اليوم :26 April 2024

تقرير عن مؤتمر “تراث الإمام أبي حنيفة وحوار الحضارات” في طاجيكستان

تقرير عن مؤتمر “تراث الإمام أبي حنيفة وحوار الحضارات” في طاجيكستان
imam-abouhanifahانعقد المؤتمر الدولي تحت شعار “تراث أبي حنيفة وأثره في حوار الحضارات” يوم الإثنين الخامس من أكتوبر 2009 في دوشنبه عاصمة طاجيكستان بمشاركة زهاء خمسمائة من الشخصيات العلمية وجمع كبيرمن الضيوف الذين وفدوا من أكثر من خمسين دولة، باهتمام من جانب الرئيس الطاجيكي إمام على رحمان ومساهمة أكاديمية العلوم لجمهورية طاجيكستان في إطار سلسلة من حفلات تكريم الأئمة والعلماء. جدير بالذكر أن الرئيس الطاجيكي إمام على رحمان أطلق على عام 2009 الذي يساوي الذكرى 1310 لميلاد أبي حنيفة رحمه الله “عام الإمام الأعظم أبي حنيفة”.

لقد وجه دعوة إلى شخصيات وعلماء كثيرين في إيران. فمن الضيوف الذين شاركوا في المؤتمر من إيران فضيلة الشيخ عبد الحميد إمام وخطيب الجمعة في الجامع المكي ورئيس جامعة دارالعلوم زاهدان في وفد يتكون من كبار علماء بلوشستان بينهم الشيخ محمد عثمان قلندرزهي رئيس مدرسة مدينة العلوم في خاش والشيخ عبد الغني البدري عميد الدراسات في جامعة دارالعلوم والحافظ اسماعيل ملازهي والشيخ زكريا اسماعيل زهي وفضيلة الشيخ أحمد يكانه رئيس هيئة الإفتاء لعلماء الجنوب والشيخ صالح بردل من علماء أهل السنة في محافظة هرمزكان، كما أن وفدا آخر برئاسة الشيخ اسحق المدني مستشار رئيس الجمهورية وعدد كبير من العلماء والمثقفين حضروا المؤتمر نيابة عن المجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلامية وجامعة التقريب بين المذاهب الإسلامية.
قوبل الوفد الإيراني إثر وصولهم إلى عاصمة طاجيكستان باستقبال بالغ من قبل شعب ومسؤلي طاجيكستان. بعد يوم من الإقامة والاستراحة في فندق “اوستا” الذي حجز لأجل الضيوف الأجانب الوافدين دعينا للحضور في ضيافة خاصة أعدت في القصر الرئاسي في منطقة “ورزاب” التي تقع خارج العاصمة. طقس ” وزراب ” لطيف جدا وهي منطقة سياحية ذات مناخ جميل تجري المياه العذبة الصافية من وسط جبالها بينما الأشجارالوارفة بمناظرها الخلابة المحيطة بهذه المياه تكسبها روعة وجمالا فائقين. قد بنى قصرفاخر رائع في هذه المنطقة لإكرام ضيوف فخامة الرئيس إمام على رحمان.
قد كانت زيارات متفرقة للوفود المشاركين في المؤتمر مع الرئيس في هذه الضيافة، وقد رحب بالوفد الإيراني في هذه الزيارة وقال إن كل واحد من شعبي إيران وطاجيكستان بينهما علاقات عريقة وعميقة ومشتركات تربطهما في الدين والثقافة وهذه العلاقات ستزيد يوميا.
وأضاف معالى الرئيس الطاجيكى مادحا حسن استضافة الشعب الإيراني قائلا: نحن تعلمنا الإكرام والضيافة من الإيرانيين.
تحدث في هذا اللقاء سماحة الشيخ إسحق المدني نيابة عن الوفد الإيراني، شكر في حديثه سماحة الرئيس على إقامة هذا المؤتمر ودعوة الوفد الإيراني.
واعتبر فضيلة الشيخ المدني تسمية عام 2009 بإسم الإمام الأعظم أبي حنيفة رحمه الله تعالى أسباب خير وبركة للشعب والدولة الطاجيكستانيين.
