اليوم :29 March 2024

بيان استخلاف الإنسان على الأرض (تفسير آية 30 إلى 36 من سورة البقرة)

بيان استخلاف الإنسان على  الأرض (تفسير آية 30 إلى 36 من سورة البقرة)

 “وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ (30) وَعَلَّمَ آَدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (31) قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (32) قَالَ يَا آَدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ.” (33)

التفسير المختصر
{وإذ قال ربك للملائكة} ليبدوا آرائهم {إني جاعل في الأرض خليفة} يقوم بتنفيذ الأحكام؛ {قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك} ولم يقولوا ذلك على سبيل الاعتراض، ولم يدعوا الاستحقاق والجدارة، بل علموا عن طريق أن المخلوق الجديد فيه خير وشر، وأهل الشر يفسدون الأمر ولا يصلحون، فقالوا نحن مستعدون لما نؤمر. {قال إني أعلم ما لا تعلمون} من المصلحة في استخلاف آدم، لأن ذريته فيهم المطيع والعاصي، فيظهر العدل بينهم. فأهل الطاعة يطبقون العدل وينفذون الأحكام. ولو كان الجميع أهل الطاعة، لما بقيت حاجة إلى تطبيق العدل.
{وعلم آدم الأسماء كلها} أي أسماء الأشياء كلها وخواصها وفوائدها، {ثم عرضهم على الملائكة فقال أنبئوني بأسماء هؤلاء} وخواصها وفوائدها {إن كنتم صادقين} في أنكم أحق بالخلافة.
{قالوا سبحانك} تنزيها لك عن الاعتراض عليك، ولا نقول أنك علمت آدم قبل أن تعلمنا {لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم} الذي لا يخرج شيء عن علمه وحكمته. فاعترف الملائكة بعجزهم تجاه الخلافة، ثم شاء الله تعالى أن يظهر للملائكة أن آدم يصلح ويستعد لهذا العلم الخاص الذي أعطي له.
{قال يآدم أنبئهم بأسمائهم} فسمّى كل شيء باسمه، وذكر حكمته التي خلق لها، وذكر خواصها وفوائدها، فلما أنبأهم بأسمائهم قال ألم أقل لكم إني أعلم غيب السماوات والأرض وأعلم ما تبدون وما كنتم تكتمون.

فقه الحياة أو الأحكام
المناسبة:
قد ذكر الله تعالى في الآيات السابقة النعم الخاصة والعامة، ودعا الناس إلى الشكر، وحذرهم عن الكفران بها، وأما هنا فعشر آيات ذكر فيها قصة آدم عليه السلام، وهو أبو البشر.
النعم قسمان: قسم يعرفه الناس كلهم، كالطعام والشراب والمال والسكن والضيعة والعقار، وهي النعم الظاهرة، وقسم آخر لا يرى بالعين، وهي النعم المعنوية كالعزة والسرور والعلم وغيرها. ففى الآيات الأخيرة ذكر الله قصة آدم، لأن الانتماء إليه نعمة من نعم الله تعالى، كأن الله تعالى يذكر الإنسان ويقول إني خلقت أباك آدم وعلمته العلم وأسجدت له الملائكة الأخيار، وأكرمته؛ فانتمائكم إلى آدم وكونكم أبناء له، نعمة من نعم الله، فعليكم أن تشكروا الله على النعم الظاهرة والباطنة.
وأما قصة آدم عليه السلام، فإن الله سبحانه تعالى لما أراد أن يخلق آدم ويجعله خليفة في الأرض، ذكر ذلك للملائكة، وكأنه أراد اختبارهم، فأبدى الملائكة رأيهم وقالوا: كيف تجعل خليفة يفسد في الأرض ويريق الدماء، ونحن أحق بالخلافة، لأننا معصومون، فلا يصدر خطأ منا، وسنقوم بالخلافة ونصلح في الأرض. ولكن الله سبحانه وتعالى أثبت خطأ رأيهم، فقال إنكم لا تعلمون حقيقة الخلافة ومتطلباتها، وإنى أعلم بها منكم، ثم أظهر الله تعالى فضل آدم على الملائكة بما علمه من خواص الأشياء ومعرفتها.

