أحمد بن نصر بن إبراهيم النَّيسابوريّ، المعروف بالخفَّاف.
نشأته العلمية:
نشأ الإمام أبو عمرو الخفاف منذ صغره على حب العلم والعلماء..
قال الذهبي رحمه الله: جمع وصنَّف وبرع في هذا الشّأْن.
من معاصريه:
الإمام البخاري صاحب الصحيح.
أبو داود سليمان بن الأشعث السجستاني، صاحب كتاب السنن.
والحافظ محمد بن يزيد بن ماجة القزويني المشهور.
و يعقوب بن سفيان النسائي الإمام.
و أبو عيسى محمد بن عيسى بن سودة الترمذي السلمي.
والبحتري الشاعر.
و أبو القاسم جنيد بن محمد الصوفي، وكان إمام وقته.
وأبو الحسن محمد بن أحمد بن كيسان النحوي، وكان عالماْ بنحو البصريين والكوفيين.
و إِسحاق بن حنين الطبيب.
شيوخه:
سمع: إسحاق بن راهوَيه، وعَمرو بن زُرارة، وأبا عمّار الحُسين بن حُرَيث، ومحمّد بن عبد العزيز بن أَبي رِزمة، والحسَين بن الضَّحَّاك، ومحمد بن رافع، ومحمّد بن عليّ بن شقيق، وأقرانهم.. بنَيسابور.
وأحمد بن مَنيع، وأبا همَّام السَّكونيّ… ببغداد.
وأبا كُريب، وعبّاد بن يعقوب، وهنَّاد بن السَّريّ، وإبراهيم بن يوسف الصَّيرفيّ، وطبقتهم بالكوفة.
ويعقوب بن حُميد بن كاسب، وأبا مُصعب الزُّهريّ، وعبد الله بن عمران العابديّ، وعدّة بالمدينة.
ومحمد بن يحيى العَدنيّ، وغيره بمكّة.
تلاميذه:
حدّث عنه: أبو حامد بن الشّرقيّ، ومحمد بن سليمان بن فارس، وأبو عبد الله بن الأخرم، وأبو بكر الصَّبغيّ، ومحمد بن أحمد بن حمدون الذُّهليّ، وأبو سعيد أحمد بن أبي بكر الحِيريّ، وخلق من مشيخة الحاكم.
سعة ذاكرته:
قال الصبغي: كنّا نقول إنه يفي بمذاكرة مائة ألف حديث.
وقال السراج: ما رأيت أحفظ منه. وكان يسرد الحديث سردا حتى المقاطيع و المراسيل.
قال ابن خُزيمة على رؤوس الملأ يوم مات أبو عمرو الخفَّاف:
” لم يكن بخراسان أحفظ منه للحديث”.
سخاءه:
قال أبو زكريّا العَنبريّ: كان ابتداء حال أبي عمرو، أحمد بن نصر الرّئيس الزُّهد والورع، وصحبة الأبدال، إلى أن بلغ مِن العِلم والرِّئاسة والجلالة ما بلغ، ولم يكن يُعقِب.
قال: فلمّا أيس مِن الولد، تصدَّق بأموال، كان يُقال: إنّ قيمتها خمسة آلاف ألف درهم، على الأَشراف والفُقراء والموالي.
وكان كثير الصدقة، سأله سائل فأعطاه درهمين فحمد الله فجعلها خمسة، فحمد الله فجعلها عشرة، ثم ما زال يزيده ويحمد السائل الله حتى جعلها مائة.
فقال: جعل الله عليك واقية باقية.
فقال للسائل: والله لو لزمت الحمد لأزيدنّك ولو إلى عشرة آلاف درهم.
زهده:
صام الدهر بضعا وثلاثين سنة, وكان يعد من الأبدال.
قال الصِّبغِيّ: صام أبو عمرو الخفَّاف الدَّهر نيّفاً وثلاثين سنة.
قال الذهبي: ليته أفطر وصام، فما خفِي – والله – عليه النّهي عن صيام الدَّهر، ولكن له سلف، ولو صاموا أفضل الصَّوم، للزموا صوم داوُد -عليه السّلام .
ثم نقل الذهبي رحمه الله بسنده المتصل (الذي كان أبوعمرو أحد روّاته) حديثا صحيحا قال:
أخبرنا أبو الفضل أحمد بن هبَة الله بن تاج الأُمناء، أنبأنا عبد المُعِزّ بن محمد، أخبرنا أبو عمرو بن حمدان، أخبرنا أبو عمرو أحمد بن نصر الخفَّاف، حدثنا نصر بن عليّ، حدّثنا عبد الله بن داود، عن ثَور، عن خالد بن معدان، عن ربيعة الجُرَشيّ، عن عائشة – رضي الله عنها :
(أنّ رسول الله – صلى اللهُ عليه وسلَّم- كان يتحرَّى صوم الاثنين والخميس، ويصوم شعبان ورمضان).
