- سني أون لاین - https://sunnionline.us/arabic -

مسلمو الهند بين مطرقة مودي وسندان التغافل العالمي!

رغم معاناة المسلمين الهنود التهميشَ عن الحياة السياسية والاجتماعية، سواء على المستوى الصحي أو المالي، ومعاناتهم التمييز والكراهية الدينية، والظلم في التمثيل السياسي والحصول على الوظائف الحكومية في الأغلب، إلا أنهم ظلوا يعيشون في البلاد معتدلين متسامحين، مع عددهم البالغ 180 مليون نسمة، من عدد السكان الذي يبلغ مليارا ومئتي مليون هندي، وكذلك سكان الهند الآخرين فقد عاشوا بمختلف أديانهم وطوائفهم في استقرار وأمن نسبي، سنين عدداً.
إلى أن ابتليت البلاد بعد انتخابات عام 2014 بفوز حزب “بهاراتيا جاناتا” الهندوسي القومي بقيادة رئيس الوزراء الحالي “ناريندرا مودي” العنصري الهندوسي المتعصب لطائفته “، والذي قد فاز في الانتخابات نتيجة وعوده بحل مشكلة 750 مليون هندي فقير، ومواجهة مشكلة الجوع والبطالة في الهند وتحسين ظروف التعليم، وإيجاد وظائف للشباب، ودفع عجلة التنمية، ولكنه لم يحقق شيئا مما وعد به، سوى ممارسة تقسيمات اجتماعية ودينية عميقة في الهند، وإشعال نار الفتنة الطائفية، كأكبر انجاز له.
وقد بلغ السيل الزبى عندما أقرّ البرلمان الهندي قانونا تمييزيا، ينصّ على منح الجنسية الهندية للمهاجرين كافّة غير المسلمين الذين دخلوا البلاد من باكستان وبنغلاديش وأفغانستان حتى 31 ديسمبر/كانون الأول 2014.
قد نُشر على أساس هذا القانون سجل وطني للمواطنين في ولاية آسام الواقعة في شمال شرق الهند، ما أسفر عن 1.9 مليون شخص أصبحوا بدون جنسية بين ليلة وضحاها، وفي وقت يدعي الحزب أن الهدف من هذا السجل الوطني هو استبعاد المهاجرين غير الشرعيين، إلا أن الهدف الحقيقي منه تجريد المسلمين في هذه الولاية من جنسيتهم الهندية، تحقيقا لجزء من الأجندة التقسيمية التي يتبناها حزب “بهاراتيا جاناتا” الحاكم.
قد تكون هذه الخطوة مقدمة لتجريد ملايين المسلمين في الهند من حق التصويت والجنسية، ولتكون صورة جديدة من صور الاضطهاد الممنهج والمضايقات التي يتعرض لها المسلمون في هذه البلاد، تحت حكم “ناريندرا مودي” الذي بدأت حكومته بإطلاق حرب أيديولوجية في البلاد، باتخاذ مشروع يميز ضد المسلمين وينتهك الدستور العلماني الهندي، منحرفة عن مشروعها المألوف باعتبارها دولة تعددية علمانية.
قد قام الحزب الهندوسي يسعى لما هو أكبر من إيذاء المسلمين والتنكيل بهم، وإغلاق مساجدهم، حيث يسعى لطردهم من البلاد بحجة القانون الجديد، الذي يستهدف منح الجنسية لجميع الطوائف ما عدا المسلمين، يفعل الهندوس المتطرفون والأحزاب المؤيدة لهم ما يشاؤون من قتل وتدمير وتنكيل بحق المسلمين، في العاصمة نيودلهي والولايات الأخرى، والشرطة الهندية موجودة في كل الأماكن وليس لها مهمة سوى التفرج على جرائم القتل والتدمير، بل قد تضرب المسلمين لاحتجاجهم على ممارسات الهندوس الإجرامية!
يمارَس كل هذا بحق المسلمين بتواطؤ واضح من مودي وحكومته، وحزبه الذي قد عرف بعدائه التاريخي تجاه المسلمين. فقد استمرت هذه الأوضاع الحالكة في البلاد ومودي لا يكاد ينبس ببنت شفة، ثم ظهر بعد مدة وأطلق نداءً «غامضا» دعا فيه إلى الحفاظ على «السلام والتآخي». وليته لم يظهر. ولقد أميط اللثام عن وجه مودي وحزبه الحاكم في حملتهم المناوئة للمسلمين بوضوح في إقليم جامو وكشمير ذي الغالبية المسلمة، بإعلانهم عن إلغاء الحكم الذاتي الذي ظل يتمتع به. وأيضا منح أرض “المسجد البابري” (25هكتارا) في مدينة أيوديا بولاية أوتار براديش، للهندوس، ما يعود تاريخه إلى القرن السادس عشر، الذي بناه الإمبراطور المغولي المسلم ظهير الدين محمد بابُر.