الحكمة في الحوار مع الملائكة بشأن خلق آدم عليه السلام
والجدير بالتدبر هنا، ما هي الحكمة في إخبار الملائكة بشأن خلق آدم؟ هل ذلك على سبيل الاستشارة، أو هل كان المقصود هو الإخبار فحسب، أو كان الهدف هو الاطلاع عن رأيهم؟
أما الأول فمحال، لأن الاستشارة تكون حيث خفي شيء على أحد، وبديهي أن الله تعالى لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء. وإنما يستشار من العقلاء وأولى الخبرة من الرجال حيث يحتاج المرء إلى آرائهم. ولكن الله سبحانه لا يحتاج إلى أحد، وهو عليم بكل ذرة في الكون، فكيف يستشير خلقه؟ وتكون المشاورة في البرلمانات حيث جميع الأعضاء متساوون في المناصب والوظائف، فلا يقضى بشيء إلا إذا أدلى الجميع بآرائهم، حتى لا يعترضوا؛ ولكن هنا يختلف الأمر، لأن الله خالق كل شيء، والجميع مخلوق، ومن شأنه سبحانه وتعالى أنه لا يسئل عما يفعل وهم يسئلون.
فالحق أن إخبار الملائكة لم يكن بقصد المشاورة، لأن الله سبحانه وتعالى غني عن ذلك، ولكن صورة الإخبار أشبهت المشاورة، وذلك يفيد أهمية المشاورة، ولأجل هذا كان النبي صلى الله عليه وسلم وهو يوحى إليه في كل شيء يشاور الصحابة، فكان عمله تعليما لأمته ليهتموا بالمشاورة في أمورهم.
وجملة القول أن في إخبار الملائكة بخلق آدم نكتتان: الأولى أهمية المشاورة، والنكتة الثانية كانت الملائكة يظنون أن الله يخلق خلقا أفضل وأعلم منهم، وقد جاء في تفسير ابن جرير عن عبد الله بن عباس أن الملائكة كانوا يقولون: لن يخلق الله خلقا أكرم عليه منا ولا أعلم.
وقد كان في علم الله أنه سيخلق خلقا يكون أفضل وأعلم من الجميع، وسيمنحه الخلافة ويشرفه بالنيابة، فذكر ذلك للملائكة ليبدوا آرائهم.
وقد أبدى الملائكة آرائهم في ضوء ما علموا ورأوا؛ فقالوا إن الذي تخلقه وتجعله خليفة، توجد فيه مادة الفساد، فكيف يصلح الآخرين، وكيف يقيم الأمن؛ وهو يريق الدماء. ولكن الملائكة لا توجد فيهم مادة الفساد، وهو معصومون من الخطأ، ومشغولون بالعبادة والحمد والتسبيح والتقديس، فلعلهم يحسنون القيام بالإصلاح أكثر من غيرهم. إذن لم يكن ما قالت الملائكة على سبيل الاعتراض، لأنهم معصومون، وإنما أرادوا أن يعلموا حكمة تفضيل غيرهم عليهم. فقال الله تعالى “إنى أعلم ما لا تعلمون”. أي لا تعلمون حقيقة الخلافة وما تقتضيه، وأنا أعلم بها وبمن هو أهل لها. وأراد الله أن يعرف الملائكة حقيقة الأمر، فعلّم آدم أسماء الأشياء وخواصها وآثارها، وأما الملائكة فلم تكن طبائعهم توافق هذه العلوم لأنهم ما كانوا يعرفون حقيقة الجوع والعطش مثلا، ولا يعرفون المشاعر النفسية عند الحوادث نظرا إلى طبيعتهم الخاصة، ولكن آدم عليه السلام كان يدرك ذلك كله، فتعلم ما علّم، والملائكة لم يقدروا على ذلك. ولم يثبت من أي آية أن آدم عُلّم ذلك دون الملائكة، بل التعليم كان عاما ولكن آدم استفاد من ذلك نظرا إلى طبيعته، والملائكة لم يستفيدوا منه نظرا إلى طبائعهم الخاصة، وآدم كانت فطرته ملائمة لما عُلّم؛ أو أودع في طبيعته علم الأشياء، كصبي يبدأ بالارتضاع من ثدي أمه منذ يولد، أو كفرخ طير مثل البط يبدأ بالسباحة دون تعليم من أحد.
ربما يسأل أحد، لماذا لم يغير الله تعالى طبائع الملائكة ليكونوا أهلا للتعلم، ولكن هذا كالذي يقول لماذا لم يجعل الملائكة أناسا.
فجملة القول أن الله سبحانه وتعالى عرض الأشياء على الملائكة وقال لهم لو كنتم صادقين فيما تعتقدون أن الله لا يخلق خلقا أعلم وأفضل منكم وأنكم أجدر بالخلافة من غيركم، فعليكم أن تبينوا أسماء الأشياء وخواصها. وقد ثبت من هذا أن الذي يحكم على الناس، لا بد أن يكون عالما بطبائع الرعية وصفاتهم، حتى يحكم عليهم بالحق ويطبق العدل فيهم.
فالذي لا يعرف حقيقة الجوع، فإذا عرضت عليه في المحكمة مرافعة الجوع، كيف يستطيع أن يقضي بشأنها؟
فأراد الله سبحانه وتعالى أن يبين للملائكة أن الخلافة لا تكفيها العصمة، بل لابد للخليفة أن يكون عالما بما في الأرض وخواصه وآثاره، وما كان الملائكة يدّعون بما قالوا الاستكبار والفخر، بل عرضوا أنفسهم للخدمة، فلما اتضحت لهم الحقيقة قالوا “سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم”.
وينشأ هنا سؤال آخر: كيف علم الملائكة أن الإنسان سيسفك الدماء ويفسد الأرض؟ هل كانوا يعلمون الغيب، أم قالوا ذلك ظنا وتخمينا؟ والإجابة عن هذا السؤال، عند جمهور المحققين أن الله سبحانه وتعالى أخبر الملائكة عما يفعل الإنسان في المستقبل، كما ورد في بعض الآثار. فتعجب الملائكة وسألوا كيف يختار الإنسان للخلافة وهو يفسد ويسفك الدماء، وما الحكمة في ذلك؟ فأراد الله سبحانه وتعالى أن يظهر فضل آدم على الملائكة في العلم وأجاب عن شبهة الملائكة عندما قالوا أتجعل فيها من يفسد في الأرض ويسفك الدماء، بقوله “إني أعلم ما لا تعلمون”؛ وفيه إشارة إلى أن ما تزعمونه منافيا لخلافة الإنسان، هو الذي أهّله لها، لأن الغرض من الخلافة دفع الفساد، وحيث لا يوجد فساد لا حاجة هناك إلى خليفة يصلح الأمور. فكأن الله سبحانه وتعالى أراد أن يخلق خلقا لا كالملائكة الذين لا يصدر منهم خطأ، ولا كالشياطين الذين لا يصدر منهم إلا الشر، بل أراد أن يخلق خلقا يمكن أن يصدر منه الخير والشر جميعا، ولكنه يسبق إلى الخير ويدَع الشر، ويتشرّف بمرضاة الله تعالى.

