الشيخ عبد الحميد: تعاليم الإسلام ضد الاستبداد، والبلاد الإسلامية أكثر البلاد ضحايا للاستبداد

الشيخ عبد الحميد: تعاليم الإسلام ضد الاستبداد، والبلاد الإسلامية أكثر البلاد ضحايا للاستبداد
molana_26تطرق فضيلة الشيخ عبد الحميد إمام وخطيب أهل السنة في مدينة زاهدان بعد تلاوة قول الله تعالى “وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا” إلى بيان أهمية الاعتدال وكراهية الاستبداد والتطرف في تعاليم الإسلام، قائلا:إن الله تعالى جعل الإسلام دين الاعتدال، وجعل هذه الأمة أمة وسطا؛ والوسط بمعنى المعتدل، والاعتدال من أفضل الأعمال وأبرزها، والإفراط والتفريط كلاهما مطرودان في تعاليم ديننا الحنيف، وأمتنا أمة معتدلة ونبينا صلى الله عليه وسلم كان على الاعتدال، وكل ما وصل إلينا من أقوال النبي صلى الله عليه وسلم وأفعاله كانت جميعها في مسير الاعتدال، وكل ما في القرآن الكريم من التعاليم في الشُعَب المختلفة من العبادات والأخلاق جميعها تعاليم معتدلة ومتوسطة.

