اليوم :4 December 2024

في حوار مع الشيخ السيد محمد شافي القريشي، مفتي الشافعية في منطقة طالش؛

أهل السنة في شمال إيران (محافظتي جيلان وأردبيل)

أهل السنة في شمال إيران (محافظتي جيلان وأردبيل)

الملاحظة: الشيخ السيد “محمد شافي القريشي”، يعد من العلماء والشخصيات البارزة الخادمة للدين بين أهل السنة في إيران، وهو مفتي الشافعية في منطقة “طالش” الخضراء في محافظة جيلان، شمال إيران.
قامت مجلة “نداي إسلام” الفصلية التي تنشر تحت إشراف جامعة دار العلوم زاهدان، بحوار مع فضيلته، وطرحت على سماحته بعض الأسئلة بشأن حياته الشخصية، ونشاطاته العلمية، وأحوال أهل السنة شمال إيران، خاصة في محافظتي “جيلان” و”أردبيل”. وفي ما يلي نص هذا الحوار.

سماحة الشيخ القريشي! في البداية نود أن تكون لنا نظرة تاريخية عابرة إلى المناطق السنية شمال البلاد، لا سيما في منطقتي “جيلان” و”أردبيل”. ما هي رؤيتكم لتاريخ هذه المناطق؟
بسم الله الرحمن الرحيم. هذه المنطقة لها تاريخ حافل بالتقلبات والتغيرات. قبل سيطرة الصفويين، كان جميع أهل هذه المناطق من أهل السنة والجماعة وعلى المذهب الشافعي. وجود علماء وفقهاء كالشيخ يوسف الأردبيلي صاحب كتاب “الأنوار” في الفقه الشافعي الذي ألف باللغة العربية، والإمام عبد القادر الجيلاني الذي بلغ صيته الآفاق، أكبر شاهد على كلامنا. بعد أن قام الصفويون، سلاطين الجور والظلم، بارتكاب الجرائم والمجازر بحق الناس في هذه المنطقة كغيرها من المناطق، اضطر الناس إلى تغيير مذهبهم حفظا لأرواحهم وأموالهم، إلا بعض الجماعات التي استطاعت أن تحفظ دينها بالحكمة، وتتحمل الجور والهجمات كلها.
لا شك أن للعلماء كان دور مؤثر في حفظ دين هؤلاء، بحيث استطاعوا أن يبقوا على مذهبهم أهل السنة والجماعة في جوار عاصمة الصفويين. في الحقيقة استطاع علماء الدين والشخصيات البارزة في شمال إيران أن يحافظوا على مذهبهم ومذهب أتباعهم بالحكمة والدراية، ويقفوا في سبيل ذلك موقفا عظيما، وإن قبلوا بعض العادات والتقاليد والبدع ننتيجة الاضطرار وتعاملوا بها، والحمد لله تركت الكثير من تلك البدع مع مرور الزمن.

لو تقدمتم بصورة وصفية عن نشاطاتكم، وتاريخ أسرتكم، ومراحل دراستكم ليتعرف القراء أكثر عليكم.
أنا السيد محمد شافي قريشي، نجل المرحوم المطهر القريشي. ولدت سنة 1360 من الهجرة في قرية ميناباد الحدودية التي تقع على بعد 25 كم من مدينة أردبيل. أمضيت التعليم الابتدائي في أسرتي في قرية ميناباد التي كانت مكان تعلم القرآن الكريم وتعليم القرويين. وقضيت المرحلة التمهيدية لدراسة العلوم الشرعية على والدي السيد مطهر وعلى جدي السيد جميل قريشي وكذلك السيد ملا احمد هاشمي رحمهم الله.
ثم لما كنت في السادس والعشرين من عمري، سافرت إلى كردستان الحبيبة لمتابعة التعلم. مكثت قرابة تسعة أشهر في سنندج، وأكملت بقية المرحلة الدارسية في مدرسة العلوم الدينية في المسجد الجامع لمدينة مهاباد، وحصلت على شهادتين علميتين شرعيتين بعد مضي سبع سنوات، الأولى شهادة الإفتاء في المذهب الشافعي رحمه الله، والأخرى شهادة التدريس في العلوم العقلية والنقلية.
الأساتذة والعلماء والمشايخ الكبار الذين تلمذت عليهم وتعلمت منهم، أسمائهم كالتالي: ماموستا ملا حسين مجدي، وماموستا ملا خالد وحيد دربندي، وماموستا ملا عبد الكريم شهري كندي، وماموستا ملا أحمد عباسي، وماموستا ملا شيخ عز الدين حسيني، وماموستا ملا أحمد فرهنك، وماموستا عزيز تأييد، وماموستا ملا عبد الله سعادتى، رزقهم الله الرضوان وأسكنهم في بحبوحة الجنان.