من هو واضع اللغة؟
ثبت من قصة آدم عليه السلام وتعليمه الأسماء، أن الله تعالى هو الذي وضع اللغة أولا، ثم تعددت اللغة الواحدة إلى لغات شتى باستعمال العباد. وهذا ما ذهب إليه الإمام الأشعري رحمه الله تعالى.

فضل آدم على الملائكة:
ومن الجدير بالتدبر في بيان قصة آدم عليه السلام، أن الله سبحانه وتعالى لما خاطب الملائكة فقال لهم “أنبئوني”؛ ولكن لما خاطب آدم فقال “أنبئهم”. فكأنه تعالى أراد أن يجعل آدم معلّما للملائكة، فظهر بذلك فضله على الملائكة، لأنه أنبأهم وعلّمهم الأسماء. وقد ثبت من القصة أن علم الملائكة يزداد وينقص، كما زيد علمهم بأخبار آدم عليه السلام.

قضية الخلافة في الأرض
ثبت من القرآن الكريم أنه لابد من وجود خليفة يطبق شرع الله في أرضه، وليس له أن يشرع من عند نفسه، لأن الملك لله. فليس مصدر التشريع إلا الله، كما قال الله سبحانه: “إن الحكم إلا لله”، وقال “له ملك السموات والأرض”، وقال “ألا له الخلق والأمر”.
فالخليفة يحكم بإذن الله ويطبق أحكام الله ويصلح أمور الناس في ضوء شرع الله، وإن هذا الخليفة إنما يختاره الله، وليس لأحد رأي في اختياره، ومن ثم أجمعت الأمة الإسلامية أن النبوة ليست من كسب البشر، بل الله سبحانه وتعالى بعلمه وحكمته يهبها لمن يشاء؛ وكما يقول عزّ من قائل: “الله يصطفي من الملائكة رسلا ومن الناس إن الله سميع بصير”. وقال: “الله أعلم حيث يجعل رسالته”. والخليفة يتلقى الأحكام من الله بلا واسطة، ثم يطبقها في الأرض، وقد جرت سلسلة الخلافة من آدم إلى خاتم النبيين على طريقة واحدة، وقد جعل الله لخاتم النبيين عليه الصلاة والسلام خصائص لم يشاركه أحد فيها، منها أن كل نبي كان يبعث إلى قومه أو بلدته أو مناطق خاصة، فإبراهيم عليه الصلاة والسلام إلى قوم، ولوط إلى قوم آخر، وأرسل سيدنا موسى وعيسى عليهما السلام إلى بني إسرائيل، ولكن محمدا صلى الله عليه وسلم أرسل إلى الناس كافة، وإلى الجن والإنس جميعا.

