اليوم :29 March 2024

نبذة عن شخصية الشيخ الفقيد المفتي احتشام الحق رحمه الله

نبذة عن شخصية الشيخ الفقيد المفتي احتشام الحق رحمه الله

الشيخ الفقيد المفتي احتشام الحق آسيا آبادي رحمه الله تلميذ المفتي الأعظم بالديار الباكستانية سابقا المفتي محمد شفيع العثماني رحمه الله والشيخ المفتي رشيد أحمد لدهيانوي رحمهما الله، وهو المفتي الكبير بمنطقة مكران في بلوشستان باكستان، عضو "لجنة الأمن" في قطاع مكران بولايت بلوشستان، مشرف وسكرتير "منظمة اتحاد المدارس العربية" بمكران، ومؤسس ومدير "الجامعة الرشيدية" بآسيا آباد، وأستاذ مئات العلماء.
اغتيل الشيخ احتشام الحق، عبر إطلاق النار، بيد مهاجمين مجهولين مع نجله الفاضل شبير أحمد يوم الأحد الموافق لـ 19 شوال 1437 ه.ق. فنالا درجة الشهادة الرفيعة. 
والعجالة التي بين أيديكم هي بصدد التعرض العابر لشخصية هذا الشيخ الفقيد من الولادة إلى الشهادة:

الولادة والدروس الابتدائية:
ولد المفتي احتشام الحق رحمه الله في قرية نائية من مدينة "كيج" في قطاع مكران ببلوشستان باكستان، في 13 ربيع الأول 1368 ه.ق. الموافق لـ 12 نوامبر1948 م. في أسرة يعولها رجل فلاح. كانت الأمية تلمس في المنطقة التي ولد فيها الشيخ بشدة، بحيث قد كانت الأموات تدفن من غير أن يصلى عليها، لعدم وجود من يقدر على الإمامة، وأبوه كان فلاحا يقضي جل أوقاته في الأراضي الزراعية. تلقى العلوم الابتدائية في المدرسة الابتدائية التابعة لآسيا آباد، وبجنب هذه الدروس أيضا كان يتعلم القرآن الكريم من ملا محمد مراد، وكان رجلا متدينا في القرية يحسن قراءة القرآن.
سافر إلى " نظر آباد" لتعقب الرحلة العلمية في المدرسة الثانوية، ثم التحق بمدرسة "مفتاح العلوم" بنجغورلكسب العلوم الدينية، وقد استطاع أن يفرغ في سنتين من الكتب المقررة لثلاث سنوات، مما يدل على نبوغه وعبقريته، وكان شديد الحرص بالمطالعة، يقضي أكثر أوقاته في مطالعة الكتب.

السفر إلى كراتشي:
في عهد الطلب في بنجغور قرع سمعه اسم المفتي رشيدأحمد لدهيانوي رحمه الله، فاتصل به عبر المراسلة، وعندما ذهب بعد فترة إلى كراتشي لمتابعة الرحلة العلمية، تشرف هناك بزيارته والتحق بدار العلوم كراتشي بإشارة منه، وعندما كان يدرس في دار العلوم
كراتشي كان يذهب أيام الجمعة إلى مسجد المفتي رشيد أحمد لاستماع مواعظه، ومن السنة الرابعة الدراسية -حسب المنهج الدراسي في باكستان- بدأ درس الإفتاء لدى الشيخ رشيد أحمد، وبعد التخرج من جامعة دار العلوم كراتشي عام 1975 م. سجل
اسمه في فرع كتابة الفتوى في "دار الإفتاء والإرشاد"وتمكن خلال هذه الفترة من الرد على مئات المسائل الفقهية، تحت إشراف المفتي رشيد أحمد رحمه الله، كما حبّر أيضا أكثر من 24 بحثا وتحقيقا، وفي نفس الوقت كان يختلف كل ليل إلى بيت الشيخ رشيدأحمد، ويبقى عنده إلى الساعة ال 11 ليلا للاستفادة منه.عندما عجز المفتي أكمل رحمه الله عن الإجابة عن أسئلة الناس جراء حادثة حدثت له، فكانت مسائل دار الإفتاء "جيك لاين" أيضا (التي كان يرأسها المفتي أكمل) توجه في هذه الفترة إلى الشيخ رشيد أحمد، وكان المفتي احتشام الحق، يقوم بالرد عليها، ثم يريها المفتي رشيد أحمد، وبعد تصويب الشيخين المفتي رشيد أحمد والمفتي أكمل رحمهما الله، ترسل إلى المستفتي.

تأسيس الجامعة الرشيدية:
بعد الفراغ من التخصص في قسم الفقه، عند المفتي رشيد أحمد -رحمه الله- رجع إلى بلده، مع دلالة الأستاذ، وفي شعبان سنة 1396 ه.ق. الموافق لـ 1976 م. بادر بتأسيس «الجامعة الرشيدية » بآسيا آباد، ومنذ انطلاق المدرسة فتح جميع الفصول فيها من المرحلة الابتدائية إلى مرحلة الإفتاء والقضاء، وفي ذلك العهد لم يكن متخصص في الفقه الإسلامي على صعيد منطقة مكران.
ومتزامنا مع بدء مزاولة مهنة التدريس في الجامعة الرشيدية، بدأ التدريس تحت شجرة برية أيضا، وصدّر تعليم القرآن في هذه المدرسة، وكان أول تلميذه الشيخ الحافظ خداداد. اشتغل الشيخ رحمه الله بالتدريس في هذه المدرسة منذ تدشينها إلى أن شرب كأس الشهادة، وفي أثناءهذا كان قد يشتغل بتدريس العلوم الدينية في جامعةالرشيد بكراتشي، وفي اليوم الذي استشهد ألقى آخر درس في حياته دبر صلاة العصر، ثم جاء نبأ شهادته بعد 45 دقيقة تقريبا.

