الشيخ عبد الحميد: العقل أغلى ثروة موهوبة للبشر للوصول إلى فلاح الدنيا والآخرة

الشيخ عبد الحميد: العقل أغلى ثروة موهوبة للبشر للوصول إلى فلاح الدنيا والآخرة
molana_27تطرق فضيلة الشيخ عبد الحميد، إمام وخطيب أهل السنة، في خطبة الجمعة التي ألقاها في الجامع المكي بمدينة زاهدان، أمام عشرات الآلاف من المصلين، بعد تلاوة قول الله تعالى “إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآَيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ. الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ” إلى ضرورة التفكر والتدبر قائلا: إن الله تعالى دعانا جميعا في الآية التي تلوتها أمامكم إلى التفكر؛ دعانا إلى أن نجلس ونفكر في الأرض وما فيها من عجائب خلقه التي هي في الواقع  معرض إلهي كبير قد عرضت فيها مخلوقاته. ولقد منح الله تعالى البشر القوة الفكرية ليتفكر لماذا خلق الله تعالى هذه الدقائق في أمور الكون، ومن هذا المنطلق يدرك الإنسان عظمة الرب تبارك وتعالى وخالق السماوات.

وتابع فضيلته قائلا: في هذه الآية، أثنى الله تعالى على عباد الذين يذكرون الله في جميع الأحيان، ثم يفكرون في خلق السماوات والأرض. قال تعالى: “إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآَيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ. الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ .
من أهم نتائج التفكر والتعقل أن عظمة الرب تبارك وتعالى تدخل في قلب الإنسان. منحنا الله العقل لكي نستعمله في دنيانا وآخرتنا ونستعمله في معرفة الرب تبارك وتعالى.
وأضاف فضيلة الشيخ: كل إنسان وهبه الله العقل ليستخدمه لصالحه في معرفة الدينا والآخرة؛ وما وصل إليه البشر من العلوم والمعارف التي تدرس في الجامعات، كلها من نتائج العقل البشري وتجارب الأسلاف. فالعقل والتدبر والتفكر من الأسباب التي توصلنا إلى معرفة الرب تبارك وتعالى؛ فلو فكرنا في أمور ديننا وسبل معرفة الرب عز وجل كما نفكر في منافعنا المادية، من اليقين أن الله تعالى يفتح علينا أبواب الوصول إلى الهداية. فكما أن البشر استطاع أن يبتكر الكثير من الآلات الحديثة والأسباب المادية باستعماله العقل في الأمورالدنيوية، فلو استعمل هذ العقل في الأمور الدينية يستطيع أن يحل معظم الأبواب المغلقة أمام معرفة الرب تبارك وتعالى. القرآن الكريم دعانا إلى هذا وأمرنا بالتفكر في الآخرة وفي الدنيا، وبهذا التفكر فيما خلق الله من الكائنات والتفكر في الآخرة، يصل الإنسان إلى هذه النتيجة أن الله تعالى ما خلق السماوات والأرض باطلا. فالأرض بعظمتها وجبالها وبحارها وجمالها، لا يمكن لأي عاقل أن يقول أنها خلقت عبثا. وهذه السماء الواسعة والعظيمة وكل ما في هذا الكون والنظام الذي جعله الله فيه، هل من المعقول أن يقال أنها خلقت عبثا؟  كلا! بل خلق الله تعالى كل هذه للبشر أن يعيش في الراحة ويعرف الرب ويعبده ويطيع أوامره. كل هذه خلقت لأجل الإنسان. الأرض خلقت لمنافع العباد أحيائهم وأمواتهم، والسماء كذلك.
قال الله تعالى: “أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ كِفَاتًا. أَحْيَاءً وَأَمْوَاتًا. وَجَعَلْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ شَامِخَاتٍ وَأَسْقَيْنَاكُمْ مَاءً فُرَاتًا”. فمساكننا في هذه الأرض، وعندما نموت ندفن فيها. وجعل الله الجبال الشامخات، ولقد أودع فيها أنواعا من النعم والمواهب، وإن الله تبارك وتعالى أنزل من السماء ماء تمتلأ به الأنهار والآبار والبحار، فننتتفع به طوال السنة.
