرباب الشرائع المتقدمة كانوا يطلقون الأب على الله تعالى باعتبار أنّه السبب الأول حتى قالوا: إنّ الأب هوالرب الأصغر، والله سبحانه وتعالى هوالأب الأكبر، ثم ظنت الجهلة منهم أنّ المراد به معنى الولادة، فاعتقدوا ذلك تقليداً، ولذلك كفّر قائله، ومنع منه مطلقا حسماً لمادة الفساد.»
(تفسير البيضاوي: 1/257، ط: دارالكتب العلمية، بيروت.)

****

وَقَالَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ لَوْلَا يُكَلِّمُنَا اللَّـهُ أَوْ تَأْتِينَا آيَةٌ ۗ كَذَٰلِكَ قَالَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِم مِّثْلَ قَوْلِهِمْ ۘ تَشَابَهَتْ قُلُوبُهُمْ ۗ قَدْ بَيَّنَّا الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ ﴿١١٨﴾

التفسير المختصر
{وقال الذين لا يعلمون} أي الجاهلون من اليهود والنصارى والمشركين عنادا لرسول الله: {لولا يكلمنا الله أوتأتينا آية} سواء كان هذا الكلام بغير واسطة الملائكة، كما يكلم الملائكة، أو كان بواسطة الملائكة كما يكلم الأنبياء بالوحي ثم يبين لنا في ذلك الكلام أحكامه لئلا تكون حاجة إلى رسول آخر، أو يقول لنا على الأقل أن محمدا رسول الله، فنؤمن برسالته ونظلّ مطيعين له، اعتبر الله تعالى كلامهم هذا كلاما ناشئا من الجهل وقال: {كذلك قال الذين من قبلهم مثل قولهم} وعلم أن هذا الكلام لم تكن نقطة مهمة بل هكذا رموها رجما بالغيب، ثم بيّن الله تعالى منشأ هذا الكلام حيث قال: {تشابهت قلوبهم} في الزيغ لأجل هذا تظهر أقوال متشابهة منها، ثم بيّن الرد على هذا الكلام، ولما أن الجزء الأول من كلامهم كان مبنيا على الحماقة بحيث زعموا أنفسهم متساوين في الدرجة مع الملائكة أو الرسل فكان بديهيا البطلان، فأهمل الرد عليه واكتفى بالرد على الجزء الثاني حيث قال أنتم تبحثون عن بينة واحدة مع أننا ذكرنا بينات كثيرات لإثبات الرسالة المحمدية فقال: {قد بينا الآيات لقوم يوقنون} وتلك البينات كافية لمن يريد الحق واليقين والاطمئنان، لكن المعترضين الذين يريدون العناد والمخالفة لا يقصدون التحقيق، فلا أحد مسئول عن تسلية قلوبهم ولا إشفاء ضمائرهم.

لطائف التفسير:
كانت اليهود والنصارى أهل كتاب، وكان فيهم علماء، رغم ذلك اعتبرهم الله جهالا؛ لأنهم أصروا على إنكار الحقائق رغم الدلائل المقطوعة والبينات الواضحة الكثيرة التي أقيمت لهم، فإن لم تكن هذه جهالة فماهي الجهالة إذن!؟ ثم إنهم تكلموا بما يتكلم به الجهال، فاعتبرهم الله تعالى في مجموعة الذين لايعلمون.
****

النهي من أتباع أهل الكتاب
إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا ۖ وَلَا تُسْأَلُ عَنْ أَصْحَابِ الْجَحِيمِ ﴿١١٩﴾

التفسير المختصر
لما أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث رحمة للعالمين كان من الممكن أن ينكسر خاطره صلى الله عليه وسلم نتيجة جهالة الكفار وعنادهم، أو يصبح كئيبا حزينا على رفضهم الإيمان؛ لأجل هذا أنزل الله تعالى الآيات التالية تسلية له وشفاء لصدره فقال: {إنا أرسلناك بالحق بشيرا} للمومنين، {ونذيرا} للكافرين، {ولا تسأل عن أصحاب الجحيم} أي:لا تؤاخذ على عدم إيمانهم ودخولهم النار، فقم أنت بأعمالك، ولا تجعل نفسك باخعا على إنكار أحد.

