نحن في الأيام الأخيرة من العام الشمسي وبلابل الربيع تتغرد على أغصان الأشجار وثياب الطبيعة تتغير وتتبدل، والنسيم العليل المترنّم المتغنّي بأناشيده العطرة يخبر عن موت البرد القاسر ويشعر بحياة جديدة للطبيعة بعد موتها وطراوة الهضاب الخضراء بعد جفافها،وتفجرت العيون والأنهار، وتفتحت البراعم والأزهار ولم تقرّ للأرض القرار، فاهتزّت من شدّة الفرح نعم اهتزّت وربت وأنبتت، وصدق رب العالمين إذ قال: "وأنزلنا من السماء ماءً فأحيينا به الأرض بعد موتها".
فالربيع مدرسة العقيدة الربانية الخالصة تربّي أناساً موحّدين، يتفكّرون في خلق السماوات والأرض، ويتدبرون في ملكوت الله وقدرته، ويعتبرون من حياة الطبيعة بعد موتها، ويتيقنون بحياة الأخرة، والبعث بعد الموت، والنشور بعد الرقود في القبور، وقال الله – جلّ في علاه -: "والله أنزل من السماء ماءً فأحيا به الأرض بعد موتها إنّ في ذلك لأية لقوم يسمعون".
ولكن هناك من لا يفتح عين القلب، ولا يبصر نعمة الربّ، ولا يتذكر بمواعظ الربيع بل يتقهقر في ضلال، وينغمس في جهل، ولا يهدأ إلا بعد أن يتردّد ذكرى أعداء الله وأعداء رسوله، ويعرض عن الحق، ويتورّط في منقعسات البدعة، ويخالف السنة وينسى ربّ الكائنات جلّ جلاله.
وإنّ كثيرا من هذه الخرافات قد كسيت لباس القداسة وجعلت من التقاليد المفروضة القطعية التي لا بد منها، من هذه البدع المزخرفة بدعة "جارشنبه سوري" أي أربعاء الفرح والسرور.
يقول علي أكبر دهخدا في موسوعته الكبيرة"لغت نامه": هو الأربعاء الأخير من كل عام من الهجري الشمسي الذي يعقد في ليلته الإيرانيون احتفالاتهم الخاصة. وهناك رسوم وعادات عجيبة في هذه الليلة (ليلة لأربعاء).
يقال هناك نوعان من هذا الرسم: 1- العام: وهو رائج في كل مناطق إيران ومحافظاتها، بل ويوجد في الملل الأخري من الأصل الآريايي.
2- الخاص: وهو الذي ابتدعه أهل طهران (العاصمة)، ثم انتقل منها إلى سائر المدن الإيرانية حتى إلى البلاد الأخرى مثل آذربايجان والقفقاز. حتى الإيرانيون اللاجئون في خارج إيران لاينسون هذه الخرافة، فالإيرانيون في مصر، وتركيا والهند يحتفلون ليلة الأربعاء ويجدّدون ذكرى أجدادهم وبلادهم في إيران القديمة.
هنا نسرد بعض الرسومات والبدعات التي نشأت من أعماق الخرافات الكسروية والمجوسية التي هي مظاهر واضحة لعبادة النار في المواقد وهي أنواع الشرك والكفر، والإيرانيون لم يتركوه بعد، مع اعترافهم بمجوسيتها، بل إنهم يقدّسونها ويروّجونها وينقلون في تأييدها وتثبيتها آثاراً وأخباراً مخترعة مخترقة من عند أنفسهم، فيحتفلون بها، ويعطّلون الدوائر والمراكز، ويكفّون أيديهم عن كلّ أعمالهم لأيام كثيرة (نصف شهر أو أكثر) ويأتون ببدع وأباطيل ما لم ينزّل الله به سلطاناً.
منها جارشنبه سوري (أربعاء الفرح)، وفيها بدعاتها كما يلي:
كسر الجرّة:
من هذه الخرافات أنهم يأخذون جرّة جديدة إلى مكان مرتفع أو من فوق البيوت فيلقونها من فوق السطح ويكسرونها، وهم يعتقدون أنهم جمعوا شرّ البليات والأقدار في ذلك الكوز، وبعد أن انكسرت الجرة انتهت الشرور والبليات.
فالكوش: (التفاءل بأول ما يُسمع):
وهي عبارة عن وقوف أصحاب الحوائج على مفترق الطرق أو معبر الناس بعد أن نووا حاجاتهم في أنفسهم واستماعهم إلى أول من يعبر الطريق ويمرّ بهم، فيتفاءلون بالكلام الخير ويتشاءمون بالكلام الشر.
ويمكن أن يقف صاحب الحاجة خلف باب البيت ويسترق السمع بهدوء ولم يطّلع أصحاب البيت على حضوره، فيتفاءل بأول ما يسمع من خير موافق لمراده أو يتشاءم بأول مايسمع من شرّ مخالف لذلك.