ثم قال فضيلة الشيخ عبد الحميد بعد ما وجه كلمات شكر وثناء إلى الشعب الطاجيكي على استقبالهم الرائع وإكرامهم للضيوف وعلى علو همة الرئيس على إقامة هذا المؤتمر: نرجوا أن يستعيد هذه البلاد مكانتها السابقة حيث كانت آنذاك منهل رواد العلوم الشرعية والدينية، وأن يقوم علماء ومثقفوا طاجيكستان بدورهم من جديد في جميع  المجالات  الدينية والثقافية والعلوم الإسلامية.
أخيرا بدأت الحفلة الإفتتاحية للمؤتمر يوم الإثنين 16 من شوال في الساعة التاسعة صباحا في قصر “سامان” بكلمة الرئيس بعد تلاوة آيات من القرآن الكريم.
قال إمام على رحمان مرحبا بمقدم الضيوف المشاركين في مؤتمر “تراث أبي حنيفة ودوره في حوار الأديان”: يسرنا جدا أن إقامة مؤتمر تكريم الإمام أبي حنيفة وتسمية عام 2009 في طاجيكستان باسم الإمام الأعظم وقعتا موقع قبول واسع في العالم الإسلامي.
وأضاف معالى الرئيس قائلا: ففي خطوتنا نحو تسمية السنة باسم الإمام كنا ننوي تكريم هذا العبقري الفذ وعرض سيرته وحياته والتراث العلمي القيم لإمام مذهبنا على الناس أكثر من ناحية، ومن ناحية أخرى أردنا من هذا المنطلق أن نقوم بدور ومكانتنا التراثية والإيمانية والدينية في توحيد الشعوب والملل وحوار الحضارات.
وتابع الرئيس مشيرا إلى مكانة أبي حنيفة العلمية قائلا: عرف أبو حنيفة في تاريخ الثقافة الإسلامية كفقيه صاحب الرأي، لذلك يأتي اسمه في قائمة الأئمة الفقهاء لأهل السنة المعترف بها مثل الإمام الشافعي والإمام مالك والإمام أحمد بن حنبل كأحد أبرز فقهاء أهل السنة. إضافة إلى هذا إن تعاليم أبي حنيفة عرف كمذهب يتمتع بنظم وترتيب متمايزين في البعدين الفقهي والعقدي. أعني أن فقه الإمام الأعظم يشمل حل جميع المسائل المستجدة استنادا إلى كتاب الله وسنة النبي عليه الصلاة والسلام وآراء الصحابة  والإجماع والقياس والإستحسان.
وأضاف فخامة الرئيس قائلا: من أبرز ميزات أبي حنيفة الشخصية أنه قام بعرض الدين الإسلامي لا كآلة لإثارة الفرقة والخلاف بل كأهم عامل ينشأ من رسالة القران الخالدة، للوحدة  والتضامن بين الشعوب.
وتابع سماحة الرئيس الطاجيكي كلمته في بيان خصائص المذهب الحنفي قائلا: قد أسس الإمام أبو حنيفة رحمه الله مذهبا من مذاهب أهل السنة والجماعة توجد في إطار قيمها الشرعية الأساليب الناجعة لحل الخلافات والنزاعات وطرح الحوار بين الأديان والحضارات. وقد تجسمت في هذا المذهب إضافة إلى ذلك التجارب التاريخية والأفكار الفلسفية والوطنية لشعوب إسلامية كثيرة وكان لهذا الامتزاج أثر كبير في أن يبقى  المذهب الحنفي كإحدى المذاهب المتنفذة الخالدة لأهل السنة والجماعة المعترف بها. وانتشر منذ ظهوره إلى يومنا هذا من كوفة إلى الآسيا الوسطى وروسيا وأروبا.
وأضاف سماحته قائلا: جدير بالذكر أن أساس تعاليم وأفكار الإمام أبي حنيفة كانت متفقة مع القيم العامة لدى البشر من المحبة والمساواة والدفاع عن كرامة الإنسان، وهي تساعد  على ترفيه المادى وتطوير الأمة المسلمة والمجتمع البشري.
