اليوم :29 March 2024

معالم بارزة في حياة الفضيل بن عياض شيخ زهاد الحرم

معالم بارزة في حياة الفضيل بن عياض شيخ زهاد الحرم
khorasan-mapكان عاصيًا فتاب الله عليه، وجعله من عباده المؤمنين، تحول من قاطع طريق يروع الآمنين إلى عابد زاهد…
الخشية من الله والبكاء يلازمانه، لا يُرى إلّا وعيناه تفيض من الدمع، كلما ذكر اسم الله تعالى عنده ظهر عليه الخوف والوجل، وارتعشت كل أعضاء جسده، ترى من يكون هذا الرجل الذي غمر الإيمان قلبه ؟!

الراحل من المفاوز والقفار، إلى الحصون والحياض، والناقل من المهالك والسباخ إلى الغصون والرياض، أبو علي الفضيل بن عياض.

 

اسمه ونسبه:
فضيل بن عياض بن مسعود بن بشر التيمي أو التميمي اليربوعي, أبو علي الزاهد الخراساني الإيراني.
إيران : خراسان القديم , هي دولة في الشرق الأوسط كان يشار لها لغاية بداية القرن الماضي باسم فارس أو بلاد فارس, أو خراسان.

خراسان:
محافظة في شرق إيران اليوم. و هو يختلف عن اقليم خراسان القديم الذي كان يشمل مناطق أوسع. يطلق هذا الإسم اليوم على محافظة في شمال شرق إيران، تم تقسيمها مؤخراً إلى ثلاثة محافظات تدعى:
خراسان الشمالية
خراسان الجنوبية
خراسان رضوي

مساحة محافظة خراسان تقريباً 000، 480، 2 كيلومتر و تعادل حوالي 6، 1 مساحة إيران, و هي أكبر من مساحة الدول التالية: إنجلترا، تونس، اكوادور، النمسا، كوريا الجنوبية، قطر، بلجيكا.
تشترك محافظة خراسان حدودياً مع دولة تركمنستان ب(700) كيلومتر ومع أفغانستان ب(619) كيلومتراً.
المناخ: نظراً لاتساع هذه المحافظة فهي تمتاز بوجود المناخ المتنوع و المختلف، الصيف في خراسان حارٌ جاف، أما الشتاء فهو باردٌ رطب.

السابقة التاريخية لمحافظة خراسان:

سمّيت خراسان في الأدب الفارسي على أنها أرض المشرق , و هي تتألف من كلمتين:
(خور) يعني الشمس. و (اسان) يعني طلوع و علي هذا فمعنى خراسان (مكان طلوع الشمس).
لقد قسّم الجغرافيون القدامي إيران إلي ثمانية أقاليم. و اعتبروا خراسان أكبرها مساحةً و أكثرها سكاناً و بركةً , و وصفوها بأنّها أهم الأقاليم كما يتحدّث التاريخ بأنّ خراسان فُتِحت في زمن خلافة عمر, وعثمان رضي الله عنهما , ثم حكمها بعد ذلك الأمويون، حكم بعد الأمويين في خراسان العباسيون، الطاهريون، الصفاريون، السامانيون، الغزنويون، السلجوقيون.
ومما يؤسف له أن خراسان لاقت العديد من الويلات فقد دمّرت عام 617 ق علي يد المغول؛ حيث قاموا بعمليات القتل و التخريب و التدمير لأهالي خراسان و ممتلكاتهم بعد هجومهم الوحشي . و لم تسلم خراسان بعد المغول فقد هجم عليها الازبكستانيون، الصفويون , و الأفشار…
مع كل المشاكل و المصائب التي لاقاها هذا الاقليم على مر العصور لكنه بقي واحداً من أهم و أوسع مناطق إيران. و في الوقت الحاضر فإنّ هذه المحافظة تضم 224233 قرية و 7996 ضيعة ، و 86 مدينة, و87 ناحية.
الديانة:

قبل دخول الإسلام كان الإقليم مركزاً للديانة المجوسية و خصوصاً في بلخ في أفغانستان. و بعد الفتح الإسلامي, اعتنق الخراسانيون الإسلام حيث كانوا في الغالب من السنة الشافعية، وبعض الحنفية. ثم بعد حكم الصفويين، إعتنق معظم سكان الإيران المذهب الشيعي جبرا. في حين انه لا تزال هناك مجموعات سنية كبيرة في الإقليم خاصة في الشرق (على حدود أفغانستان) وفي الشمال (على حدود تركمانستان).. أما في أفغانستان وتركمانستان فيسود المذهب السني الحنفي مع تواجد للشيعة في مدينة هرات الأفغانية.

فتح خراسان:
أنفذ عمر بن الخطاب رضي الله عنه الأحنف بن قيس في سنة 18 فدخلها وتملكُ مدنها فبدأ بالطبسين ثم هراة ومرو الشاهجان ونيسابور في مدة يسيرة وهرب يزدجرد بن شهريار ملك الفرس …
فقال ربعي بن عامر في ذلك:
ونحن ورَدنا من هراة مناهِلا       رِواءً من المروَين إن كنت جاهلاً
وبَلخُ ونيسابور قد  شَقِيَت بنا           وطوس ومرو قد أزرْنا القنابلا
أنخنا عليها كورة بعد  كورة              نَفُضهُمُ حتى احتوَينا المناهلا
فلله عينا مَن رأى  مثلنا  معاً            غداةَ أزَزنا الخيلَ تُركاً وكابُلا