لماذا لا نستعمل عقلنا بالتدبر والتفكرفي كل هذا؟ لماذا لا نستعمل عقلنا وفكرنا في هذه الأمطار والمراتع التي تخرج نتيجة نزولها، والبهائم التي ترعى فيها، وننتفع نحن بلبانها ولحومها وأصوافها؟
كل هذا يطلب من الإنسان الذي خلقه الله كائنا حيا نشطا أن يفكر فيها، ويفكر في الأشجار والثمار التي تخرج منها، وهذه الموائد التي توضع أمامنا فنأكل منها وهي مليئة بأنواع من الأطعمة. وفي هذا الإنسان الذي خلقه الله تعالى في أحسن صورة. “لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم”، حيث جعل أجمل الأعضاء في جسده، وترك نظاما معقدا في هذا الجسم الصغير الذي عجزت الجامعات الكبيرة في العالم من الإحاطة بجميع جوانبه؛ فالكثير من أمراض هذا الجسم لما يدركها عقل البشر ولا علومهم، والكثير من هذه الأمراض عجز عقل البشر من علاجها.
وتابع فضيلة الشيخ مشيرا إلى مكانة العقل في الجسم الإنساني قائلا: العقل أغلى ثروة وهبه االله تعالى للبشر ليستعمله في الوصول إلى فلاح الدنيا والآخرة، ومن المؤسف جدا أن يرى الإنسان أناسا لهم مهارة في كافة العلوم المادية وتخصصات في كثير من فنون العصر ولكنهم ليست لديهم معرفة بالرب تبارك وتعالى. فهو ينظر إلى هذه الأمور اللطيفة التي وضعها الله في العالم، ولكن مع ذلك لا صلة له بالرب ولا يصلى ولا يطيع أوامره.
واستطرد فضيلة الشيخ قائلا: القرآن والسنة دعانا إلى التفكر والتدبر في الكائنات لنعرف من خلالها الذات الإلهية  ونعرف كلام الرب تبارك وتعالى ونفكرفي القرآن الكريم. فليس هناك ذات تستحق العبادة غير الله عز وجل، فنحن جميعا محتاجون وفقراء إلى الله، والله تعالى هو المعبود الوحيد، وهو الغني عن جميع الأشياء. يعلم السر والعلانية ويعلم ما تخفي الصدور من الوساوس والخيالات. لأجل ذلك يجب أن نفكر في اليوم الذي نُغسَل ونُدفَن.
“قالت عائشة رضي الله عنها: إن أبا بكر قال لها: في أي يوم مات رسول الله؟ قالت في يوم الإثنين، قال: إني لأرجو فيما بيني وبين الليل، قال: ففيم كفنتموه؟ قالت: في ثلاثة أثواب بيض سحولية يمانية ليس فيها قميص، ولا عمامة، فقال أبو بكر: انظري ثوبي هذا فيه ردع زعفران أو مشق فاغسليه واجعلي معه ثوبين آخرين، فقيل له قد رزق الله وأحسن نكفنك في جديد، قال: إن الحي هو أحوج إلى الجديد ليصون به نفسه عن الميت، إنما يصير الميت إلى الصديد، وإلى البلى”.
وأضاف قائلا: هل فكرتم أن الموت يدركنا، وقد كثر موت الفجأة. لماذا لا نفكر في وحشة القبر وأننا نُترَك فيه متوحدا. ما هو جوابنا أمام الرب تبارك وتعالى حيث ضيّعنا حقوقه وحقوق العباد؟
الكثير لا يؤدون الزكاة ولا يحجون مع أنهما من أركان الإسلام، ونرتكب المعاصي الصغيرة والكبيرة. لماذا لا نفكر في قول الله تعالى “فريق في الجنة وفريق في السعير”؟
لماذا لم نفكر في صلتنا مع الله تعالى؟ لماذا لا نفكر في محبة الله وكرمه علينا، ولماذا لا نفكر في محبة رسول ضحّى بآله وصحبه لأجل أن يصل هذا الهدي إلينا؟
فعلينا أن نتّبع سنته ونحافظ على سيرته، ونضحّي بأموالنا وأنفسنا، كما ضحّى الصحابة بأنفسهم لانتشار الإسلام، وقد اهتدى أسلافنا بفضل جهودهم إلى هذا الدين الحنيف.

