الشيخ عبد الحميد: كلما حدث التغيير في القلب يتبعه التغيير في القالب

الشيخ عبد الحميد: كلما حدث التغيير في القلب يتبعه التغيير في القالب
molana_13تطرق فضيلة الشيخ عبد الحميد إمام وخطيب أهل السنة في مدينة زاهدان في خطبة هذه الجمعة بعد تلاوة قول الله تعالى “إِنَّ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا وَرَضُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّوا بِهَا وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آَيَاتِنَا غَافِلُونَ  أُولَئِكَ مَأْوَاهُمُ النَّارُ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ  إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ  دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلَامٌ وَآَخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ”، إلى ضرورة التغيير والإصلاح في الحياة الفردية قائلا: إن يوم الجمعة يوم عظيم نجتمع فيه لأداء الصلاة، ومن الأفضل أيضا أن نستمع فيه إلى الخطب والمواعظ، فربما توجد في هذه الخطب والمواعظ ما يعيننا على التغيير وإصلاح النفس.

وأضاف قائلا: التغيير الهام والأساسي ما يكون في نفس الإنسان وما يكون في القلب، فكلما حدث تغيير في القلب يتبعه التغيير في القالب والظاهر، فنرى الكثير من الناس يتأثرون ببعض المواعظ والخطب ولكن سرعان ما يزول هذا التأثر بسبب أنه لم يحصل تغيير أساسي وأصلي في النفس، كالشخص الذي يجلس بقرب نار فيتأثر بحرارتها عندما هو جالس قريبا منها ولكنه عندما يغادر الحرارة يزول منه هذا التأثر.
وأضاف فضيلته مشيرا إلى قلة جدوى التغييرات العارضة والسطحية في الحياة قائلا: إن الكثير من التغييرات والتأثرات في حياة الإنسان عارضة وليست جذرية وعميقة، فنجد الكثيرين يتأثرون في أيام الحج وفي أيام العمرة أو في أماكن وأزمنة أخرى ويقومون إلى فعل أعمال وعبادات، ولكن عندما يعودون إلى بلادهم يتركون تلك الأعمال، والسبب في ذلك أن الـتغييرالذي حصل لم يكن تغييرا حقيقيا حيث زال بسرعة، ولأن مثل هذه التغييرات والتأثرات كلها ناشئة من الظروف والشرائط، ولكن الأصل في التغيير أن يكون الإنسان في جميع الحالات والظروف والشرائط والأماكن متبعا لأحكام الشريعة، وهذ التغيير لا يمكن إلا أن يكون الإنسان قد غيّر ما في قلبه ووجوده.
وأشار فضيلته إلى القرآن الكريم كأهم وسيلة للتغيير في نفس الإنسان، قائلا: عندما نقرأ القرآن الكريم نجد أن هذا الكتاب العظيم له تأثير كبير في تغيير الإنسان، فالآية التي تلوتها أمامكم من سورة يونس تقسم الناس إلى طائفتين، طائفة آمنوا بالله تعالى وآمنوا بالآخرة ويعرفون الرب تبارك وتعالى ويعرفون الجنة والنار، وطائفة لا يعرفون إلا الدنيا، فهم لم يروا إلا مساكن الدنيا ونعيمها وزهرتها وأسبابها والأنواع الجديدة من مصنوعاتها وأمتعتها، و لم يعرفوا الرب تبارك وتعالى، بل عشقوا الدنيا وجذبتهم الدنيا إليها، وهذا النوع من أبناء البشر إن وصلوا إلى الدنيا أو ملكوا مسكنا للعيش وسيارة للركوب يفرحون بها، وإن وصلوا إلى غايتهم من مال الدنيا يغمرهم الفرح والسرور، ويشعرون بالنجاح والسرور إن ملكوا  متاعا من مال الدنيا. فهذه الطائفة من الناس إن كانوا يصلون فيطلبون من وراء صلاتهم المال والدنيا ولا غير.
وإلى هذا النوع من الناس يشير قول الله تعالى “فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آَتِنَا فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي الْآَخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ”. وهذه الطائفة من البشر ليسوا أقلية في العالم، فهم إما لا يعتقدون بالله، وإما يعتقدون اعتقادا ضعيفا وسطحيا.