ما الذي حملكم على أن تسافروا إلى كردستان في السادسة والعشرين من عمركم لمتابعة الدراسة؟ ألم يكن متأخرا؟ ولماذا كل هذا التأخير؟
كان هذا هو المقدر. كنت أشتاق إلى دراسة العلوم الشرعية كثيرا، ولما كنت في خدمة العلم في مهاباد، كنت أدعو في ليالي القدر، وأطلب من الله تعالى أن يوفقني لدراسة العلوم الشرعية أو يجعل الموت نصيبي إن لم أكن جديرا بدراسة العلوم الشرعية، لئلا أرى شعبي يبقى هكذا بغير العلم والعلماء والدعوة.
الذي يعرف منزلة العلم وقيمته وأهميته يهتم بدراسته مادام حيا. أعتقد أن هناك أربعة أشياء من فلاح المرء في الدنيا والآخرة: العلم مع الإيمان، والعمل المقرون بالإخلاص. وأول الخطوات نحو الفلاح هو التعلم.
قال جدي الكبير سيدنا علي رضي الله عنه: تعلم يا فتى فالجهل عار*** ولا يرضى به إلا حمار.
وقال أيضا: ليس اليتيم الذي قد مات والده*** بل اليتيم يتيم العلم والأدب.
كنت أحب منذ الصغر دراسة العلوم الشرعية، ولما اتجهت إلى كردستان، كانت لدي معلومات دينية جيدة، وقد نظمت بعض القصائد والأشعار أيضا.
من أسباب تأخري، مخالفة والدي رحمه الله لهذا السفر. والدي لم يعتن بإضرابي عن الطعام أيضا، حيث اضطررت أن أنقض إضرابي عن الطعام. والدي المرحوم كان لديه دلائله، منها إعراض الناس وعدم دعمهم للعلم والعلماء والأوضاع الزمانية والمكانية، وكان يقول: هؤلاء الناس لا يحتاجون إلى عالم مفكر، بل يحتاجون إلى إمام حي، وعالم قرية (ملا قرية) وأنت صرت عالم قرية أو إمام حي.
لكني كنت أختلف مع والدي، وكنت أعتقد أن وجود العلماء والدعاة لإحياء الدين وتبليغه ونشر تعاليم الشريعة ضروري ومهم، لكن مع الأسف عددهم قليل في منطقتنا، ومقبل إلى الانقراض. إضافة إلى ذلك كانت أسرتنا مرجع الناس في الأمور الدينية عبر التاريخ، وإن لم أقم بهذه المسؤولية لم يكن هناك شخص آخر يذهب لدراسة العلوم الشرعية. وكنت أقول لا ينبغي أن تنقطع هذه السلسة العلمية، ولا ينبغي أن يترك هذا الفرض الذي هو فرض كفاية فيأثم الجميع.
الشيخ الأستاذ هارون الشفيقي الذي كان أكبر علما من والدى، رتب لي إذن السفر، وشجعني على أن أسافر لطلب العلم. فشملتني التوفيقات والتأييدات الإلهية، حيث جاوزت الموانع والحواجز كلها وغضضت الطرف عنها، واتجهت في السادسة والعشرين من عمرى نحو كردستان لطلب العلم. الحمد لله والمنة فقد تغمدني الله تعالى بتوفيقات من حيث لم أحتسب.