إزالة التمييزات العنصرية والطائفية أفضل من تقديم الخدمات العمرانية ومشاريع التنمية لمناطق السنّة

واعتبر فضيلة الشيخ عبد الحميد، في الخطبة الثانية، إزالة التمييزات العنصرية والطائفية التي يعاني منها أهل السنة في إيران، أفضل بكثير من الخدمات العمرانية ومشاريع التنمية في مناطقهم.
وفي معرض إشارته إلى سفر الرئيس أحمدي نجاد إلى محافظة “سيستان وبلوشستان” في الأسبوع المنصرم، قال فضيلته: كانت جولة للرئيس أحمدي نجاد ووزراء الدولة في المحافظة وأقيمت جلسات مختلفة وصدرت قرارات في مجالات الإعمار والتنمية، ورجاءنا جميعا أن تبذل جهود في سبيل تنمية محافظتنا وبلادنا.
وشدد فضيلته على أن النقطة الهامة التي يجب التركيز عليها من قبل السلطات وصناع القرار السياسي والأمني في البلاد لإزالة المشكلات الأمنية والحفاظ على الوحدة والانسجام، هي أن ينفذ العدل وتُراعى المساواة بين الأقوام والطوائف والمذاهب الموجودة في هذه المنطقة.
وأضاف قائلا: إن الطوائف الإيرانية المختلفة إنما ساندوا الثورة ضد النظام السابق، لأن ذلك النظام لم يكن يعرف شيئا إسمه العدل والمساواة، وكان مستبدا، وكان الجميع يشكون منه، لأجل هذا قام الشعب بجميع طوائفه ليصلوا إلى العدل والانسجام والمساواة والحرية.
وتابع قائلا: إن محافظة “سيستان وبلوشستان” يسكنها الشيعة والسنّة، وأقوام وطوائف من السيستانيين والبيرجنديين واليزديين والكرمانيين الذين جاءوا من سائر المدن.
فمدينة “زاهدان” منذ تأسيسها سكنها هذه الأقوام جنبا إلى جنب. وإن كان السكان الأصليون فيها هم القبائل البلوشية، ولكنهم عاشوا جميعا جنبا إلى جنب ولم تكن خلافات بينهم، وقد صرح بهذا الشيخ عبد العزيز رحمه الله (الزعيم المذهبي والسياسي السابق لأهل السنة في إيران) قبل الثورة عندما سأله آية الله الخميني عن الشيعة والسنة في “زاهدان”، فأجاب: «ليس هناك ملف واحد من الخلاف الشيعي السني في محاكمنا». فكانت قبل الثورة وحدة بين هذين الفريقين ولم تكن خلافات.
وأشار فضيلة الشيخ إلى التمييزات كباعث للمشكلات الطائفية بعد الثورة قائلا: هذه الاختلافات بين السنّة والشيعة والمشكلات كلها حدثت بعد الثورة، ونحن مخالفون لهذه الاختلافات، ولكنها نشأت من التمييزات الطائفية، ونعتقد أن إزالتها هي أكبر خدمة تستطيع الدولة أن تقدمها لأهل السنة والجماعة، فنحن بحاجة إلى الوحدة والعدل، لأن بوجود هذه التمييزات تحدث اختلافات ومشكلات يتضرر بها الشيعة والسنة والأقوام التي تعيش هنا. ونحن نعرف جيدا أن الدولة بوحدها لا تقدر على مكافحة هذه الظاهرة وهي ليست من عمل الدولة فحسب، بل يجب على كل من له كلمة مسموعة أن يقنعوا كبار القوم وصناع القرار السياسي أن يسعوا في تغيير هذه السياسة التمييزية والطائفية.
وتابع فضيلة الشيخ: إن الأخوّة والوحدة نراها لصالح الوطن والنظام، ونعتقد أن إزالة التمييزات لها دور أساسي في تضمين الأخوّة والوحدة. وإنني طرحت هذا الأمر كلما وجدت فرصة في هذه العقود الثلاثة من عمر الثورة، وأرى فيه الخير للبلاد.
واستطرد فضيلته: في الظروف الراهنة التي يدّعي النظام دعمه للأقليات في العالم، رجاءنا أن تحقق حقوق أهل السنة في هذه المحافظة وفي سائر المحافظات التي يقطنها أهل السنة، وتحل مشكلات الجميع من السنّة والشيعة؛ وكما نطالب بحقوقنا نطالب أيضا أن تحقق حقوق جميع الأقليات في العالم.

تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مزيد من المقالات