خصائص النبي صلى الله عليه وسلم كآخر خليفة لله
فالنبي صلى الله عليه وسلم بُعث لهداية الناس أجمعين، وللبلاد كلها، كما قال الله سبحانه وتعالى “قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعا الذي له ملك السماوات والأرض”. وروى مسلم في صحيحه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:”فُضِّلْتُ عَلَى الأَنْبِيَاءِ بِسِتٍّ أُعْطِيتُ جَوَامِعَ الْكَلِمِ وَنُصِرْتُ بِالرُّعْبِ وَأُحِلَّتْ لِىَ الْغَنَائِمُ وَجُعِلَتْ لِىَ الأَرْضُ طَهُورًا وَمَسْجِدًا وَأُرْسِلْتُ إِلَى الْخَلْقِ كَافَّةً وَخُتِمَ بِىَ النَّبِيُّونَ”.
الخصيصة الثانية للنبي صلى الله عليه وسلم، أن الأنبياء أرسلوا إلى مناطق وأقوام خاصة، لمدة خاصة، ولما انقضت تلك المدة جاء رسول آخر . أما النبي صلى الله عليه وسلم جعل خاتم النبيين، وامتدت خلافته ونيابته إلى يوم القيامة، فلم يختص بزمن دون آخر، بل هو الخليفة مادامت السماوات والأرض.
الخصيصة الثالثة: إن الأنبياء السابقين كانت تعاليمهم وشرائعهم محفوظة إلى مدة مخصوصة، ثم تعرضت للتحريف والتغيير، فلم يوثق بها بعد تلك المدة، ولكن شريعة نبينا لا تزال قائمة إلى يوم القيامة، وأن الله تعالى ضمن حفظ القرآن الكريم كلماته ومعانيه. “إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون”.
كما أن الله سبحانه وتعالى ضمن حفظ القرآن، كذلك ضمن حفظ الأحاديث النبوية؛ فهي محفوظة إلى يوم القيامة، ولا تزال طائفة تحافظ عليها بإذن الله ونصره، ولا تألوا جهدا في حفظها. فلا يقدر أحد أن يمحوها ويبيدها.
فجملة القول أن كتب الأنبياء السابقين وصحفهم حرّفت أو اندرست، فلم تبق في صورتها الأولى الصحيحة، ولكن ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم في صورة القرآن، وما علّم أمته في صورة الأحاديث، لا يزال باقيا محفوظا إلى يوم القيامة، فلا حاجة إلى نبي جديد.
الخصيصة الرابعة للنبي صلى الله عليه وسلم أنه خليفة الله إلى يوم القيامة في أرضه. فالذي ينوب عن النبي صلى الله علي وسلم بعد وفاته، ويطبّق شرع الله في أرضه، يقال له خليفة الرسول ونائبه. ولكن الأنبياء السابقين كانوا يرسلون إلى مدة معينة، فإذا توفي أحدهم، بعث الله نبيا آخر بعده.
أخرج الإمامان محمد بن إسماعيل البخاري ومسلم في صحيحيهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “كانت بنو إسرائيل تسوسهم الأنبياء، كلما هلك نبي خلفه نبي آخر، وأنه لا نبي بعدي، وسيكون خلفاء فيكثرون”.
الخصيصة الخامسة للنبي صلى الله عليه وسلم أن الله تعالى منح لأمته مكانة كان يحتلها الأنبياء عليهم السلام، وذلك أن الأمة جعلت معصومة فلا تجتمع على الضلال والخطأ، وحيث أجمعت الأمة على مسئلة، تعدّ تلك المسألة من أحكام الشرع، من ثم صار الإجماع من مصادر الشرع بعد الكتاب والسنة. وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: “لن تجتمع أمتي على الضلالة”. وقال النبي صلى الله عليه وسلم: “”لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين حتى يأتيهم أمر الله وهم ظاهرون”. (صحيح البخاري)
وقد ثبت من هذا أن الأمة لن تجتمع على الضلالة والخطأ. فلما جعلت الأمة معصومة، فوّض إليها أمر اختيار خليفة الرسول صلى الله عليه وسلم، فمن اختارته الأمة للخلافة فهو خليفة الرسول صلى الله عليه وسلم، وهو المسؤول عن تطبيق شرع الله. ومن البديهي أن الخليفة لا يكون إلا واحدا لجميع الأمة. وقد كانت سلسلة الخلافة جارية ومطبقة إلى عهد الخلفاء الراشدين؛ فكل ما أفتى وقضى به الخلفاء الراشدون، فهو حجة للأمة، وجدير بالعمل والاتباع. وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: “عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين”.