النشاطات السياسية:
دخل المفتي احتشام الحق ميدان السياسة أيضا، بدأ بالنشاط في حزب "جمعية علماء الإسلام" بباكستان في ضوء دلالات شيخه وأستاذه، كما لعب أيضا دور الأمير في الحزب لمدة غير يسيرة في مدينة "تربت"وتعرض الشيخ لتبيين مكانة "المذهب" و"السياسة"
على حدة، كان يرى أن السياسة ليست للتوصل إلى المنافع الشخصية والحزبية بل لخدمة الناس، وأن الإسلام يشكل أكبر داع إلى سياسة هذا شأنها.

الخدمات العلمية:
قد اشتغل الشهيد المفتي احتشام الحق في ضمن النشاطات الدينية والسياسية بعمل التأليف، ووفق لتأليف عدة كتب في موضوعات مختلفة، كما ترجم أيضا بعض الكتب المفيدة.

وفيما يلي بعض خدماته في هذا المجال:
قد ألف كتبا برأسها في الرد على الفرقة الذكرية ك :"ذكرى دين كى حقيقت" و"ذكرى مذهب كى عقائد وأعمال" و "ما هي الذكرية؟ قام بنقل كتب: "تعليم الإسلام" و"الأربعين النووي"و"العقيدة الطحاوية" إلى اللغة البلوشية، كما أن له تأليفات على حدة في اللغة البلوشية كـ "چت وچينك"و"مات وپتء حق" و"عالمگيرن مذهب" و"كتاب الصبر".انتشر جزء من ديوان شعره في اللغة الأردية بعنوان "كلامى آسي" والنسخة الكاملة لهذا الديوان الذي يشتمل على أشعار عربية وفارسية أيضا، تحت عنوان "أفكار آسى"  ستنتشر.
ومن آثاره الأخرى "فتنون كى دنيا" و كتاب معلم في أصول الإفتاء باسم "أصول الإفتاء" و"سيرت رسول الله كا نظرياتى پهلو" و "فتنه انكار حديث پر ايك طائرانه نظر" و"الباقيات الصالحات" و"الجواب الشافي" و"فكر ونظر" و"درس حديث" و"درس قرآن" «والتحقيق الأنيق بتوفيق الغفار في وقوع الطلاق بلفظ مات وگوهار .» وكذلك مجموعة الفتاوى التي دونت بيده هي أيضا في قيد الجمع والإعداد وستطبع عما قريب إن شاء الله. وفي آخر أيام حياته المباركة الحافلة بالمآثر والتضحيات، كان مشتغلا بتخريخ كتاب «أحسن الفتاوى» وتخريج «الفتاوى الزينية»، وكذلك «ترجمة القرآن» إلى اللغة البلوشية، لكن الأيدي الآثمة أخذت منه الفرصة، ورصاص العدو الحاسد لم يسمح له بإنهاء هذه المشاريع القيمة،وحرم الأمة ظله الوارف.
وقد خلف منه 30 مجلد كتابا، انتشر أكثرها.
إن المفتي احتشام الحق قدم خدمات طيبة بما فيها الدينية والاجتماعية، لا يمكن التعرض لجميعها في هذه العجالة.

النشاطات العملية:
بعد تأسيس منظمة اتحاد المدارس باكستان، كانت مهمة تسجيل المدارس التابعة لمكران في قائمة المنظمة على عاتق المفتي احتشام الحق إلى أن استشهد، وحينما افتتح منظمة الشعبية في مكران، كان الشيخ علاوة على العضوية على صعيد البلد، يتنشط كرئيس ومسؤول عن هذه المنظمة.كما كان مهتما أيضا بتقرير السلام بين الطوائف والقوميات البلوش، عند حدوث الخلافات والنزاعات بينهم، في باكستان وكذلك في إيران، والنزاعات القومية والخلافات التي قد تؤدي إلى إهراق الدماء، كان يعير بها اهتماما بالغا، وكان له في مجال إطفاء نيران الفتنة، ومنع الاستنزاف محاولات حثيثة، وكان يصلح بين الأقوام، وينهي الأزمات بسبب إخلاصه، وقد سببت هذه الأعمال الطوباوية ليعرف في المنطقة كشخصية تحب السلام، ويريد الصلح، وذات عزة وكرامة.

حادثة الشهادة:
مساء يوم الأحد دبر صلاة العصر، في 19 شوال 1437 ه.ق. بعد ما ألقى الدرس الأخير على الطلاب في مدرسته الجامعة الرشيدية، انطلق مع نجله البارع شبير أحمد وكان مدرسا بتلك المدرسة،و ركب السيارة قاصدا زيارة أحد الأقارب المصاب بالمرض، وبعد دقائق جاء نبأ شهادة الشيخ مع ابنه، عبر الاغتيال، كصاعقة نزلت على الجميع.
وفي اليوم التالي 20 شوال، شيع الفقيد إلى مثواه الأخير وسط حشود من المحبين، والهواة، والمفكرين، والعلماء، وممثلي المكاتب الفكرية المختلفة، وأوساط الناس، مع الحزن والأسى، وعيون تسيل دمعا.

المصدر: مجلة الصحوة الإسلامية (العدد الـ 94)
 

تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مزيد من المقالات