وقد فتحت هذه البلاد مرة أخرى في سنة 31 في أيام عثمان رضي الله عنه بإمارة عبد الله بن عامر بن كُرَيز.
وقال البلاذري عن خراسان القديم:
خراسان أربعة أرباع فالربع الأول: إيران شهر وهي نيسابور وقهستان والطَبَسَان وهراة وبَوشَنج وباذغيس وطوس.
والربع الثاني: مرو وسرخس ونسا وأبيورد ومرو, والطالقان وخوارزم وآمل..
والربع الثالث: وهو غربي النهر… الفارياب, والجوزجان وطخارستان… والباميان وبغلان وبَذَخشان والترمذ….. وسمنجان.
والربع الرابع: ما وراء النهر بُخارى… والطرَارَبند… وفرغانة وسمرقند.
وأنشد الشاعر:
الدار داران إيوان وغُمدَانُ … والملك ملكان ساسان وقحطانُ
والناس فارس والإقليم بابل وال … إسلام مكة والدنيا خراسانُ

قال ياقوت الحموي : فأما العلم, فهم فرسانه وساداته وأعيانه , ومن أين لغيرهم مثل محمد بن إسماعيل البخاري ومثل مسلم بن الحجاج القشيري وأبي عيسى الترمذي وإسحاق بن راهويه وأحمد بن حنبل وأبي حامد الغزالي والجوَيني إمام الحرمين والحاكم أبي عبد الله النيسابوري , وغيرهم من أهل الحديث والفقه, ومثل الأزهري والجوهري وعبد الله بن المبارك, والفارابي صاحب ” ديوان الأدب ” والهرَوي وعبد القاهر الجرجاني و هؤلاء من أهل الأدب والنظم والنثر الذين يفوت حصرهم ويعجز البليغ عن عدهم؟!.

ذكر مشاهير الصحابة بخراسان:
قال الشيخ الامام أبو حاتم رحمه الله:
فمن الصحابة الذين سكنوا البلدان وماتوا بها بعد أن استوطنوها رحمة الله علينا وعليهم أجمعين :
1ـ بريدة بن الحصيب بن عبد الله الأسلمي من المهاجرين الأولين.
2ـ الحكم بن عمرو بن مجدع الغفاري خرج إلى خراسان غازيا.
3ـ قريط بن أبى رمثة خرج غازيا في أيام عمر وقريط هو الذي فتح الابلة ثم غزا خراسان مع الاحنف بن قيس ونزل مرو واستوطنها إلى أن مات.
4ـ قثم بن العباس بن عبد المطلب بن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج مع سعيد بن عثمان بن عفان في ولاية معاوية بن أبى سفيان غازيا إلى خراسان.
5ـ قيس بن سعد بن عبادة الخزرجي .

ذكر مشاهير التابعين بخراسان
1ـ عبد الله بن بريدة بن الحصيب الأسلمي ولي القضاء بمرو ومات بها .
2ـ الربيع بن زياد كان عامل معاوية بن أبى سفيان على خراسان.
3ـ سليمان بن بريدة الاسلمي مات بمرو سنة خمس ومائة.
4ـ الربيع بن أنس بن زياد البكري سكن مرو سمع أنس بن مالك وكان راوية لابي العالية.
5ـ همام بن خناس العبدي كان ممن صحب عبد الله بن عمر بن الخطاب وسمع منه.
6ـ عطاء بن السائب الكناني الليثي من أهل المدينة مسح على بن أبى طالب رأسه وقال بارك الله عليك وعلى ذريتك من بعدك سكن مرو.
7ـ يحيى بن يعمرسكن مرو, وكان من فصحاء أهل زمانه وأكثرهم علما باللغة…
8ـ يحيى بن عقيل الحذاء من أهل البصرة سكن مرو.
9ـ الزبير بن عدي الهمداني , سكن الري سمع أنس بن مالك. مات سنة 131ه ق.

ذكر مشاهير أتباع التابعين بخراسان:
1ـ الضحاك بن مزاحم الهلالي أبو القاسم مات سنة خمس ومائة.
2ـ إبراهيم بن ميمون الصائغ أبو إسحاق. قتله أبو مسلم سنة131.
3ـ مقاتل بن حيان النبطي أبو بسطام. مات بكابل.
4ـ جبلة بن أبى رواد العتكي قتله أبو مسلم بنيسابور سنة131.
5ـ النضر بن محمد المروزي من جلة أهل مرو مات سنة 183.
6ـ خالد بن زياد بن جزء سكن ترمذ ومات بها.
7ـ أبو حريز عبد الله بن الحسين من أهل البصرة ولى القضاء بسجستان.
8ـ عمرو بن مصعب أول مولود بسرخس في الاسلام من الثقات المأمونين.
9ـ عمرو بن أبى قيس الرازي من جلة أهل الري ومتقنيهم.
10ـ إبراهيم بن طهمان أبو عمرو من أهل نيسابور.

مولده:
اختلف أهل السير في مكان ولادته:
يقول عبد الله بن محمد بن الحارث: فضيل بن عياض بخاري الأصل.
وقيل : أصله من مرو.
وقال صاحب مغاني الأخيار: ولد بسمرقند، ونشأ بأبيورد، وبه قال الإمام الذهبي رحمه الله.
وقد قيل: كان من أهل نسا. ويقال: إن أصله من أبيورد.
وقال محمد بن سعد : ولد بخراسان بكورة أبيورد.
وأيا كان فإن خراسان يشمل جميع المدن المذكورة…

رحلاته:
ارتحل فضيل بن عياض رحمه الله في طلب العلم , فسافر إلى الكوفة في العراق و هو كبير…
ثم انتقل إلى مكة وأقام بها حتى توفي رحمه الله.