ماذا حدث بعد الخلافة الراشدة؟
ويحكي لنا التاريخ أن الملوكية والطائفية أنشبت أظفارها في بلاد المسلمين، فصار لكل منطقة أمير وملك، ولا ريب أنهم لا يستحقون اسم الخليفة بمعنى الكلمة. نعم! يمكن أن يقال لهم أنهم ملوك وأمراء.
ولما تعذر اجتماع المسلمين على رجل واحد بصفته خليفة لهم، اختار كل قطر وكل قوم أميرا لهم؛ فالذي اتفق المسلمون في قطر على إمارته فهو أميرهم، وينبغي أن يكون اختيار الأمير بالشورى كما أوصى الله في كتابه “وأمرهم شورى بينهم”.

الفرق بين الديموقراطية والشورى في الإسلام
ومن الجدير بالذكر أن البرلمان أو مجلس الشيوخ نموذج من الشورى، غير أنه يختلف عن الشورى في بعض الأمور، وذلك أن نواب البرلمان أحرار في التشريع في النظام الديموقراطي، ولكن أعضاء الشورى في الإسلام يقننون في إطار الشرع، وليسوا بمشرعين من عند أنفسهم. ثم إن أعضاء الشورى في الإسلام لهم مواصفات بيّنها الشرع، والذي يختاره هؤلاء أيضا له مواصفات، فهم يقننون ويشرّعون في ضوء الكتاب والسنة.

بنود هامة لقانون الدولة في الإسلام
يستنبط من قول الله سبحانه وتعالى للملائكة “إني جاعل في الأرض خليفة” بنود للشريعة الإسلامية.
الأول: أن السلطة لله في الأرض وفي السماء.
الثاني: يطبق شرع الله في أرضه بواسطة النائب والخليفة.
الثالث: انتهت سلسلة الخلافة بالنبي صلى الله عليه وسلم.
الرابع: خلفاء الرسول ينوبون عنه.
الخامس: اختيار الخليفة إنما يكون من قبل الشعب أو الأمة.

سجود الملائكة تكريم إلهي لآدم
وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَىٰ وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ ﴿٣٤﴾