حل العقدة:
صاحب الحاجة يعقد عقدة على منديل أو ثوب أو يعلّق عليه قفلاً، ثم يجلس على ناصية المعابر وقارعة الطرق، ويحلّ العقدة أو يفتح القفل أولّ من يمرّ به، ويتفاءل بذلك في تفريج همّه وانكشاف كربه.
آتش بازي أو «اللعب بالنار»:
يقولون إنها من أجمل وأقدم آداب "جارشنبه سوري" (أربعاء الفرح والسرور)، فيصنعون ناراً، ويجتمعون حولها، ويضحكون ويرقصون بشدو وحبور ثم يقفزون عليها.
فإنك ترى في ليلة الأربعاء الأخيرة في كل سنة، أهالي المدن الإيرانية يجمعون الأحطاب والحشائش، ثم يوقدونها ويسجرون بها النار فتصير ناراً كبيرة يجتمع حولها الرجال والنساء والشيوخ والشباب في الميادين العامة أو حتى في البيوت، أو على مفترق الطرق وفي الأرياف أيضاً، ويقفزون واحد تلو الآخر من فوق هذه الجمرات المشتعلة، ويقولون عند القفز: «زردي من از تو، سرخي تو از من» يعني: «خذي منّي صفراويتي من أجل الأمراض والأسقام، وأعطيني حمراويتك وسلامتك ونشاطك».
ثم بعد تمام الحريق وانطفاء النار يجمعون الرماد الباقي منها ويخرجونها من البيت، ويلقونها في تيار الماء أو على أدراج الرياح لتمحو آثار هذه الأمراض والبلايا، وتبقى للنار قداستها وطهارتها، ثم يرجع من أخرج الرماد إلى البيت ويدقّ الباب. يسأله من في البيت: مَن أنت؟ يجيب: أنا فلان. ثم يسألونه: من أين أنت قادم؟ يجيب: مِن العرس!! ثم يسألونه: ماذا أحضرتَ معك؟ يجيب: العافية والسلامة!!
أصبحت اليوم هذه الخرافة – كأخواتها من الخرافات – منشأً لكثير من المصائب، ومنبعاً لعديد من الجرائم، حيث تطورت الرسومات بتطوُّر الآلات وتقدُّم المخترعات؛ فتراهم يفجّرون الألغام والقنابل اليدوية والقنابل المصنوعة من البترول وغيره، فيقتل الأطفال والنساء والرجال أحياناً، فاضطرّت الشرطة لأخذ الحيطة الأمنيّة، كما عبّأت إدارة الإطفاء رجالها و سياراتها في تلك الليلة لأخذ الأهبة للقضاء على النار في أنحاء المدينة، وترى المستشفيات تزدحم بالمحروقين والجرحى، حتى سمّى بعضهم هذا الأربعاء بـ «جارشنبه سوزي» بدل «جارشنبه سوري» يعني "أربعاء الحريق".
أليس منشأ هذه المصائب كلّها تلك البدعة التي انبعثت من عقيدة المجوس؟
ألا تكون هذه من رسوم الجاهلية القديمة التي جعلها النبي المصطفي صلى الله عليه وسلم يوم عرفة تحت قدميه وأبطلها وأخرجها من الإسلام؟
فلماذا لا نترك ما حرّمه ديننا وأبطله نبيّنا صلى الله عليه وسلم؟ ولماذا نُصرّ على هذه الخرافة المجوسية مستدلين بحجج باطلة نحو إبقاء التقاليد القديمة و إحياء ذكرى رسوم الآباء. ألم نسمع أنّ الله تعالى يقول آمراً مؤكّداً: "يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافةّ ولا تتبعوا خطوات الشيطان إنه لكم عدو مبيبن".؟
أوليس هذا ما استدل به مشركو مكة عندما قالوا: "بل نتّبع ما ألفينا عليه آباءنا أولو كان آباؤهم لا يعقلون شيئا ولا يهتدون"؟
وهل في إحياء ذكرى "جمشيد" المجوسي الكافر ورسوم الزرادشة الملحدين فائدة للشباب الإيرانيين المسلمين؟
فندعو إخواننا المواطنين إلى التأمل والفكرة وإعادة النظرة إلى ما يفعلون ويعتقدون، فهل يجدون فيها ما يوافق الكتاب والسنة وسيرة الصحابة وأهل بيت النبي عليه السلام وسيرة السلف الصالحين من الأئمة وعظماء المسلمين؟
نعم الإسلام يهدم ماكان قبله، فيهدم عبادة النار وتقدسيها، ويهدم تعظيم النيروز والمهرجان، ويرفض جعلها عيداً. ولقد أغنانا الله سبحانه وتعالى بأكمل الأديان وأتم الشرائع وقال عزّ من قائل: "اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا".
نسأل الله التوفيق والسداد.
الكاتب: أبوسلمان
تعليقات