تحدثوا لنا من الأيام الابتدائية بعد التخرج، وبداية نشاطاتكم الدينية والتوجيهية في المنطقة؟ كيف وأين بدأتم نشاطكم؟ بأي مشكلات واجهتم في البداية، وما التدابير التي اتخذتموها للخروج من تلك المشكلات؟
أثناء الدراسة كنت أقوم بالدعوة والتبليغ وتعليم الدين وتثقيف الناس في قرى منطقة “عنبران” في فرصة العطلات الصيفية، وكذلك شهر رمضان المبارك.
هذه النشاطات كانت نوعا من التدريب لي، وكان سببا لأن أتطرق بعد التخرج بالدعوة والتوجية مع تجارب ووعي أكثر.
رغم أني ذقت مرارات كثيرة في هذا المجال، وتحملت مصائب كثيرة، لكن حلاوة النجاحات كانت ممتعة بالنسبة لي. الشعب المتعطش للحقيقة يحضرون صلاة الجمعة والجماعات وصفوف تعليم الأحكام والتعاليم الدينية وتدريس القرآن برغبة واشتياق. تخلوا قليلا فقليلا عن الأعمال الشركية والخرافات وأقبلوا إلى التوحيد والسنة والحقيقة، واستقروا على الصراط المستقيم. كنت آخذا ميثاقا مكتوبا من جميع المكلفين أن يعملوا على القرآن والسنة، ولا يفعلوا ما يخالف الشريعة، والناس كانوا يقبلونه، والحمد لله على ذلك.
كنت أعلّم الناس مسائل دينهم، وأثقفهم، وأقوم بالإصلاحات في المناطق السنية منذ سنة 1388 إلى 1400 بكامل الحرية والأمن، ومن غير قلق واضطراب وتدخل من جانب المسؤولين الحكوميين.
وقد تقدم برنامج بناء المساجد والمدارس وإعمارها، وتعليم الطلبة وتربيتهم وتوجيهم بشكل مناسب، وأكثر مما كنت أتوقع، وهذا من فضل ربي.
لا يفوتنا أن نذكر أن البعض من بني جلدتنا الحسودين والبعض من الأجانب العنيدين لم يستيطوا تحمل هذه الخدمات والتقدمات، فقاموا بتلفيق الجريمة، وتزوير الملف القضائي ضدي، لذلك قضيت مدة في المعتقل والسجن. وأشكر الله تعالى على أني كنت مظلوما في ذلك ولم أكن ظالما. ليعلم الجميع أن الإنسان إذا وقع مظلوما، خير من أن يكون ظالما. أن يُقتل مثل هابيل بغير حق، أفضل من أن يَقتل مثل قابيل بغير حق. أن يؤكل حق الإنسان خير من أن يأكل هو حق الغير.
لكن لما أن الله تعالى قال: “والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين” واصلت جهودي ومساعي، مؤمنا بأن التأييدات الربانية ونصره يكون حليفا لي. فهداني ربي إلى كافة الطرق.

مولدكم كانت قرية في محافظة أردبيل. ما الذي حدث حيث هاجرتم إلى طالش وإلى محافظة جيلان، وسكنتم في هذه المنطقة؟
في الوقت الذي كنت مشتغلا بالنشاطات الدينية والثقافية في قرى المناطق السنية في أردبيل، كانت لدي برنامج للدعوة والتبليغ في منطقة آستارا وطالش. البعض من عشيرتي الأقربين كانوا يسكنون طالش. كنت معلما للقرآن في طالش نحو ثلاث سنوات في شبابي. بعد إكمال الخدمة العسكرية، كان لي محل تجاري في طالش لمدة ست سنوات، و بعد التخرج كنت أدعى للخطابة والتبليغ في مجالس التعزية في آستارا وطالش ورضوان شهر، إضافة إلى ذلك كانت حاجة هذه المناطق أكثر من حاجة المناطق السنية في أردبيل. حضوري في طالش كان سببا لتأسيس المسجد الجامع لأهل السنة في “هشتبر” بطالش، كما أسست مدرسة دينية للبنين وأخرى للبنات فيها أيضا. يبلغ عدد المساجد التي كنت أشرف على إعمارها وبنائها وتقام الجمعة والجماعات فيها يبلغ 15 مسجدا.
والآن أصبحت هاتان المدرستان مركزين للعلم والثقافة ومرجعين دينيين ومكانين للتعليم البنين والبنات. وهذا كله من فضل الله تعالى.

