بعد ما تولى الإسلاميون الحكم في مصر عبر انتخابات نزيهة حرة، امتدت أنظار العالم الإسلامي وكذلك أنظار الأمة الإسلامية إلى هذا البلد أكثر فأكثر. لكن ما يقلق الصهاينة ويطير نومهم من هذا البلد، هي السياسة الخارجية لمصر. فظهور دولة جديدة قوية في سياستها الخارجية في العالم العربي بجانب تركيا، يعتبر تهديدا كبيرا؛ ناهيك أن مصر أكبر بلد عربي وأقواها، والقيادة الإسلامية فيها تساوي القيادة الإسلامية في سائر البلاد العربية، والتغييرات فيها مؤثرة باليقين على كافة الدول العربية والإسلامية.
رضي الشعب المصري بمحمد مرسي رئيسا في انتخابات حرة نزيهة. لكن الهجوم الشرس ضده بدأ منذ أن تولى كرسي الرئاسة. والأحداث الأخيرة أسقطت القناع عن حملة “صليبية” حقيقية متكاملة الأركان تسعى إلى إشعال النار في أرض الكنانة، وجر مصر إلى عصر الدم والرصاص والانقلابات العسكرية.
تحالف “الظلاميون الجدد” كما وصفهم الكاتب المصري البارز فهمي هويدي، وأسسوا جبهة لتخريب مصر وتدمير مستقبلها، وهم ليسوا أكثر من “معارضة ضعيفة” تعمل على إدخال مصر في نفق مظلم لا نهاية له.
تحالف “الظلاميين الجدد” كشف عن نواياه الشريرة والبغيضة ورغبته بإسقاط التجربة الديمقراطية الوليدة، والتي قادت إلى فوز الإسلاميين بثلاثة أرباع أصوات الشعب المصري في انتخابات شهد العالم على نزاهتها.
هؤلاء الظلاميون لما أدركوا أنهم لا يملكون شعبية توصلهم إلى الحكم والسلطة من خلال صناديق الاقتراع، سعوا في تحقيق ضالتهم من خلال تأزيم الوضع ونقل المعركة إلى الشوارع بدل صناديق الاقتراع وأوراق الانتخاب، وهم بذلك يعترفون بعجزهم عن الفوز في “معركة الديمقراطية” السلمية. هذا وإن نجح الإسلاميون في إدارة البلاد وحل مشكلات المجتمع وتوفير راحة المواطن وكرامته، سيزداد حظهم في النجاح في الانتخابات القادمة والقادمة وهذا ما يتوقعه الإسلاميون ويخافه الغرب أن يكون نجاح الإسلاميين في إدارة مصر بشكل يرضي الشعب المصري ضامنا لبقائهم في الحكومة لأمد طويل. لذلك لا يألون في التخطيط والمؤامرة لإفشال النظام الجديد في نشاطاته. الأموال الضخمة التي تبلغ مصر من بعض الدول إلى بعض الأطراف في المعارضة، تحكي عن تحالفات سرية خلف الكواليس. سواء كانت هذه الأموال لإثارة الجماعات المسلحة ضد الجيش المصري في سينا، أو البطجية الساعية للتخريب في القاهرة.
معركة الشوارع الأخيرة كشفت لنا حقيقة الموقف المخزي لدعاة الليبرالية الزائفة واليسار الآفل، وكشف عن حقيقة هذه القوى في العالم الإسلامي، فهي لم تكن أكثر من أدوات لعبور الاستعمار العسكري والثقافي والاجتماعي والفكري والاقتصادي إلى بلادنا، نفذوا انقلابات عسكرية وتحالفوا مع العسكر ومع الاستبداد والدكتاتورية، ومع كل الأشرار والشرور ضد المجتمع وثقافته ودينه وأمنه واستقراره، وإلا فلماذا يعارضون المواد التي تتحدث عن الإسلام في الدستور؟ ولماذا يحاولون تنحية الإسلام عن القوانين بشكل كامل، والترويج لنماذج غربية علمانية لا دينية؟ لهذا هدف واحد هو أنهم يريدون المجتمع العربي بلا دين ولا ثقافة ولا هوية.
