الشيخ عبد الحميد: الصيام لا مثيل له في تزكية النفس الأمارة

الشيخ عبد الحميد: الصيام لا مثيل له في تزكية النفس الأمارة

قال فضيلة الشيخ عبد الحميد إمام وخطيب أهل السنة، في خطبة هذه الجمعة، التي ألقاها أمام عشرات الآلاف من المصلين في الجامع المكي بمدينة زاهدان، بعد تلاوة آية “ياأيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون”: عندما نفكر في وجود الإنسان، نصل إلى هذه النتيجة أن الإنسان كائن غريب في نوعه، فهو ليس ملكا وليس حيوانا، فلا يتعلق بالعالم المادي كما لا يتعلق بعالم الملكوت.
وأضاف فضيلته قائلا: هذا العالم الذي نحن نعيش فيه، عالم الماديات، وكل ما في السماوات والأرض وفي هذا الكون، يعبر عنه بعالم الماديات ويقال لعالم الملائكة عالم الملكوت، والإنسان له شبه بعالم الملكوت من ناحية، وله صلة وتعلق بعالم الماديات من ناحية أخرى، فهو من الماديات جسميا، وروحه جاءت من عالم الملكوت، تلك الروح التي سئل عنها النبي صلى الله عليه وسلم فأنزل الله تعالى “يسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي”. فالإنسان ليس حيوانا كما زعم بعض أهل الدنيا أن الإنسان حيوان ذكي بالنسبة إلى سائرالحيوانات. ولكن الشريعة الإسلامية والسنة النبوية، أثبتتا أن هذا الإنسان أرقى وأعلى مكانة من أن يكون حيوانا.
وتابع قائلا: لما كان الإنسان على صلة بعالم الماديات من ناحية الجسم، ويحتاج في تربية جسمه إلى المواد الغذائية من الطعام والشراب وغير ذلك، أعد الله له كل ذلك، فلا نواجه نقصا في غذاء الجسم. وكذلك أنزل الله تعالى لأجل تقوية الروح هذا القرآن الكريم وأنزل برامجا لتقوية الروح.
إن جميع الأديان السماوية كانت مناهج وبرامج لتقوية الروح في الإنسان، والإسلام آخر هذه الأديان وخلاصتها، وهو مهيمن على جميعها، والقرآن الكريم مهيمن على كافة الكتب السماوية السابقة ومصدق لما فيها من أحكام وتعاليم من عند الله تعالى.
واستطرد فضيلة الشيخ قائلا: هذا الدين العظيم أنزله الله تعالى لنا، والكتب السماوية كلها من التوراة والإنجيل نزلت في هذا الشهر، والقرآن الكريم نزل في ليلة القدر التي هي خير من ألف شهر. هذا الدين دين الرقي والتطور والتقدم، والقرآن الكريم يدعو إلى الوسطية والاعتدال، وهو برامج رب العالمين لتغذية الجسم والروح.
وأردف فضيلة الشيخ عبد الحميد قائلا: القرآن الكريم يشمل على أجمل التعاليم وأفضلها لأجل تقوية الجسم والروح؛ ومن هذه التعاليم الصيام الذي أمرنا الله تعالى به.
أمرنا الله بالصيام لنمسك عن الطعام والشراب ونتطرق إلى التزكية والتطهير وتحلية القلب بالفضائل. فنلفكر لروحنا ونفكر لتحلية أخلاقنا، ونقوم بتلاوة القرآن الكريم لتزول الأقفال من أسماعنا وقلوبنا، ولتزول الغشاوات من أبصارنا.
وتابع فضيلته قائلا: قد أعجبنا بجمال الدنيا وزينتها، فلننظر في هذا الشهر إلى جمال الآخرة وروعة الجنة. هذا الشهر شهر الذكر، وشهر التزكية، وشهر تتقوى فيه رغبة المعنويات وتحصل التقوى والتزكية التي هي نتيجة الصوم والتلاوة. يريد الله تعالى أن يصنع منا إنسانا ومؤمنا. إن الله تعالى يريد أن يصنع من كل منا عبدا مؤمنا خاضعا ومتواضعا. أراد الله أن يزكي أنفسنا ويزكي هذه الأنفس الطاغية.
قال الله تعالى”وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آَتَيْنَاهُ آَيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ  وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ”.
بيّن الله تعالى في هذه الآيات مثال عبد أعطاه آيات مثل هذه الآيات التي أعطاناها، وهي آيات الدين، وكان بإمكانه أن يصل إلى السعادة وإلى الولاية وإلى جنة الفردوس، ولكن ذلك الشقي بدل أن يتمسك بهذه الآيات، أخلد إلى لذة الدنيا وحلاوتها، وغلبت عليه رغبة الدنيا وشهوتها بدل غلبة الدنيا والمعنويات؛ غلب عليه حب المال والمنصب، وأخلد إلى حياة الدنيا. يقول الله تعالى: “فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ”. الإنسان الذي لا ينتفع بآيات القرآن ويغرم بحب الدنيا ويعجب به، مثله مثل الكلب الذي هو نجس العين في بعض المذاهب.
واستطرد فضيلته قائلا: الصيام من أفضل العبادات التي لا مثيل لها في تربية الإنسان وتزكية النفس الأمارة. لا عبادة لها أثر مثل الصوم، ولا عبادة أهم من الصوم في تربية النفس الأمارة.
الصوم هي العبادة التي تزكي وتذل النفس الأمارة، فلنستقبل هذا الشهر ولا نعتبر التراويح وزرا على أنفسنا. كل هذا لا شيء تجاه الثمرات التي تحصل منها، فالتقوى التي تحصل نتيجة الصوم لباس يستر الإنسان من معايب الدنيا، وتحجب التقوى وتستر عرض الإنسان في الدنيا والآخرة. الإنسان المتقي مصون من عذاب الله في الدنيا والآخرة.
وأشارفضيلته إلى مقولة للإمام الغزالي رحمه الله قائلا: الإمام الغزالي قسّم الصوم إلى ثلاثة أقسام: صوم العامة وهو الكف عن الشهوة وعن الطعام والشراب فقط، ولا اجتناب فيه عن المعاصي. والثاني هو صوم الصالحين، وفيه اجتناب عن المعاصي والذنوب. والثالث هو صوم خاصة الخاصة. ورد في الحديث الشريف: “من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه”. وقال صلى الله عليه وسلم: “رب صائم ليس له من صيامه إلا الجوع ورب قائم ليس له من قيامه إلا السهر”. لنلبي نداء المنادي “يا بَاغِىَ الْخَيْرِ أَقْبِلْ وَيَا بَاغِىَ الشَّرِّ أَقْصِرْ”. فأيها العبد المسكين الذي تعاطيت الكحول والمخدرات وأتيت المحرمات، أقصر في هذا الشهر الكريم، وأغلق أبواب الذنوب والمعاصي، لعل الله يرحمك. ويا من تطلب الفرص للخير، أطعم في هذا الشهر المساكين والفقراء.
وتابع فضيلته: رمضان  شهر الزكاة وشهر تلاوة القرآن الكريم وشهر الإنفاق على الفقراء والمساكين، وشهر ذكر الله تعالى. كلما تجدون فرصة وفراغا في العمل اشتغلوا بذكر الله تعالى، ونزيد من الذكر والصلاة في هذا الشهر. وإضافة إلى التراويح التي هي من السنن المؤكدة نقيم الليل أيضا بثماني ركعات في السحر وهي الركعات التي لم يكن يتركها الرسول صلى الله عليه وسلم لا في رمضان ولا في غير رمضان، ونلتزم أداء الصلوات بالجماعة والنوافل، وأن نفر من عذاب الله في شهر رمضان الذي تغلق فيه أبواب النار.