ماهي الخدمات الأخرى التي قدمت فضيلتكم إلى الدين والمتدينين في هذه المنطقة سوى تأسيس المساجد والمدرسة الدينية والتدريس والتبليغ؟
وفقنا الله تعالى على تعميم ثقافة تعلم القرآن الكريم في مناطق ومساجد أهل السنة في محافظتي أردبيل وجيلان بتعاون مع العلماء المشفقين والطلبة المجتهدين. كما تحقق بجانب تعلم القرآن الكريم تعليم العقائد والأحكام الدينية، وزادت الرغبة نحو الدين والتدين.
كما بذلت جهودا كبيرة في تصحيح العقائد الدينية، والأعمال العبادية، واستئصال جذور البدع والشركيات والأعمال المغايرة للشريعة، وإزالة الخرافات من بعض مناطق أردبيل وجيلان.

كيف أحوال وأضاع أهل السنة الآن في محافظتي “أردبيل” و”جيلان” مع توسع النشاطات الدينية؟
يسكن أهل السنة في محافظتي “جيلان” و”أردبيل” في عدد من المدن والقرى الكثيرة. أوضاعهم الراهنة أحسن من الماضي. كان أهل السنة في الماضي في “آستارا” و”طالش” و”رضوان شهر” يقيمون الجمعة في ثلاثة أماكن. لكن الآن والحمد لله لديهم أكثر من خمسين صلاة جمعة في المناطق المذكورة، والبعض منها مؤثرة ومفيدة. الأذان للصلوات الخمس، وصلاة الجمعة والجماعات، وسنة التراويح، وجلسات ختم القرآن الكريم، وإقامة صفوف القرآن الكريم والأحكام، والجسات الدينية، انطلقت خلال العقود الأربعة الأخيرة، ولا تقاس بالسابق، وزالت الكثير من الطقوس والعادات السيئة الماضية في المنطقة.
تقام الجمعة والجماعة في محافظة “أردبيل” في مدنية “عنبران” وسائر القرى السنية، لكن مدينة “نمين” التي يسكن فيها ثمانمئة عائلة سنية لا يمكلون مسجدا، ولا يسمح لهم مع الأسف ببناء مسجد. وأهل السنة في هذه القرية مضطرون إلى أن يذهبوا لإقامة العيدين وصلاة الجمعة والترايح إلى القرى الأخرى.
بالنسبة إلى منطقة “خلخال” في محافظة “أردبيل”، يسكن أهل السنة في مدينة “هشتجين”، والكثير من القرى المحيطة بها، مثل قرية “كجل”، و”شمس آباد”، و”ديز”، و”كزج”، و”مزرعة” و…. توجد أكثر من اثنتي عشرة قرية سنية في تلك المنطقة.
تقام الجمعة والعيدين والتروايح في هذه القرى وفي مدينة هشتجين. الحمد لله والمنة، التعايش بين الشيعة والسنة سلمي في محافظتي “أردبيل” و”جيلان”، ويوجد الاحترام المتقابل، وسيزداد الوضع تحسنا لو اجتنب المتطرفون من إثارة الطائفية والاختلافات.
مساجد أهل السنة في محافظتي “جيلان” و”أردبيل” أقل بالنسبة إلى أهل السنة في سائر المناطق في إيران. فأهل السنة في “طالش” لديهم حاجة ملحة إلى إعمار خمسة مساجد في نواحي مختلفة من المدينة. في مدينة “نمين” كما قلت ليس لأهل السنة مسجد واحد. في قرية “مينا آباد” التي يسكن فيها ثلاثمائة عائلة من أهل السنة، يوجد لهم مسجد واحد فقط، ويحتاجون إلى ثلاثة مساجد أخرى أيضا. في قرية “ويزنه” من توابع طالش هناك حاجة إلى أربعة مساجد، بينما لديهم الآن مسجد واحد فقط. هكذا الوضع في منطقة رضوان شهر.
مع الأسف ليست لأهل السنة مساجد بقدر حاجتهم.