أساتذته:

سمع الحديث والفقه من العلماء؛ أمثال الأعمش ويحيي بن سعيد الأنصاري وجعفر بن محمد الصادق, فأثرت تأثيرًا كبيرًا في شخصيته، حتى أصبح من الزهاد الذين يرون أن الدنيا لا تساوي عند الله جناح بعوضة، ولا تستحق أن يتكالب الناس عليها، ويتصارعون من أجلها…
ومن أساتذته أيضا : منصور وعبيد الله بن عمر وهشام بن حسان ومحمد بن إسحاق واسماعيل بن أبي خالد وسفيان الثوري وعطاء بن السائب، وأبي إسحاق الشيباني…
ذكره بعض العلماء فى طبقات الحنفية. وقال اصيمرى: إنه أخذ عن الإمام أبى حنيفة الفقه. والله أعلم.

تلاميذه:

الإمام محمد بن إدريس الشافعي, الإمام الثوري وهو من شيوخه, وابن عيينة وهو من أقرانه, وابن المبارك ومات قبله.
وهارون الرشيد أمير المؤمنين، ويحيى بن سعيد القطان ، ويحيى بن طلحة اليربوعي، ويحيى بن معاذ الرازي، وابن مهدي والأصمعي وبشر بن الحارث الحافي والفضل بن الربيع… رحمهم الله.
وروى له البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي وأبو جعفر الطحاوى.

ومن الوقفات العجيبة في سيرة هذا الإمام قصة توبته
قال الإمام الذهبي في سير أعلام النبلاء (8/423: (
قال أَبو عَمار الحُسين بن حُرَيث: عن الفَضل بن موسى، قال:
كان الفضيل بن عياضٍ شاطرا(سارقا)  يَقطع الطريق بين أَبِيْوَرد وسرخس، وكان سَبب تَوبته أَنَّه عَشِقَ جَارِيَة، فبينا هو يرتقي الجدران إِليها، إِذ سمع تالياً يتلو: {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِيْنَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوْبُهُم…} [الحديد: 16]. فلَمَّا سَمِعها، قال: بلَى يا ربِّ، قد آن. فرجع، فآواهُ اللَّيل إِلى خَرِبَة، فإِذا فيها سَابِلَةٌ، فقال بعضُهم: نَرحَلُ.
وقال بَعضُهُم: حتَّى نُصبِحَ، فإِنَّ فُضَيلاً على الطَّريق يَقطع علينا.
قال: ففكَّرتُ، وقلت: أَنا أَسعَى بِاللَّيل في المَعاصِي، وقومٌ من المسلمين ها هُنَا يَخَافُونِي، وما أَرى اللهَ ساقني إِليهم إِلاَّ لأَرْتَدِعَ، اللَّهُمَّ إِنِّيْ قَدْ تُبْتُ إِلَيْكَ، وَجَعَلْتُ تَوْبَتِي مُجَاوَرَةَ البَيْتِ الحَرَامِ”.
قال الإمام الذهبي تعليقا على هذه القصة :
وبكل حال : فالشرك أعظم من قطع الطريق ، وقد تاب من الشرك خلق صاروا أفضل الأمة . فنواصي العباد بيد الله ، وهو يضل من يشاء ، ويهدي إليه من أناب.

قصته مع هارون الرشيد:
حجَّ هارون الرشيد ذات مرة؛ فسأل أحد أصحابه أن يدله على رجل يسأله؛ فدله على الفضيل، فذهبا إليه، فقابلهما الفضيل وقال للرشيد: إن عمر بن عبد العزيز لما ولِّي الخلافة دعا أناسًا من الصالحين فقال لهم: إني قد ابتليت بهذا البلاء (يعني الحكم) فأشيروا علي.. فعدَّ عمر الخلافة بلاء، وعددتها أنت وأصحابك نعمة، فبكى الرشيد، فقال له صاحب الرشيد: ارفق بأمير المؤمنين، فقال الفضيل: تقتله أنت وأصحابك وأرفق به أنا ؟ (يقصد أن عدم نصحه كقتله) فقال له الرشيد: زدني يرحمك الله..
فأخذ يعظه وينصحه، ثم قال له: يا حسن الوجه أنت الذي يسألك الله عن هذا الخلق يوم القيامة، فإن استطعت أن تقي هذا الوجه من النار فافعل، وإياك أن تصبح وتمسي وفي قلبك غش لأحد من رعيتك، فإن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (ما من والٍ يلي رعية من المسلمين فيموت وهو غاشٌ لهم إلا حَرَّمَ الله عليه الجنة) [متفق عليه] فبكي هارون وقال له: أعليك دين أقضيه عنك؟ فقال: نعم، دين لربي لم يحاسبني عليه، والويل لي إن ناقشني، فالويل لي إن لم ألهم حجتي، قال: إنما أعني من دين العباد.
قال: إن ربي لم يأمرني بهذا؛ أمرني أن أصدق وعده وأطيع أمره، فقال الرشيد: هذه ألف دينار خذها فأنفقها على عيالك وتقوَّ بها على عبادة ربك، فقال الفضيل: سبحان الله،أنا أدلك على طريق النجاة وأنت تكافئني بمثل هذا، سلَّمك الله ووفَّقك، ثم صمت فلم يكلمنا؛ فخرج الرشيد وصاحبه.

