خطبة الجمعة 13 جمادى الأولى 1430

خطبة الجمعة 13 جمادى الأولى 1430

فضيلة الشيخ عبد الحميد حفظه الله

فضيلة الشيخ عبد الحميد حفظه الله

تطرق سماحة الشيخ عبد الحميد إمام وخطيب الجمعة لأهل السنة في مدينة زاهدان في خطبة هذه الجمعة بعد تلاوة آيات من سورة لقمان المباركة إلى توضيحها قائلا: لقد ذكرت الآية نصائح لقمان الحكيم التي يخاطب فيها إبنه.  وأضاف سماحته: قد اتفقت كلمة معظم أهل العلم على أن لقمان كان حكيما، فإن القرآن الكريم صرح بذلك في مواضع مختلفة حيث قال: "وَلَقَدْ آَتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ وَمَنْ يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ". ومن المعروف أن لقمان قد أوتي الحكمة وكان يحمل وعيا صحيحا في الأمور الدينية والدنيوية.

والحكمة من أعظم  نعم الله عزوجل، لأجل ذلك لما أعطاه الله لقمان طلب منه أن يشكر عليه فقال تعالى: "وَلَقَدْ آَتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ".
ثم بين قانونا عاما في موضوع الشكرفقال: "وَمَنْ يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ" بأن فائدة الشكر على النعم في الواقع ترجع إلى الإنسان نفسه. ومن الشكر على نعمة الحكمة أن يقوم الإنسان بنشرها بين الناس كما أن الشكر على نعمة العلم أن يقوم بتعليمه لغيره.
ثم أضاف فضیلة الشيخ قائلا: إن هذا الشكر يكون بالقلب واللسان والبدن. والشكر بالقلب أن يعتقد الإنسان بقلبه أن هذه النعمة من الله عزّ وجلّ وحده؛ فيحب الله سبحانه وتعالى لهذا، والشکر باللسان أن يعترف بنعم الله عزوجل. قال الله تعالى: "وأما بنعمة ربك فحدث" بأن يحمد الله عزوجل مثلا على نعمة الولد الصالح وعلى نعمة فهم الكتاب والحديث. والشكر بالبدن أن يقوم الإنسان بطاعة الله عزوجل ولا يعصيه ولا يطغى ويعرف قدر نعمه ويعمل على أوامر الله الذي هو ولي هذه النعم کلها.
يخاطب لقمان الذي صرح القرآن الكريم على أنه حكيم إبنه، وما أجمل هذا الخطاب، فقال أولا: "يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ"، فقد وعظ لقمان إبنه بأمور ونصائح، وأولها كانت في المسائل الاعتقادية. فأول وصية وموعظة وعظها لقمان لإبنه أن لا يشرك بالله، بأن لا يشرك مع الله غيره في العبادة، وكذلك لا يفعل عبادة من العبادات رياء، فإنها أیضا من نوع الشرك الخفي، لأن الشرك هو أكبر وأعظم ظلم يفعله الإنسان في حياته.
ثم قال الله عز وجل: "ووصينا الإنسان بوالديه إحسانا"، لأن الوالدين هما من أولياء النعمة على الأبناء، فيوصي لقمان الوالد الحكيم إبنه وهو صفة الآباء الصالحين حيث يوصون أبناءهم. وبعد هذا الفصل واصل ذكر بقية وصية لقمان الحكيم فقال: "يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ". فلا يخفى شيء من أعمالنا على الله عزوجل، لذلك لا بد أن نجتنب كل معصية وذنب، فإنه عزوجل يرى جميع الأعمال والأفعال التي نعملها في حياتنا.
فأول ما خاطب به لقمان إبنه كان في الأمور الاعتقادية، والوصية الأخرى الثانية التي أوصى بها لقمان إبنه كانت في العبادات وهي إقامة الصلاة، فخاطب إبنه بها قائلا: "أقم الصلاة " فإن الصلاة عبادة جامعة شاملة، وقد كانت في الأديان كلها، ولقمان قبل مجيء الشريعة الإسلامية أوصى إبنه بإقامتها. فالصلاة باب الشريعة وهي باب جميع أبواب الخير. وفي الحديث أنه قيل يا رسول الله إن فلانا يصلي الليل كله فإذا أصبح سرق قال: (سينهاه ما تقول). وروي عنه صلى الله عليه وسلم: "من لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر لم يزدد من الله إلا بعدا".
فإذا قبلت الصلاة عند الله عزوجل تنهى الإنسان عن كل منكر، وإن إتيان الإنسان المعاصي والذنوب يدل على أن الصلاة غير صحيحة.
 وأضاف فضيلة الشيخ عبد الحميد قائلا: مع الأسف إننا اليوم نضيع الصلاة ولسنا نلتزمها وإننا لفي مصيبة كبرى وأزمة عظيمة.
ويكفي لدخول الإنسان في جهنم كونه تاركا للصلاة، وتكفي أيضا لإبتلاءه بعذاب القبر هذه المعصية الوحيدة، وقد كان آخر ما وصی بها النبي علیه الصلاة والسلام الأمة حيث قال: "الصلاة وما ملكت أيمانكم". وَفي رواية: "مَنْ ضَيَّعَهَا فَهُوَ لِمَا سِوَاهَا أَضْيَع".