كيف العلاقة بين سكان المنطقة وعلمائهم ومراكزهم الدينية؟
الحمد لله، أهل المناطق السنية في محافظتي “جيلان” و”أردبيل” كسائر أهل السنة علاقتهم جيدة مع العلماء والمراكز الدينية، ودعمهم للعلماء المشفقين جدير بالإشادة. أهل السنة يعرفون جيدا أن الصلة والعلاقة مع العلماء ضروري جدا، لذلك يعرفون مكانة علمائهم ويحترمونهم.

نظرا إلى نشاطاتكم في مجال الدعوة والتبليغ، ما هي توجيهاتكم للدعاة في الظروف الراهنة؟
كل داع يجب أن يكون متصفا بهذه الصفات الأربع التالية: الأول: العلم مع الحلم والفهم والدراية. الثاني: الإيمان القوي الذي يثبت الداعي في سبيل دعوته، ويكون سببا في أن لا يتسرب اليأس إلى الداعي. الثالث: العمل على القرآن الكريم والسنة المحمدية السنية، كما فهم الصحابة وأهل بيت سيد المرسلين رضوان الله تعالى عليهم. الرابع: الإخلاص، والإخلاص مهمّ جيدا.
في عصرنا يجب أن يكون تركيز الدعاة على الوحدة والانسجام بين المسلمين، والتصدي للطائفية والاستبداد. يجب أن ينهوا عن التكفير، واللعن، والإساءة، ويؤكدوا على الأخوة الإسلامية، والأخلاق، والآداب الإسلامية، والصداقة، والمحبة الإسلامية، والعفو. يجب أن تكون مواجهتهم للشرك والبدع بوعي وعلم وحكمة. هكذا مع الفحشاء والمنكرات. لا ننس أن الموانع والمشكلات كثيرة أمام سبيل الدعوة ويواجهها الدعاة. للوصول إلى الهدف النهائي لا بد من مجاوزة الموانع والعراقيل.

برأيكم ما هو الدور الذي يجب أن يقوم به العلماء والنخب والمثقفون في الظروف الراهنة؟
العلماء والنخب والمثقفون يجب أن يقوموا بالدور الذي قام به الأنبياء عليهم الصلاة والسلام عبر التاريخ. العظماء ورجال الدعوة والفكر القدامى تركوا من ورائهم ميراثا عظيما من التجارب المفيدة والقيمة.
يجب أن نقتدي بهم ونسلك الطريق الذي سلكوه، ستكون النتجية مفيدة في هذه الصورة بإذن الله تعالى. في العصر الحاضر، مع وجود وسائل التواصل الاجتماعي المتنوعة وأدوات الدعاية والإعلام، لا يبقى عذر للعلماء والدعاة لتبليغ الدين وتثقيف الناس ودعوتهم إلى الحق.