مواعظه:
ومن كلامه: إذا أحب الله عبداً أكثر غمه، وإذا أبغض عبداً وسع عليه دنياه.
قال الفضيل بن عياض: إنما يهابك الخلق على قدر هيبتك لله.
و قال الفضيل: رهبة العبد من الله عز وجل على قدر علمه، ورهبته من الدنيا على قدر رغبته في الآخرة.
سمعت الفضيل بن عياض يقول: العلم دواء الدين، والمال داء الدين، فإذا جر العالم الداء إلى نفسه كيف يصلح غيره.
قيل له: ما الزُّهد؟
قال: القنوع.
قيل: ما الوَرَعُ؟
قال: اجتنابُ المَحارم.
قيل: ما العبادة؟
قال: أَداءُ الفَرائض.
قيل: ما التَّواضع؟
قال: أَن تَخضع للحق.
وقال: أَشدُّ الوَرَعِ فِي اللِّسَان.
قال الذهبي : قلتُ: هكذا هو، فقد تَرَى الرَّجُلَ وَرِعاً في مَأْكَلِه، ومَلبَسه، ومعاملته، وإِذا تَحدّثَ يدخُل عليه الدّاخلُ من حديثه، فإِما أَن يَتَحَرَّى الصِّدقَ، فلا يَكمُلُ الصِّدقُ، وإِمَّا أَن يَصدُق، فَيُنَمِّقَ حديثَه لِيُمدَحَ على الفَصاحة، وإِمَّا أَن يُظهِرَ أَحسنَ ما عندَهُ لِيُعَظَّمَ، وإِمَّا أَن يَسكُتَ في مَوضِعِ الكلام ليُثنَى عليه، ودَوَاءُ ذلك كلِه الانقطَاعُ عن النَّاس، إِلاَّ مِنَ الجَماعة.
قال الحُسين بن زيادٍ: سمعتُ الفضيل كثيراً يقول:
أحفَظ لسانك، وأَقبل على شأنك، واعرف زمانك، وأَخفِ مكانَك.
وعن الفضَيل، قال: المُؤمن يَغبِطُ، ولا يَحسُد، الغِبطَةُ منَ الإِيمانِ، والحَسَدُ من النِّفَاق.
قال الذهبي: هذا يُفسِّرُ لك قولَه – عليه الصَّلاة والتّسليم -: (لاَ حَسَدَ إِلاَّ فِي اثْنَتَيْنِ: رَجُلٍ آتَاهُ اللهُ مَالاً يُنْفِقُهُ فِي الحَقِّ، وَرَجُلٍ آتَاهُ اللهُ القُرْآنَ، فَهُوَ يَقُوْمُ بِهِ آنَاءَ اللَّيْلِ، وَأَطرَافَ النَّهَارِ).
فالحسد هنا، معناه: الغِبطَةُ، أَن تحسد أَخاك على ما آتاه الله، لا أَنَّكَ تَحسُدُه بمعنى: أَنَّك تودُّ زوالَ ذلك عَنهُ، فهذا بَغْيٌ وَخُبْثٌ.
وقال الفضيل: بلغني أَنّ العلماء – فيما مضَى – كَانُوا إِذا تعلَمُوا عَمِلُوا، وإِذا عَمِلُوا شُغِلُوا، وَإِذَا شُغِلُوا فُقِدُوا، وَإِذَا فُقِدُوا طُلِبُوا، فَإِذَا طُلِبُوا هَرَبُوا.
وعنه، قال: كفى بِاللهِ مُحَبّاً، وَبَالقُرْآنِ مُؤنِساً، وَبَالمَوْتِ وَاعِظاً، وَبِخَشْيَةِ اللهِ عِلْماً، وَبَالاغْتِرَارِ جَهْلاً.
قال قطبة بن العلاء: سمعت الفضيل يقول: آفَةُ القُرَّاءِ العُجْبُ.
قال عبد الصمد بن يزيد، قال: سمعت الفضيل بن عياض، يقول: لا تجعل الرجال أوصياءك، كيف تلومهم أن يضيعوا وصيتك وأنت قد ضيعتها في حياتك، وأنت بعد هذا تصير إلى بيت الوحشة وبيت الظلمة، وبيت الدود، ويكون زائرك فيها منكراً ونكيراً وقبرك روضة من رياض الجنة أو حفرة من حفر النار، ثم بكى الفضيل وقال: أعاذنا الله وإياكم من النار.
يقول الفضيل: حامل القرآن حامل راية الإسلام، لا ينبغي له أن يلغو مع من يلغو، ولا أن يلهو مع من يلهو، ولا يسهو مع من يسهو، وينبغي لحامل القرآن أن لا يكون له إلى الخلق حاجة، لا إلى الخلفاء فمن دونهم، وينبغي أن يكون حوايج الخلق إليه.
قال عبد الصَّمد بن يزيْد: سمعت الفُضيل يقول:
لو أَنَّ لي دَعوةً مُستجابةً، ما جعلتُها إِلاَّ في إِمام، فصلاحُ الإِمام صلاحُ البلادِ والعبَاد.
وعنه: لاَ يَبلُغُ العَبْدُ حَقِيْقَةَ الإِيْمَانِ، حَتَّى يَعُدَّ البَلاَءَ نِعمَةً، وَالرَّخَاءَ مُصِيْبَةً، وَحَتَّى لاَ يُحِبَّ أَنْ يُحْمَدَ عَلَى عِبَادَةِ اللهِ.
وعن فضيل – ورأَى قوماً من أَصحاب الحديثِ يَمرحون ويضحكون – فناداهم: مَهلاً يَا وَرثَةَ الأَنْبِيَاءِ – مَهْلاً ثَلاَثاً – إِنَّكُم أَئِمَّةٌ يُقْتَدَى بِكُم.
قال الفضيل ابن عياض: بقدر ما يصغر الذنب عندك كذلك يعظم عند الله، وبقدر ما يعظم عندك كذلك يصغر عند الله.
وقال سلم بن عبدالله الخراساني: سمعت الفضيل بن عياض يقول: إنما أمس مثل، واليوم عمل، وغدا أمل.
قال الفضيل بن عياض: والله ما يحل لك أن تؤذي كلبا ولا خنزيرا بغير حق.
فكيف تؤذي مسلما ؟ !
وقال إبراهيم بن الاشعث: سمعت الفضيل بن عياض يقول: إن رهبة العبد من الله على قدر علمه بالله، وإن زهادته في الدنيا على قدر رغبته في الاخرة.
قال: من عمل بما علم استغنى عما لا يعلم، ومن عمل بما علم وفقه الله لما لا يعلم.
قال الفضيل بن عياض: دانق حلال أفضل من عبادة سبعين سنة.
قال عبيدالله بن عمر : دخلت أنا ويحيى بن سليم إلى الفضيل نعوده. فقال الفضيل وجعل يضرب بيده على رأسه: يا فضيل خلقك وأفرغ عليك نعمه ظاهرة وباطنة وحرسك بعينه وصرف وجوه الناس إليك وأنت تشتغل عنه من أنت وما أنت ثم شهق شهقة وسقط وغطي بثوبه وجعل ينتفض وهو لا يعقل وتركناه.
وقال: من ساء خلقه شأنَ دينَه وحسبَه ومرؤتَه.
وقال: أكذب الناس العائد في ذنبه، وأجهل الناس المدلّ بحسناته، وأعلم الناس بالله أخوفهم منه.
قال الفضيل: لن يكمل عبد حتى يؤثر دينه على شهوته، ولن يهلك عبد حتى يؤثر شهوته على دينه.
وقال محمد بن عبدويه: سمعت الفضيل بن عياض يقول: ترك العمل من أجل الناس رياء والعمل من أجل الناس شرك، والإخلاص: أن يعافيك الله عنهما.
يحكى أن الرشيد قال له يوماً: ما أزهدك!
فقال له: أنت أزهد مني، فقال: وكيف ذلك؟
قال: لأني زهدت في الدنيا، وأنت زهدت في الآخرة، والدنيا فانية والآخرة باقية.
سأله الخليفة (هارون الرشيد) ما هي صفات المؤمن أيها الزاهد؟ فقال له الفضيل: صفات المؤمن؛ صبر كثير، ونعيم طويل، وعجلة قليلة، وندامة طويلة.
ومرَّ الفضيل بن عياض على جماعة أغنياء، فوجدهم يلعبون ويشربون ويلهون؛ فقال لهم بصوت عال: إن مفتاح الخير كله هو الزهد في الدنيا، وقد سأله أحدهم: وما الزهد في الدنيا ؟ فقال: القناعة والرضا وهما الغنى الحقيقي، فليس الغنى في كثرة المال والعيال، إنما الغنى غنى النفس بالقناعة والرضا في الدنيا، حتى نفوز في الآخرة، ثم توجه إلى الله داعيًا: اللهم زهدنا في الدنيا، فإنه صلاح قلوبنا وأعمالنا وجميع طلباتنا ونجاح حاجتنا.
يقول فضيل بن عياض: لو كان لي دعوة ما جعلتها إلا في السلطان, فأمرنا أن ندعو لهم بالصلاح ولم نؤمر أن ندعو عليهم وإن جاروا وظلموا لأن جورهم وظلمهم على أنفسهم وعلى المسلمين, وصلاحهم لأنفسهم وللمسلمين.

