اليوم :25 April 2024

سورة‌ الفاتحة‌ وتفسيرها

سورة‌ الفاتحة‌ وتفسيرها

ابتدأ باسم‌ الله‌ الرحمن‌ الرحيم‌. الحمدلله‌ رب‌ العالمين‌، كل‌ ثناء جميل‌ فهو للّه‌ تعالی‌، إذ هو الذي‌ يدير‌ العالمين‌ من ‌مبدأهم‌ إلی‌ نهايتهم‌، ويراد بالعالمين‌ جميع‌ الموجودات‌، فكل‌ نوع‌ من‌ المخلوقات‌ عالَم؛‌ يقال‌ عالَم‌ الإنسان،‌ وعالم ‌الملائكة،‌ وعالم‌ الجن‌، وعالم‌ الحيوان‌.

الرحمن‌ الرحيم‌:
الرحمن:‌ المفيض‌ للنعم،‌ المحسن‌ علی‌ عباده‌ بلا حصر ولا نهاية‌.
الرحيم‌: دائم‌ الرحمة،‌ أو تامّ‌ الرحمة‌.

مالك‌ يوم‌ الدين‌:
أي‌ مالك‌ يوم‌ الحساب‌ والمكافأة‌ والجزاء علی‌ الأعمال‌.

إياك‌ نعبد وإياك‌ نستعين‌:
نخصك‌ بالعبادة‌، ولا نعبد غيرك‌، ونخصّك‌ بطلب‌ المعونة‌ ولا يملك‌ القدرة‌ علی‌عوننا أحد غيرك.

اهدنا الصراط‌ المستقيم‌:
عَرّفنا، ودُلّنا علی‌ الطريق‌ المعتدل‌ الموصل‌ إلی‌ الحق‌، وأرشدنا إليه‌.

صراط‌ الذين‌ أنعمت‌ عليهم‌:
أي‌ طريق‌ من‌ أنعمت‌ عليهم‌ من‌ النبيين‌ والصديقين‌ والشهداء والصالحين؛‌ والمراد بالنعمة‌ هو الدين‌ الحق‌.

غير المغضوب‌ عليهم‌ ولا الضالّين‌:
لا طريق‌ الذين‌ نزل‌ غضبك‌ عليهم‌، ولا الذين‌ أخطأوا الطريق‌ ولم‌ يعرفوه؛ والمراد بـ “المغضوب‌ عليهم”‌ هم‌ الذين‌ بلغهم‌ الدين‌ الحق‌ فرفضوه‌ ونبذوه‌، والمراد بـ “الضالين‌” هم‌ الذين‌ لم‌ يعرفو الحق‌ علی‌ الوجه‌ الصحيح‌.

فقه‌ الحياة‌ أو الأحكام‌
إن‌َّ سورة‌ الفاتحة‌ تشتمل‌ علی‌ سبع‌ آيات‌؛ الثلاثة‌ الأولی‌ منها تشتمل‌ علی‌ الحمد والثناء، والثلاثة‌ الأخری‌ تشتمل‌ علی‌ الدعاء والطلب‌ من‌ العبد، وقد علمه‌ الرب‌ برحمته‌ وفضله‌؛ وهناك‌ آية‌ في‌ الوسط‌ تشتمل‌ علی‌ أمرين‌: حمد وثناء للّه‌ رب‌ّ العالمين‌، وطلب‌ ودعا من‌ العبيد والمحتاجين.
أخرج‌ الإمام‌ مسلم‌ بن‌ حجّاج‌ النيسابوري‌ في‌ صحيحه‌ عن‌ أبي‌ هريرة رضي الله عنه أن‌ الرسول صلی الله عليه وسلم قال‌: يقول‌ الله‌ تعالی‌: «قسمت‌ الصلوة‌ بيني‌ وبين‌ عبدي‌ نصفين‌، فنصفها لي‌ ونصفها لعبدي‌، ولعبدي‌ ما سأل. إذا قال‌ العبد الحمد لله‌ رب‌ّ العالمين، قال‌ الله‌: حمدني‌ عبدي‌. واذا قال‌ الرحمن‌ الرحيم‌، قال‌ الله‌: أثنی‌ علي‌ّ عبدي‌. فإذا قال‌: مالك‌ يوم‌ الدين، قال‌ الله‌: مجّدني‌ عبدي‌، واذا قال‌: إياك‌ نعبد وإياك‌ نستعين،‌ قال:‌ هذا بيني‌ وبين‌ عبدي‌ ولعبدي‌ ما سأل‌، فاذا قال‌: اهدنا الصراط‌ المستقيم‌ صراط‌ الذين‌ أنعمت‌ عليهم‌ غير المغضوب‌ عليهم‌ ولا الضالّين، قال:‌ هذا لعبدي‌ ولعبدي‌ ما سأل‌».
الحمدللّه‌: الثناء والشكر كلّه‌ للّه‌، فحيث‌ وجد الثناء والشكر فكل‌ ذلك‌ إلی‌ الله‌ سبحانه‌ وتعالی‌. ونشاهد في‌ هذا الكون‌ آلافاً من‌ المناظر الجميلة‌ الممتعة‌ والأشياء النافعة‌ المثلجة‌ للصدور والتي تبعث‌ الإنسان‌ علی‌ الثناء والتقدير، ولكن ‌تتجلّی‌ وراءها قدرة‌ الله‌ وصنعه‌. فحيث‌ وجد الثناء والتنويه‌ لكائن‌ ما، فهو يعود إلی‌ المبدع‌ الخلّاق‌، والصانع‌ المصور الذي‌ أتقن‌ كل‌ شي‌ء. فهذه‌ الجملة‌ الموجزة‌ تلفت‌ نظرات‌ الإنسان‌ المبعثرة‌ إلی‌ حقيقة‌ واحدة، وتفتح‌ أمام‌ عينيه‌ بابا واحداً يری منه‌ وحدة‌ متماسكة‌ في‌ كثرة‌ كاثرة‌. فكل‌ حمد وكل‌ ثناء جميل‌ يصدر من‌ أي‌ عبد لأي‌ّ كائن‌ فهو في‌ الواقع ‌يعود إلی‌ الله‌ القوي‌ القادر؛ فنسبته‌ إلی‌ المخلوق‌ إنما هي ناشئة عن قصور النظر وقلّة‌ التدبر؛ وفي‌ هذا يقول‌ الشاعر الفارسي‌:
حمد را با تو نسبتي‌ است‌ درست‌ بر در هر كه‌ رفت‌ بر در تست‌
(إن‌ّ الحمد لا تصح‌ نسبته‌ إلّا إلیك‌ فحيث‌ وجد فهو لا يليق‌ إلّا بجنابك‌ وبابك‌.)

فإذا ثبت‌ أن‌ّ الخالق‌ الواحد هو الذي‌ يستحق‌ الحمد والثناء فلا تليق‌ العبادة‌ إلّا به‌ ولا يستحقها الّا هو؛ فجملة‌ “الحمد للّه” وإن‌ كانت‌ للثناء والشكر، ولكن ‌اذا تدبرناها فهي‌ أساس‌ لتوحيد الألوهية‌ واقتلاع‌ لجذور الشرك‌.
فتدبر في‌ هذا الإيحاء الجميل‌ وهذا الأسلوب‌ الرصين،‌ كيف‌ هو يلفت‌ الفكر الإنساني‌ إلی‌ توحيد الربوبية‌ والألوهية‌، ويقطع‌ جذور الشرك‌ وعبادة‌ المخلوق‌، فالدليل‌ يوجد في‌ نفس‌ الدعوی؛ فتبارك‌ الله‌ أحسن‌ الخالقين‌.