الثناء العطر:
قال الذهبي رحمه الله:
” الإمام، الحافظ ، الكبير، القُدوة، شيخ الإسلام…
كان عظيم الجلالة نافذ الأمر يلقّبونه بزين الأشراف “.
قال أبو عبد الله الحاكم: كان نسيج وَحده جلالةً، و رئاسةً، و زهداً، وعبادة وسخاء نفس.
بين الخفاف والصفار:
قال محمّد بن المُؤَمَّل بن الحسن الماسَرجسِيّ: سمعتُ أبا عَمرو الخفَّاف يقول: كان عَمرو بن اللَّيث الصَّفَّار – يعني السّلطان- يقول لي: يا عمّ! متى ما عملتُ شيئا لا يوافقك فاضرب رقبتي، إِلى أن أرجع إلى هواك.
قال الذهبي: كذا فليكن السُّلطان مع الشّيخ.
وعمرو بن الليث الصفار, هو أخو يعقوب بن الليث السجستاني.
كان هو و أخوه صفارين بسجستان يصنعان النحاسٍ.
ذكر عليّ بن محمد أنّ يعقوب وعمراً كانوا أخوين صفارين يظهران الزُّهد.
وكان يعقوب قد افتتح الرخُج، وقتل ملكها، وأسلم أهلها على يده، وكان ملك الرخج يجلس على سرير ذهب، ويدَّعي الإِلهية، ثمّ إنّه حارب عسكر فارس سنة خمسٍ وخمسين ومائتين، وقتل منهم ألوفاً.
وفي سنة تسع وخمسين ومائتين استولى يعقوب الصفار على نيسابور وملكها.
وكان يعقوب حازماً عاقلاً، وكان قلّ أن يرى متبسّماً.ولما مات يعقوب، في رابع عشر شوّال سنة خمسٍ وستيّن بجنديسابور.قام بالأمر بعده أخوه عمرو بن الليث، وكتب إِلى الخليفة بطاعته، فولاه الموفق خراسان وأصفهان وسجستان والسند وكرمان..
وكان عمرو جميل السيرة في جيوشه. ذكر السلامي أنه كان ينفق في الجند في كل ثلاثة أشهر مرة…
وحاصل الأمر أنه بغى على إسماعيل بن أحمد بن أسد متولي ما وراء النهر، وأراد أخذ بلاده، فبعث إليه إسماعيل يقول: أنا في ثغر وقد قنعتُ به، وأنت معك الدنيا فاتركني. فلم يدعه، وعزم على حربه، فعبر إسماعيل نهر جيحون إليه بغتة في الشتاء، فخارت قوى عمرو، وأخذ في الهرب في الوحل والبرد. فأحاط به أصحاب إسماعيل وأسروه.
موقفه من إمام البخاري:
وقال خلف الخيام: سمعتُ أبا عمرو بن نصر الخفاف يقول:
محمد بن إسماعيل أعلم في الحديث من أحمد وإسحاق بعشرين درجة، ومن قال فيه شيء؛ فمِنّي عليه ألف لعنة. ولو دخل من هذا الباب لملئت منه رعباً.
وقال أبو عمرو أحمد بن نصر الخفاف:
كنّا يوماً عند أبي إسحاق القيسي ومعنا محمد بن نصر المروزي، فجرى ذكر محمد بن إسماعيل، فقال محمد بن نصر: سمعته يقول: من زعم أنّي قلتُ لفظي بالقرآن مخلوق فهو كذاب فإنّي لم أقله.
فقلتُ له: يا أبا عبد الله قد خاض الناس في هذا وأكثروا فيه.
فقال: ليس إلا ما أقول.
قال أبو عمرو الخفاف: فأتيتُ البخاري فناظرته في شيء من الأحاديث حتى طابت نفسه،
فقلتُ: يا أبا عبد الله ههنا أحد يحكي عنك أنك قلت هذه المقالة.
فقال: يا أبا عمرو احفظ ما أقول لك: من زعم من أهل نيسابور، وقومس، والري، وهمدان، وبغداد، والكوفة، والبصرة، ومكة، والمدينة، أني قلت لفظي في القرآن مخلوق فهو كذاب، فإني لم أقله. إلا أني قلت: أفعال العباد مخلوقة.
وفاته:
وكانت وفاته في شهر شعبان، سنة تسع وتسعين ومائتين, من أبناءِ الثمانين. رحمه الله , وجزاه عنا وعن المسلمين خير الجزاء, وأسكنه فسيح جناته مع الأبرار.
الكاتب: الشيخ أبو محمد البلوشي
****************************
المراجع:
العبرفي خبرمن غبر – للذهبي.
طبقات الحفاظ – السيوطي.
تذكرة الحفاظ – الذهبي.
سيرأعلام النبلاء – للذهبي .
المختصر في أخبار البشر – أبو الفداء.
تاريخ الإسلام للذهبي .
البداية والنهاية – ابن كثير.
تعليقات