وأضاف مشيرا إلى نشاطات وآراء الإمام السياسية رحمه الله تعالى قائلا: إن نشاطات أبي حنيفة رحمه الله في البعد السياسى لعصره كانت في سبيل توطيد وتطبيق القوانين الشرعية.
لايفوتنا أن العصر الذي عاش فيه أبو حنيفة رحمه الله كان يعد من الأدوارالمليئة بالحوادث والأزمات والثورات المتطرفة. وقد اتسعت في ذلك العهد دائرة القومية وتطرفات الطبقة الحاكمة على البلاد الإسلامية وكثرت أمارات وبواعث تحقير مسلمي البلاد الإسلامية الأخرى.
فاستطاع أبوحنيفة رحمه الله في ذلك العهد الحاسم من التاريخ الإسلامي الذى افترقت الأمة الإسلامية إلى فرق وطوائف اسلامية مختلفة، أن يؤسس مكتبا اسلاميا شاملا ويقوم بتبليغ القضايا الإسلامية من الأخوة والمساواة والعدالة الاجتماعية ومكافحة التمييز العنصري.
وأضافة فخامة الرئيس: إن آراء أبى حنيفة الأساسية بشأن الحريات الشخصية وغيرها من الشؤون الإجتماعية والنظام الاعتقادي بإمكانها أن تتواتى مع ظروف عصرنا في مجالات العلاقات الثقافية وحضارات العالم وينتفع بها أمم العالم.
مما أكد عليه الإمام أبو حنيفة رحمه الله أن القيم الإسلامية لا تختص بقوم واحد أو شعب واحد، بل نطاق شمولها أوسع من هذا. يتضح من المصادر التاريخية أن في مطلع انتشار الإسلام في العالم أسست الفرق والشعب المتنوعة في الخلافة الإسلامية مجتمعا يتواجد فيه الآراء المذهبية المختلفة.
في مثل هذه الظروف وضع الإمام أبوحنيفه – للقضاء على النزاعات الطائفية والاختلافات النظرية وتوطيد الأحكام الشرعية والمساواة في الإنتفاع من النظام الفقهي والأساليب البسيطة لحل مشاكل الأمة خاصة في مجال الوحدة والتضامن بين أبناء الأمة الإسلامية – قواعد مذهب اكتسب قبولا عاما من ناحيتى البعد الاعتقادي وتطبيق الأحكام الشرعية.
وأشار إمام على رحمان إلى البعد التطبيقي لتراث أبي حنيفة العلمية رحمه الله تعالى في الوقت الراهن قائلا: جميع المسائل التي بحثها أبوحنيفة رحمه الله تعالى في الشؤون الدينية والثقافية والفقهية والخلقية، أصبحت اليوم من القيم الأساسية والمعارف الدينية والثقافية و تمتاز بمكانة جيدة في تاريخ الفكر الإسلامي.
بناء على هذا تتمتع آراء ودراسات أبي حنيفة في المعارف الدينية ومسائل الأصول والعقائد الإسلامية بالميزات التالية:
1ــ إن دراساته العلمية والفقهية تعد منابع علمية.
2ــ وهي بمثابة شهادات وأسناد للتقييم الشرعي والفقهي للظواهرالجديدة وحل قضايا المجتمع المستجدة.
3ــ بإمكان الأصول الاستنباطية وتوجيهات أبي حنيفة رحمه الله تعالى أن تكون نماذج بارزة يعمل عليها الفقهاء المعاصرون.
4ــ وكذلك في مسار حوار الحضارات تستطيع أن تكون عاملا هاما للوصول إلى الوحدة والتضامن.
5ــ إن ميزة أبي حنيفة رحمه الله في خصوص تحمل الغير تضمن العلاقة الحسنة بين الدين الإسلامي وسائر الأديان العالمية.

ولما انتهى خطاب الرئيس الجمهوري لطاجيكستان، ألقى رؤساء الوفود المشاركين من البلاد الإسلامية محاضرات أبرزوا فيها سرورهم وفرحهم من إقامة هذا المؤتمر وتفائلوا بالخير من آثار هذا المؤتمر الإيجابية على شعب ودولة طاجيكستان ومسلمي العالم.