ربّ العالمين‌
الرب: معناه‌ المربي‌، والتربية الاعتناء بشي‌ء ومراعاة‌ مصالحه‌ حتی‌ يكبر ويصل‌ إلی‌ ذروة‌ الكمال‌.
و”الرب‌” متی‌ أدخلت‌ الألف‌ واللام‌ عليه‌ اختص‌ بالله‌ تعالی‌،‌ وإن‌ حذفتا منه‌ صار مشتركاً بين‌ الله‌ وعباده‌؛ فيقال:‌ الله ‌رب‌ّ العباد، وزيد رب‌ّ الدار. (القرطبي ج 1 ص 137) ولا يجوز إطلاقه‌ على المخلوق‌ بدون‌ الإضافة‌.
العالمين‌: جمع‌ العالم،‌ وهو كل‌ موجود سوی‌ الله‌ تعالی‌. يشمل‌ السماء والقمر والشمس‌ والنجوم‌ والفضاء والمطر والملائكة‌ والجن‌ والأرض‌ والحيوان‌ والإنسان‌ والنبات‌ والجماد جميعاً.
فربّ‌ العالمين‌ معناه: مربي‌ الكائنات‌، ولا تُستبعد أن‌ يكون‌ هناك‌ عوالم‌ كثيرة‌ أخری‌ غير عالمنا الذي‌ نعيش‌ فيه، و‌الذي‌ نری فيه‌ هذا الشمس‌ والقمر والأرض‌ والمخلوقين،‌ فهذا عالم‌، ولعل‌ الله‌ خلق‌ ألف‌َ عالم‌ مثله‌، يوجد وراء هذا العالم‌. يقول‌ الإمام‌ الرازي‌ في‌ التفسير الكبير: ثبت‌ بالدلائل‌ العقلية‌ وجود خلاء لا تتناهي‌ وراء هذا العالم،‌ كما ثبت‌ أن‌ّ الله‌ علی‌ كل‌ شي‌ء قدير، وما ذلك‌ علی‌ الله‌ بعزيز أن‌ يخلق‌ آلاف‌ عالَم‌ مثل‌ عالمنا.
روي‌ عن‌ أبي‌ سعيد الخدري رضي الله عنه أن‌ عدد العالمين‌ أربعون‌ ألفاً، منها الدنيا التي‌ نحن‌ فيها، فهو يعدّ عالماً واحداً من ‌المشرق‌ إلی‌ المغرب‌. ونقل‌ عن‌ مقاتل‌ وهو إمام‌ التفسير أن‌ العالمين‌ ثمانون‌ ألفاً.
وترد هنا شبهة، وهي‌ أنه‌ لا يوجد في‌ الخلاء الواسع‌ هواء تناسب‌ طبيعة‌ الإنسان‌ فلايمكن‌ لأي‌ّ إنسان‌ أو حيوان‌ أن‌ يعيش‌ فيه، قال‌الإمام‌ الرازي‌ وهو يجيب‌ عن‌ هذه‌ الشبهة:‌ ليس‌ من‌ الضروري‌ أن‌ تكون‌ طبائع‌ الذين‌ يعيشون‌ في‌ تلك‌ العوالم‌ مثل ‌طبائعنا، ولماذا لا يمكن‌ أن‌ تكون‌ لهم‌ طبائع‌ تختلف‌ عن‌ طبائعنا.
ويجدر بالذكر أن‌ هذا ما كتبه‌ عالِم‌ إسلامي‌ وفيلسوف‌ ديني‌، وذلك‌ في‌ زمان‌ لم‌ تخترع‌ هذه‌ الآلات‌ الحديثه‌ والسفن‌الفضائية‌ بعد؛ واليوم‌ نری‌ أن‌ّ العلم‌ الحديث‌ يصدق‌ ما قاله‌ ذلك‌ العالم‌ بالأمس‌، لأن‌ّ الذين‌ سافروا إلی‌ الفضاء بالسفن‌ و… وشاهدوا ما هنالك‌، يقولون‌: إن‌ّ هناك‌ فراغاً لا نهاية‌ له،‌ ولا ندري‌ ماذا يوجد في‌ الفضاء الواسع‌.
وأمّا بشأن‌ المريخ‌ والقمر الذين‌ هما أقرب‌ من‌ أرضنا بالنسبة‌ للكواكب‌ الأخری‌ فيقول‌ العلماء: ليس‌ من‌ الضروري‌ أن‌ تكون‌ ميزات‌ الحياة‌ وخصائصها فيهما مثل‌ الذي‌ يعيش‌ في‌ أرضنا من‌ الإنسان‌ والحيوان‌ والنبات‌، والقياس‌ يقتضي ‌أن‌ تختلف‌ خصائص‌ الحياة‌ هناك‌ عما في الأرض. ويكفي‌ لموافقة‌ ما قاله‌ الإمام‌ فخر الدين‌ الرازي‌ ما نشر جان‌ غلين‌ الأمريكي‌ في‌ مقالة‌ له‌ بعد عودته‌ من‌ رحلته ‌الفضائية‌.
إنه‌ يسمي‌ السَّنة‌ التي‌ تحسب‌ بها المسافات‌ البعيدة‌، السنة‌ الضوئية‌، فقاس‌ بسعة‌ تفكيره‌ الخلاء الواسع‌، ثم‌ اعترف‌ أن‌ هناك‌ خلأً واسعاً لا يعرف‌ منتهاه‌ ولا تعرف‌ سعته. فانظر في‌ ضوء هذا التعبير القرآني‌ (العالمين‌) إلی‌ العالم‌ كله‌ وما يحتويه‌، ثم‌ انظر بعين‌ الاعتبار أن‌ّ الله‌ سبحانه‌ كيف‌ صنع‌ نظاماً قوياً متيناً لتربية‌ هذا العالم‌ بحيث‌ تحار فيه‌ العقول‌. انظرمن‌ الأفلاك‌ إلی‌ العناصر، ومن‌ الكواكب‌ والسيارات‌ إلی‌ الذرات‌، تشاهد كل‌ شي‌ء في‌ نظام‌ متقن‌، وكل‌ شيء‌ يجري‌ ويعمل‌ تحت‌ حكمة‌ بالغة‌. هل‌ فكرت‌ في‌ اللقمة‌ التي‌ تصل‌ إلی‌ فم‌ الإنسان‌ كم‌ مراحل‌ تجتازها حتی‌ تصل‌ إلی‌ فيك؟‌ هل‌تدري‌ ما هي‌ الجهود التي‌ بذلت‌ لإعداد لقمة‌ واحدة‌؟ هل‌ تدري‌ كم‌ من‌ إنسان‌ اجتهدوا، وكم‌ منهم‌ تعبوا، وكم‌ من‌ قوة ‌استخدمت‌، وكم‌ من‌ مدة‌ مضت‌ حتی‌ أعدت‌ هذه‌ اللقمة‌ وتتناولها بسهولة‌ ولذة‌؟
هل‌ فكرت‌ أيها الإنسان‌! أن‌ّ الله‌ سبحانه‌ وتعالی‌ إنما سخر لك‌ هذا الكون‌ من‌ السماء والأرض‌، واستخدم‌ لك‌ خلقه ‌لتعلم‌ أنك‌ لم‌ تخلق‌ عبثاً، وإنما عليك‌ واجب‌ نحو ربك‌ ومولاك‌؟ وفي‌ هذا يقول‌ الشاعر الفارسي‌ السعدي‌ الشيرازي‌:
ابر و باد و مه‌ و خورشيد و فلك‌ در كارند تا تو ناني‌ به‌ كف‌ آري‌ و بغفلت‌ نخوري‌
همه‌ از بهر تو سرگشته‌ و فرمانبردار شرط‌ انصاف‌ نباشد كه‌ تو فرمان‌ نبري‌
(الريح‌ والغيث‌ والأفلاك‌ سخرها لتأكل‌ الخبز بالتقوي‌ وتشكره‌
والكل‌ أصبح‌ منقاداً إليك‌ فهل‌ من‌ المروءة‌ أن‌ تعصي‌ فتنكره‌)
فالغاية‌ من‌ الخلق‌ والحياة‌ هي‌ عبادة‌ الله‌ ومعرفته‌، كما صرّح‌ القرآن‌ الكريم‌ بذلك‌، فقال‌ عزّ من‌ قائل‌: «وما خلقت ‌الجن‌ والإنس‌ إلا ليعبدون‌». تبين‌ مما أوضحنا أن‌ كلمة‌ “رب‌ّ العالمين‌” دليل‌ لقوله‌ “الحمدللّه”.
لما ثبت‌ أن‌ الله‌ وحده‌ هو الذي‌ يخلق‌ ويربّي‌ ويقضي‌ الحوائج‌ كلها فلايليق‌ بالحمد والثناء ولايستحقهما إلّا هو.‌ وهكذا اتضحت‌ مسئلة‌ التوحيد وهي أعظم‌ أركان‌ الإيمان؛‌ فقوله‌ “الحمد للّه‌ رب‌ العالمين”‌ إثبات‌ لتوحيد الله‌ سبحانه‌ مع‌ بيان‌ الحمد والثناء له‌.
في‌ الآية‌ الثانية‌ ذكر صفة‌ الرحمة‌ بقوله‌ «الرحمن‌ الرحيم‌»، وكلاهما للمبالغة،‌ ويدلان‌ علی‌ سعة‌ رحمة‌ الله‌ وكثرتها وكمالها؛ وفي‌ هذه‌ الصفة‌ إشارة‌ إلی‌ أن‌ّ الله‌ سبحانه‌ وتعالی‌ إنما خلق‌ الخلق‌ ويربيهم‌ ويقضي‌ حوائجهم‌ رحمة‌ وفضلاً منه،‌ ولا يكرهه‌ علی‌ ذلك‌ أحد؛ ولو لم‌ يكن‌ الخلق‌ ولم‌ يكن‌ هذا العالم‌ لما تضرّر الرب‌ّ سبحانه‌ وتعالی؛ وإن‌ كان ‌فلا يشق‌ عليه‌.
قال‌ الشاعر:
نه‌ تنها بدي‌ چونكه‌ خلقت‌ نمود نه‌ كرده‌ شد بر تو رحمت‌ فزود
(لو لم‌ يكن‌ هذا الخلق‌ لم‌ يضرّك‌ ذلك‌ وإذا خلقته‌ فلا يشق‌ عليك‌ ربوبيته‌ ورزقه‌)

مالك‌ يوم‌ الدين‌
مالك:‌ مشتق‌ من‌ الملك،‌ معناه‌ تملك‌ الشيء‌ بحيث‌ تقدر علی‌ التصرف‌ فيه.‌ (قاموس)
الدين‌: معناه‌ الجزاء، الإضافة‌ ههنا بمعنی “في‌”، أي‌ مالك‌ في‌ يوم‌ الدين‌. لم‌ يذكر المملوك‌. قال‌ الزمخشري‌ في‌ الكشاف‌: فيه إشارة‌ إلی‌ العموم‌، معناه‌ أن‌ّ الملك‌ للّه‌ وحده‌ يوم‌ القيامة‌. (كشاف)

حقيقة‌ يوم‌ الجزاء وضرورته‌ عقلاً
في هذا الموضع أمور ينبغي‌ أن‌ ننتبه‌ لها:
الأوّل: أي‌ّ يوم‌ هو يوم‌ الجزاء؟ وماذا حقيقته‌؟
الثاني: كما أن‌ّ الله‌ يملك‌ كل‌ شي‌ء يوم‌ الجزاء، فكذلك‌ اليوم‌ لا ملك‌ إلّا له‌؛ إذن‌ فما هي‌ خصوصية‌ يوم‌ الجزاء؟
الجواب‌ عن‌ السوال‌ الأول‌ أن‌ّ يوم‌ الجزاء هو اليوم‌ الذي‌ جعله‌ الله‌ للحساب‌ والمكافأة‌ والجزاء علی‌ الأعمال‌. علم‌ من‌هذا أن‌ الدنيا التي‌ نعيش‌ فيها ليست‌ محل‌ المكافأة‌ والجزاء، إنها دار العمل‌ ومحل‌ أداء الواجبات‌. أمّا الحصول‌ علی ‌الراتب‌ والجزاء ففي‌ يوم‌ القيامة‌.
فإذا رأينأ رجلاً يعيش‌ في‌ الدنيا عيشة‌ راضية‌ ويملك‌ أموالاً طائلة‌، فلا نستطيع‌ أن‌ نحكم‌ عليه‌ أنه‌ مقبول‌ عند الله‌ والله‌ عنه‌ راض‌، كما لا نستطيع‌ أن‌ نحكم‌ علی‌ من‌ هو يعاني‌ من‌ المصائب‌ والتعب‌ والقلق‌ أنه‌ مبغوض‌ عند الله‌؛
وإذا وجد رجل‌ٌ يعمل‌ في‌ مكتبه‌ أو مصنعه‌ يؤدي‌ واجبه‌، لا يقال‌ أنه‌ في‌ مصيبة‌ وعناء، ولا هو يقول‌ عن‌ نفسه‌ أنه‌ ابتلي ‌ببلاء ومصيبة،‌ بل‌ هو يحسب‌ جهده‌ وعمله‌ أكبر نجاح‌ له‌؛ ولو ترحّم‌ عليه‌ أحد وحاول‌ إبعاده‌ عن‌ عمله‌، لا يشكره‌ بل ‌يعده‌ أكبر عدو له‌ ولعمله‌. لماذا؟ لأنه‌ يری‌ وراء جهده‌ وتعبه‌ راحة‌ يلقاها، وراتبا يناله‌ نهاية‌ الشهر،
ومن‌ ثم‌ نری‌ الأنبياء والصالحين‌ في‌ هذا العالم‌ يعانون‌ من‌ المصايب‌ والبلاء أكثر من‌ غيرهم‌ ولكنهم‌ مرتاحون‌، مطمئنون‌ وكأنهم‌ في‌ سرور وحبور.
يقول الشاعر‌:
نشود نصيب‌ دشمن‌ كه‌ شود هلاك‌ تيغت‌ سر دوستان‌ سلامت‌ كه‌ تو خنجر آزمايي‌
(أين‌ نصيب‌ عدوّك‌ ليكون‌ ضحيّة‌ سيفك ‌ سلم‌ الله‌ أولياءك‌ لتختبر برؤسهم‌ سيفك‌ وسلاحك).
‌فجملة‌ القول‌ أن‌ الرحمة‌ والراحة‌ في‌ هذه‌ الدنيا ليست‌ علامة‌ الحق‌ والصدق،‌ كما أن‌ العناء والمصيبة‌ ليست‌ علامة ‌سخط‌ الله‌ وسوء العمل. نعم‌ قد يذوق‌ المرء قليلاً من‌ جزاء بعض‌ عمله‌ وذلك‌ ليتذكّر وينيب‌، كما قال‌ الله‌ عز من‌ قائل‌: “ولنذيقنهم‌ من‌العذاب‌ الأدنی‌ دون‌ العذاب‌ الأكبر لعلهم‌ يرجعون”.ويقول‌ في‌ مقام‌ آخر: «كذلك‌ العذاب‌ ولعذاب‌ الآخرة‌ أكبر لو كانوا يعلمون».
علی‌ كل‌، قد تكون‌ الراحة‌ والمصيبة‌ في‌ الدنيا اختباراً للعبد وقد تكون‌ عذاباً له،‌ ولكن‌ لا مكافأة‌ كاملة‌، بل‌ بعضاً من‌المكافأة‌، لأن‌ كل‌ شي‌ء في‌ هذه‌ الدنيا سريع‌ الزوال‌؛ أمّا الراحة‌ الحقيقية‌ والعذاب‌ الحقيقي‌ لا يكونان‌ إلّا في‌ الآخرة‌ بعد أن‌ يرحل الإنسان‌ من هذا العالم إليها‌، فذلك‌ يوم‌ الجزاء والمكافاة‌. ولما علم‌ أن‌ جزاء العمل‌ حسنة‌ كانت‌ أو سيئة‌ لا يكون‌ كلّه‌ في ‌هذه‌ الدنيا، إذن‌ يقتضي‌ العقل‌ والعدل‌ أن‌ لا تستوي‌ الحسنة‌ والسيئة،‌ فلا بد أن‌ يجزی المرء بالإحسان‌ ويعاقب‌ على الإساءة‌؛ وهنا يقتضي‌ العقل‌ ويری‌ من‌ الضروري‌ أن‌ يكون‌ بعد هذا العالم‌ عالمٌ‌ آخر يجد الإنسان‌ فيه‌ جزاء عمله‌ جزاء وفاقاً، وهذا ما يسميه‌ القرآن الكريم‌ يوم‌ الجزاء أو اليوم‌ الآخر؛ وقال‌ عزّ من‌ قائل‌: “وما يستوي‌ الأعمى‌ والبصير والذين‌ آمنوا وعملوا الصالحات‌ ولا المسي‌ء، قليلاً ما تذكرون‌”، وقال تعالى: “إن‌ّ الساعة‌ لآتية‌ لا ريب‌ فيها ولكن‌ أكثر الناس‌ لا يؤمنون‌”.