فقه الحياة أو الأحكام
واذكر “إذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم”، وكذلك قلنا للجن كما ورد في بعض الروايات، ونقل عن ابن عباس رضي الله عنهما؛ والمراد بالسجود سجود التحية بالانحناء. “فسجدوا إلا إبليس”؛ هو أبو الجن كان بين الملائكة. “أبى” امتنع عن السجود، “واستكبر” تكبر عنه وقال أنا خير منه “وكان من الكافرين”. فلما ظهر فضل آدم وشرفه على الملائكة والجن، أراد الله سبحانه وتعالى أن يظهر أثر هذا الفضل، وذلك عن طريق تعظيم الملائكة والجن وتكريمهم لآدم، فأمر هاتين الفئتين بالسجود له، كأنهما يشهدان بلسان الحال على فضل آدم في العلم وجدارته بالخلافة. أما الملائكة فسجدوا تكريما لآدم، ولكن إبليس أبى واستكبر وكان من الكافرين.
هل الجن كانوا مأمورين بالسجود لآدم؟
ذكر الله سبحانه وتعالى أمر الملائكة بالسجود لآدم فسجدوا إلا إبليس، ولم يصرح في الآية أن الجن كانوا مأمورين بالسجود، ولكن يبدو من ظاهر الآية أن جميع الخلق أمروا بالسجود لآدم، وإنما اكتفى صراحة بذكر الملائكة، لكونهم أفضل الخلق؛ فإذا كان السجود لآدم واجبا عليهم، فذلك على غيرهم أوجب.
السجود التعظيمي كان يجوز في الأمم السابقة ومنع في الإسلام؟
أمر الملائكة بالسجود لآدم في هذه السورة، وقد ذكر الله قصة سجود أبوي يوسف وإخوته له في سورة يوسف، كما قال “فخروا له سجدا”، ولا ريب أن تلك السجدة لم تكن على سبيل العبادة، لأن عبادة غير الله شرك وكفر، ولم تكن مشروعة في أي شريعة من شرائع الأنبياء، وإنما كانت تلك السجدة على سبيل التعظيم. وكانت كالمصافحة والمعانقة وتقبيل الأيدي في زماننا.
قال الإمام الجصاص في أحكام القرآن، إن السجدة على سبيل التحية والتعظيم كانت تجوز في شرائع من قبلنا وقد نسخت في الشريعة المحمدية، ولم تجز إلا السلام والمصافحة عند التحية واللقاء، ومنع الناس من الركوع والسجدة والقيام بهيئة الصلاة. وتوضيح ذلك أن الكفر والشرك والعبادة لغير الحق لم تجز في أي شريعة قط، وهنا أعمال وإن لم تكن في ذاتها شركا وكفرا، ولكن يمكن أن يجعلها الناس ذريعة للشرك والكفر جهلا وغفلة. فهذه الأعمال لم تكن ممنوعة في شرائع الأنبياء السابقين، وإنما حذر الناس أن يجعلوها ذريعة للشرك، كاتخاذ التصاوير، لأنه لم يكن في ذاته شركا، فكان جائزا كما ورد في قصة سيدنا سليمان عليه السلام “يعملون له ما يشاء من محاريب وتماثيل”؛ وكذلك السجدة التعظيمية كانت تجوز في شرائع من قبلنا، ولكن جعلها الناس ذريعة للشرك.
أما الشريعة المحمدية فنظرا إلى أنها شريعة خالدة، وأن الرسول صلى الله عليه وسلم ختمت به الرسالة والنبوة، فمنع فيها جميع الأعمال التي تفضي إلى الشرك. وبعبارة أخرى، سدّ كل باب يمكن أن يدخله الشرك والوثنية، فحرّم في هذه الشريعة جميع الأمور التي صارت سببا للشرك والوثنية في زمان مّا، ولأجل هذا حرّم التصوير واستعمال الصورة، وكذلك حرّمت السجدة التعظيمية، والصلاة في الأوقات التي كان يعبد المشركون والكفار فيها آلهتهم، حتى لا تكون هذه المشابهة ذريعة للشرك في يوم من الأيام.
جاء في صحيح مسلم أنه صلى الله عليه وسلم قال: “لاَ يَقُولَنَّ أَحَدُكُمْ عَبْدِى. فَكُلُّكُمْ عَبِيدُ الله وَلَكِنْ لِيَقُلْ فَتَاىَ. وَلاَ يَقُلِ الْعَبْدُ رَبِّى. وَلَكِنْ لِيَقُلْ سَيِّدِى”، مع أن العبد يطلق في اللغة على الغلام، والرب يطلق على من يقوم بالتربية، وكان ينبغي أن لا يحرم استعمال هذه الألفاظ، ولكن إنما منع استعمالها لأنها توهم الشرك، ويمكن أن تفضي إلى الشرك نتيجة الجهالة، وأن يفتح باب عبادة الموالي في وقت ما.
فقصارى الكلام أن سجدة الملائكة لآدم وسجدة أبوي يوسف وإخوته له– التي ورد ذكرها في القرآن الكريم – إنما كانت سجدة تعظيمية على وجه الاحترام والاعتراف بالمكانة، وكانت مرتبة هذه السجدة كالسلام والمصافحة وتقبيل الأيدي في شريعتنا.
قال بعض العلماء: “إن الصلاة فيها أربعة أعمال: القيام والقعود والركوع والسجدة. أما الأولان فيفعلهما كل إنسان عادة كما يفعلهما عبادة، ولكن الركوع والسجدة عملان ليفعلهما الإنسان عادة، وإنما يختصان بالعبادة، ولأجل هذا جعلتهما الشريعة عبادة وحرمتهما لغير الله”.
وهنا سؤال وهو أن السجدة على وجه التعظيم والاحترام ثبت جوازها بالآيات القرآنية. فبأي دليل نسخت؟ والإجابة عن هذا السؤال أن نسخ السجدة على وجه التعظيم لغير الله ثبت بما تواتر عن النبي صلى الله عليه وسلم “أنه قال لَوْ كُنْتُ آمِرًا أَحَدًا أَنْ يَسْجُدَ لأَحَدٍ لأَمَرْتُ الْمَرْأَةَ أَنْ تَسْجُدَ لِزَوْجِهَا” (سنن الترمذي)، ولكن في هذه الشريعة لا تجوز السجدة للتعظيم أبدا، ولأجل ذلك لا تجوز السجدة لغير الله تعالى. قد روى هذا الحديث عشرون من الصحابة رضي الله عنهم. وجاء في تدريب الرواي (الكتاب المشهور في أصول الحديث) ما معناه أن الحديث إذا جاء عن عشرة من الصحابة يصير متواترا ويكون قطعيا كالقرآن الكريم. هذا الحديث روي عن عشرين شخصا من الصحابة، وقد جمع حكيم الأمة العلامة أشرف علي التهانوي رحمه الله هذه الرويات في “بيان القرآن”، ومن أراد فليراجعه.

