الشيخ عبد الحميد: علينا أن نواصل الأعمال والعبادات وترك الذنوب والمعاصي بعد رمضان أيضا

الشيخ عبد الحميد: علينا أن نواصل الأعمال والعبادات وترك الذنوب والمعاصي بعد رمضان أيضا

بدأ فضيلة الشيخ عبد الحميد إمام وخطيب أهل السنة خطبة هذه الجمعة (26 من رمضان 1432) بتلاوة آية “وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ”، قائلا: هذه آخر جمعة لشهر رمضان المبارك، وهي جمعة الوداع، وسوف ينتهي رمضان، هذا الشهر الذي كان في الواقع كمطر الربيع الذي ينزل بلطافة فيسقى الورود والأزهار، كذلك شهر رمضان يسقي القلوب بالإيمان.
وتابع قائلا: كان رمضان بصومه وتلاوته وقيامه والتصدق فيه والإنفاق على الفقراء والمساكين والأيتام يزكي أخلاقنا ويصقل قلوبنا للإيمان، ويذكرنا بالأعمال والواجبات التي فاتت منا في الأشهر الأخرى طوال السنة. فالذي لم يوفق خلال السنة لأداء الصلوات المكتوبة والذي لم يوفق للمشاركة في الجماعة وتلاوة القرآن الكريم يجد في هذا الشهر فرصة للتوجه والإقبال إلى هذه الأعمال. الكثيرمن عباد الله تركوا في هذا الشهر العادات السيئة التي كانوا يفعلونها وأقبلوا إلى العبادة والمساجد. بفضل هذا الشهر الذي تصفد فيه الشَّياطين، ومعنى تصفيد الشياطين أنه لا يمكن الوصول لهم إلى العباد.
واستطرد فضيلته قائلا: إن الله تعالى أنزل القرآن الكريم في هذا الشهر وفرض فيه الصيام وصفد الشياطين، ليتوب العباد إليه وليرجعوا إلى أنفسهم ويتداركوا ما فاتهم طوال السنة. بناء على هذا ورد في الحديث الشريف: “وَيُنَادِى فِيهِ مُنَادٍ كُلَّ لَيْلَةٍ يَا بَاغِىَ الْخَيْرِ أقبِل وَيَا بَاغِىَ الشَّرِّ أَقْصِر”.
وأضاف قائلا: ورد في الحديث الشريف أن النبي صلى الله عليه وسلم رقى المنبر، فلما رقى الدرجة الأولى قال: “آمين”. ثم رقى الثانية، فقال : “آمين”.. ثم رقى الثالثة: فقال: “آمين”. فقالوا : يا رسول الله! سمعناك تقول: “آمين” ثلاث مرات؟ قال: “لما رقيت الدرجة الأولى جاءني جبريل عليه السلام، فقال: شقي عبد أدرك رمضان فانسلخ منه ولم يغفر له. فقلت: آمين. ثم قال: شقي عبد أدرك والديه أو أحدهما فلم يدخلاه الجنة. فقلت: آمين. ثم قال : شقي عبد ذكرتَ عنه ولم يصل عليك. فقلت: آمين. فما أبخل وأشقى ذلك الإنسان الذي يذكر عنده من كان سببا للخير والرحمة والبركة، ومن ضحى لأجل هدايته، فلايصل عليه.
وأضاف فضيلته قائلا: في هذا الحديث درسان لنا: الدرس الأول هو احترام الأكابر والأسلاف، وأن نذكرهم بخير ولا نذكرهم بسوء، ولا نطعن في الأموات، ونذكر محاسن الأموات، ونترحم عليهم، وهذه صفة أصحاب الفتوة والمروءة، حيث يذكرون موتاهم بخير. يقول القرآن الكريم: “وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آَمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ”.
والدرس الآخر الذي يعلّمنا هذا الحديث أن لا نضيّع الفرص، فمصيبة عظيمة أن تفوت منا الفرص وأن يذهب رمضان ولا نحصل على مرضاة الرب تبارك وتعالى، ولا نحصل على تلك التقوى التي قال الله تعالى عنها “لعلكم تتقون”، وأن تفوت منا فرصة العمر والمال وخدمة الوالدين. لقد مضى رمضان ونحن لا ندري هل ندرك ليلة قدر آخر، وهل ندرك رمضان آخر أم تنقضي الفرصة، فالفرص لا دوام لها، والأموال لا بقاء لها. فمن أدرك خدمة الوالدين فلا يترك هذه الفرصة تفوت منه. التزموا الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ولا تكونوا بخلاء، فأعظم البخلاء من يستنكف عن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم.
وتابع فضيلته: نعمل ونؤدي العبادات ولا نقنط من رحمة الله تعالى وفضله، ونرجوا أن لا يعاملنا بعدله، فإن عاملنا بعدله فنهلك، لأننا لانملك من الأعمال ما ننجوا بها، بل نرجوا من الله تعالى أن يعاملنا بفضله وكرمه ورحمته. وينبغي أن نتحسر على الفرص التي فاتت منا والتي تضيع، ولنودع رمضان بالاستغفار والتوبة والتلاوة وفعل الخيرات، ونرجوا الخير من الله تعالى، ونلتزم الصلاة على النبي والعبادة، ونكون عبادا شاكرين، ونجتنب المعاصي كبيرة كانت أو صغيرة، لأنها خطيرة، ونغتنم الحسنات كبيرة كانت أو صغيرة، فإننا لا نعلم بأي حسنة يرضى الله تعالى منّا.
واستطرد فضيلته قائلا: الشياطين متربصون أن يقتصوا منا بعد رمضان، فلا نكون مسلمين رمضانيين، بل نواصل الأعمال والعبادات وترك الذنوب والمعاصي خلال السنة، ولن تهدأ الشياطين إلا بأن يدخلنا النار، وعيد الشياطين هو اليوم الذي يبعدنا من الحق ويفصل بينننا وبين الحق.