من‌ هو المالك‌؟
لقد ثبت‌ عند العقل‌ أن‌ الله‌ هو مالك‌ كل‌ شي‌ء في‌ هذا الكون‌، هو الذي‌ خلق‌ فسوّی‌ وقدّر، وهو الذي‌ يملك‌ الظاهر والباطن‌ والحي‌ والميت‌، لا بداية‌ لمالكيته‌ ولا نهاية. أمّا الإنسان‌ فهو لمالكيته‌ بداية‌ ونهاية‌.
ما هو مملوك‌ للانسان‌ اليوم‌ لم يكن‌ يملكه‌ بالأمس‌ ولا دوام‌ لملكه‌ في‌ المستقبل.‌ إن‌ّ الإنسان‌ يتولّی‌ الظاهر ولا سلطة‌ له‌ في‌ السرائر. إنه‌ يحكم‌ علی‌ الأحياء ولا يحكم‌ علی‌ الأموات‌.
فلا يخفی‌ علی‌ أي‌ ذي‌ بصيرة‌ أن‌ّ الملك‌ كلّه‌ للّه‌ في‌ الدنيا والآخرة؛‌ إذن‌ ما حكمة‌ تخصيص‌ كونه‌ مالكاً ليوم‌ الدين؟
الإجابة‌ عن‌ هذا السوال‌ في‌ ضوء القرآن‌ الكريم‌ أن‌ّ الملك‌ وإن‌ كان‌ للّه‌ حقيقة‌ في‌ هذا العالم‌ ولكن‌ الله‌ سبحانه ‌بفضله‌ وكرمه‌ أعطی‌ للانسان‌ ملكية‌ مّا ولو كانت‌ ناقصة‌ تحترمها قوانين‌ الدنيا، فالإنسان‌ يملك‌ المال‌ والعقار والسكن‌ والأثاث‌، وله‌ عبيد وخَدَمَة، وفي‌ هذا اختيار للإنسان‌ أيشكر ربه‌ أم‌ يعجبه‌ ما يملكه‌ فيقع‌ في‌ غفلة‌ وغرور؛ فالله‌ سبحانه‌ وتعالی‌ ينبّه‌ الإنسان‌ على هذه‌ الغفلة‌ وهذا الغرور ليعلم‌ أن‌ّ ملكه‌ لبعض‌ الأشياء لأيام‌ قليل‌ وزائل‌ لامحالة، ‌وسوف‌ يأتي‌ يوم‌ٌ لا يبقی‌ له‌ شيء‌ يملكه،‌ فلا خدام‌، ولا عبيد، ولا مال،‌ ولا عقار، والملك‌ للّه‌ وحده‌، وإلی‌ تلك‌ الحقيقة ‌يشير القرآن‌ الكريم‌ حيث‌ يقول‌ عز من‌ قائل‌: “يوم‌ هم‌ بارزون‌ لايخفی‌ علی‌ الله‌ منهم‌ شي‌ء لمن‌ الملك‌ اليوم‌، للّه‌ الواحد القهار، اليوم‌ تجزی‌ كل ‌نفس‌ بما كسبت‌ لا ظلم‌ اليوم‌ إن‌ّ الله‌ سريع‌ الحساب”.
قد قلنا فيما سبق‌ أنَّ الآيات‌ الثلاثة‌ الأولی‌ ذكر فيها حمد الله‌ وثناؤه،‌ وقد فهمت منها أصول‌ الإيمان‌ الأساسية‌، من‌ وجود الله‌ وتوحيده،‌ وفي‌ الآية‌ الثالثه‌ بينت‌ عقيدة‌ الآخرة‌ وهي‌ عقيدة‌ تحدث‌ ثورة‌ في‌ العمل‌ والسلوك‌، والآن‌ ننتقل ‌إلی‌ الآية‌ الرابعة‌: “إياك‌ نعبد وإياك‌ نستعين”.‌
في‌ الآية‌ جزءان‌: الأول‌ قوله‌ “إياك‌ نعبد”؛ فيه‌ الحمد والثناء للّه‌ والعبودية‌ له‌. والثاني‌ قوله‌ “اياك‌ نستعين”؛ فيه‌ الدعا والاستعانة‌ بالله‌. فالعبد يقرُّ أنه‌ لا عبادة‌ إلّا للّه‌، ولا استعانة‌ إلّا بالله،‌ ومعنی‌ العبادة‌ إظهار العجز والطاعة‌ المطلقة‌ تجاه ‌الرب‌ تعظيماً وحبّاً له،‌ ومعنی‌ الاستعانة‌ طلب‌ العون‌ والتأييد والتوفيق‌.
(واعلم‌ أن‌ّ الإنسان‌ له‌ أحوال‌ ثلاثة‌، الماضي‌ والحاضر والمستقبل‌. فاالله‌ سبحانه‌ وتعالی‌ نبّأ الإنسان‌ على أنه‌ محتاج ‌إلی‌ الله‌ سبحانه‌ وتعالی‌ في‌ الماضي‌ والحال،‌ لأنه‌ هو الذي‌ خلقه‌ في‌ الماضي‌ وأحسن‌ خلقه‌ وصورته‌ ورزقه‌ العقل‌ والبصيرة‌، وهو الذي‌ يربيه‌ ويعتني‌ به‌ في‌ الحاضر، فكما أن‌ الانسان‌ مفتقر إلی‌ الله‌ في‌ الماضي‌ والحال‌ فكذلك‌ يفتقر إليه‌ في‌ المستقبل‌، لأنه‌ هو الذي‌ خلق‌ الآخرة‌ وهو الذي‌ يملكها وهو الذي‌ ينجي‌ الإنسان‌ هناك‌ إذا شاء، فلا ناصر له‌ سواه،‌ ولا ملجأ له‌ إلّا إليه‌. أفلا يجدر بالإنسان‌ الذي‌ أنعم‌ الله‌ عليه‌ في‌ الماضي‌ ولا يزال‌ في‌ نعمائه‌ في‌ الحال‌ ولا يستغني‌ عنه‌ في‌ الآتي أن‌ يعبده‌ ولا يعبد سواه‌). نعم!‌ يقتضي‌ العقل‌ أن‌ لا يعبد الإنسان‌ إلّا الله‌ الذي‌ هو الرحمن‌ الرحيم‌ وهو مالك‌ يوم‌ الدين‌. وليست‌ العبادة‌ إلاّ التذلل‌ وإظهار العجز والخضوع‌ مع‌ التعظيم‌ والحب‌، فلا تليق‌ إلا بجنابه‌ سبحانه‌ وتعالی‌. قال‌ في‌ الروح‌: إنّما خصص‌ العبادة‌ به‌ تعالی‌ لأن‌ّ العبادة‌ نهاية‌ التعظيم‌ فلا تليق‌ إلا بالمنعم‌ في‌ الغاية‌ وهو المنعم‌ بخلق‌ المنتفع‌ وبإعطاء الحياة الممكنة‌ من‌ الانتفاع‌، كما قال‌ تعالی‌: «وكنتم‌ امواتا فأحياكم»، «وخلق‌ لكم‌ ما في‌ الأرض‌جميعاً»؛ ولأن‌ أحوال‌ العبد ماض‌ وحاضر ومستقبل،‌ ففي‌ الماضي‌ نقله‌ من‌ العدم‌ والموت‌ والعجز والجهل ‌إلی‌ الوجود والحياة‌ والقدرة‌ والعلم‌ بقدرته‌ الأزلية،‌ وفي‌ الحاضر انفتحت‌ عليه‌ أبواب‌ الحاجات‌ ولزمته‌ أسباب‌ الضروريات‌ فهو الرب‌ الرحمن‌ الرحيم‌، وفي‌ المستقبل‌ مالك‌ يوم‌ الدين‌ يجازيه‌ بأعماله،‌ فمصالحه‌ في‌ الأحوال‌ الثلاثة‌ لا تُستبّ‌ إلّا بالله،‌ فلا مستحق‌ للعبادة‌ إلّا الله‌ تعالی‌. انتهی (روح البيان ج 18 ص 1)
فالآية‌ الرابعة‌ تشتمل‌ علی‌ حمد الله‌ تعالی‌ وثنائه‌ وتوحيده‌، فالعبد يقر بأن‌ّ العبادة‌ للّه‌ وحده‌ وهو المستعان‌ الذي‌ لا يستعان‌ إلّا به.‌ أراد الله‌ سبحانه‌ وتعالی‌ أن‌ يعلم‌ العباد ألا يعبدوا إلّا الله‌، ولا يسألوا‌ حاجاتهم‌ إلّا إياه‌، ولا يمدوا ‌أيديهم‌ إلّا إليه‌. نعم!‌ يجوز أن‌ يدعوه‌ بمحبة‌ أنبيائه‌ وأوليائه‌ وهذا لا ينافي‌ التوحيد.
مما يجدر بالذكر أن‌ّ الإنسان‌ يسأل‌ عون‌ ربه‌ في‌ هذه‌ الآية‌ ويقول‌: “إياك‌ نعبد واياك‌ نستعين”،‌ ولكن‌ لم‌ يذكر في‌ أي‌ شي‌ء يطلب‌ عونه‌ وفي‌ أي‌ شأن‌ من‌ شؤونه‌ يسأل‌ نصرته‌ ومدده‌؛ فقال‌ بعض‌ المفسرين:‌ في‌ هذا إشارة‌ إلی‌ عموم ‌الأحوال‌ والشؤون‌، فكأن‌ّ العبد يقول‌: ربّنا لا نعبد إلّا إياك‌ ولا نرجع‌ إلّا إليك‌ في‌ جميع‌ شؤوننا وفي‌ كل‌ أمر من‌ أمور ديننا ودنيانا، ولا نطلب‌ العون‌ إلّا منك‌ وحدك‌ لا شريك‌ لك‌. ثم‌ العبادة‌ لا تنحصر في‌ الصلوة‌ والصوم‌. ذكر الإمام‌ الغزالي‌ في‌ الأربعين ‌ العبادات‌ عشرة‌ أقسام، وهي: الصلاة، والزكاة، والصيام، والحج، وقراءة القرآن، ذكر الله عزوجل، طلب الحلال، القيام بحقوق المسلمين وحسن الصحبة معهم، الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، إتباع السنة.
فمعنی‌ عدم‌ الإشراك‌ في‌ العبادة‌ أن‌ لا يحبّ‌ أحداً كحبه‌ للّه‌، ولا يخاف‌ أحداً كخوفه‌ من‌ الله،‌ ولا يرجو أحداً رجاءه‌ من‌الله، ولا يثق‌ بأحد ثقته‌ بالله، ولا يَعْدل‌ بطاعته‌ طاعة‌ مخلوق‌، ولا ينذر إلّا للّه،‌ ولا يظهر العجز إلا للّه‌، ولا يخشع‌ لأحد خشوعه‌ للّه، ولا يعمل‌ عملاً يدل‌ علی‌ الاستكانة‌ والتضرع‌ إلّا للّه‌، ولا يركع‌ ولا يسجد إلّا للّه‌ وحده‌.
وفي‌ الآيات‌ الثلاثة‌ الأخيرة‌ علّم‌ العبد أن‌ يطلب‌ الهداية‌ ويقول‌: إهدنا الصراط‌ المستقيم‌، صراط‌ الذين‌ أنعمت‌ عليهم ‌غير المغضوب‌ عليهم‌ ولا الضالّين‌.
في هذه الآيات الثلاث عدة نقاط جديرة بالتدبر:

