اليوم :19 April 2024

المصلحون في “تركمن صحراء”

المصلحون في “تركمن صحراء”

Image إن أرض “تركمن صحراء” الواسعة المترامية الأطراف تبدأ من “ميناء تركمن” ومدينة “كميشان” الواقعتين علی سواحل بحر قزوين في محافظة “كلستان” وتنتهي إلی منطقة “راز وجركلان” التابعة لمدينة بجنورد الواقعة في محافظة “خراسان الشمالية”، كما هي تجاور من شمالها مملكة “تركمنستان”.

هي تشمل في هذه المسافة الشاسعة مدن "آق قلا" و"كنبد كاووس" و"اينجه برون" و"كلاله" و"مراوه تبة"، ومدينة "كنبد كاووس" تتمتع بمركزية لجميع مناطق من "تركمن صحراء".

قديما وحديثا سكن هذه البلاد قبائل من التركمان التي تتكلم باللغة التركمانية وتنتمي إلی مذهب أهل السنة والجماعة ويبلغ حاليا عدد المتواجدين في المناطق المذكورة أكثرمن مليون نسمة.

لقد نشأ في هذه البلاد كسائرالبلاد الإسلامية شخصيات ونوابغ في العلم والفضل والتقوی  قاموا بإصلاح وتوجيه الناس في مختلف المجالات؛ وممن لمع في تاريخ هذه البلاد المعاصر الشيخ "عبدالقادرالداغستاني" والشيخ "عبدالوهاب الداغستاني" و يرجع أصلهما كما هي معلومة من نسبتهما إلی اقليم داغستان من ولايات الروس المستقلة.

تعلم عبد القادر في مسقط رأسه العلوم الشرعية لدی كبار الأساتذة، واستطاع أن يكتسب مكانة علمية مرموقة  بفضل   ذكائه وقدرة ذاكرته وهو في العشرين من عمره. وصادف هذا زمن الحركة الجهادية للشيخ "شاميل"، ولقد نفخ جهود الشيخ شاميل القتالية روحا جديدة في وجود عبدالقادر، فبدأ جهاده ضد النظام الحاكم واستبداد وظلم الشيوعيين آنذاك في "داغستان" وقد سادت بيئة خانقة علی البلاد بسبب مظالم السلطة الحاكمة وإصدارالأوامر بشنق وقتل كثير من العلماء، الأمر الذي دفع "عبدالقادر" إلی أن يغادر مولده مرافقا مع أخويه إبراهيم ومحمد، فهاجر إلی "تركمن صحراء" في إيران، ووصلوا هذه المناطق بعد سفر متعب ممتلئ بالعناء والمشقة سنة 1348من الهجرة النبوية.

لم يلبث إلا قليلا ان التحق به صديقه القديم في ميادين الدعوة والعلم والإصلاح "عبدالوهاب" من داغستان، وانقطعا جنبا إلی جنب إلی الدعوة ومكافحة البدع واللادينية وإلی نشر المعارف الدينية في "تركمن صحراء"، وأضيئت هذه المناطق بأنوارالعلم والإيمان. واستمروا في تأدية واجبهم إلی أن دفعتهم  حكومة "رضا خان" بعد وقوفهم أمام نشاطاته في مكافحة الحجاب إلی هجرة ثانية، فتوجهت هذه القافلة في هجرتها الثانية إلی كردستان العراق.

إن الاقامة في مدن "سقز" و"بغداد" و"سليمانية" و"حلبجه" و"كركوك" والمجاسة مع أهل العلم والتزام كبار الشيوخ في "كردستان" والانتفاع بعلومهم كالشيخ ملا "عبدالعظيم مجتهدي" والشيخ "علاءالدين" زادت في معرفة هؤلاء المهاجرين بالنسبة إلی العلوم الإسلامية والمعارف الدينية وفي منزلتهم بين علماء تلك البلاد.

إن اكتساب العلم والجهد العلمي والسعي المستمر في تأمين حاجات الأسرة وأرزاقهم من ناحية أخری خلفا عهدا مليئا بالمشاق والتجارب المليئة في حياتهم. مضت ثماني سنوات علی هذه المشاكل والمصاعب فتبدلت الأوضاع  وأبعد "رضاخان" وعاش بقية حياته في المنفی، وسنحت شروط مهيأة للعودة إلی "تركمن صحراء" مرة أخری.

لقد كونت هذه السنوات الثمانية – في الهجرة والمنفی والنضال والمكافحة مع شتی المشاكل والمصاعب من ناحية والانتفاع من كبارالعلماء من ناحية أخری – منهم شخصيات علمية مرموقة بارزة في العلم والتقوی، فاندفعوا مرة أخری ببضاعة علمية واسعة وبروح جديدة مليئة بالحيوية والنشاط إلی نشر المعارف الإسلامية والدينية.

إن النبوغ العلمي لهؤلاء الكبار والتقوی والزهد المرافق لهذ العلم زاد في اشتهار هذين العالمين الكبيرين بين الأوساط العلمية والدينية، فتهافت عليهم الطلبة من مختلف أرجاء "تركمن صحراء" للاستفادة من علومهم، وتوسعت دائرة نشاط المدارس الدينية وازداد عددها إلی 157 مدرسة، وهذه المدارس تشتمل علی 4250 طالبا، وإن كثيرا من أهل العلم في "تركمن صحراء" يعدون أنفسهم رهين جهودهم الجبارة وتلاميذ هؤلاء الأفاضل.

توفي العلامة "عبدالقادر" عن سن يناهز 63 عاما في سنة 1340 من الهجرة الشمسية، والشيخ "عبدالوهاب" عن عمر ناهز 91عاما، وفي سنة 1371 التحق برحمة الله الخالدة. طيب الله ثراهما وجعل الجنة مثواهما.

 

تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مزيد من المقالات