ثناء العلماء عليه:
قال النضر بن شميل: سمعت هارون الرشيد يقول: ما رأيت في العلماء أهيب من مالك بن أنس، ولا أورع من الفضيل بن عياض.
وقال شريك بن عبدالله: لم يزل لكل قوم حجة في أهل زمانهم، وإن فضيل بن عياض حجة لأهل زمانه.
قال عبدالله بن المبارك: إن الفضيل بن عياض صدق الله فأجرى الحكمة على لسانه فالفضيل ممن نفعه علمه.
وقال إبراهيم بن الأشعث: رأيت ابن عيينة يقبّل يد الفضيل بن عياض مرتين.
وقال أبو وهب محمد بن مزاحم المروزي: سمعت عبدالله ابن المبارك يقول: رأيت أعبد الناس، ورأيت أورع الناس، ورأيت أعلم الناس، ورأيت أفقه الناس.
فاما أعبد الناس فعبد العزيز بن أبي رواد، وأما أورع الناس فالفضيل بن عياض، وأما أعلم الناس فسفيان الثوري، وأما أفقه الناس فأبو حنيفة، ثم قال: ما رأيت في الفقه مثله.
وقال إبراهيم بن شماس عن ابن المبارك: ما بقي على ظهر الارض عندي أفضل من الفضيل بن عياض.
وقال الإمام الذهبي :الإِمام، القُدوة، الثّبت، شيخ الإسلام، أبو علي التّمِيميّ، اليَربُوعيّ…

توثيقه:
قال أبو حاتم: صدوق.
وقال عبد الرحمن بن مهدي: فضيل صالح ولم يكن بحافظ.
وقال النسائي: ثقة مأمون، رجل صالح.
وقال الدار قطني: ثقة.
وقد تكلم عليه قطبة بن العلاء , فرد عليه الذهبي في ميزان الاعتدال – (ج 3 / ص 361) ردا شديدا فقال:
ولا عبرة بما رواه أحمد بن أبي خيثمة، قال: سمعت قطبة بن العلاء يقول: تركت حديث فضيل بن عياض، لأنّه روى أحاديث أذرى فيها على عثمان رضى الله عنه.
فمن قطبة ! وما قطبة حتى يجرح، وهو هالك.
روى الفضيل رحمه الله ما سمع فكان ماذا ؟ فالفضيل من مشايخ الإسلام والسلام.