تكميل‌ الدراية‌ في‌ تفصيل‌ درجات الهداية
وهنا أمور ينبغي‌ أن‌ ننتبه‌ لها: الأول‌ أن‌ّ الله‌ سبحانه‌ وتعالی أمر العباد أن‌ يسألوه‌ الاهتداء إلی‌ الصراط‌ المستقيم‌، ولا ريب‌ أن‌ الأنبياء والأولياء كلهم‌ مأمورون‌ بهذا الدعاء. ولقائل‌ أن‌ يقول‌: إنهم‌ بلاريب‌ مهتدون‌ بل‌ يهدون‌ الآخرين‌ بأمر الله‌، فما معنی سؤالهم‌ الهداية‌ من‌ جديد؟
والإجابة‌ عن‌ السؤال‌ تتوقف‌ علی‌ فهم‌ حقيقة‌ الهداية‌، فلا بد إذن‌ من‌ توضيح‌ معنی‌ الهداية‌ حتی‌ يرتفع‌ القيل‌ والقال‌؛ فالذين‌ يجهلون‌ معنی‌ الهداية‌ يجدون‌ تناقضاً واختلافاً في‌ كثير من‌ آيات‌ القرآن‌، ويجدر بنا في هذا الموضع أن‌ ننقل‌ بهذا الشأن‌ كلمة‌ الإمام‌ الراغب‌ الإصفهاني‌ رحمه الله من‌ كتابه‌ “مفردات‌ القرآن”، فملخص‌ ما قاله‌ الإمام‌ الراغب‌ رحمه الله أن‌ الهداية‌ معناها دلالة‌ أحد إلی‌ غاية‌ مقصودة‌ بالملاطفة،‌ والهداية‌ بمعناها الحقيقي‌ إنما هو فعل‌ الله‌ سبحانه‌ وتعالی‌، ولها درجات‌.
الدرجة‌ الاولی‌: الهداية‌ العامّة‌، وهي تشمل‌ الكائنات‌ كلها من‌ جماد ونبات‌ وحيوان‌؛ ولا يقال‌ إن‌ّ الجماد والنبات‌ والحيوان ‌لا حاجة‌ لها إلی‌ الهداية،كيف‌ وإنّ القرآن‌ الكريم‌ يُصرّح‌ بأن‌ّ كل‌ كائن‌ يشعر ويفهم‌، وإن‌ كان‌ هذا الشعور والفهم‌ فيه‌ أقل‌ بالنسبة‌ لكائن‌ آخر، ولعل‌ الله‌ تعالی‌ لم‌ يكلّف‌ بعض‌ الكائنات‌ نظراً إلی‌ شعوره‌ القليل،‌ وبعض‌ الكائنات‌ يقال‌ له‌ حي‌ من‌ غير ذوي‌ العقول،‌ والبعض‌ الآخر يقال‌ له‌ حي‌ من‌ ذوي‌ العقول‌؛ ونظراً إلی‌ كمال‌ الشعور والعقل‌ في‌ الإنس‌ والجن‌ كلفهما بالأحكام ‌الشرعية،‌ وليس‌ معنی‌ هذا أن‌ غيرهما لا شعور له‌ ولا فهم‌ ولا حياة‌ ولا إحساس‌؛ كيف‌ والقرآن‌ الكريم‌ يقول‌: “وإن‌ من‌ شي‌ء إلّا يسبح‌ بحمده‌ ولكن‌ لا تفقهون‌ تسبيحهم”. (بني إسرائيل، آية 44)
وجاء في‌ سورة‌ النور: «ألم‌ تر أنَّ الله‌ يسبح‌ له‌ من‌ في‌ السموات‌ والأرض‌ والطير صافّات‌ٍ، كُل‌ٌ قد علم ‌صلاته‌ وتسبيحه‌ والله‌ يعلم‌ بما يفعلون». (النور)
ومن‌ لا يعرف‌ أن‌ الحمد والثناء والتسبيح‌ تتوقف‌ إلی‌ المعرفة‌ والعلم؟ ومن البديهي أن المعرفة‌ والعلم‌ لا يتحققان‌ إلا بالعقل والفهم‌. فثبت‌ من‌ هذه‌ الآيات‌ أن‌ الكائنات‌ كلها ذات‌ روح‌ وحياة‌ ووعي‌ وإحساس‌ وعقل‌ وفهم، نعم‌ لا يدرك‌ ذلك‌ عامة ‌الناس‌ لقلته‌ وضعفه‌، فهي‌ لا تكلف‌ بالأحكام‌ الشرعية.
ومن‌ الجدير بالذكر أن‌ّ القرآن‌ الكريم‌ أثبت‌ الشعور والإحساس‌ للكائنات‌ قبل‌ أن‌ يقول‌ الفلاسفة‌ وعلماء الطبيعة‌ شيئاً في‌ هذا الموضوع‌، ثم‌ اعترف‌ الفلاسفة‌ وعلماء الطبيعة‌ بهذه‌ الحقيقة‌.
علی‌ كل‌ّ، فالهداية‌ درجتها الأولی تشمل‌ الجماد والنبات‌ والإنس‌ والجن‌ّ جميعاً، كما يقول‌ سبحانه‌ وتعالی‌: «أعطی كل‌ شي‌ء خلقه‌ ثم‌ هدی»، وجاء في‌ سورة‌ الأعلی‌: «سبح‌ اسم‌ ربك‌ الأعلی‌ الذي‌ خلق‌ فسوّی‌ والذي‌ قدّر فهدی».
فمعنی‌ قوله‌ “هَدَی”،‌ أن‌ّ الله‌ سبحانه‌ وتعالی‌ جعل‌ لكل‌ مخلوق‌ طبيعة‌ خاصة‌، وجعل‌ له‌ واجباً خاصاً يؤديه‌، ومن‌ ثَمّ نری‌ أن‌ كل‌ كائن‌ يؤدي‌ واجبه‌ الخاص‌ علی‌ نظام‌ وعلی‌ طريقة‌ خاصة‌ تُحَيّر العقول‌، وفي‌ هذا يقول‌ العارف‌ جلال ‌الدين‌ الرومي‌:
خاك‌ و باد و آب‌ و آتش‌ بنده‌اند با من‌ و تو مرده‌ با حق‌ زنده‌اند
(التراب‌ والريح‌ والماء والنار تعبد الله‌ إنها ميتة‌ في‌ نظري‌ ونظرك،‌ وحية‌ّ عند الله)
إن‌ الصوت‌ الذي‌ يخرج‌ من‌ اللسان‌ لا يدركه‌ الأنف‌ ولا العين‌ مع‌ كونها أقرب‌ إلی‌ اللسان‌ من‌ الأذن‌، وذلك‌ لأن‌ الله‌ جعل ‌الأذن‌ للاستماع‌، فكل‌ ميسّر لما خلق‌ له‌.
ولنعم‌ ما قال‌ مولانا جلال‌ الدين‌ البلخي‌:
مر زبان‌ را مشتري‌ جز گوش‌ نيست‌ واقف‌ اين‌ راز جز بي‌ هوش‌ نيست‌
(اللسان ليس له زبون سوى الأذن والمطلع على هذا السر ليس إلا من أغمي عليه)
وكذلك‌ الأذنان‌ لا تستخدمان‌ في‌ الرؤية‌، فكل‌ له‌ مجاله‌ وكل‌ يخضع‌ لأمر الله‌ سبحانه‌ وتعالی،‌ وفي‌ هذا يقول‌ القرآن‌: “إن‌ كل‌ من‌ في‌ السموات‌ والأرض‌ إلّا آتي‌ الرحمن‌ عبداً”.
وأما الدرجة‌ الثانية‌ للهداية‌ فتفوق‌ الدرجة‌ الأولی‌ فتختص‌ بذوي‌ العقول‌ من‌ الإنسان‌ والجن، وهذه‌ الدرجة‌ من‌ الهداية ‌ينالها الإنسان‌ عن‌ طريق‌ الأنبياء والكتب‌ السماوية‌، فالذي‌ ينالها يكون‌ مؤمنا والذي‌ يحرم‌ عنها يصير كافراً.
أمّا الدرجة‌ الثالثة‌ فهي‌ أخص‌ من‌ الدرجتين‌ الأوليين‌ وتختص‌ بالمؤمنين‌ المتقين‌، وهذه‌ الدرجة‌ من‌ الهداية‌ تمنح‌ العبد من‌ الله‌ تعالی‌، وقد يسمی‌ بالتوفيق‌. والتوفيق‌ في‌ الحقيقة‌ تهيئة‌ أسباب‌ وظروف‌ تسهل‌ قبول‌ الهداية‌ القرآنية‌ والعمل‌ بها، وتصعب‌ عندها مخالفة‌ أمر الله‌؛ ودرجات‌ هذا القسم‌ من‌ الهداية‌ لا تتناهي،‌ بل‌ تزيد بالأعمال‌ الصالحة‌.
وقد ذكر الله‌ تعالی‌ هذه‌ الزيادة‌ في‌ كثير من‌ الآيات‌ القرآنية‌: “والذين‌ اهتدوا زادهم‌ هدی”، «ومن‌ يؤمن‌ بللّه‌ يهد قلبه». وقال‌ تعالی‌: “والّذين‌ جاهدوا فينا لنهدينهم‌ سبلنا”، وهذا هو المجال‌ الذي‌ نری الأنبياء والرسل‌ عليهم‌ الصلوات‌ والتسليمات‌ والأولياء عليهم‌ رحمة‌ الله‌ يطلبون‌ الزياده‌ والتوفيق‌ المزيد من‌ ربّهم،‌ ويتمنون‌ الرقّي‌ والتقدم‌، ولا يقفون‌ عند حدٍّ؛ وفي‌ هذا قال‌ مولانا جلال‌ الدين‌ الرومي‌:
اي‌ برادر بي‌ نهايت‌ درگهي‌ست‌ هر چه‌ بروي‌ مي‌رسي‌ بر وي‌ مأيست‌
(اعلم‌ أن‌ هناك‌ باب‌ واسع‌ لا نهاية‌ له ‌ فلاتقف‌ عند حدٍ تصل‌ إليه،‌ بل‌ تقدم‌ إلی‌ القُدّام)‌
ويقول‌ السعدي‌ الشيرازي‌:
نگويم‌ كه‌ بر آب‌ قادر نيند كه‌ بر ساحل‌ نيل‌ مستسقي‌اند
(لا أقول‌ أنهم‌ لا يقدرون‌ علی‌ الماء بل‌ واقفون‌ علی‌ ساحل‌ النيل‌ يستسقون‌)
فعلم‌ من‌ هذا التوضيح‌ لدرجات‌ الهداية‌ أنّ‌ الهداية‌ حاصلة‌ لكل‌ مسلم،‌ ولكن‌ لا يستغني‌ أحد عن‌ درجاتها العالية‌. ولأجل‌ هذا أُمر العبد في‌ سورة‌ الفاتحة‌ بطلب‌ الهداية‌، فيسأل‌ كل‌ مؤمن‌ ربه‌ بل‌ الأنبياء والمقربون‌ جميعاً الهدی‌ دائماً من‌ ربهم‌.
ومن‌ ثم‌ نری‌ أنّ الله‌ سبحانه‌ وتعالی‌ خاطب‌ نبيه‌ في‌ آخر حياته‌ في‌ سورة‌ الفتح‌، فقال‌ عزّ من‌ قائل‌: «ويهديك ‌صراطاً مستقيماً».
ومن‌ البديهي‌ أن‌ّ النبي صلی الله عليه وسلم أهدی‌ عباد الله،‌ بل‌ هو سبب‌ الهداية‌ للجميع‌، ولكن‌ مع‌ ذلك‌ قيل‌ له‌ إن‌ّ الله‌ يهديك‌ صراط‌ا مستقيما، فعلم‌ أن‌ المراد بالهداية‌ ههنا درجة‌ عالية‌ منها حصلت‌ للنبي‌ صلی الله عليه وسلم.
ولعل‌ القارئ‌ اتّضحت‌ له‌ فوائد هامّة‌ في‌ فهم‌ القرآن‌ في‌ ضوء ما بينا، ونلخصها في‌ ما يلي‌:
1 – الفائدة‌ الأولی‌: الهداية‌ قد تشمل‌ جميع‌ الناس‌ بل‌ جميع‌ الخلق‌ وقد تختص‌ بالمتقين.‌ أمّا الهداية‌ التي‌ تشمل ‌الجميع‌ فهي‌ الهداية‌ العامة،‌ والتي‌ تختص‌ بالمتقين‌ فهي‌ الهداية‌ الخاصة‌، فانتفت‌ شبهة‌ التعارض‌ بين‌ الآيات‌.
2 – الفائدة‌ الثانية‌: ورد في‌ القرآن‌ أن‌ّ الله‌ سبحانه‌ وتعالی‌ لا يهدي‌ الظالمين‌ ولا يهدي‌ الفاسقين،‌ وأيضاً ورد فيه‌ أن‌ّ الله ‌يهدي‌ الجميع‌، فهل‌ هنا تعارض‌؟ الجواب‌: لا تعارض‌ هنا إذا جعل‌ للهداية‌ قسمان‌، فالقسم‌ العام‌ يشمل‌ الجميع‌، والخاص‌ يحرم‌ منه‌ الظالمون‌ والفاسقون‌.
3 – الفائدة‌ الثالثة‌: للهداية‌ درجات‌ ثلاثة،‌ الدرجة‌ الأولی‌ فعل‌ الحق‌ سبحانه‌ وتعالی‌ بدون‌ واسطة‌ الأنبياء والرسل،‌ وأمّا الأنبياء والرسل‌ عليهم‌ السلام‌ فهم‌ دائرة‌ عملهم‌ وجهدهم‌ الدرجة‌ الثانية،‌ فحيث‌ نسب‌ الهداية‌ إلی‌ الأنبياء عليهم‌ السلام‌ وقيل‌ إنهم‌ هداة‌ البشر فالمراد الدرجة‌ الثانية‌ من‌ الهداية،‌ أي‌ الدلالة‌ علی‌ الخير وإراءة‌ الطريق،‌ وحيث‌ قيل‌ إنك ‌لا تهدي‌ من‌ أحببت‌ فمعنی‌ الهداية‌ هناك‌ التوفيق‌ وهي‌ الدرجة‌ الثالثة‌ للهداية،‌ ولا شك‌ أنه‌ بيده‌ أزمة‌ التوفيق‌.
علی‌ كل‌ فقوله‌ تعالی‌ “اهدنا الصراط‌ المستقيم”‌ دعاءٌ جامع‌ هامّ‌ لا يستغني‌ عنه‌ أحد، ولا فلاح‌ ولا فوز في‌ الدنيا والآخرة إلاّ بالاهتداء إلی‌ الصراط‌ المستقيم‌.فهذا الدعاء ينفع‌ الإنسان‌ جداً حتی‌ في‌ مشكلات‌ الدنيا وأزمات‌ الحياة‌، ولكن‌ أكثر الناس‌ لايهتمون‌ به‌.

