الشيخ عبد الحميد: تنفيذ العدل يجلب الأمن والسلام في العالَم

الشيخ عبد الحميد: تنفيذ العدل يجلب الأمن والسلام في العالَم

أشار فضيلة الشيخ عبد الحميد إمام وخطيب أهل السنة بعد تلاوة آية “إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ” إلى أهمية العدل في الحياة الفردية والاجتماعية قائلا: يزعم الكثيرون منا أن المخاطبين بمراعاة العدل هم أصحاب القدرة والسلطة ورؤساء الدول والحكومات، ولكن الأمر الوارد في هذه الآية لكافة الناس رجالا ونساء. خاطبهم الله أن يراعوا العدل في حياتهم الفردية والعائلية والاجتماعية، ويكونوا عادلين في أي مستوى كانوا من العيش.
وتابع فضيلته: أمرنا الله أن نكون عادلين، ومن أسماء الله العدل، وعلينا أن نتخلّق بأخلاق الله، والعدل من الصفات الهامة التي يجب علينا أن نتخلّق بها. عند ما نتلوا القرآن الكريم، نرى كم يؤكد القرآن على مراعاة العدل. قال الله تعالى: “وَالسَّمَاءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ. أَلَّا تَطْغَوْا فِي الْمِيزَانِ. وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلَا تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ”. جاءت هذه الآيات بعد ما جاء الحديث عن خلق الإنسان وذكر نعمة البيان، فتحدث عن وضع الميزان وأمرنا بأن لا نطغى في الميزان.  وفي آية أخرى يقول الله تعالى “اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى”. عند ما تريدون أن تكونوا من التمقين الذين يرثون الفردوس، اعلمو أن العدل هو أقرب طريق للوصول إلى التقوى؛ فالذي لا يراعي العدل لا يستطيع أن يكون تقيّا.
واستطرد فضيلته قائلا: عندما تقعون في موضع الشهادة، لابد من مراعاة الحق، فلا يدفع الإنسان غنى الغني أو ضعف الضعيف أن يميل إلى أحد طرفي النزاع، بل لابد من مراعاة الحق واتباعه، وإن كان فيه ضرر على نفسه أو أقاربه أو والديه. ولا تكن مراعاة الثروة أو الفقر أو القرابة أو المنصب سببا لاستمالته إلى أحد طرفي النزاع.  كذلك إن جُعل واحد منا حكما أو قاضيا بين متنازعين وجلس مجلس القضاء، أو كان الحق مع خصمك في قضية، فلا يمنع ذلك واحدا من الاعتراف بالحق، فعليه بالشهادة على نفسه عند الحاجة.
وتابع إمام وخطيب أهل السنة قائلا: العدل والإنصاف يبدءان من الحياة الفردية ويصلان إلى الحياة الاجتماعية، فعلينا أن نراعي العدل في حق الله بتوحيده وعبادته، وهو المستحق للعبادة. جميع الكائنات من خلقه وهم محتاجون إليه، والله هو الغني الحميد. التوحيد هو العدل والاعتدال في الاعتقاد، وإشراك الغير مع الله في العبادة ظلم في حق الله تعالى. الإنسان المشرك وعابد الأوثان والأصنام ظالم. الإنسان الذي لا يلتزم بوحدانية الله، لا يكون عادلا بل هو ظالم. العدل في الأحكام أن يراعى كل حكم وأمر من أوامر الله تعالى، فالذي لا يصلي هو ظالم في حق الله، سواء كان تاركا للصلاة أو متكاسلا فيها. الذي لا يدفع زكاة أمواله ولا يصوم رمضان ولا يحج بيت الله مع استطاعته للحج ولا يجتنب المعاصي من الزنا والخمر والغيبة والنفاق، فهو ظالم في حق الله تعالى.
وأضاف بالقول: عبادة الله وحده والإطاعة من أوامره، أول درجات العدل في حياة المرء؛ ثم بعد ذلك يجب أن نكون عادلين ومنصفين في حق أنفسنا، ولا نفعل ما يجعلنا مستحقا للعن الله ولعن عباده، ولا نرتكب المعاصي، لأن الإنسان العاصي إضافة إلى أنه ظالم في حق الله تعالى، ظالم في حق نفسه، وقد ألقى بنفسه في التهلكة. قال الله في من لا ينفق ماله في سبيل الله: “ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة”.
كذلك يجب مراعاة سائر حقوق النفس من التنظيف وسواك الأسنان والاستراحة والتجنب من كثرة الأكل وغيرها من الحقوق لكي يمكن الاستفادة النافعة منها لعبادة الله تعالى.