الهجمة التي نشهدها في الإعلام العربي والأجنبي هذه الأيام، إن كان الهدف فيها الإخوان والسلفية في الظاهر، لكن يراد بها الإسلام، ويراد بها اختطاف ثورة مصر، ويراد بها شر بأرض الكنانة.
هذه الهجمة لا تستهدف الحركات الإخوانية ولا السلفية فقط، بل تستهدف الدين الإسلامي والفكر الإسلامي والثقافة الإسلامية، وهي هجمة ضارية تريد حصر الإسلام في المسجد فقط على اعتبار أن الدين مسألة بين العبد والرب ولا دخل للمجتمع بها، وهذا ما عبروا عنه بوضوح وترويجهم أن الإسلاميين يريدون نقل مصر “من دولة مدنية إلى دولة دينية” أو “دولة للإخوان المسلمين”، وصاغوا مصطلح “أخونة الدولة” ومصطلح “الإسلام الغامض” وهو ما عبر عنه محمد البرادعي في مقاله المنشور في صحيفة الفايننشال تايمز بقوله: “لقد اتحدت جميع الأحزاب السياسية غير الإسلامية تحت تحالف “جبهة الإنقاذ الوطني”، حيث أعمل كمنسق لها، في وجه المشروع الإسلامي الغامض، الذي يرغب مرسي وأنصاره في تنفيذه داخل بلادنا”. وهذا اعتراف صريح من البرادعي بالتحالف مع الفلول ضد الإرادة الشعبية لغالبية المصريين.
ويتابع: “الوضع متقلب، فمصر أصبحت منقسمة بين الإسلاميين وباقي المصريين، مما يفتح الباب إلى سيناريوهات مثل تدخل الجيش أو ثورة فقراء أو حتى حرب أهلية، فالخوف بات يسيطر على غالبية المصريين، الذين يرغبون في ديمقراطية حقيقية بدلاً من دولة دينية، وقد أضرب القضاء بالفعل ويصر الشباب الذين قادوا الثورة على أنهم لم يخاطروا بحياتهم ويقدموا تضحيات لتغيير الديكتاتورية العلمانية بالاستبداد الديني”.
كلام البرادعي في عدائه لحكم إسلامي واضح، والغريب أن كلام البرادعي بهذا الوضوح إنما ينشر في جرائد ووكالات أجنبية، وهو يضمر مقاصده الأصلية ونواياه في الإعلام العربي والمصري.
فهو يريد إسقاط “الاستبداد الديني” على حد زعمه، و يبشر بالعنف والفوضى والحرب الأهلية، وهو كلام بعيد كل البعد عن المطالبة بحل ديمقراطي شعبي يستجيب لأصوات الناس. ومن المفارقات الغريبة أن “المتطرفين الإسلاميين” على زعمهم، يدعون إلى الديمقراطية والانتخاب، في حين أن “دعاة الحرية من الليبراليين واليساريين” ينادون بالحل العسكري والانقلاب وعدم الاستجابة “للشعب الجاهل الأمي”.. هذه هي “الديمقراطية” التي يريدها الظلاميون الجدد في تحالف الشر من الفلول وبقايا اليسار والليبراليين.. إنه صراع بين المجتمع وهويته وثقافته ودينه، وبين من يريدون تغريب المجتمع وتجريده من تاريخه وحضارته، وليس صراعاً سياسياً صغيراً على السلطة كما يزعم البعض.. إنه صراع على الحاضر والماضي والمستقبل، وصراع الكرامة والعزة لأمة طالما كانت لعبة بين الأمم.
الكاتب: جمال البلوشي
تعليقات