سماحة الشيخ القريشي! فضيلتكم من العلماء المشهورين لأهل السنة في البلاد، ولكم علاقات جيدة مع سائر علماء أهل السنة في المناطق الأخرى، لا سيما في منطقة بلوشستان، وتتحملون منذ سنوات عناء السفر إلى هذه البلاد، وتشتركون في الاجتماعات، وخاصة الاجتماع السنوي الذي يعقد بمناسبة تكريم خريجي جامعة دار العلوم زاهدان. تحدثوا لنا عن هذه العلاقة والصلة وضرورتها.
قال الله تعالى: “إنما المؤمنون إخوة”، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “المؤمن أخو المؤمن”. هذه الأخوّة تضاعف ضرورة الصلة والاتصال
بين المؤمنين. الاتصال واللقاء بين المؤمنين لازم وضروري، لذلك فرضت صلاة الجمعة، والجماعات والعيدين، ومناسك الحج والعمرة، ولها أهمية كبيرة.
أعتقد أن تعقد اجتماعات مثل هذه في مناطق مختلفة لأهل السنة ليلتقي المؤمنون بعضهم ببعض، ويتجدد ميثاق وعهد الأخوة بينهم.

كيف تنظرون إلى شخصية فضيلة الشيخ عبد الحميد، ونشاطاته واتجاهاته الفكرية والسياسية والاجتماعية؟
فضيلة الشيخ عبد الحميد حفظه الله من النعم الإلهية العظيمة وهبها الله تعالى لشعبنا. شخصية مصلح ومخلص، ذو أفق وتفكير واسع، لا يكل ولا يمل، يريد خير البشرية كلها ولا سيما الشعب الإيراني، وخاصة يُعدّ لأهل السنة مشفقا ورحيما.
وجهات نظره وسلوكه وتعامله مستلهم من سيرة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، لذلك يعرف مكانته وقدره أهل السنة والمنصفون من الشيعة، ويحبونه.

يرى البعض أن أهل السنة في إيران فرصة للنظام الإيراني، وعلى المسؤولين أن يستفيدوا من هذه الفرصة. ما رأيكم؟
ما أشرتم إليه، رأي مقبول ويوافق الحقيقة، يقر به الكثيرون من المسؤولين. فلو نبذت العصبيات المذهبية، واجتنب المغرضون والمستبدون الاختلافات وإثارة الفتن، وروعيت حقوق أهل السنة، لا شك أن أهل السنة سيدعمون النظام أكثر من الشيعة.

في الختام إن كانت لكم رسالة للقراء فتفضلوا.
أعتقد أن أعداء الوحدة ومثيري الفتنة يفرقون بين الناس، ويجعلون بعضهم ضد بعض. إنّ حلّ مشكلاتنا ومشكلات سائر المسلمين يكمن في العودة إلى الكتاب والسنة وإجماع علماء المسلمين. قال الله تعالى: “فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا”. وكذلك قال: “ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءتهم البينات وأولئك لهم عذاب عظيم”. وكذلك قال الله تعالى: “ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم”.
التقيت أربع مرات بالعلامة “عبد العزيز” رحمه الله (مؤسس جامعة دار العلوم زاهدان)، وفي كل مرّة كان يقول مؤكدا: لا تختلفوا ولا تتفرقوا، واجتنبوا الاختلاف والتفرق بكل قوة، واعلموا أن أعظم مصيبة وبلاء بين قوم وشعب هو التشتت والافتراق والاختلاف.
في صدر الإسلام كل تلك القوة المثيرة للإعجاب، وكل ذلك التقدم الشامل، وكل تلك القدرات والانتصارات الخارقة للعادة، كانت بسبب أن المهاجرين والأنصار كانوا تابعين للقرآن والسنة وعاملين عليهما. كانوا يمتثلون أوامر الله تعالى وينتهون عن نواهيه من سويداء قلوبهم، وكانوا يجتنبون من الاختلافات والنزاعات والتفرقات. بناء على هذا الاتحاد والانسجام والتضامن، حققوا أهدافهم السامية. علمهم وعقلهم كانا مسيطرين على أهواء النفس ونزعات الشيطان، وعقائدهم كانت توحيدية.
ولا شك في أن صلاح الأمة وفلاحها في عصرنا أيضا أن تتخذ أسلوبهم ومنهجهم وسيرتهم، وتستسلم لحاكمية القرآن والسنة، وتجعل هذين الأساسيين فصل الخطاب في حياته.
والسلام عليكم جميعا ورحمة الله

تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مزيد من المقالات