وهؤلاء اقتنعوا ورضوا بالحياة الدنيا واطمأنوا بها، ليس عندهم اعتقاد بالله ولا بالآخرة. يقول الله تعالى عنهم: “أولئك مأواهم جهنم”، أعاذنا الله منها.
واستطرد فضيلة الشيخ عبد الحميد قائلا: وصف الله تبارك وتعالى الطائفة الأولى بأنهم قوم يفكرون في الآخرة وقد أقلقتهم الآخرة، وكلما ينتهون عن أعمالهم يلجئون إلى ذكر الله والتوبة والاستغفار، ويتضرعون إلى الله تعالى وهم يفكرون في الآخرة ويفكرون في الفردوس الأعلى، ويعلمون أن سلعة الجنة غالية وأن طالب الجنة لا ينبغي أن تفوت صلاته.
وأضاف قائلا: نحن نريد الجنة بغير أن نعمل أعمالا عظيمة؛ نريد الجنة من دون أن نساعد الأيتام؛ نريد الجنة ولا نفكر في الآخرة؛ نريد الجنة بغير أن نلقى صعوبات ومشكلات في حياتنا. هذه ليست صفات طلبة الجنة؛ فطلبة الجنة دائما يبتغون أدعية الأيتام والأرامل والفقراء والمساكين، ويبتغون كل عمل ثمرته الجنة.
وتابع قائلا: ربما يتحسر الإنسان عندما يقضي أياما مثل هذه الأيام الطويلة من غير أن يفعل فيها عملا صالحا. البائع دائما يسجل حساباته في آخر النهاركم ربح وكم خسر؟ ومن المؤسف أننا لا نسجل ما اكتسبنا وما خسرنا من الأعمال، ومن المؤسف أننا لا نسجل ما نكتسبه لآخرتنا وما نخسره.
وتابع الشيخ: إن ضياء قائمة أعمالنا في الآخرة هي الأعمال الصالحة التي نفعلها الآن؛ ولنعلم أننا مستقبلون يوما كخمسين ألف سنة بالنسبة إلى البعض، وبالنسبة إلى البعض كألف سنة. إننا سنواجه هذا اليوم لا محالة. وهذه صعوبات أمامنا. القبر الذي أودعنا  فيه الكثير من أحبتنا وأعزتنا من الآباء والأمهات والأخوات أمامنا، وهو أول منازل الآخرة.
واستطرد فضيلة الشيخ قائلا: كل إنسان لا محالة ينتقل من الدنيا التي هي دار عمل إلى الآخرة، فهل فكرنا يوما في هذ الرحيل، وهل فكرنا كيف نقضي أيامنا وكيف نقضي ليالينا.
إن سيد المرسلين الذي كان محبوبا عند الله تعالى وعزيزا ومكرما عنده، كان يبكي ويتضرع إلى الله ويقول: “والله لا أدري ما يفعل بي ولا بكم”، ونحن بأعمالنا القليلة نحسب أن الله يغفر لنا ويعفو عنا.
وأضاف: من الخطأ أن يكون لنا الرجاء الزائد على عفو الله ومغفرته، كما أن اليأس الكامل أيضا خطأ، وإيماننا ناقص إن حسبنا أن الله تعالى لا يتجاوز عن سيئاتنا، كما أن إيماننا ضعيف إن حسبنا أن الله تبارك وتعالى يعفو عن جميع سيئاتنا، بل الإيمان بين الخوف والرجاء؛ الخوف من عقاب الله وأخذه، والرجاء إلى رحمة الله تعالى.
وتابع فضيلة الشيخ عبد الحميد قائلا: إن الظروف الحالية تفرض علينا أن نكثر من الصلاة والدعاء والتضرع، فللنوم والراحة يكفينا القبر. لا نقضي هذا الليالي والأيام في الغفلة، بل نفكر في الآخرة، وندّخر لآخرتنا حتى لا نكون محتاجين يوم القيامة.
وفي نهاية الخطبة شدد سماحته على ضرورة تزويج الأولاد البالغين، مؤكدا على الاهتمام بتقليل نفقات الزواج وترك التقاليد والرسوم التي تزيد من تكلفة الزواج، قائلا: نحن جميعا نعرف الأوضاع الاقتصادية السيئة في منطقتنا، ومدى البطالة والفقر وكثيرا من المشكلات، ويؤسفني جدا عندما يراجع الكثير من شبابنا غير القادرين على الزواج هذه الإدارة ويطلبون المساعدة، والكثير يلجأون إلى اخذ القروض من البنوك لأجل الزواج ويقعون في المعصية خاصة عندما يضطرون إلى أخذ القروض الربوية. فيجب على جميعنا أن نفكر في قضية تزويج الأولاد ونفكر في تقليل نفقات الزواج وتكاليفها، فأفضل الزواج أن يكون أقل تكلفة ليمكن لأولادنا البالغين التزوج سهلا.

تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مزيد من المقالات