اليوم :25 April 2024

أهل السنة في تربت جام

أهل السنة في تربت جام

Imageإن مدينة "تربت جام "من أهم وأكبر مدن خراسان الواسعة قديما ،وهي مركز أهل السنة والجماعة فيها حديثا ظهرفيها في وقت غابر من الزمن في عصور وقرون مختلفة جيل من العلماء والفقهاء والأدباء والأولياء والشعراء العارفين ، وهي من المدن التي شهدت تقلبات وتطورات في قلب التاريخ الإسلامي تسر القارئ مرة وتحزنه أخرى  ، فمن المناسب أن نعرف قدرا بسيطا من هذه المدينة العريقة في العلم والثقافة الإسلامية والتي كثر ما تنسب إليها علماء وفقها وشعراء .

تقع هذه المدينة في مجاورة حدود أفغانستان شأن كثير من المدن التي يقطنها أهل السنة والجماعة في إيران حيث تقع إما على حدود أفغانستان أوعلى حدود باكستان أوتقع في سواحل الخليج أو تقع في مجاورة عراق وتركية وغيرها من الدول التي تجاور إيران ، وهي من شماله تنتهي إلى مدينة "سرخس "ومدينة "مشهد " طوس القديمة ، عاصمة خراسان  واقعة في غربها ومن الجنوب تجاور مدينة " تايباد " ثاني أكبر مدينة سنية في محافظة خراسان الموجودة في إيران .

وإذا تطلعنا إلى تاريخ البلاد والعباد فنجد أول إسم أطلق على هذه المدينة هو إسم " زام " ، ومن الأسماء التي كثر إستعمالها في المستندات التاريخية بوزجان وهي كلمة معربة من الفارسية أصلها " بوژگان "  وهي تعني حسب ما قال البعض الأرض التي يسكنها الأذكياء والعقلاء من الناس ،وإن ظهور أبى الوفاء الجوزجاني وأبي ذر الجوزجاني ووأبوالقاسم الذي كان من كبار وزراء طغرل خير دليل على ذلك . وقال غيرهم أن الكلمة مركبة من جزءين وهي تطلق في اللهجة المحلية على أرض تمر بها الأنهار أوتتواجد فيها المستنقعات وإن مدينة جام لوجود نهر جام رود سمي بها . يقول الحموي في معجم البلدان : زَامُ: إحدى كُوَر نيسابور المشهورة وقصبتها البوزْجان وهو الذي يقال له جام بالجيم سميت بذلك لأنها خضراءُ مدورة شبهت بالجام الزجاج وهي تشتمل على مائة وثمانين قرية ذكر ذلك أبو الحسن البيهقي، وقال السمعاني: زام قصبتان معروفتان يقال لهما جام وباخَرز فقيل زام والورل أصح لأن باخرز قصبة برأسها مشهورة لا عمل بينها وبين زام.

ومن الأسماء الأخرى لهذه المدينة في كتب التاريخ" ژام" التی تبدلت بعد الفتح الإسلامي وسيطرة العرب المسلمين الفاتحين لعدم قدرتهم على تلفظ حرف "ژ" إلى "زام" كماذكره الحموي وغيره من أصحاب البلدان أو إلى" جام " .  وتطرق حمد الله المستوفي في كتابه " نزهة القلوب " إلى ذكر مجموعة أخرى من الأسماء التي أطلقت في القرون والأعصار المختلفة على هذه المدينة التي تترك القارئ وراء علامة الإستفهام لماذا هذه التغيرات في الأسماء أولماذا هذه الأسماء الكثيرة ؟ ولقد إختلفت أراء أصحاب البلدان في بيان أسباب هذه التغيرات فقال السمعاني من علماء القرن السادس في كتابه المعروف "الأنساب" وإبن الأثيرمن علماء القرن السابع في كتابه "اللباب " أن جام معربة من" زام". وقد مر في الأعلى سبب إطلاق جام على زام في كلام الحموي وهومن علماء القرن السابع حيث قال : سميت بذلك لأنها خضراءُ مدورة شبهت بالجام الزجاج . وغیرها من الأراء والأقوال التي لا تسع هذه الوجيزة . جدير بالذكر أن التاريخ المدون لهذه المدينة يشير إلى تواجد أقوام مختلفة  في العهود الماضية التي ترجع إلى قبل الميلاد بآلاف سنين . ولعل ذلك من أهم أسباب التغير في الإسم فإن المدن في التاريخ تتبدل بسيطرة جماعة أوقوم مهاجم أسماءها وكم من مدن نعرفها بأسماء في ثنايا كتب التاريخ والبلدان ولا نجد لها أثرا في الخرائط حيث أبيدت أثناء الحروب المدمرة بكاملها أو عاشت بغير إسمها فهب مدينة جام واحدة منها . من مشاهير" جام" :


شيخ الإسلام أحمد جام :

فريد عصره ،لم تنجب بلاد خراسان مثله في عصره ،ولا بعده في الزهد والعرفان والتقوى والفضل ،كان عالما شاعرا عارفا ولد في قرية " نامق " من قرى جام سنة 1048 م . ترعرع في كاشمر ثم انتقل إلى جام قد أسلم على يديه خلق كبير في بلاد خراسان . ويرجع نسبه إلى جرير بن عبد الله البجلي اليماني وله العديد من المؤلفات خاصة في الأخلاق والتزكية مثل :   : سراج السائرین در ثلاث مجلدات ، انیس التائبین. الرساله‌  السمرقندیه، مفتاح النجاه، روضه‌المذنبین  ؛ کنوز الحکمه، فتوح الروح، الاعتقادات، التذکیرات، الزهدیات و دیوان اشعارله بالفارسیة . توفی آحمد جام سنة 536 عن عمر جاوز التسعين في خدمة الخلق وتوجيههم وإرشادهم في هذه البلاد .