أهل السنة في زاهدان يطالبون بتخصيص مكان أوسع لصلاة عيدهم

وفي قسم آخر من خطبته، طالب فضيلة الشيخ عبد الحميد، أن يخصص المسؤولون في محافظة سيستان وبلوشستان، مكانا أوسع في ضواحي مدينة زاهدان لأهل السنة، حتى يمكن لهم إقامة العيدين فيه بسهولة.
وأشار فضيلته إلى ضيق المكان المناسب لإقامة العيدين في مدينة زاهدان، قائلا: المصلون من أهل السنة في العيدين يواجهون مشكلة ضيق المكان، بحيث يصطف الكثيرون للصلاة في الشوراع المحيطة بالمصلى التي أصبحت لا تسع كثرة المصلين في السنوات الأخيرة.
وتابع قائلا: في الجولة الأخيرة للرئيس أحمي نجاد إلى محافظة سيستان وبلوشستان، قدّم أهل المدينة مطالبتهم بتخصيص مكان لصلاتي عيد الفطر والأضحى، وأحال الرئيس القضية إلى المحافظ ونحن نتابع هذه القضية.
وأشار فضيلته إلى أن الشيعة في زاهدان لا مشكلة لهم من حيث المكان لإقامة العيدين، حيث كانوا يملكون قرابة 27 هكتارا من الأراضي وزادوا أخيرا 13 هكتارا عليها وهم يملكون 40 هكتارا في الجملة لمصلاهم، ولكن أهل السنة في زاهدان (مع أنهم أكثر عددا من الشيعة) كل ما يملكونه 6 هكتارات فقط، وهذه المساحة القليلة من الأراضي لا تسع جموع المصلين السنة في العيدين، حيث يصل عدد المصلين من مائة ألف إلى مائتي ألف في كل عيد، معتبرا المكان المناسب لإقامة العيدين من حقوق أهل السنة الأساسية.
واستطرد قائلا: أهل هذه المحافظة حافظوا من هذه الأراضي عبر التاريخ، وقد ضحّوا للحفاظ على هذه الحدود وعانوا مشكلات، لذلك فهم يرجون من المسؤولين أن يمنحوهم قطعة أرض لإقامة العيدين بحيث تسع جموع المصلين لسنوات عديدة في المستقبل.
وتابع فضيلة الشيخ مؤكدا على أن المطالبة بالمصلى هي مطالبة جميع أهل السنة في زاهدان، قائلا: نحن إضافة إلى الرجال، نريد مشاركة النسوة في العيدين أيضا، لذلك نرجو من المسؤولين أن يمنحونا مع سعة الأفق، نظرا إلى عدد الرجال والنساء، قطعة أرض لإقامة صلاتي الفطر والأضحى، ويكسبوا بذلك شكر الناس ودعائهم لهم.

تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مزيد من المقالات