مسئلة:
ليس كفر إبليس نتيجة العصيان العملي فقط، لأن ترك الفرض يوصل إلى الفسق فقط، ويكون المرء عاصيا في أصول الشريعة، لا كافرا. بل كان السبب الحقيقي لكفر إبليس هو العناد والمخالفة للحكم الإلهي، حيث اعترض بأن الشخص الذي أمرتني بالسجود له، هو لا يليق ولا يستحق أن أسجد له؛ وهذا العناد كفر بلا شك وريب.

مسئلة:
من الجدير بالذكر والتدبر أن إبليس الذي كان يحتل في الملائكة مكانة عالية حتى كان يقال له “طاؤوس الملائكة”، كيف صدر منه هذ الكفر البواح؟ قال العلماء إن الله سبحانه وتعالى سلب من إبليس العلم والمعرفة لاستكباره وعصيانه، فارتكب ما ارتكب. وقال البعض: إن حب الرئاسة والإعجاب بما أوتي من النفاسة، حمله على العناد والعصيان عن معرفة الحقيقة. ونعم ما قال البعض:
“إذا لم يكن عون من الله للفتى فأول ما يجني عليه اجتهاده”.
ومن هنا قال العلماء: إن العبرة بالإيمان الذي يوافي العبد عليه ويأتي متصفا به في آخر حياته وأول منازل آخرته، فلا يغترّ أحد بما أوتي من العلم والعمل والمعرفة، لأن العبرة بالخواتيم.

قصة آدم وحواء في الجنة وهبوطهما منها
وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلَا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَـٰذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ ﴿٣٥﴾ فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ ۖ وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ ۖ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَىٰ حِينٍ ﴿٣٦﴾

التفسير المختصر
{أسكن أنت وزوجك} التي خلقها الله تعالى بقدرته الباهرة من مادة مأخوذة من ضلع آدم،{الجنة وكلا منها رغدا حيث شئتما ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين} إن الله تعالى أعلم بهذه الشجرة، ولكنه نهى عن أكلها، وهذا اختيار المولى حيث يسمح لعبده باستعمال ما يشاء من أثاث البيت، ويمنعه مما يشاء.
{فأزلهما الشيطان عنها فأخرجهما مما كانا فيه وقلنا اهبطوا بعضكم لبعض عدو ولكم في الأرض مستقر ومتاع إلى حين} لا بقاء لكم في الأرض إلى الأبد، بل تغادرون ذلك المنزل أيضا.

فقه الحياة أو الأحكام
الآيات تكملة لقصة سيدنا آدم عليه السلام. فلما تبين للملائكة فضل آدم واعترفوا به واستكبر إبليس وصار من الكافرين، قيل لآدم وزوجه: اسكنا في الجنة ولا تقربا هذه الشجرة، ولكن الشيطان الرجيم احتال ومكر وحمل آدم وزوجه على الأكل من الشجرة الممنوعة. فقال لهما الله إذهبا إلى الأرض حيث ليست الحياة فيها كالحياة الطيبة في الجنة، بل الحياة مصحوبة في الدنيا بالأكدار والآفات والعداوات.

وقلنا يا أدم اسكن أنت وزوجك الجنة:
وهذا وقع بعد خلق آدم وسجود الملائكة له. وقد استنبط بعض العلماء من هذا أن الخلق والسجود كانا خارج الجنة، ثم أمر آدم وزوجه أن يدخلا الجنة ويسكنا فيها. ولكن هذا المعنى غير متأكد من ظاهر الآيات، لأنه يمكن أن يكون الخلق والسجود أيضا في الجنة، ثم بعد مدة قيل لهما اسكنا في الجنة؛ والله أعلم بحقيقة الحال.
وكلا منها رغدا حيث شئتما:
الرغد في اللغة معناه النعمة والرزق الذي حصل بغير سعي ومشقة، ويكون كثيرا لا يخشى نفاده. فمعنى الآية “استعملا نعم الجنة بغير سعي ومشقة ولا تخافا انقطاعها أبدا”.

ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين:
أشار الله سبحانه وتعالى إلى شجرة مخصوصة وحذّرهما عن أكل ثمرتها، ولكن لم يقل: لا تأكلا، بل قال: ولا تقربا، لأن القرب قد يفضي إلى الأكل؛ فالذي يجتنب الاقتراب من المعصية يكون محفوظا عنها. أما الشجرة فلم يسمها القرآن الكريم، ولم يذكر اسمهما في حديث صحيح. والمفسرون اختلفوا فيها، فقال بعضهم القمح، وقال البعض: كانت شجرة العنب، وقال البعض: كانت شجرة التين، ولا حاجة إلى تعيين ما تركه القرآن الكريم مبهما.

