اليوم :20 April 2024

تفسير أن “الإيمان بالآخرة” من صفات المتقين

تفسير أن “الإيمان بالآخرة” من صفات المتقين

ذكر في هذه الآية الإيمان بالآخرة من صفات المتقين، والمراد بالآخرة هي الدار الآخرة التي قد يعبّر القرآن عنهما بدارالقرار ودارالحيوان والعقبى، والقرآن مملوء بذكرها وذكر تفاصيلها الهائلة.
الإيمان بالآخرة عقيدة تحدث ثورة في التفكير وانقلابا في الحياة. الإيمان بالغيب وإن كان يشمل الإيمان بالآخرة ولكن الله سبحانه وتعالى أفرده بالذكر صراحة لكونه أهم جزء من أجزاء الإيمان الذي يبعث على العمل ويؤثر في الحياة.
وهذه هي العقيدة التي قد أحدثت انقلابا في الحياة وغيرت مجرى التاريخ وأتت بأمور عظام حيرت العقول، وهذه هى العقيدة التي أثرت في أعمال أصحابها وأخلاقهم، وجعلتهم شامة بين شعوب العالم. وهذه هي العقيدة التي اتفقت عليها الأنبياء عليهم السلام والشرائع جميعا مثل عقيدة التوحيد والرسالة.
إن الذين جل غايتهم الحياة الدنيا وزينتها وزخارفها والذين لا يؤمنون بالآخرة وتفاصيلها من الحساب والجزاء والذين لايتجاوز نظرهم هذه الدنيا فهم لا يبالون في ارتكاب المعاصي والفجور؛ فإذا وجدوا أن الاهتمام بالحلال والحرام والصدق والكذب يخل في ملذات الحياة أهملوها، فلا يمنعهم قانون ولا خوف مما هم فيه. ومن لا يعلم أن قوانين الحكومات والتهديد بالعقوبات الدنيوية لا تكفي لإصلاح الخلق ولا تمنع من الجرائم، لأن كثيرا من المجرمين يتعودون ببعض العقوبات فلا يمتنعون، وكثير منهم يتركون المعصية خوفا من الحكومة ولكن يرتكبونها في الخلوات حيث لا يراهم مراقب من قبل الحكومة.
ولكن الإيمان بالآخرة والخوف من الله سبحانه وتعالى عقيدة تمنع صاحبها من ارتكاب المعاصي والحرام، سواء في السر والعلن، حيث يراه الناس وحيث لايرونه، لأن صاحب العقيدة واليقين يوقن أن الله تعالى خبير بما يعمل وهو يراه في ظلمات الليل وفي الغرفات المغلقة، وان صاحب الإيمان يعلم أن الكرام الكاتبين يسجلون أعماله. وهذه هي العقيدة التي حينما طبقت في صدر الإسلام كونت بيئة طاهرة نزيهة ومجتمعا صالحا ربانيا من دخله أعجب به فدخل في الإسلام.
ومن الجدير بالتدبر في هذه الآية أن الله سبحانه وتعالى قرن بذكر الآخرة كلمة {يوقنون} بدل {يؤمنون}، فقال: {وبالآخرة هم يوقنون}، وذلك لأن الإيمان يقابله التكذيب، وأما الإيقان فمقابله الشك. ففي هذه الآية إشارة إلى أن التصديق بالحياة الآخرة لا يكفي، بل لا بد من اليقين بشأن الآخرة، كأنه بمرأى من صاحب اليقين، وهذه هي صفة المتقين أنهم يوقنون بالآخرة وكأنها بتفاصيلها من الحساب والجزاء والعقوبة أمام أعينهم. فالإنسان الذي يغصب حقوق الآخرين ويدعي على الناس كذبا في المحاكم ويشهد بالزور ويكتسب الحرام ويأكله أكلا لما، أو يخالف شرع الله لأجل الدنيا الفانية، فهذا وإن يقر بأنه يؤمن بالآخرة ألف مرة ويطلق عليه في الظاهر أنه مؤمن ولكنه بمعزل عن الإيقان الذي هو مطلوب من العباد في هذه الآية، والذي هو يحدث انقلابا في الحياة ويسبب الهدى والفلاح للمتقين، وقد ذكره الله في الآية الخامسة فقال عزّمن قائل: {أولئك على هدى من ربهم وأولئك هم المفلحون}.

تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مزيد من المقالات