مجيء الشعوب إلى الميدان صحوة إسلامية واجتماعية:
وأشار فضيلة الشيخ عبد الحميد في القسم الأخير من الخطبة إلى يوم القدس قائلا: اليوم كما تعلمون يوم القدس في بلادنا، وهذا اليوم يوم حاسم، والهدف من تسمية هذا اليوم بالقدس أن يذكر المسلمون القدس بالدعم للشعب الفلسطيني والاحتجاج على المحتلين الصهاينة، وأن يطالبوا المنظمات الحقوقية العالمية بإنهاء احتلال القدس خاصة والفلسطين بصفة عامة، ليعود اللاجئون الفلسطينيون إلى بلادهم، ويعاد القدس إلى أهله.
وأضاف فضيلته معتبرا احتلال القدس من قبل الصهاينة أحد أهم العلل للصحوات الإسلامية بين الشعوب المسلمة التي تلت الثورات الأخيرة المؤدية إلى سقوط حكام مستبدين، قائلا: احتلال القدس الشريف ودعم دول كبرى لهذا الاحتلال الغاشم أحد أهم علل الصحوات الأخيرة في الشرق الأوسط والبلاد الإسلامية، ومع الأسف ما يشهده العالم من تطرفات تتحدى العالم كله، ينتج من هذه المظالم التي ترتكب في فلسطين، ومن تلك المساكن التي تدمر على أهلها، والمنازل التي تقصف، وصراخ الأطفال والنساء من الشعب الفلسطيني المضطهد. وهذا الظلم الذي يرتكب في حق الشعب الفلسطيني كان سبب نهضة الأمة وصحوتها الإسلامية وسقوط عدد من الحكام المستبدين الطغاة.
وتابع قائلا: الشعوب جاءت إلى الميدان، ومجيء الشعوب صحوة إسلامية وصحوة اجتماعية، فلم تعد الشعوب تتحمل هذه المظالم وسكوت قادتهم وحكامهم. ونحن نتوقع من خلال هذه الصحوة أن تنتهي بتحرير فلسطين. ونتوقع أن الدول الكبرى الاستعمارية التي تتدخل في قضايا الأمة الإسلامية وتحتل بلادها وتعتدي على أهلها، سوف تندم على أعمالها، كما ندم الإتحاد السيوفياتي الذي فشل وتفتت إلى دويلات وجمهوريات.
وأضاف فضيلة الشيخ مشيرا إلى سقوط حكام طغاة في الشرق الأوسط، قائلا: في سقوط هؤلاء رسالة لكافة العالم بأن عهد الاستبداد لقد ولّى ومضى. فالذين لم يستمعوا إلى شعوبهم ولم ينصتوا لمطالبهم وأرادوا كبت شعوبهم وقمعهم والحكم عليهم بقبضة حديدية أمثال القذافي و بن علي ومبارك إلى أي منقلب انقلبوا، فعلى الآخرين أن يعتبروا بمصائرهم ويرجعوا إلى شعوبهم إن أرادوا أن يبقوا في السلطة أكثر.

تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مزيد من المقالات