رسالة ابن المبارك إلى الفضيل بن عياض:
روى الحافظ ابن عساكر عن محمد بن إبراهيم بن أبي سكينة قال: أملى عليَّ عبد اللّه بن المبارك هذه الأبيات بطرسوس وأنشدها إلى الفضيل بن عياض في سنة سبعين ومائة:
يا عابد الحرمين  لو أبصرتنا          لعلمت أنك في العبادة تلعب

من كان يخضب خده بدموعه          فنحورنا  بدمائنا   تتخضب
أو كان يتعب خيله  في  باطل          فخيولنا يوم الصبيحة تتعب
ريح العبير لكم  و نحن  عبير         رهج السنابك والغبارالأطيب
و  لقد  أتانا  من  مقال   نبينا          قول صحيح صادق لا يكذب
لا يستوي غبار خيل اللّه  في          أنف امرء و دخان نار تلهب
هذا  كتاب  اللّه  ينطق   بيننا           ليس  الشهيد بميت لا يكذب

قال: فلقيت الفضيل بن عياض بكتابه في المسجد الحرام ، فلما قرأه ذرفت عيناه وقال: صدق أبو عبد الرحمن ونصحني ، ثم قال : أنت ممن يكتب الحديث ؟ قال : قلت : نعم ، قال : فاكتب هذا الحديث كراء حملك كتاب أبي عبد الرحمن إلينا ، وأملى عليّ الفضيل بن عياض :
حدثنا منصور بن المعتمر ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة أن رجلاً قال : يا رسول اللّه علِّمني عملاً أنال به ثواب المجاهدين في سبيل اللّه ، فقال : “هل تستطيع أن تصلي فلا تفتر ، وتصوم فلا تفطر ؟ ” فقال : يا رسول اللّه أنا أضعف من أن أستطيع ذلك ، ثم قال النبي صلى اللّه عليه وسلم : ” فوالذي نفسي بيده لو طُوِّقت ذلك ما بلغت المجاهدين في سبيل الله ، أوما علمت أن الفرس المجاهد ليستن في طوله فيكتب له بذلك الحسنات ؟!
(الحديث رواه البخاري في كتاب الجهاد والسير. )

من ملامح شخصيته وأخلاقه:
وكان الفضيل شديد التواضع، يشعر دائمًا بأنه مقصر في حق الله، رغم كثرة صلاته وعبادته.
وكان ثقة نبيلا فاضلا عابدا ورعا كثير الحديث.
و كان الفضيل يقبل صلة ابن المبارك وكان بارا به ولا يقبل جوائز الدولة.
وكان صحيح الحديث، صدوق اللسان، شديد الهيبة للحديث إذا حدث.
وقال إسحاق ابن إبراهيم الطبري: ما رأيت أحدا كان أخوف على نفسه ولا أرجى للناس من الفضيل، كانت قراءته حزينة، شهية، بطيئة, مترسلة، كأنه يخاطب إنسانا، وكان إذا مر بآية فيها ذكر الجنة يردد فيها، وسأل.
وقال أبو علي الرازي: صحبت الفضيل ثلاثين سنة، فما رأيته ضاحكاً ولا مبتسماً إلا يوم مات ابنه، فقلت له في ذلك، فقال: إن الله أحب لي أمراً فأحببت ذلك الأمر.
وكانت صلاتُهُ باللَّيل أَكثر ذلك قاعداً، يُلْقَى لهُ الحصِيرُ في مَسجِدِه، فيُصَلّي في أَوَّل اللَّيل ساعة، ثمَّ تَغلِبُهُ عَينُهُ، فَيُلْقِي نَفسَهُ على الحصير، فينامُ قليلا، ثُمَّ يَقُوم، فإِذا غلبه النَّومُ، نام، ثم يقُوم، هكذا حتَّى يُصبح، وكان دأْبُهُ إِذا نَعِسَ أَن ينام، ويقال: أَشدّ العِبادة ما كان هكذا.

من غرر كلامه:
قال: خصلتان تقسيان القلب كثرة الكلام وكثرة الأكل.
الحذر من علماء اللسان:
قال الفضيل: تباعد من القراء فإنهم إن أحبوك مدحوك بما ليس فيك، وان غضبوا شهدوا عليك!
الإعراض عن الدنيا:
يقول: لو أن الدنيا كلها بحذافيرها جعلت لي حلالا لكنت أتقذرها .
علامات السخط :
قال: إني لأعصي الله فأعرف ذلك في خلق حماري وخادمي .
شؤم الخطيئة:
قال: إذا لم تقدر على قيام الليل وصيام النهار فاعلم أنك محروم مكبل كبلتك خطيئتك.
مقام الحياء:
وعن مهران بن عمرو الأسدي قال: سمعت الفضيل بن عياض عشية عرفة بالموقف وقد حال بينه وبين الدعاء البكاء يقول: وا سوأتاه وا فضيحتاه وإن عفوت.
الانكسار:
قال أَحمد بن حنبل: حدّثَنا أَبو جعفر الحذّاءُ، سمعتُ الفضيل يقول:
أَخذتُ بيد سفيان بن عُيينة في هذا الوادي، فقلتُ: إِن كنتَ تظنُّ أَنَّه بقي على وجه الأَرض شرٌّ منِّي ومنك، فبِئس ما تظُنُّ!!.
قبح الرياء:
وعن الفيض بن إسحاق قال: سمعت فضيلا يقول: لو قيل لك يامرائي لغضبت ولشق عليك، وتشكو فتقول: قال لي يا مرائي ؛ عساه قال حقا !! من حُبك للدنيا تزيّنت للدنيا وتصنّعت للدنيا ؛ ثم قال: إتق ألا تكون مرائيا وأنت لا تشعر، تصنعت وتهيأت حتى عرفك الناس فقالوا: هو رجل صالح فأكرموك وقضوا لك الحوائج ووسعوا لك في المجالس وإنما عرفوك بالله ولولا ذلك لهنت عليهم .
علامة محبة الله تعالى:
وعن يونس بن محمد المكي قال قال فضيل بن عياض لرجل: لأعلمنك كلمة هي خير من الدنيا وما فيها، والله لئن علم الله منك إخراج الآدمين من قلبك حتى لا يكون في قلبك مكان لغيره لم تسأله شيئا إلا أعطاك .
العلماء بين منزلتين:
وعن محمد بن حسان السمني قال شهدت الفضيل بن عياض وجلس إليه سفيان بن عيينة فتكلم الفضيل فقال: كنتم معشر العلماء سرج البلاد يستضاء بكم فصرتم ظلمة، وكنتم نجوما يهتدى بكم فصرتم حيرة، ثم لا يستحي أحدكم أن يأخذ مال هؤلاء الظلمة ثم يسند ظهره يقول حدثنا فلان عن فلان، فقال سفيان لئن كنا لسنا بصالحين فإنا نحبهم.