ما هو الصراط‌ المستقيم‌؟
الصراط‌ المستقيم‌ هو الطريق‌ السوي‌ الذي‌ لا منعطف‌ فيه‌ ولا إعوجاج‌ له‌، والمراد بالصراط‌ المستقيم،‌ الصراط‌ الذي‌ لا إفراط‌ فيه‌ ولا تفريط‌.
وفي‌ الآيتين‌ الأخيرتين‌ بيّن‌ علامة‌ ذلك‌ الصراط‌ المطلوب،‌ فقال:‌ “صراط‌ الذين‌ أنعمت‌ عليهم‌”، فالآن‌ يجب‌ علی‌ العبد أن‌ يبحث‌ عن‌ الذين‌ أنعم‌ الله‌ عليهم‌ حتی‌ يختار صراطهم‌ للمشي‌، فالله‌ سبحانه‌ وتعالی‌ عرف‌ العباد الذين‌ أنعم‌ الله‌ عليهم‌ في‌ آية‌ أخری‌ بالتفصيل،‌ فقال‌ تعالى‌: “الّذين‌ أنعم‌ الله عليهم‌ من‌ النبيين‌ والصديقين‌ والشهداء والصالحين‌ وحسن‌ أولئك‌ رفيقاً”.
فالفئة‌ الأولی هم‌ الأنبياء والرسل‌ عليهم‌ الصلوات‌ والسلام‌، والثانية‌ هم‌ الصدّيقون‌ وهم‌ الذين تأتي‌ درجتهم‌ بعد الأنبياء، وهم‌ أعلی‌ مرتبة‌ من‌ جميع‌ الأمّة،‌ ويقال‌ لهم‌ أولياء الله‌ أيضاً. الثالثة‌ الشهداء وهم‌ الذين‌ ضحّوا بأنفسهم‌ في‌ سبيل‌ الله‌، والرابعة‌ الصالحون‌ وهم‌ الذين‌ يتبعون‌ شرع‌ الله‌ ولا يتركون‌ أحكامه‌ واجبات كانت‌ أو مستحبات.
ومن‌ الجدير بالتدبر في‌ هذه‌ الآية‌ أن‌ الصراط‌ المستقيم‌ ذكر أوّل‌ الآية‌ إيجابياً، فقال:‌ هو الصراط‌ الذي‌ اختاره‌ العباد الذين‌ أنعم‌ الله‌ عليهم،‌ أمّا في‌ آخر الآية‌ عُرّف‌ الصراط‌ سلبياً فقال‌: “غير المغضوب‌ عليهم‌ ولا الضالين‌”، أي‌ ليس‌ هو الصراط‌ الذي‌ مشی‌ عليه‌ أناس‌ غضب‌ الله‌ عليهم،‌ وليس‌ هو الصراط‌ الذي‌ اختاره‌ الذين‌ ضلّوا.

من‌ هم‌ المغضوب‌ عليهم‌ ومن‌ هم‌ الضالّون‌؟
المراد بالمغضوب‌ عليهم‌ هم‌ الذين‌ خالفوا الحق‌ بعد أن‌ عرفوه‌ لمّا وجدوه‌ أنه‌ لا يوافق‌ شهواتهم‌ وحظوظهم‌، كاليهود الذين‌ خالفو الدين‌ وأهانوا الأنبياء عليهم‌ الصلوة‌ والسلام‌ للمنافع‌ العاجلة‌ الدنيوية‌ والحطام‌ الذليل‌ القليل، والمراد بالضالين‌ هم‌ الذين‌ جهلوا طريق‌ الحق‌ ولم‌ يعرفوه‌ معرفة‌ صحيحة‌ تنفعهم‌، وتخطوا حدود الدين‌ وغلوا فيه،‌ كعامّة‌ النصارى‌ الذين‌ بالغوا في‌ تعظيم‌ نبيهم‌ حتی‌ جعلوه‌ إلها، فكلا الفريقين‌ في‌ معزل‌ عن‌ الحق‌، فريق‌ عصی‌ الأنبياء ولم‌ يبال‌ بقتلهم‌، وفريق‌ ألَّه‌َ نبي‌ الله‌ وعبده‌.
فالعبد المسلم‌ يسأل‌ ربّه‌ أن‌ يحفظه‌ عن‌ الطريق‌ المعوّج‌ الذي‌ مشی‌ عليه‌ عبيد الشهوات‌ والمفرطون‌، وكذلك‌ يسأل ‌ربه‌ أن‌ يحفظه‌ عن‌ الطريق‌ الذي‌ مشی عليه‌ الجاهلون‌ الغالون،‌ وإن‌ العبد يسأل‌ مولاه‌ أن‌ يهديه‌ الطريق‌ القديم‌ الذي‌ لا إفراط‌ فيه‌ ولا تفريط‌، ذلك الطريق‌ الأمن‌ السّوي‌ الذي‌ ليس‌ فيه‌ إتباع‌ للهوی‌ ولا ابتلاء بالشبهات‌ والعقائد الفاسدة‌.
لقد انتهی‌ تفسير الفاتحة‌، ويمكن‌ أن‌ يقال‌ إن‌ خلاصة‌ هذه‌ السورة،‌ الدعاء والسؤال‌ بالاهتداء إلی‌ الصراط‌ المستقيم، ولا ريب‌ أن‌ معرفة‌ الصراط‌ المستقيم‌ هو أكبر علم‌ وأعظم‌ فوز، وهنا زلت‌ الأقدام‌ وضلت‌ الشعوب‌ والأقوام،‌ نری‌ كثيرا من‌ الناس‌ ما قصروا في‌ العبادة‌ والمجاهدة‌، ولكنهم‌ كفروا بعدم‌ معرفة‌ الصراط‌ المستقيم‌ فابتعدوا عنه‌.