قد كانت وصية الأنبياء والأولیاء وجميع المقربين عند الله عزوجل هي الوصیة بالتزام الصلاة.
فلنقم الصلاة في المساجد ونقوم بقضاء الفوائت منها ونقيمها في بيوتنا ونقيمها في المساجد بصفوف مرصوصة مثل صفوف الملائكة.
 واستطرد سماحته قائلا: إن النصيحة الثانية للقمان الحكيم التی ذکرها القرآن الکریم: "وأمر بالمعروف و انه عن المنكر" وهي أهم وصية يراها لقمان بعد الصلاة أن یوصی بها إبنه.
من المهم جدا أن يقوم الإنسان بالمعروف وينهى عن المنكر، ولا يكون في حياته غير مبال بالمعاصی والمنکرات، وهذا من الدروس التی علم  النبي صلی الله عليه وسلم والقرآن الكريم الأمة المسلمة، وقد أيد القرآن الكريم هذه النصيحة للقمان فذكرها وقال: "وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ"، والمعروف ما أمر به الشريعة أن يؤتى وأمر به الرسول صلى الله عليه وسلم أن یفعل وما يستحسن فعله، کما أن المنكر يشمل كل ما نهاه الشرع وما ينكر شرعا وعقلا.
وأضاف فضیلة الشیخ: إننا ضعفاء في العقيدة وإننا ضعفاء في إقامة الصلاة. ربما نجد ضعاف العقيدة الذين يؤمنون بالله ولکنهم مبتلون بالشرک. ربما نری الكثيرين من المسلمين من هم بعيدون عن الشرك ولكنهم لا يقيمون الصلاة. وكثير منهم يقيمون الصلاة ولكنهم لا یقومون بالأمر بالمعروف والنهی عن المنكر، فلا نكون غير مبالين بالنسبة إلى الأهل والعشيرة والجيران والأقارب.
 وأضاف سماحته مشيرا إلى كثرة المصائب والآفات والبلايا في مجتمعاتنا في هذا العصر قائلا: إن كثرة المعاصي والذنوب هي التي أنشأت كل ذلك.
وقال سماحته: قد كثرت الشكاوي من قبل الآباء والأبناء والبنات، وكل هذه المشاكل بسبب أن المجتمع لما يصلح كاملا. فأصحاب الحقوق يشكون من ضياع حقوقهم، ولقد وجدت ظاهرة سيئة في هذه الأيام وهي اختطاف الأفراد وأخذ الرهائن حيث يحبسون الصبيان الصغار والشيوخ الضعاف رهائن، مع أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: "لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يَرْحَمْ صَغِيرَنَا وَيُوَقِّرْ كَبِيرَنَا"، ويقتل ربما أناس أبرياء في المجتمع تقشعر منها الجلود ویقف الإنسان متحیرا من المسئول عن كل هذه الجرائم، ولا تؤدى الديون إلی أهلها، وربما يفر المديونون عن أداء ديونهم، وقد سافرت الرحمة من بين قلوب كثير من المديونين. مع الأسف نشاهد أن حقوق الناس ضائعة متلفة  كما أن حقوق الله عز وجل ضائعة.
يدمن شرب الخمور من هو يدعي أنه مؤمن، وقد حرم الله الخمور والقمار فقال: "إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه"؛ فيعصي الله عزوجل ويلقي حكمه وراء نفسه ويستعمل المخدرات والمسكرات التي ربما يهلك بسبب المبالغة في إستعمالها، وكل ذلك عصيان على أوامر الله تعالى، وقد سیطرت شياطين الإنس والجن على الإنسان وكثرت المفاسد المالية وشاعت الرشاوي، وإن الله سيسخط على هذه المحرمات، فعلينا أن نتوب إلى الله تعالى جميعا من تضييع حقوق الله وحقوق الناس، ونمتثل تلك النصيحة للقمان الحكيم ونقوم بإصلاح المجتمع بكل ما نملك من القوة والمال، وهذه من وظائفنا، وندعو الله عز وجل أن يوفقنا على ذلك، ونقوم بذلك بالحكمة والمصلحة، ولا ننفر الناس عن الإسلام والشريعة.
 ثم أشار سماحة الشيخ عبد الحميد في القسم الأخير من الخطبة إلى مشاركته الأخيرة في دورة مجمع الفقه الإسلامي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي قائلا: قد دعيت إلى المشاركة في هذا المجمع الفقهي الذي انعقد في الإمارات المتحدة في مدينة الشارقة، فشاركت فيها، وقد كانت فرصة سعيدة حيث التقيت فيها بكثير من العلماء، وكذلك قمت بزيارة لهذه الدولة الإسلامية المجاورة التي لم أوفق قبل هذا للسفر إليها.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
 

تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مزيد من المقالات