وتابع فضيلته قائلا: من الظلم أيضا ويغاير العدل عدم إعطاء حقوق أصحاب الحقوق، فتجب مراعاة حقوق الأولاد والزوجة والمساواة بينهم، والاجتناب من غيبة المرء المؤمن واتهامه بما هو بريء منه، وتأدية كافة حقوق الإنسان المؤمن، فإن الإنسان العادل مقرب من الله تعالى. كذلك لا بد من مراعاة حقوق الحيوانات؛ فالذي يمسك حيوانا في بيته، عليه أن يهتم به ويطعمه ويسقيه، وقد سمعتم هذا الحديث مرارا “دخلت امرأة النار في هرة ربطتها فلم تطعمها ولم تدعها تأكل من خشاش الأرض”.
واستطرد قائلا: كل واحد منا مخاطب في هذه الآية بالعدل في حياته، ولكن أهم مخاطبي هذه الآية وأكثرهم خطابا للعدل، من بيدهم أمور الناس، أن ينصفوا ويراعو العدل. يشهد العالم اليوم أزمات أمنية ومشكلات اقتصادية ومالية، كلها ترجع إلى عدم مراعاة العدل. التغييرات التي تشهده المنطقة، كلها تأتي نتيجة عدم العدل والمساواة، والمظالم التي فرضت على هذه الشعوب.
وأشار فضيلة الشيخ عبد الحميد إلى احتلال فلسطين كأكبر نموذج للظلم في العصر الراهن قائلا: احتلت أرض فلسطين وشرد أهلها، واحتل الأقصى قبلة المسلمين الأولى، ثم شهدنا الدول القوية وذات الكلمة المسموعة والتي تدعي الديمقراطية والتقدم والرقي، بدل أن تقوم بجانب شعب مضطهد مشرد، ضيّعت حقوقه منذ زمن، ودعمت الظالم والمحتل المغتصب.
وتابع فضيلته قائلا: يدعون أنهم يكافحون الإرهاب، والإرهاب غير مرغوب فيه عند الجميع، وقد أدانت كافة شعوب العالم حادثة 11 سبتمبر، ولكن ليعلموا أن الإرهاب نشأ من مظالمهم ضد الشعوب وتضييع حقوقهم، وهذه الأوضاع الأمنية كلها راجعة إلى ما يرتكبون من الظلم الذي ارتكبوه ويرتكبونه في حق الشعب الفلسطيني، ويرجع إلى خذلانهم الضعفاء ومن هضمت حقوقهم في العالم.
وتابع خطيب أهل السنة مشيرا إلى جلسة الأمم المتحدة الأخيرة في نيويورك قائلا: جلس هؤلاء القادة للبحث عن أمن العالم والسلام فيه، ولكن الطريق الوحيد لأمن العالم هو مراعاة العدل ودعم المظلوم و سماع كلمته، بدل أن يقتل ويشرد ويتّهم.
وأضاف فضيلة الشيخ عبد الحميد، متساءلا: أليس شعب فلسطين وأفغانستان والعراق من البشر؟ أم ينحصر البشر وحقوقه في إسرائيل؟
إن الدين الإسلامي يرى حقوقا كثيرة وكبيرة للبشر، ويؤكد على العدل في حق البشر، ونحن ندعوا كافة أهل العالم أن يراعوا العدل. هذا هو التعليم الذي جاء في الإسلام وكافة الأديان السماوية.
وتابع خطيب أهل السنة قائلا: بدل استعمال القوة ومنع القرارات بالفيتو، يجب استماع كلمة الطرف الآخر واتباع العدل. فإن تنفيذ العدل يجلب الأمن والسلام الدائمين. يجب أن ترجع القوى المحتلة إلى بلادهم ويتركوا الشعوب وأحوالهم، ويقوموا بحل المشكلات من خلال الحوار والمفاوضات. الحرب والقتل والإعدام لا تأتي بالأمن والسلام.
واستطرد فضيلته قائلا: مع الأسف رؤساء الأنظمة الذين سقطوا أخيرا نتيجة ثورات شعبية في تونس وليبيا ومصر، لم يعتبروا إلى آخر ساعة من سقوط أنظمتهم ولم ينصتوا لكلمة شعوبهم، ولم يصلوا إلى هذه الحقيقة أنه لابد من العدل ومراعاة المساواة. وليعلم الآخرون من قادة الشعوب وليعتبروا من مصير هؤلاء. ولو استمع الأمريكيون إلى كلمة الشعب الفلسطيني لما نشأ الإرهاب والعنف. نطالب أن يكون العالم مع العدل ويكون بجانب من معه الحق، والوحي الإلهي يؤكد على العدل والإنصاف.
وتابع قائلا: الظلم وإهمال العدل من أسوء المعاصي والذنوب، وهو أسوء من الكفر. قال الله تعالى: “فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر”، ولكن لم يخيّر أحدا بين الظلم والعدل، بل الجميع أمِروا بالعدل، وقد عد الله تعالى أنه سيعاقب الظالم، وليس مثل هذا الوعد للمشرك والكافر، لكن الظالم كافرا كان أو مشركا سيعاقبه الله في الدنيا.

تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مزيد من المقالات