تمضي الهند في تثبيت نظام عرقي طائفي يهدف إلى منح التفوق للهندوس، وإقصاء المسلمين وكافة الأقليات الأخرى، وليظهر جليا أن تهميش المسلمين وطردهم من البلاد يحتل موقعا متقدما في صلب أجندة الحزب الحاكم وزعيمه، ويتفاقم الوضع للمسلمين يومًا بعد آخر، في غياب أي مقاومة تقريبا.
كأن مودي بصدد تنفيذ رسالة سيده ترمب التي قالها خلال رحلته إلى الهند، أمام جماهير حاشدة تجمعت في ملعب كريكيت:” إن الولايات المتحدة والهند متحالفتان بقوة للدفاع عن مواطنيها ضد خطر الإرهاب الإسلامي المتطرف، كلا بلدينا تأذيا من ألم وهزات الإرهاب”. فالتقطها الهندوس المتطرفون كرسالة مفادها “هيا عليكم بالمسلمين” وانطلقوا بعد الحشد بالفعل يحرقون منازل المسلمين ويفعلون ما يريدون. وقد فسر المحللون السياسيون قوله بأنها رسالة دعم واضحة لسياسات اليمين الهندي المتطرف ضد الأقلية المسلمة في البلاد.
بالرغم من كون المسلمين الأسوأ تغذية والأكثر فقرا في الهند، فلا تصل إلى قراهم مياه نظيفة، وإذا توفرت لهم فرص العمل فإنهم مجبرون علي العمل بأقل الأجور، وهم محرومون فعليا من الوظائف الحكومية، ولا يُظهرون مطامع في الحكم أو في التنظيمات السياسية، وأغلب أدوارهم تكون دعوية ووعظية وتعليمية، مع ذلك فإنهم لا يسلمون من شتى أنواع الاضطهاد والقمع والكراهية، في ظل أكثر أساليب التمييز المؤسسي جورا في التاريخ.
لقد تجاوزت التعديات كافة الحدود التي تطاق، فليس هناك أكثر من سحل المسلمين في الميادين، على مرأى ومسمع من العالم كله، وهدم وإحراق الكثير من المساجد وتحويل بعضها إلى إصطبلات للخيول، فضلا عن منع الأطفال من الذهاب إلى المدارس. وقد وثّقت فيديوهات بعض جرائم الهندوس بحق المسلمين، وكان من بينها فيديو يظهر فيه المسلمون وهم يهربون من بطش الهندوس فوق السطوح، فيضرمون عليهم بيوتهم من الأسفل، الأولاد مرعبون يعدون خلف الآباء والأمهات، والنار تتصاعد أمامهم ولا يملكون غير الصراخ، والصراخات أيضا لا مجيب لها. مما يذوب له الحجر الجلمود.
للأسف يتغافل الإعلام عن تغطية هذه المجازر والحديث عنها، وتسود القضية حالة من تعتيم إعلامي عالمي. والعالم يبدو متثاقلا في إدانة أعمال العنف الدامية التي يعاني منها المسلمون في الهند، وبخاصة ما شهدته مؤخرا العاصمة نيودلهي.
لا مبرر لصمت العالم الإسلامي أمام قانون الجنسية الجائر للبرلمان الهندي وما يجري للمسلمين في البلاد من انتهاكات الحكومة والمتطرفين الهندوس، وما يحدث في كشمير المسلمة، بل إن الصمت هو تشجيع لمزيد من المجازر والاضطهاد الديني.
من واجب شعوب البلاد الإسلامية وحكّامها الوقوف أمام هذه الحرب الأيديولوجية وهذه المذبحة، نصرةً لإخوانهم، ورفض قانون الجنسية الجديد بكل شدة، ومساعدتهم ماديا ومعنويا وإعلاميا، والدعاء لهم، ومقاطعة الحكومة الهندية القومية التي أصبحت أقرب الأنظمة اليمينية المتطرفة إلى الفاشية التقليدية، وعقد مؤتمرات للتعريف بهذه العنصرية البغيضة. والله غالب على أمره.