زوال الدنيا:
قال الفيض بن إسحاق: اشتريت دارا وكتبت كتابا وأشهدت عدولا فبلغ ذلك الفضيل بن عياض, فأرسل إلي يدعوني فلم أذهب، ثم أرسل إلي فمررت إليه، فلما رآني قال: يا ابن يزيد! بلغني إنك اشتريت دارا وكتبت كتابا وأشهدت عدولا، قلت: قد كان ذلك، قال:فإنه يأتيك من لا ينظر في كتابك ولا يسأل عن بينتك حتى يخرجك منها شاخصا، يسلمك إلى قبرك خالصاً، فانظر أن لا تكون اشتريت هذه الدار من غير مالك، أو ورثت مالا من غير حله، فتكون قد خسرت الدنيا والآخرة، ولو كنت حين اشتريت كتبت على هذه النسخة: هذا ما اشترى عبد ذليل من ميت قد أزعج بالرحيل، اشترى منه دارا تعرف بدار الغرور، حد منها في زقاق الفناء إلى عسكر الهالكين، ويجمع هذه الدار حدود أربعة: الحد الأول ينتهي منها إلى دواعي العاهات، والحد الثاني ينتهي إلى دواعي المصيبات، والحد الثالث ينتهي منها إلى دواعي الآفات، والحد الرابع ينتهي إلى الهوى المردى، والشيطان المغوي، وفيه يشرع باب هذه الدار على الخروج من عز الطاعة إلى الدخول في ذل الطلب، فما أدركك في هذه الدار فعلى مبلبل أجسام الملوك، وسالب نفوس الجبابرة، ومزيل ملك الفراعنة، مثل كسرى وقيصر، وتبع وحمير، ومن جمع المال فأكثر… ومن بنى وشيد وزخرف، وأشخصهم إلى موقف العرض إذا نصب الله عز وجل كرسيه لفصل القضاء، وخسر هنالك المبطلون، يشهد على ذلك العقل إذا خرج من أسر الهوى، ونظر بالعينين إلى زوال الدنيا، وسمع صارخ الزهد عن عرصاتها، ما أبين الحق لذي عينين، إن الرحيل أحد اليومين، فبادروا بصالح الأعمال فقد دنا النقلة والزوال.

موقفه من أهل البدع:
يقول: من أحب صاحب بدعة أحبط الله عمله وأخرج نور الإسلام من قلبه.
قال الفضيل : إذا رأيت مبتدعا في طريق فخذ في طريق آخر.
قال الفضيل بن عياض: من أعان صاحب بدعة فقد أعان على هدم الإسلام.
وقال: نظر المؤمن إلى المؤمن جلاء القلب، ونظر الرجل إلى صاحب البدعة يورث العمى.
وقال الفضيل: إني أحب من أحبهم الله، وهم الذين يسلم منهم أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، وأبغض من أبغضه الله وهم أصحاب الأهواء والبدع.
وعنه: لأن آكل عند اليهودي والنصراني أحب إلي من أن آكل عند صاحب بدعة، فإني إذا أكلت عندهما لا يقتدى بي، وإذا أكلت عند صاحب بدعة اقتدى بي الناس، أحب أن يكون بيني وبين صاحب بدعة حصن من حديد، ومن جلس مع صاحب بدعة لم يعط الحكمة، ومن جلس إلى صاحب بدعة فاحذره، وصاحب بدعة لا تأمنه على دينك ولا تشاوره في أمرك، ولا تجلس إليه فمن جلس إليه ورثه الله عز وجل العمى، وإذا علم الله من رجل أنه مبغض لصاحب بدعة رجوت أن يغفر الله له وإن قل عمله، فإني أرجو له، لأن صاحب السنة يعرض كل خير، وصاحب البدعة لا يرتفع له إلى الله عمل، وإن كثر عمله.
وقال أيضا: إن الله عز وجل وملائكته يطلبون حلق الذكر، فانظر مع من يكون مجلسك، لا يكون مع صاحب بدعة، فإن الله تعالى لا ينظر إليهم، وعلامة النفاق أن يقوم الرجل ويقعد مع صاحب بدعة. وأدركت خيار الناس كلهم أصحاب سنة وهم ينهون عن أصحاب البدعة.
وقال: إن لله عبادا يحيى بهم العباد والبلاد، وهم أصحاب سنة.

من خشيته – رحمه الله

قال إبراهيم بن الأشعث ما رأيت أحدا كان الله في صدره أعظم من الفضيل كان إذا ذكر الله أو ذكر عنده أو سمع القرآن ظهر به من الخوف والحزن وفاضت عيناه وبكي حتى يرحمه من يحضره وكان دائم الحزن شديد الفكرة ما رأيت رجلا يريد الله بعلمه وعمله وأخذه وعطائه ومنعه وبذله وبغضه وحبه وخصاله كلها غيره, كنا إذا خرجنا معه في جنازة لا يزال يعظ ويذكر ويبكى كأنه مودع أصحابه ذاهب إلى الآخرة حتى يبلغ المقابر فيجلس مكانه بين الموتى من الحزن والبكاء حتى يقوم وكأنه رجع من الآخرة يخبر عنها.

أولاده:
كان له ثلاثة أولاد: علي ومحمد وعمر .