أبوا الوفاء البوزجاني :

 مهندس فلكي رياضي , أحد الكبار البارعين في معرفة الهندسة.ولد في بوزجان (بين هراة ونيسابور) وانتقل إلى العراق سنة 348 ه، وتوفي ببغداد. قال البيهقي: بلغ المحل الاعلى في الرياضيات، وكان (نقي الجيب من عثرات الدنيا) قانعا بما عنده.

وقال الصفدي: له في الهندسة والحساب استخراجات غريبة لم يسبق إليها. من كتبه (تفسير كتاب ديوفنطس) في الجبر، و (تفسير كتاب الخوارزمي) في الجبر والمقابلة، و (الكامل) في حركات الكواكب وكتاب (الهندسة) و (رسالة في الهيئة) و (ما يحتاج إليه العمال والكتاب من صناعة الحساب) باسم (كتاب فيما يحتاج إليه الكتاب والعمال) و (زيج الواضح) و (رسالة فيما يحتاج إليه الصانع من أعمال الهندسة ).


 نورالدین عبدالرحمن جامی :

هو أكبر شاعر ومؤلف وأديب عرف وأشتهر في التاسع الهجري في تاريخ إيران ، لقد عاش جامي في أواخر حكم آل تيمور فقد أدرك من سلاطينهم شاهرخ وأبوالقاسم بابري وأبوسعيد كوركان ، توفي عبد الرحمان جامي سنة 1487م في 91 من عمره ، إضافة إلى تصانيفه في الشعر الفارسي الذي حصل فيه مكانة عالية ، لقد ترك آثارا أخري في علوم أخرى ، ومن أهم ما يعرف به شرحه الذي زين به كتاب الكافية لإبن الحاجب سماه الفوايد الضيائية في شرح الكافية ، كتاب جميل وشرح واف في علم النحو يعرفه الطلبة باسم شرح جامي .

 أيضا من علماء هذه البلاد التي يشار إليه أبوذر البوزجاني من عرفاء القرن الرابع الهجري الذي كان السلطان الغزنوي يشد الرحل إليه لأجل الإستفادة منه .  وأبو جعفر محمد زامي الذي كان من أكبر الأدباء والشعراء في عهد السامانيين . سافر أولا إلى نيشابور ثم سافر ثانيا إلى بخارا في زمن سلطة أبي القاسم نور بن منصور الساماني ، وكان يعد من أدباء تلك البلاد وله أيضا أشعار في اللغة الفارسية ما يدل على يده الطولى في اللغة العربية . وعبد الله الهاتفي الخرجردي ، إبن أخت العلامة عبد الرحمان الجامي الذي قضى أيام شبابه طلبا للعلم في العراق و آذربيجان ، ثم رجع إلى مسقط رأسه خرجرد وإشتغل في قريته إلى الزراعة والعبادة في زاوية صغيرة بناها هناك بعد مجيئه ، وله مصنفات عديدة بلغة أمه .

 هذه كانت لقطة بسيطة من تاريخ  هذه المدينة السنية التي تشهر في هذه الأيام بإسم" تربت جام" من دون أن نلتفت إلى ذكر المشاهد والأثار التاريخية والجوامع العتيقة التي بقيت كتذكارات من ثقافة أسلاف هذه المدينة ودلالات على قوة إيمانهم وحدة مشاعرهم الطيبة الزكية . فهي اليوم أيضا بوقوعها الجغرافي في خراسان الواقعة في إيران تعتبر مركز السنة فيها  فإنها أكبر مدينة هذه المحافظة سكانا لأهل السنة ،ولا زالت " تربت جام "بعد مرور قرون محتفظة بأصالتها في كل شيئ وخاصة في الدين والمذهب الحنفي ،حيث تنتمي غالبية سكانها إلى أهل السنة والجماعة ، ولم تنخفض في أي جزء من حضارتها وثقافتها كالأمس ، حيث يشكل أهل السنة أغلبية سكانها ،الإ أننا نرى تواجدا مرموقا لبعض أقوام الشيعة الذين جاءوا من هنا وهناك  بعد الثورة يتضاءل أمام أغلبية السنة ما يجعل الإنسان في تردد وشك !!  فهي اليوم أيضا مركز لرواد العلم من أرجاء البلاد بوجود مدارسها الكبيرة كفخرالمدارس والصديقية وغيرها من المراكز العلمية والدعوية مثل حركة جماعة التبليغ التي قامت بنشاطات مشكورة بين عامة الناس بإزالة المنكرات والبدع والخرافات والخزعبلات التي تصاب بها هذه الطبقة نتيجة جهلهم بالكتاب والسنة ونتيجة إبتعادهم عن العلم والعلماء حينا بعد حين  . فجزاهم الله عنا وعن الإسلام خير الجزاء . والسلام

   

تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مزيد من المقالات