معرفة‌ الصراط‌ المستقيم‌ بكتاب‌ الله‌ ورجال‌ الحق‌
ومما يجدر بالذكر والتدبر، أن‌ّ الله‌ سبحانه‌ وتعالی‌ لم‌ يكتف‌ بتعريف‌ الصراط‌ أنه‌ صراط‌ الرسول‌ أو صراط‌ القرآن؛‌ ولو قال‌ ذلك‌ لكان‌ مختصراً وواضحاً، لأن‌ّ القرآن‌ يوضح‌ الصراط‌ المستقيم،‌ والرسول‌ يعرفه،‌ ولكن‌ الله‌ سبحانه‌ وتعالی ‌أوضح‌ الصراط‌ المستقيم‌ بأنه‌ طريق‌ إن‌ أردتم‌ أن‌ تختاروه‌ وتسيروا عليه‌ فعليكم‌ أن‌ تعرفوا الرجال‌ الذين‌ مشوا عليه‌، ولم‌ يقل‌ الرب‌ سبحانه‌ وتعالی‌ اختاروا طريق‌ القرآن‌، لأن‌ّ الكتاب‌ وحده‌ لا يكفي‌ لتربية‌ الإنسان‌، ولم‌ يقل‌ اختاروا طريق‌ الرسول‌ صلی الله عليه وسلم؛ لأن‌ّ الرسول‌ صلی الله عليه وسلم لا بقاء له‌ في‌ هذه‌ الدنيا إلی‌ الأبد، ولايأتي‌ نبي‌ بعده‌، فلأجل‌ هذا ذكر الله‌ سبحانه‌ وتعالی ‌بالإضافة‌ إلی‌ الأنبياء ثلاث‌ فئات‌ أخری‌ يُعرف‌ بهم‌ الصراط‌ المستقيم‌ وهم‌ الصديقون‌ والشهداء والصالحون‌، ولا شك‌ أنهم‌ باقون‌ إلی‌ يوم‌ القيامة‌. فالله‌ سبحانه‌ وتعالی‌ ما دَلَّنا علی‌ كتاب‌ لمعرفة‌ الصراط‌ المستقيم،‌ بل‌ دلّنا علی ‌رجال‌ نعرف‌ بهم‌ الصراط‌ المستقيم‌؛ وقد ورد في‌ الحديث‌ أن‌ّ النبي‌ صلی الله عليه وسلم قال‌ يوماً لأصحابه‌: إنّ بني إسرائيل تفرقت علی ثنتين وسبعين ملّة وتفترق أمتي علی ثلاث وسبعين ملة كلهم في النار إلّا ملة واحدة؛ قالوا ومن هي يا رسول الله، قال: ما أنا عليه وأصحابي. (الترمذي – 1029)
ثبت‌ مما ذكرنا أن‌ الإنسان‌ لا يصلح‌ ولا يستقيم‌ بالكتب‌ فقط‌، وإنما يحتاج‌ إلی‌ رجال‌ يصاحبهم‌ ويجلس‌ إليهم‌ ويستفيد منهم‌ حتی‌ يصلح‌ وتتم‌ّ بتربيته‌ ويصل‌ إلی‌ كمال‌ الإيمان‌ والتقوی‌. وإلی‌ هذا يشير الشاعر الشهير الناقد “أكبر إله‌ آبادي‌”: كورس‌ تو لفظ‌ هی‌ سكها تی‌ هی آدمی‌، آدمی‌ بناتی‌ هی‌
(إن‌ المقررات‌ الدراسية‌ تعلم‌ الكلمات‌ والتعابير وإن‌ الرجال‌ هم‌ الذين‌ يصنعون‌ الرجال‌).
وهذه‌ حقيقة‌ ناصعة‌ نشاهدها في‌ جميع‌ الأمور أن‌ّ أي‌ صناعة‌ مهما صغرت‌ لا يمكن‌ تحصيلها بالكتب‌ فقط. من‌ الذي ‌تعلم‌ الخياطة‌ والطهي‌ بالمطالعة‌ فقط‌؟ ومن‌ الذي‌ صار طبيباً نطاسياً أومهندساً بارعاً بالدراسة‌ المحضة‌؟ فكذلك أمور الدين‌ فإنه‌ لا يكون‌ المرء صالحاً بالدراسة‌ المحضة‌ إلّا إذا عاشر الصالحين‌ وصاحبهم‌ وحصل‌ علی‌ علم‌ الكتاب‌ والسنه‌ من‌ أهل‌ العلم‌ والتقوى.
مع‌ الأسف‌ إننا نری‌ كثيراً من‌ المثقفين‌ والمتعلمين‌ يكتفون‌ بدراسة‌ تفسير للقرآن‌ الكريم‌ أو ترجمة‌ منه‌ ثم‌ يزعمون‌ أنهم‌ حصلوا علی‌ كل‌ شي‌ء، ولا شك‌ أنهم‌ مخطئون‌؛ ولو كان‌ الكتاب‌ كافياً للهداية‌ لما أرسل‌ الله‌ الرسل‌ والأنبياء عليهم‌ السلام‌.
فعلم‌ أنه‌ لا بد للصلاح‌ والفلاح‌ من‌ أمرين: كتاب‌ الله‌ الذي‌ يهدي‌ للتي‌ هي‌ أقوم‌ ويبين‌ الطريق‌ الحسن‌ للحياة‌؛ والثاني‌ الرجال‌ الصادقين‌ الصالحين‌ الذين‌ تزكت‌ نفوسهم‌ وصلحت‌ أخلاقهم‌؛ فيجب‌ علی‌ المرء أن‌ يعرف‌ هولاء الرجال‌ ويزنهم‌ بميزان‌ الكتاب‌ والسنة‌ والأصول‌ المعروفة‌ المستنبطة‌ منهما، فبعد أن‌ عرفهم‌ صادقين‌ صالحين‌ يرجع‌ إليهم‌ في ‌فهم‌ معاني‌ الكتاب‌ ويتبعهم‌.

السبب‌ الرئيسي‌ للاختلافات‌ الطائفية‌
هنا يتضح‌ السبب‌ الرئيسي‌ للاختلافات‌ الطائفية‌ والنزاعات‌ المذهبية‌ المقيتة،‌ فأناس تمسكوا بالكتاب‌ بزعمهم‌ ولم ‌يرجعوا إلی‌ الرجال‌ الراسخين‌ في‌ العلم‌ لفهم‌ القرآن‌ وتفسيره،‌ وتمسك آخرون‌ برجال‌ ولم‌ يهتموا بكتاب‌ الله‌ حق‌ الاهتمام،‌ فكلا الفريقين‌ ابتعدا عن الحق‌ ووقعا في‌ الضلال‌.

الأحكام‌ والمسائل‌
إن‌ سورة‌ الفاتحة‌ تشتمل‌ علی‌ حمد الله‌ وثنائه‌ والإقرار بعبوديته‌ وعلی‌ أنه‌ هو المعبود بحق‌ وهو المستعان‌ وهو قاضي‌ الحاجات‌ وإليه‌ يُرجع‌ الأمر كلّه‌، فالعبد يقر بعبوديته‌ للّه‌ وحده‌، ثم‌ يدعو بدعاء شامل‌ ينفعه‌ في‌ الدنيا والآخرة‌، وهو الدعا بالهداية‌، والسورة تشتمل‌ علی‌ فوائد هامّة‌ ومسائل‌ مهمة‌ نذكر منها البعض‌:
1 – طريقه‌ الدعاء: إ‌نّ الله‌ سبحانه‌ وتعالی‌ علم‌ عباده‌ طريق‌ السؤال‌ والدعاء، وذلك‌ أنهم‌ إذا أرادوا أن‌ يسألوا ربهم ‌شيئاً، عليهم‌ أن‌ يقدموا الحمد والثناء أولاً، ثم‌ يقرّوا بتوحيده‌ وعبوديته،‌ وأنه‌ لا معبود بحق‌ إلّا هو، ولا كاشف‌ للضرّ إلّاهو، ثم‌ يذكروا حوائجهم‌؛ وهذه‌ الطريقة‌ أرجی‌ للقبول‌. وينبغي‌ للمرء أن‌ يختار دعاءً جامعاً يشمل‌ الخير كلّه، ‌كالاهتداء إلی‌ الصراط‌ المستقيم‌، لأن‌ الإنسان‌ متی‌ اهتدى‌ إلی‌ الصراط‌ المستقيم‌ يصلح‌ له‌ شأنه‌ كلّه‌ فلا يزلّ‌ ولا يخسر.

الإنسان‌ مفطور ﻋﻠﻰ حمد الله‌ وثنائه‌
2 – إن‌ السورة‌ بدأت‌ بحمد الله‌ ولكن‌ لم ‌يذكر هنا أي‌ نعمة‌، ففي‌ هذه إشارة‌ إلى أن‌ّ للّه‌ نعم‌ كثيرة‌ علی‌ عباده‌ لا تحصی، «وإن‌ تعدّوا نعمة‌ الله‌ لا تحصوها». ولو نظر الإنسان‌ إلی‌ نفسه‌ وما عليها من‌ نعم‌ الله‌ تعالی‌، علم‌ أن‌ وجوده‌ عالم‌ أصغر يوجد فيه‌ كل‌ نموذج‌ من‌ العالم‌ الأكبر.
انظر إلی‌ جسده،‌ فهو كالأرض‌ في‌ العالم‌ الأكبر، فالشعرات‌ النابتة‌ في‌ الجسم‌ الإنساني‌ كالأشجار في‌ الأرض‌، والعظام ‌الثابتة‌ في‌ الجسم‌ كالجبال‌ الراسيات‌، والعروق‌ التي‌ تجري‌ فيها الدم‌ كالأنهار والينابيع‌ في‌ الأرض‌.
ثم‌ّ اعلم‌ أن‌ّ الإنسان‌ مركب‌ من‌ الروح‌ والجسد، ولا ريب‌ أن‌ الروح‌ هو الأصل‌ وهو الأفضل،‌ والجسد تابع‌ للروح،‌ ولمّا درس‌ الأطباء وعلماء التشريح‌ الجسد الإنساني،‌ وجدوا أن‌ّ الله‌ سبحانه‌ وتعالی‌ جعل‌ في‌ الجسد خمسة‌ آلاف‌ مصلحة‌، وفي‌ الجسد الإنساني‌ أكثر من‌ ثلاثمائة‌ سلامی،‌ وقد جعل‌ الله‌ سبحانه‌ كل‌ واحد منها قوياً صلباً متيناً لا ينهك ولا يندثر بالحركة‌ والعمل‌؛ والإنسان‌ عادة‌ يعيش‌ ستين‌ أو سبعين‌ سنة‌، فهو يستفيد من‌ أعضائه؛‌ ولو كان‌ مكان‌ هذه‌ الأعضاء وهذه‌ العظام‌ حديداً لاندثر‌، ولكن‌ الله‌ سبحانه‌ وتعالی‌ أتقن‌ ما خلق‌، فقال‌ عزّ من‌ قائل‌: “نحن‌ خلقناهم‌ وشددنا أسرهم”، أي‌ قوينا ربط‌ مفاصلهم؛ ونری‌ نتيجة‌ هذه‌ القوة‌ أن‌ هذه‌ المفاصل‌ اللينة‌ تستخدم‌ إلی‌ سبعين ‌سنة‌ أو أكثر. انظر إلی‌ العين‌ كيف‌ تتجلی‌ فيها قدرة‌ الله‌ وحكمته‌ البالغة،‌ ثم‌ انظر إلی‌ عملها.
هل‌ فكرتّ‌ أن‌ّ العين‌ تحتاج‌ في‌ عملها إلی‌ نور الشمس،‌ ثم‌ الشمس‌ تحتاج‌ إلی‌ فضاء واسع؟
فهل‌ عرفت‌ كم‌ نعمة‌ من‌ نعم‌ الله‌ تستخدم‌ في‌ عمل‌ العين‌ في‌ دقيقة‌ واحدة‌، وفي‌ يوم‌ واحد وفي‌ سنة‌ واحدة‌، وفي‌طول‌ العمر؟ وكذلك‌ الأذن‌ واللسان‌ واليدان‌ والرجلان؛‌ ثمّ‌ الجدير بالتدبر أن‌ هذه‌ النعم‌ يستوي‌ فيها الغني‌ والفقير والكبير والصغير. وهناك نعم‌ تَعُمَّ الناس‌ جميعاً ويستفيد منها كل‌ إنسان‌، كالسموات‌ والأرض‌ والشمس‌ والقمر والكواكب‌ والنجوم‌ والفضاء والهواء، وهناك نعم‌ٌ تخص‌ البعض‌ ويتفاوت‌ الناس‌ فيها، كالمال‌ والثروة‌ والعزّة‌ والراحة ‌والعافية‌ وغيرها.
وهذا بديهي‌ أن‌ّ النعم‌ العامّة‌ كالسموات‌ والأرض‌ وغيرها أهمّ‌ وأحسن‌ بالنسبة‌ للنعم‌ الخاصة‌، ولكن‌ الإنسان‌ لايهتم ‌بالنعم‌ العامّة‌ وقلما يلتفت‌ إليها، وقد لا يعّدها نعمة‌ تستحق‌ الشكر والاهتمام‌. إنه‌ تَعّود أن‌ ينظر إلی‌ النعم‌ التي تخصه‌ كالطعام‌ الذي يأكله‌ والشراب‌ الذي‌ يشربه‌ والدار التي‌ يسكنها.
علی‌ كلّ،‌ يجب‌ علی‌ الإنسان‌ أن‌ يتعرف‌ علی‌ النعم ‌التي‌ يتمتع‌ بها، سواء كانت‌ عامّة‌ أوخاصّة‌، ويشكر الله‌ عليها ما استطاع‌، وهذا ما تقتضيه‌ الفطرة‌ السليمة.
وبما أن‌ّ الإنسان‌ مفطور علی‌ شكر المنعم‌ وحمده‌ وثنائه،‌ نری‌ أن‌ّ الله‌ سبحانه‌ وتعالی‌ لفت‌ نظره‌ إلی‌ ذلك‌، فبدأ أوّل‌ سورة‌ في‌ كتابه‌ بذكر الحمد والثناء للّه‌ تعالی‌، وقد وردت في‌ فضل‌ الحمد والثناء روايات‌ كثيرة.
روی ابن ماجة عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال قال رسول الله صلی الله عليه وسلم: «ما أنعم الله علی عبد نعمة فقال الحمد لله إلا كان الذي أعطاه أفضل مما أخذ».
وفي نوادر الأصول: عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال، قال رسول الله صلی الله عليه وسلم: «لو أن الدنيا كلها بحذافيرها بيد رجل من أمتي ثم قال الحمد لله لكانت الحمد لله أفضل من ذلك».
وعن أبي مالك الأشعري رضي الله عنه قال قال رسول الله صلی الله عليه وسلم: «الحمد لله تملأ الميزان».
وقال شقيق بن إبراهيم في تفسير “الحمد لله”، هو علی ثلاثة أوجه: أولها إذا أعطاك الله شيئا تعرف من أعطاك، والثاني أن ترضی بما أعطاك، والثالث مادامت وقته في جسدك ألا تعصيه؛ فهذه شرائط الحمد. (القرطبي 1/134)
نقل‌ الإمام‌ قرطبي‌ عن‌ بعض‌ العلماء: الكلمة “للّه‌”، فاللام‌ ههنا للاختصاص‌ فالمعني‌ أن‌ّ الحمد يختص‌ّ للّه‌، فلا أحد في‌ هذا العالم‌ يستحق‌ الحمد والثناء حقيقة‌؛ وقد قلنا فيما سبق‌ أن‌ّ الله‌ سبحانه‌ وتعالی‌ أراد أن‌ يعلّم‌ الإنسان‌ ويوجهه‌ إلی‌ معرفة‌ النعم‌ والشكر عليها؛ فعلی‌ الإنسان‌ أن‌ّ يعرف‌ النعم‌ ويشكر الله‌ عليها كما ينبغي‌ له‌ أن‌ّ يشكر أناساً سببوا هذه‌ النعم‌، لأنه‌ من‌ لم‌ يشكر الناس‌ لم‌ يشكر الله‌.