أنتهت الحفلة الإفتتاحية في الساعة 12:30 بتوقيت دوشنبه، وتابع المؤتمر أعمالها في جلسات مختلفة بدءا من مساء الإثنين حتى وقت صلاة المغرب في اليوم التالي.  
ألقى المشاركون في المؤتمر محاضرات قيمة رائعة في جلسات المؤتمر المختلفة. ومن أبرزالشخصيات العلمية الذين حضروا المؤتمر من أنحاء العالم نستطيع أن نشير إلى فضيلة الشيخ محمد الطنطاوي شيخ الأزهر، والدكتور أحمد نائب رئيس جامعة الأزهر، والعلامة محمد تقي العثماني شيخ الحديث في جامعة دارالعلوم كراتشي، والدكتور ويتالي نومكين رئيس مركز الدراسات العربية لمؤسسة الدراسات الشرقية، ومراد مرتاضين رئيس الجامعة الإسلامية في مسكو، والدكتور سلمان العودة من المملكة العربية السعودية.
وتناول غير واحد من ضيوف المؤتمر الجوانب المختلفة من حياة الإمام أبي حنيفة وخصائص الفقه الحنفي رحمه الله تعالى بالبحث.
تكلم فضيلة الشيخ عبد الحميد حفظه الله في المؤتمر حول أثر الدين الإسلامي وخاصة الفقه الحنفي على الحضارة البشرية.
وقال فضيلة الشيخ عبد الحميد بعد تقديم الشكر إلى معالى الرئيس الطاجيكي على تسميته العام الجاري باسم الإمام الأعظم أبي حنيفة رحمه الله: إن إقامة هذا المؤتمر ليست تكريما لمكانة الإمام أبي حنيفة الشامخة فحسب بل هي في الواقع تكريم لمكانة العلم والعلماء العالية خاصة الأئمة المجتهدين أبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد بن حنبل رحمهم الله تعالى.
وأضاف فضيلته مشيرا إلى أثر الإسلام على الحضارة البشرية قائلا: لقد قدم الدين الإسلامي حضارة جديدة ومتطورة إلى العالم ذابت أمامها جميع الحضارات البشرية، ومن أبرز معالم هذه الحضارة هي الصداقة والعدالة والديانة التي تركت آثار إيجابية عميقة على حياة البشر.
وأشار فضيلة الشيخ عبد الحميد حفظه الله إلى مكانة وشخصية أبي حنيفة رحمه الله قائلا: لم يكن ابو حنيفة شخصية فقهية أو حديثية فحسب، بل نظرا إلى الكمالات الإلهية التي أكرم الله بها الإمام رحمه الله كانت تتمتع فضيلته بالتكامل والشمول حيث كان جامعا ولامعا في الجوانب والأبعاد العلمية والعملية والخلقية المختلفة. فأبوحنيفة رحمه الله إضافة إلى كونه فقيها ومحدثا كان عابدا زاهدا ينبغي لجميع العلماء أن يتأسوا به في الورع  والتقوى والعبادة. فكان ابوحنيفة رحمه الله يشتغل في الليل بالذكر والعبادة وفي النهار بالتعليم والاستنباط وشرح الأحكام. وما يقال أن أبي حنيفة رحمه الله صلى الفجر بوضوء العشاء معناه أنه كان لا ينام الليالي بل كان يعبد الله فيها ويقوم بالاستراحة في ساعات قيلة من اليوم. لذلك فهذا الشخصية الإسلامية الكبيرة يستحق مثل هذا التكريم.
وقام الضيوف المشاركون في المؤتمر من إيران بعد اختتام المؤتمر مساء الثلاثاء بزيارة المساجد والنواحي المختلفة من مدينة “دوشنبه”.
وافتتح بمناسبة هذه السنة وهذا المؤتمر مسجد الإمام أعظم في منطقة الحصار التي تبعد نحو 95 كم من العاصمة، بحضور مجموعة من ضيوف المؤتمر. كما أنه شُرِع في بناء أكبر مسجد بالعالم في عاصمة دوشنبه بمساعدة من الإمارات وسيتسع المسجد 150 مصل وستنتهي أعمال بنائه بعد خمسة أعوام بعون الله تعالى.

تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مزيد من المقالات