وفاته رضي الله عنه:
قال بعضهم: كنَّا جلوساً عند الفُضيل بن عِياضٍ، فقلنا له: كم سنّكَ؟ فقال:
بلغتُ الثَّمانين أَو جُزتُها * فماذا أُؤَمِّلُ أَو أَنتظرْ؟
عَلَتْنِي السِّنُونُ فَأَبْلَيْنَنِي * فَدَقَّ العِظَامُ وَكَلَّ البَصَرْ
وقال في مرضه: ارحمني بحبي إياك فليس شيء أحب إلي منك.
وقال: مسني الضر وأنت أرحم الراحمين .
توفي رحمه الله سنة187. في مكة المكرمة.
ليست هذه ترجمة تحيط بأحوال الفضيل بن عياض رحمه الله ، فحقه أكبر من ذلك.
وهذه الكلمات ، على وجازتها ، صورة للمؤمن المخبت الذي زكى نفسه فصفت من أكدارها… فالقلب يقظ ذاكر.. قد امتلأ خشية لله … ورهبته من السؤال … واجتهاداً في العبادة ، وتذكراً حين يذكر الله ، وتدبراً حين يتلى القرآن ..
أو ليس من صفات المؤمنين : أنهم إذا ذكر الله وجلت قلوبهم وإذا تليت عليه آياته زادتهم إيماناً وعلى ربهم يتوكلون ؟.. وكذلك كان الفضيل أجزل الله مثوبته.
رحم الله هذا العالم الزاهد العابد ، وأكرم مثواه بما قدم من الانموذج الصالح لأخلاق ورثة الأنبياء ومن جعلهم الله للمتقين إماماً .
فسير أعلام هذه الأمة معالم في طريق المسلم … خصوصاً أولئك الذين ظلوا على محجة الهدى ، وثبتوا على نهج الصلة بالله عز وجل ، مقتحمين عقبات النفس والهوى ، متجاوزين مزالق الشيطان والسلطان …
وها إنك لا تعدم أن ترى في أي واحدة من عظات هذا الرجل ، ما يضيء طريقك ، ويصلك بمنابع الهداية ، حيث لا ينفصم العلم عن العمل ، ولا الكلمات المسطورة عن السلوك .
انظر إليه في هذه الإلمامة الدقيقة الرائدة (من خاف الله تعالى لم يغره شيء ، ومن خاف غير الله لم ينفعه أحد) ألا ما أشد حاجة المسلم حين تدلهم الخطوب وتعصف المغريات بكثير من القلوب ، ويترنح أهل العناوين تحت مطارق الرغب أو الرهب .. ما أشد حاجة المسلم ـ والأمر كذلك ـ إلى تمثل هذه الحقيقة ، بل تذوق معناها ودلالتها لتكون له خلقاً وسجية !! حين يخاف الله .. ما الذي يكون ؟؟
إنه حين يقف هذا الموقف ، لا يغره شيء .. مهما كان هذا الشيء .. وليذهب فكرك في هذا الشيء كل مذهب .. ومن عبثت به الشياطين فخاف غير الله .. سقط في الهاوية ، فلم ينفعه أحد من أولئك الذين نسي سلطان الله فخاف سلطانهم .. نعم .. خاف غير الله فلم ينفعه أحد . ألا إنها قاعدة نورانية تبدو أهميتها أكثر فأكثر ونحن نبصرـ بألم وحسرة ـ واقع المسلمين اليوم حين تنعكس الآية ويستبدل العديد من أبناء الأمة مخافة غير الله بمخافة الله .. فعلى صعيد البنية الفكرية والسلوكية عند المسلم لابد أن يتحرر من هذا الانتكاس ، كيما يكون قادراً أن يقف على قدميه في مواجهة العوائق والصوارف سواء كان ذلك من داخل النفس أو من خارجها في المجتمع على كل صعيد ..
سأله عبد الله بن مالك فقال : يا أبا علي ما الخلاص مما نحن فيه ؟ فقال له : أخبرني ، من أطاع الله عز وجل ، هل تضره معصية أحد ؟ قال : لا ! قال : فمن عصى الله سبحانه وتعالى ، هل تنفعه طاعة احد ؟ قال : لا ! قال : فهو الخلاص إن أردت الخلاص .
ألا ترى أن لكل فقرة من فقرات هذه الوصية أصلاً من الكتاب أو السنة !!
والآن : هذه بعض سمات المؤمن وبعض سمات المنافق يعرضها الفضيل ليعرفها المسلمون ويزنوا العمل والسلوك من خلالها ، قال إبراهيم بن الأشعث سمعت فضيل بن عياض يقول : (المؤمن قليل الكلام كثير العمل ، والمنافق كثير الكلام قليل العمل . كلام المؤمن حكم ، وصمته تفكر، ونظره عبرة ، وعمله بر، وإذا كنت كذا لم تزل في عبادة).
اللهم ارزقنا كمال الإيمان وصدق اليقين ، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، وحبب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا ، وأجزل الفضيل بما نصح وذكر وبما علم وعمل…

الكاتب: أبو محمد البلوشي

************************
من منابع البحث:
معجم البلدان – لياقوت الحموي(ج 2 / ص 150)
مشاهير علماء الأمصار –لأبي حاتم (ج 1 / ص 100)
مشاهير أعلام المسلمين /علي بن نايف الشحود.
طبقات الحنابلة – لابن أبي يعلى (ج 1 / ص 187)
لسان الميزان – لابن حجر العسقلاني (ج 3 / ص 234)
تهذيب الكمال – للمزي (ج 23 / ص 283)
الوافي بالوفيات – للصفدي(ج 7 / ص 186)
تذكرة الحفاظ – للذهبي  (ج 1 / ص 245)
تاريخ دمشق – ابن عساكر (ج 48 / ص 375)
مغانى الأخيار – (ج 4 / ص 21) بدر الدين العينى
تهذيب التهذيب – لابن حجر العسقلاني (ج 8 / ص

تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مزيد من المقالات