لا يجوز للإنسان‌ أن‌ يمدح‌ نفسه
3 – لايجوز لأحد أن‌ يمدح‌ نفسه‌ ويثني‌ عليها، كما يقول‌ الرب‌ سبحانه‌ وتعالی‌: «فلا تزكّوا أنفسكم‌ هو أعلم‌ بمن ‌اتقی»، فمعنی هذه‌ الآية‌ أن‌ أساس‌ المدح‌ والثناء هو تقوی‌ الله‌، وذلك‌ لا يعلمه‌ إلّا الله‌، فكيف‌ يزكي‌ نفسه‌ ويدعي‌ التقوی؟ ولكن‌ الله‌ سبحانه‌ وتعالی‌ يثني‌ علی‌ نفسه‌، لأن‌ الإنسان‌ ضعيف‌ في‌ الحقيقة‌ لا يقدر أن‌ يحصي‌ ثناء علی‌ الله ‌تعالی‌ كما يليق‌ بشأنه‌، كما قال‌ النبي‌ صلی الله عليه وسلم: «اللهم‌ لك‌ الحمد لا أحصي‌ ثناء عليك‌ أنت‌ كما أثنيت‌ علی‌ نفسك»‌. لمّا عجز الإنسان‌ عن‌ الحمد والثناء، علّمه‌ الله‌ تعالی‌ كيف‌ يحمد الله‌ ويثني‌ عليه‌.
قوله:‌ “الرب‌”، اسم‌ خاص‌ من‌ أسماء الله‌ تعالی‌، لا يجوز إطلاقه‌ علی‌ غيره‌.
إن‌ كلمة‌ “الرّب”‌ يطلق‌ لمن‌ يملك‌ أحداً ويقوم ‌بتربيته‌، ويدبر أمره،‌ ويحيط‌ بما يعمل‌، ولا يكون‌ ذلك‌ إلّا الله‌ رب‌ السموات‌ والأرض‌، فلا يجوز إطلاق‌ الرب‌ علی‌ غير الله‌.

معنى الاستعانة‌ وتحقيق‌ مسئلة‌ التوسل‌
نقل‌ عن‌ ابن‌ عباس‌ رضي الله عنهما أن‌ معنی قوله‌ “اياك‌ نعبد واياك‌ نستعين”‌، أي‌ نعبدك‌ ولا نعبد غيرك‌، ونطلب‌ العون‌ منك‌ ولا نطلب‌ من غيرك‌. (ابن‌ جرير وابن‌ أبي‌ حاتم)
قال‌ بعض‌ السلف‌: إن‌ الفاتحة‌ سرّ القرآن‌ وخلاصته‌، وإن‌ قوله‌ “اياك‌ نعبد واياك‌ نستعين”‌ سرّ الفاتحة‌ وخلاصتها، لأن‌ في‌ الجملة‌ الأولی‌، أي‌ في‌ قوله‌ تعالی‌ «اياك‌ نعبد» براءة‌ من‌ الشرك‌، وفي‌ الجملة‌ الثانية‌ وهي‌ قوله‌ «اياك‌ نستعين‌» يبرأ العبد من‌ حوله‌ وقوته‌ ويلجأ إلی‌ حول‌ الله‌ وقوته‌، ويفوض‌ أمره‌ إلی‌ الله،‌ كما أمره‌ الله‌ في‌ سورة‌ هود: «فاعبده‌ وتوكل‌ عليه»‌، وفي‌ سورة‌ الملك‌: «قل‌ هوالرحمن‌ آمنا به‌ وعليه‌ توكلّنا»، وفي‌ سورة‌ المزمل‌: «رب‌ المشرق‌ والمغرب‌ لا إله‌ إلّا هو فاتخذه‌ وكيلاً».

فالآيات‌ كلها توحي‌ إلی‌ حقيقة‌ واحدة‌ وهي‌ أن‌ّ المؤمن‌ يجب‌ عليه‌ أن‌ يتوكل‌ علی‌ الله في‌ جميع‌ شئونه‌ ويفوّض‌ أمره‌ إليه،‌ ولا يرجو غيره،‌ لأنه‌ هو المستعان‌ وحده‌، يفعل‌ ما يشاء ويحكم‌ ما يريد.
ويثبت‌ مما مضی‌ مسئلتان‌ في‌ أصول‌ الاعتقاد، ‌الأولی‌: لا يجوز عبادة‌ أحد غير الله، فلا يشرك‌ العبد بعبادة‌ ربه أحداً، وإن‌ الشرك‌ حرام‌ وهو ذنب‌ لا يغفر.
قد علم‌ معنی‌ العبادة‌ أنها عبارة‌ عن‌ الخضوع‌ لأحد وغاية‌ التذلل‌ له‌ والانكسار أمامه‌ محبة‌ وتعظيماً له‌، فلا يجوز لأحد غير الله‌.
فإذا فعل‌ العبد ذلك‌ لغير الله‌ فقد أشرك‌ بالله‌؛ فالشرك‌ لا ينحصر في‌ عبادة‌ الأصنام‌ فقط،‌ فإذا بالغ‌ أَحدٌ في‌ محبة‌ إنسان ‌وتعظيمه‌ وطاعته‌ بحيث‌ يسوّيه‌ برب‌ العالمين‌، فهذا أيضاً شرك‌؛ كما يقول‌ الرب‌ سبحانه‌ وتعالی‌ بشأن‌ اليهود والنصاری‌: «اتخذوا أحبارهم‌ ورهبانهم‌ أرباباً من‌ دون‌ الله».
علم‌ من‌ هذا أن‌ تحليل‌ شي‌ء أو تحريمه‌ إنما هو حق‌ الله‌ سبحانه‌ وتعالی‌، فالذي‌ يری‌ أن‌ّ قول‌ غير الله‌ يجب‌ عليه ‌إتباعه‌ وإن‌ كان‌ مخالفاً لأمر الله‌ فكأنه‌ عبد غير الله‌ وابتلي‌ بالشرك‌.

مسئلة‌ التقليد
أمّا مسئلة‌ التقليد فهي‌ بمعزل‌ عن‌ ذلك‌، لأن‌ عامة‌ الناس‌ الذين‌ لا يستطيعون‌ استنباط‌ الأحكام‌ من‌ نصوص‌ الكتاب‌ والسنة‌ يرجعون‌ إلی‌ إمام‌ مجتهد فيثقون‌ به‌ ويعملون‌ بقوله‌ ويتبعونه‌، فهذا في‌ الحقيقة‌ إتباع‌ الكتاب‌ والسنة‌ وإطاعة ‌لأمر الله‌ سبحانه‌ وتعالی‌ حيث‌ يقول‌ عزّ من‌ قائل‌: «فاسئلوا أهل‌ الذكر إن‌ كنتم‌ لا تعلمون‌».
وكما لا يجوز للعبد أن‌ يشرك‌ بالله‌ أحداً في‌ التحليل‌ والتحريم،‌ فكذلك‌ لا يجوز له‌ أن‌ ينذر لغير الله‌، ولا يسأل‌ حاجته إلّا الله،‌ ولا يتوجّه‌ في‌ المشكلات‌ إلّا إلی‌ الله‌، ولا يدعو إلّا الله‌، لأن‌ الدعاء عبادة‌، وقد قال‌ النبي صلی الله عليه وسلم: «الدعاء هو العبادة»‌.
وليجتنب‌ العبد كلّ‌ فعل‌ وعمل‌ يعدّ علامة‌ للشرك،‌ كما ورد أن‌ النبي‌ صلی الله عليه وسلم رأی‌ صليباً في‌ عنق‌ عدي‌ بن‌ حاتم،‌ فقال ‌له‌ اخلع‌ هذا الصنم‌ من‌ عنقك‌.
ومن‌ الجدير بالذكر أن‌ عدي‌ بن‌ حاتم‌ بعد إسلامه‌ لم يكن يعتقد في‌ الصليب‌ ما كان‌ يعتقده‌ النصاری ، ولكن‌ النبي صلی الله عليه وسلم حذره‌ من‌ اختيار علامات‌ الشرك‌ والوثنية.
إنه‌ لمن‌ المؤسف‌ أننا نری‌ كثيراً من‌ المسلمين‌ يعلّقون‌ في‌ أعناقهم الصلبان‌ ولا يبالون‌، وهي‌ علامة‌ النصاری‌ ومن ‌شعائرهم‌ الدينية‌، فيجب‌ علی‌ كل‌ مسلم‌ أن‌ يحذر من‌ جميع‌ علامات‌ الشرك‌ وأفعاله،‌ فلا يركع‌ ولا يسجد لأحد غير الله، ولا يطوف‌ غير بيت‌ الله، لأنه‌ أقرّ وعاهد الله‌ أن‌ لا يشرك‌ به‌ شيئاً عند ما قال‌: «إياك‌ نعبد وإياك‌ نستعين‌».

تحقيق‌ مسئلة‌ الإستعانة‌ والتوسّل‌ وأحكامهما
إن‌ مسئلة‌ الاستعانة‌ تطلب‌ شرحاً وتوضيحاً قليلاً، إننا نری‌ في‌ هذا العالم‌ أن‌ كل‌ إنسان‌ يستعين‌ بآخر ويطلب‌ منه ‌المساعدة‌ في‌ أموره‌ تحت‌ الأسباب‌ المادية،‌ ولا بد من‌ هذا الأمر في‌ الحياة‌ الدينوية‌، ولا تسير عجلة‌ الحياة‌ إلّا بالمساعدة‌ والتعاون‌.
إن‌ّ الصانع‌ الذي‌ يخدم‌ الناس‌ بصناعته‌، والبنّاء الذي‌ يبني‌ البيوت‌ والمباني‌، والنجار الذي‌ يصنع ‌الأبواب،‌ والحداد الذي‌ يصنع‌ الالآت‌ الحديدية،‌ كلهم‌ مشغولون‌ بخدمة‌ الخلق‌، وجميع‌ الناس‌ يحتاجون‌ إليهم‌ في ‌صناعاتهم‌، ولا يستغني‌ عنهم‌ أحدٌ.
وبديهي‌ أن‌ّ هذا جائز في‌ كل‌ دين‌ وشريعة،‌ ولا يدخل‌ هذا في‌ الاستعانة‌ التي‌ تختص‌ بالله‌ سبحانه‌ وتعالی؛ وكذلك ‌يجوز لأي‌ إنسان‌ أن‌ يلتمس‌ نبياً أو رجلاً صالحاً أن‌ يدعو له‌، أو يدعو الله‌ سبحانه‌ وتعالی‌ متوسلاً بمحبة‌ الأنبياء والصالحين‌، فلا نقاش‌ في‌ هذه‌ ‌ عند أهل‌ العلم،‌ ولا يدخل‌ هذا في‌ الاستعانة‌ التي‌ تختص‌ بالله‌ سبحانه‌ وتعالی‌، ويكون‌ شركاً وحراماً.