وَلَن تَرْضَىٰ عَنكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَىٰ حَتَّىٰ تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ ۗ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّـهِ هُوَ الْهُدَىٰ ۗ وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُم بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ ۙ مَا لَكَ مِنَ اللَّـهِ مِن وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ ﴿١٢٠﴾

التفسير المختصر
{ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم} وهذا من المحال أن تتبع ملتهم، فرضاهم عنك أيضا مستحيل، فإذا صدر مثل هذا الكلام على لسانهم: {قل إن هدى الله هو الهدى} وثبت بالدلائل أنّ هذا الهدي متحقق في الدين الإسلامي، فإلاسلام هو طريق الهدي، {ولئن اتبعت أهواءهم بعد الذي جاءك من العلم ما لك من الله من ولي ولا نصير} وإتباعك لملتهم مستحيلة لأنها تستلزم المحال؛ لأنك بعد ثبوت الحقيقة لك بالوحي لو أتبعت أهوائهم التي يزعمونها دينا لهم – وهي في الحقيقة مجموعة من الأهواء والمزاعم الباطلة بسبب تحريف بعضها ونسخ الآخر- سخط الله منك، ومحال أن يسخط الله منك لأن رضى الله تعالى ثابت عنك على الدوام بالدلائل القطعية، فالإتباع المذكور أيضا محال، وبغير الإتباع لا يمكن تحقيق رضاهم. فلا سبيل لتحقيق مثل هذا الرجاء، إذن لا تُشغل به بالك.

الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ أُولَـٰئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ ۗ وَمَن يَكْفُرْ بِهِ فَأُولَـٰئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ ﴿١٢١﴾

التفسير المختصر
في الآيات السابقة جرى ذكر اليأس الكامل من إيمان معاندي أهل الكتاب، وحسب العادة تطرق القرآن الكريم إلى بيان أحوال المنصفين من أهل الكتاب الذين آمنوا برسول الله واتبعوه بعد ما اتضح لهم الحق، فقال الله تعالى فيهم: {الذين آتيناهم الكتاب} التوراة والإنجيل {يتلونه حق تلاوته} يبذلون قوتهم العلمية في فهم مطالب تلك الآيات، ويستخدمون قوتهم الإرادية في اتباع الحق {أولئك يؤمنون به ومن يكفر به فأولئك هم الخاسرون} حيث يخسرون الثمرات التي تترتب على الإيمان.
****

تذكير اليهود بالنعم وتخويفهم من الآخرة

يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ ﴿١٢٢﴾ وَاتَّقُوا يَوْمًا لَّا تَجْزِي نَفْسٌ عَن نَّفْسٍ شَيْئًا وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلَا تَنفَعُهَا شَفَاعَةٌ وَلَا هُمْ يُنصَرُونَ ﴿١٢٣﴾

التفسير المختصر
انتهى بيان المطالب الخاصة عن بني إسرائيل في الآيات السابقة. وسنذكر في الآيات التالية إجمال ما فيه تمهيد لتلك المطالب المفصلة مرة أخرى، والغرض من هذا الإجمال أن يتقرر بهذا التكرار في الذهن التذكير بالعام والخاص بغية الترغيب، وأن يتقرر في الذهن تذكيرهم بيوم القيامة بغية الترهيب؛ لأن المقصود الرئيسي هي الكليات التي يسهل استحضارها بسبب الاختصار، ويسهل حفظ تفاصيلها بسبب شموليتها وانطباقها، وهذا أسلوب بليغ في الخطاب أن يكون قبل الكلام المفصل المطول تمهيد مجمل يعين على فهم كافة التفاصيل، وأن تعاد في الختام أيضا نتيجة أو خلاصة لذلك المفصل. مثلا يقال: الكبر خصلة مضرة، الضرر الأول فيها فلان والضرر الثاني فلان والضرر الثالث فلان، وتعدّ عشرة أو عشرين مضرة، ثم يقال في النهاية الخلاصة: التكبر خصلة مضرة، بهذ الأسلوب جرت إعادة هذه الآيات هناك: {يا بني إسرائيل اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم} في الأحوال المختلفة {وأني فضلتكم على العالمين واتقوا يوما} يوم القيامة {لا تجزي نفس عن نفس شيئا ولا يقبل منها عدل ولا تنفعها شفاعة ولا هم ينصرون}.

تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مزيد من المقالات