فأزلهما الشيطان عنها:
والزلة بمعنى السقوط، والإذلال هوالحمل على الزلة، والمعنى أن الشيطان أوقعهما في المخالفة.
وهنا سؤال: كيف استطاع إبليس أن يدخل الجنة لإزلال آدم وزوجه بعد أن أخرج منها وصار رجيما ملعونا؟ والجواب عن هذا السؤال، أن في ذلك احتمالات عديدة.
الاحتمال الأول: لعل إبليس ألقى وسوسة في قلب آدم وزوجه.
الثاني: إنه من الجن، وإن الله أعطى الجان قدرة بها يتشكلون بأشكال مختلفة.
الثالث: لعل إبليس أثّر على آدم عن طريق إلقاء الفكر والخيال كما يفعل في التنويم المغناطيسي.
الرابع: ولعله دخل الجنة في شكل حية أو شيء آخر، ولأجل هذا لم يتفطن آدم له، ولم يشعر بعداوته.
وأما ظاهر الآية يدل على أن الشيطان لم يكتف بإلقاء الفكر والخيال فحسب، بل تكلم مع آدم وحواء، وأظهر لهما النصح، وأقسم أمامهما حتى أثر فيهما، كما يقول عزّ من قائل: “وقاسمهما إني لكما لمن الناصحين”.

فأخرجهما مما كانا فيه:
أخرج الشيطان آدم وحواء عليهما السلام من النعم التي يعيشان فيها، ولا شك أن الذي أخرجهما مما كانا فيه هو الله سبحانه وتعالى، ولكن نسب الإخراج إلى الشيطان لأنه كان سبب الإخراج.

وقلنا اهبطوا بعضكم لبعض عدو:
والمخاطب في هذه الآية هو آدم وزوجته عليهما السلام، وإبليس أيضا داخل في الخطاب، لأنه لم يخرج بعدُ من السماء. فمعنى قوله “بعضكم لبعض عدو”، أي يعادي بعضكم بعضا في الدنيا. فالعداوة فيهم ماضية إلى الآخر، وقال بعض العلماء: إن الشيطان كان أخرج قبل هذا الخطاب، فلم يكن داخلا فيه؛ فالمخاطب هو آدم وزوجته حواء عليهما السلام وذريته.
إن الله سبحانه وتعالى عاقب آدم وحواء بعقابين؛ العقاب الأول: إخراجهما من الجنة. والثاني: إلقاء العداوة بين ذريته. ومن البديهي أن المعاداة بين الأولاد يكدر صفو الحياة للوالدين، فلا شك في كونه عقابا روحيا. (بيان القرآن)

ولكم في الأرض مستقر ومتاع إلى حين:
وقيل لآدم وحواء عليهما السلام إن الأرض التي أخرجتم من الجنة إليها، تقيمون فيها مدّة معلومة، وتتمتعون فيها من النعم، ثم تغادرون إلى الآخرة.
المسائل والأحكام المستنبطة من الآيات المذكورة:
{اسكن أنت وزوجك الجنة}: لم يقل أسكنا الجنة، بل قال أسكن أنت وزوجك الجنة؛ ففيه إشارة إلى مسئلتين في الحياة العائلية؛ الأولى: أن مسئولية السكن على الزوج وعليه أن يوفر السكن لزوجته.
الثانية: أن الزوجة تابعة للزوج في الإقامة، فحيث هو يقيم ويسكن، فعلى الزوجة أن تقيم وتسكن هناك ومعه.

مسئلة:
في قوله “اسكن” إشارة إلى أن إقامة آدم وزوجته حواء عليهما السلام في الجنة لم تكن على سبيل الأبد، لأن الله سبحانه وتعالى لم يقل أعطيتم الجنة أو أنها لكم، بل قال عزّ من قائل: “اسكن”، لأنه تعالى يعلم أنهما سيبتليان ويتركان الجنة، ولا يستحق العباد الجنة جزاء على سبيل الأبد، إلا بالإيمان والعمل الصالح، يوم القيامة.
وقد استنبط الفقهاء مسئلة شرعية من هذا: إن قال أحد لآخر “اسكن بيتي”، أو قال “بيتي سكنى لك”، لا يثبت الملك لذلك الآخر بهذه الكلمات. (قرطبي)

المرأة ليست تابعة لزوجها في الطعام واللباس
{وكلا منها رغدا}:
غيّر الخطاب من الواحد إلى التثنية، وخاطبهما بكلمة واحدة. ففيه إشارة إلى أن الزوجة لا تتبع زوجها في الطعام واللباس، بل كل واحد منها يختار من الطعام واللباس ما يحبه ويعجبه ويحتاج إليه.

تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مزيد من المقالات