ما هي‌ الاستعانة‌ الشركية‌ المحرّمة‌؟
أمّا الاستعانة‌ التي‌ هي‌ شرك‌ وحرام‌ فقسمان‌:
الأوّل أن‌ يستعين‌ المرء بغير الله‌ من‌ ملك‌ أو نبي‌ أو ولي‌ أو أي‌ّ إنسان،‌ ويظنّه‌ قادراً علی‌ تلبية الحاجات،‌ ومختاراً مطلقاً، و يسأله‌ حاجته‌، فهذا كفر صريح‌ لا ريب‌ فيه‌ حتی‌ عند عامّة‌ المشركين،‌ لأنهم‌ ما كانوا يقولون‌ في‌ أصنامهم‌ وآلهتهم‌ أنهم ‌مثل‌ الله‌ في‌ القدرة‌ والاختيار.
أمّا القسم‌ الثاني‌ من‌ الاستعانة‌ هي التي‌ وقع‌ فيها الكفار والمشركون‌، والتي‌ ندد بها القرآن‌ الكريم‌ وقلع‌ جذورها وحذر الناس‌ منها، وهي‌ التي‌ ذكرت‌ في‌ قوله‌: «اياك‌ نعبد واياك‌ نستعين‌»؛ فمعنی‌ هذه‌ الاستعانة‌ أننا لا نطلب‌ العون‌ من‌ غير الله‌ من‌ نبي‌ مرسل‌ أو ملك‌ مقرّب‌ أو عبد صالح‌، ولا نقول‌ ولا نعتقد فيهم‌ أن‌ّ الله‌ قد أعطاهم‌ الاختيار والقدرة‌ في‌ بعض‌ الأمور فهم‌ مختارون‌ وإن‌ لم‌ يكونوا آلهة‌.
هذه‌ هي‌ الاستعانة‌ التي‌ تفرق‌ بين‌ المؤمن‌ والكافر، والإسلام‌ والكفر؛ وهذه‌ هي‌ الاستعانة‌ التي‌ يعتقدها الكفار وعبدة ‌الأصنام‌ وجعله‌ شركاً وحراماً.

جذور الخطأ والضلال‌
إن‌ّ الله‌ سبحانه‌ وتعالی‌ يستخدم‌ الملائكة‌ ويدبّر بهم‌ الأمور، فيظن‌ كثير من‌ الناس‌ أن‌ّ الله‌ تعالی‌ فوّض‌ إليهم‌ هذه ‌الأمور وأعطاهم‌ القدرة‌ والاختيار، وأظهر الله‌ تعالی‌ بأيدي‌ الأنبياء والمرسلين‌ المعجزات‌ وخوارق‌ العادة‌، وأعطی ‌لأوليائه‌ الكرامات‌، وأصدر بأيديهم‌ أمراً يعجز عنها عامّة‌ البشر، فظن‌ّ كثير من‌ الناس‌ أن‌ الملائكة‌ والأنبياء والصالحين‌ فوّضت‌ إليهم‌ الأمور، وأوتوا القدرة‌ والاختيار، ويقولون‌ لو لم‌ يكونوا ذوي‌ القدرة‌ لما صدرت‌ على أيديهم‌ هذه‌ الأمورالعجيبة‌، والحال‌ أن‌ المعجزات‌ والكرامات‌ إنما هي‌ فعل‌ الله‌ سبحانه‌ وتعالی‌، وإن‌ّ إصدارها علی‌ أيدي‌ الأنبياء والمرسلين‌ عزة‌ وكرامة‌ لهم‌، ولا اختيار للأنبياء والأولياء في‌ صدورها، وتشهد بذلك‌ آيات‌ كثيرة‌ في‌ كتاب‌ الله، ‌منها: «وما رميت‌ إذ رميت‌ ولكن‌ الله‌ رمی». (الأنفال)
وهذه‌ الآية‌ تشير إلی‌ قصة‌ غزوة‌ بدر حيث‌ ألقی‌ النبي صلی الله عليه وسلم حفنة‌ من‌ الحصی‌ إلی‌ عساكر العدّو فأصابت‌ أعين‌ القوم‌، فنزلت‌ هذه‌ الآية‌، ولما قال‌ قوم‌ نوح‌ له‌ إن‌ كنت‌ صادقاً فأتنا بالعذاب‌، فقال‌ لهم‌ إنما يأتيكم‌ به‌ الله‌ إن‌ شاء.
وجاء في‌ سورة‌ إبراهيم‌ حكاية‌ عن‌ الأنبياء والرسل‌: «ما كان‌ لنا أن‌ نأتيكم‌ بسلطان‌ إلّا بإذن‌ الله»، فلا يقدر نبي ‌ولا ولي‌ بإتيان‌ المعجزة‌ والكرامة‌ وخوارق‌ العادة‌ إذا شاء إلّا أن‌ يشاء الله‌ رب‌ العالمين‌.
وقد طلب‌ المشركون‌ والكفار من‌ رسول‌ الله‌ صلی الله عليه وسلم والأنبياء السابقين‌ أن‌ يأتوا بالمعجزات‌، فما شاء الله‌، ظهر بأيديهم‌ وما لم‌ يشأ لم‌ يظهر، والقرآن‌ يشهد بذلك‌؛ ونوضّح‌ ذلك‌ بمثال‌ يسهل‌ الفهم‌. تصور أنك‌ّ جالس‌ في‌ غرفة‌ يَصِلُك‌ النور عن طريق المصباح والهواء عن‌ المروحة‌، ولكن‌ المصباح‌ والمروحة‌ ليسا بمستقلين‌ في‌ إعطاء النور والهواء، وإنما يحتاجان‌ إلی‌ الاتصال‌ بالكهرباء ومصدر القوة‌؛ فمتی‌ انقطعت صلتهما ولو لحظة‌ واحدة‌ فلا نور من‌ المصباح‌ ولا هواء من‌ المروحة‌؛ فعلم‌ أن‌ّ النور والهواء لم‌ يكونا من‌ المصباح‌ والمروحة‌ في‌ الحقيقة‌، بل‌ كانا من‌ الكهرباء التي‌ تنشأ من ‌مصدر القوة‌ ومولد الكهرباء؛ فكذلك‌ الأنبياء والأولياء والملائكة‌ مفتقرون‌ إلی‌ قدرة‌ الله‌ ومشيئته‌ في‌ ظهورالمعجزات‌ والكرامات‌ وخوارق‌ العادات‌ بأيديهم‌.
واتّضح‌ من‌ هذا المثال‌ أن‌ الأنبياء والأولياء وإن‌ لم‌ تكن‌ لهم‌ قدرة‌ ولا اختيار في‌ صدور المعجزات‌ والكرامات‌ علی‌ أيديهم،‌ ولكنهم‌ صاروا سبباً لظهورها وصدورها؛ وكما أن‌ّ النور والهواء لا يوجدان‌ بدون‌ المصباح‌ والمروحة،‌ فكذلك‌ المعجزات‌ والكرامات‌ لا توجد، أو لا تظهر إلّا علی‌ أيديهم. نعم!‌ إن‌ّ الله‌ قادر علی‌ أن‌ تظهر المعجزات‌ بدون‌ واسطة‌ الأنبياء ولكن‌ جرت‌ سنة‌ الله‌ وعادته‌ أن‌ لا تظهر المعجزات‌ والكرامات‌ إلّا علی‌ أيديهم‌، وذلك‌ لأن‌ّ الهدف‌ الذي‌ لأجله‌ تظهر الخوارق‌ لا يتحقق‌ إلّا بهم‌.
قد علم‌ مما سبق‌ أنه‌ يجب‌ علی‌ المرء أن‌ يعتقد أن‌ بيد الله‌ ملكوت‌ كل‌ شي‌ء وبقدرته‌ ومشيئته‌ يصدر كل‌ فعل‌، وبجانب‌ ذلك‌ يجب‌ الاعتقاد بتعظيم‌ الأنبياء والاعتراف‌ بمكانة‌ الأولياء المتقين، ويحرم‌ العبد بدون‌ ذلك‌ طاعة‌ الله‌ ورضاه‌، كما أن‌ شخصاً إن‌ لم‌ يعرف‌ قدر المصباح والمروحة‌ وأضاعهما يحرم‌ النور والهواء.
قد يجد كثير من‌ الناس‌ شبهات‌ في‌ مسئلة‌ التوسل‌ والوسيلة‌ والاستعانة‌، لعلها تندفع‌ في‌ ضوء ما أوضحنا، وقد تبين ‌مما سبق‌ أن‌ التوسل‌ بغير الله إذا اعتقد الإنسان‌ فيهم‌ أن‌ بيدهم‌ القدرة‌ والاختيار فهوشرك‌ محرّم‌، وإذا لم‌ يعتقد ذلك‌ وتوسل‌ بدعائهم‌ ومحبتهم‌ فلا محظور فيه‌، والناس‌ في‌ تفريط‌ وإفراط‌ في‌ المسألة،‌ والله‌ أسال‌ الصواب‌ والسداد وبيده ‌المبدء والمعاد.

الهداية‌ إلى‌ الصراط‌ المستقيم‌ مفتاح‌ النجاح‌ في‌ الدنيا والآخرة‌
4 – قدمنا أنّ‌ القرآن‌ الكريم‌ اختار للعباد الدعاء بالهداية‌ إلی‌ الصراط‌ المستقيم، ولا ريب‌ أن‌ّ الاهتداء إلی‌ الصراط‌ المستقيم‌ حاجة‌ كل‌ عبد في‌ كل‌ شأن‌ من‌ شؤونه‌، وعليه‌ مدار النجاح‌ في‌ الدنيا والآخرة‌.
فحيث‌ وجدنا أن‌ أحداً فشل‌ في‌ الحياة‌ بعد أن‌ اختار عوامل‌ النجاح‌ وأسباب‌ الفوز فلا بد أنه‌ أخطأ الصراط‌ المستقيم‌ في‌ مرحلة‌ من‌ مراحل‌ جهده‌ وكفاحه، فذلك‌ كان‌ سبب‌ فشله‌ وعدم‌ نجاحه،‌ فاتضح‌ أن‌ الاهتداء إلی‌ الصراط‌ المستقيم ‌ليس‌ سبب‌ النجاح‌ في‌ الآخرة‌ فقط‌ بل‌ النجاح‌ والفوز يتوقف‌ علی‌ ذلك‌ في‌ جميع‌ شؤون‌ الحياة،‌ فلا شك‌ أن‌ الدعاء بالهداية‌ واجب‌ علی‌ كل‌ مؤمن‌ في‌ كل‌ وقت‌، وبديهي‌ أن‌ ترديد الكلمات‌ علی‌ اللسان‌ لا يكفي‌ بل‌ ينبغي‌ التوجه‌ بالقلب‌ واستحضار المعنی‌ والنية‌ الصادقة‌، والله‌ هوالموفق‌ والمعين‌.
انتهی‌ تفسير الفاتحة‌ وللّه‌ الحمد أوّله‌ وآخره‌ وظاهره‌ وباطنه‌.
فرغت‌ من‌ تسويد الترجمة‌ 3 ذي‌ الحجة‌ 1426 هـ

تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مزيد من المقالات