واعتبر فضيلة الشيخ الابتعاد عن تعاليم الإسلام من أسباب وقوع مجتمعاتنا في مستنقع الاستبداد والتطرف، قائلا: إن الله تعالى يحبّ الاعتدال والوسطية، فقال تعالى: “وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآَنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا”؛ والعدل الذي يهتف به كل شخص في العالم ويطلبه، منشأه الاعتدال في الأمور. ومع الأسف نتيجة ابتعاد مجتمعاتنا عن تعاليم الإسلام التي تشجع على الاعتدال والوسطية ونبذ الإفراط والتطرف وكذلك التفريط، قد حل في حياتهم الإفراط والتفريط، فكثير من الناس لا يراعون الاعتدال في حياتهم وأعمالهم، فكثير من الآباء لا يراعون الاعتدال في الأسر ولا ينصتون لكلام أولادهم ولا زوجاتهم في القضايا العائلية.
وأضاف فضيلته: يجب على المرء الإستماع إلى كلام زوجته، فكان من سنة النبي صلى الله عليه وسلم أنه يستشير زوجاته، ففي صلح الحديبية عمل رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما قالت له  أمّ سلمةَ: “يا نبىّ اللّه، أَتُحِبُّ ذَلِكَ اخْرُجْ ثُمَّ لاَ تُكَلِّمْ أَحَدًا مِنْهُمْ كَلِمَةً حَتَّى تَنْحَرَ بُدْنَكَ ، وَتَدْعُوَ حَالِقَكَ فَيَحْلِقَكَ. فَخَرَجَ فَلَمْ يُكَلِّمْ أَحَدًا مِنْهُمْ ، حَتَّى فَعَلَ ذَلِكَ نَحَرَ بُدْنَهُ ، وَدَعَا حَالِقَهُ فَحَلَقَهُ . فَلَمَّا رَأَوْا ذَلِكَ ، قَامُوا فَنَحَرُوا”، ورسول الله صلى الله عليه وسلم أسوة لنا في كل شيء.
وشدد فضيلته على أن الاستبداد منفور في كل شيء ولا ينحصر الاستبداد في الحكومات والحكام، بل الأب في البيت إن لم يستمع إلى رأي أهل البيت ولم يهتمّ لرأي البنت مثلا في أمر الزواج فهو مستبد، ولقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن تستأمر البكر في زواجها، ولا يستطيع الأب أن يزوج الثيب من غير رضاها، فمن الاستبداد أن يقوم الأب بتزويج البنت من غير رضاها، ويختار لها زوجا دون أن يستشيرها. بل من حق المرأة أن تعبّر عن رأيها في أمرها.
واستطرد فضيلة الشيخ مشيرا إلى مفاسد الاستبداد في الحياة قائلا: ربما نشاهد بعض الأئمة في المساجد يستبدون بالرأي ولا يهتمون لآراء المصلين، والنتيجة أن هذا الاستبداد يكون سببا لهروب الناس من المسجد والصلاة. وإذا كان الزعيم الديني مستبدا لانفض أتباعه وهربوا منه، فإذا استبد أهل مذهب وكفّروا وفسّقوا من لم يعتقد بمذهبهم، فقد ابتلوا بالاستبداد. فلا نجعل الإسلام منحصرا في مذهب ولا فرقة، ونكفّر الغير، ما لم يصدر منه ما ينكر ضرورة من ضرورات الدين.
وتابع فضيلته: إذا دخل الاستبداد في المذهب يتضرر به المذهب، وإذا دخل في فرقة من الفرق أضر بتلك الفرقة، وإذا صار رئيس قبيلة مستبدا تفرق عنه أتباع ورعيته، وإذا كان العالم مستبدا تفرق عنه أتباعه ومستمعو كلامه، وإذا استبد الحاكم خسر رعيته وشعبه ويحدث فيهم التفرّق والاختلاف.
واستطرد قائلا: الإنسان يتحير عندما يرى أن الإسلام دين الاعتدال والعدل، وتعاليمه تحارب الاستبداد والتطرف، ولكن من ناحية أخرى نشاهد أن البلاد الإسلامية أكثر البلاد في العالم ضحايا للاستبداد، ونرى أكثر المستبدين في العالم الإسلامي في العصر الحاضر، ونرى كيف غيّر بعض هذه الأنظمة قوانين بلادهم لصالح منافعهم ومنافع أحزابهم.
وأشار فضيلة الشيخ إلى أن الأولوية في حياة الإنسان هي الحرية والكرامة، قائلا: ليست الأولوية في الحياة السكن والخبز وغيرهما من ضرورت الحياة، بل الأهم هي الحرية والكرامة، وعندما نبحث عهد الخلفاء الراشدين نرى في حياتهم نماذج لا مثيل لها من الحرية والكرامة، حيث كانت بإمكان جارية حديثة السن أن تأخذ بيد أميرالمؤمنين وتكلمه في حاجتها، وقد تركوا الدنيا دون أدنى تاثر بمطامعها من المنصب والمال. وقد بلغت الحرية إلى حد تجادل أمير المؤمنين إمرأة في قضية المهر.
ويجلس خليفة المسلمين علي بن إبي طالب في مجلس القاضي “شريح” ليحكم بين أمير المؤمنين ورجل يهودي في درع وجده عند اليهودي. نعم! هذه هي الحرية الحقيقية وهي الحرية الصحيحة الإسلامية.
مع الأسف نجد في كثير من البلاد الغربية الاحترام إلى آراء المواطنين وكرامتهم بدل البلاد الإسلامية، رغم بعض المفاسد التي نسمع بها في تلك البلاد.
وتابع فضيلة الشيخ قائلا: إن التيارات التي نشهدها في عالمنا اليوم والظروف الحالية، كلها تتّجه نحو مكافحة الاستبداد والديكتاتورية وضيق النظر، والحق مع الشعوب في نهضتهم ضد الاستبداد. وعلينا أن ندعو دائما أن تنتهي هذه الثورات لصالح الإسلام والمسلمين، وأن تستقل الأمة المسلمة في شؤونها، وأن تنتهي عوامل وبواعث هذه الثورات كلها.
وتابع فضيلته مشيرا إلى بعض نماذج الاستبداد في المجتمع قائلا: إن إرادت مثلا بعض الأسر الشيعية إقامة مسجد في منطقة سنية مثل بلوشستان أو أرادت أسر من أهل السنة بناء مسجد في منطقة ذات الأغلبية الشيعية فمن حقهم بناء المسجد وإقامة الصلاة.
وأشار إمام وخطيب أهل السنة إلى الضغوط التي يتعرض لها السنّة في مجال إقامة الصلوات مع الجماعة أو بناء المساجد في بعض المدن الكبرى في إيران، قائلا: من الاستبداد أن يقوم البعض بالمنع والتدخّل وأن يطلب منهم الترخيص والإذن من الحكومة للصلاة بالجماعة وتعليم القرآن الكريم. لا يوجد في العالم قانون يفرض الترخيص لأجل الصلاة مع الجماعة أو تعليم القرآن وعدم إعطاء الترخيص لبناء المسجد.
وكذلك فالدين الإسلامي لقد أعطى أتباع كافة الأقليات الدينية من اليهود والنصارى والمجوس الحرية التامة في ممارسة طقوسهم وعباداتهم، وإن تدخّل أحد في أمورهم الدينية يسمى هذا استبدادا.
واعتبر فضيلة الشيخ عبد الحميد العمل الشنيع الذي ارتكبه القس الإمريكي بحرق المصحف الشريف عملا ناشئا عن استبداده، قائلا: كان الأحرى بالمسؤولين في الولايات المتحدة أن يتركوا هذا القس في مستشفى الأمراض النفسية، فهو مريض نفسيا حيث تجرأ أن يرتكب إساءة إلى الكتاب المقدس لدى أكثر من مليار ونصف مسلم في العالم. المسلمون لا يسيئون إلى اليهود ولا إلى النصارى، وكان الواجب على الأمريكيين معالجة هذا القس الذي ارتكب عملا يدل على جنونه.
وأعرب فضيته عن شكره للشعب الأفغاني المسلم حيث قاموا بمظاهرات تندد ممارسة القس الأمريكي.
وأكد فضيلة الشيخ في نهاية خطبته على ضرورة مراعاة الاعتدال، قائلا: ديننا دين الاعتدال، ولا مجال للتطرف والحيادية والإفراط والاستبداد في الإسلام، ولا بد من استماع أقوال وآراء الجميع، ولا بد من استماع الاعتراضات، فبقاء الممالك الإسلامية ووحدتهم تكمن في مراعاة حقوق شعوبهم جميعا. فقد ورد في الأحاديث أن الله تعالى أدخل إمرأة صالحة النار لأجل تعذيبها هرة، وأدخل فاحشة الجنة بسبب سقيها كلبا حيث ترحمت عليه.
وقد ورد في الحديث: “إرحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء”.

تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مزيد من المقالات