- سني أون لاین - https://sunnionline.us/arabic -

البلاد بحاجة إلى تغيير في السياسات الداخلية والخارجية للتغلب على الأزمات الراهنة

تواجه إيران والشعب الإيراني مشكلات وأزمات عديدة داخلية وخارجية في هذه الأيام، ولقد زادت العقوبات الجائرة الأخيرة ولا سيما التهديدات الإمريكية العسكرية على هذه المشكلات والمخاوف.
تتطلب الأوضاع الراهنة أن يسعى المسؤولون والسياسيون، مع النخب والمثقفين، بغض النظر عن الفوارق الحزبية والجهوية، لحل هذه المشكلات وإزالة المخاوف والتهديدات.
يُعدّ فضيلة الشيخ عبد الحميد، إمام وخطيب أهل السنة في مدينة زاهدان، من المفكرين والمطلعين على المسائل والقضايا، ولقد تطرق في حوار له مع موقع “سني أون لاين” إلى دراسة المشكلات والأزمات الداخلية والخارجية للبلاد، وقدم حلولا للخروج من مأزق المشكلات.
وفيما يلي نص الحوار:

ينبغي أن يكون دعم إيران للأقليات في الدول الإسلامية من الطرق الدبلوماسية
اعتبر فضيلة الشيخ عبد الحميد الأزمات الداخلية والخارجية الموجودة في البلاد بـ “غير المسبوقة”، مؤكدا على لزوم دراستها من جانب الخبراء، وأشار فضيلته في البداية إلى الأزمات الخارجية قائلا: إذا قمنا بدراسة للأزمات الخارجية، نجد أن أفضل طريقة لدعم الأقليات في البلاد الإسلامية، وكذلك دعم الأكثرية التي ضيعت حقوقها وتعرضوا للظلم والاضطهاد، هو الدعم السياسي والدبلوماسي. فإن كانت الجمهورية الإسلامية تعتزم في بعض البلاد دعم الشعوب، يجب أن يكون هذا الدعم من الطرق السياسية والدبلوماسية، وتستخدم نفوذها في هذا المجال فحسب.

اللجوء إلى الدعم العسكري يسبب الأزمات الخارجية
وتابع فضيلة الشيخ عبد الحميد قائلا: الدعم العسكري من أي دولة خارجية أو حركة أو حزب سياسي أو طائفي ليس لصالح بلد من البلاد، ويضر بمصالحه الوطنية، لأن الخيار العسكري لم يكن مفيدا لدولة حتى الآن، بل أدى إلى ظهور أزمات خارجية، وأوقعت تلك البلاد في خسائر اقتصادية وأمنية.
وصرّح فضيلته قائلا: ليس لأي دولة أن تأذن للأفراد أو المؤسسات والأجهزة بالنشاط العسكري في بلد آخر، لأنه يتعارض مع المصالح الوطنية لذلك البلد، ويؤثر سلبا على مكانته الاجتماعية ومصداقيته.

إيران وسائر البلاد المتأزمة في الشرق الأوسط بحاجة إلى الأمن والسلام
ووصف فضيلة الشيخ عبد الحميد الأمن والسلام حاجة ملحة للدول الإسلامية، وتابع قائلا: أفضل حل للنزاعات الراهنة بين البلاد الإسلامية هو السلام. ينهى القرآن الكريم المسلمين من النزاع والخلاف ويدعوهم إلى الصبر والتسامح، ويؤكد قائلا: {وأطيعوا الله ورسوله ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم واصبروا إن الله مع الصابرين}.
لذلك نظرا إلى هذه الآية يجب على المسلمين والبلاد الإسلامية أن يتحملوا الاتجاهات والمذاهب والثقافات المختلفة لئلا تحدث اختلافات وصراعات.
واستطرد مدير جامعة دار العلوم زاهدان قائلا: إيران وسائر البلاد الإسلامية المتأزمة في الشرق الأوسط بحاجة إلى الأمن والسلام. في الظروف الراهنة تتحرك القوى الأجنبية لجعل البلاد الإسلامية بعضها في مواجهة بعض بهدف حماية الكيان الصهيوني، وتخوف بعضها من بعض. في مثل هذه الظروف يجب أن نكون يقظين حذرين ونتخذ سياسات تحول دون توجه بعض الدول الإسلامية إلى إسرائيل، لأن إسرائيل كيان محتل مغتصب احتل القبلة الأولى للمسلمين، ويظلم الشعب الفلسطيني لعقود، ويرفض الحوار والسلام الذي يقر للشعب الفلسطني حق السيادة على الأراضي الفلسطينية.
ونصح فضيلته إيران إلى التغيير في السياسة الخارجية، قائلا: إن الأوضاع الراهنة في العالم تتطلب أن نعيد التفكير في سياساتنا، والبلاد تحتاج إلى تحول سياسي في السياسة الخارجية. يجب أن نعمل بذكاء، ونغير السياسات التي فشلت، والتي تحمل معها أخطارا، أو نعدلها. سيحل جزء كبير من الأزمات التي ينظمها العدو ضدنا بالتعديلات السياسية والتغيير في بعض السياسات.

غياب الحريات السياسية المشروعة؛ أهم الأزمات الداخلية
وأشار فضيلة الشيخ عبد الحميد إلى الأزمات الداخلية قائلا: غياب الحريات السياسية المشروعة والقانونية كـحرية التعبير والقلم، والأحزاب، والمكونات السياسية، وعدم تحمل الانتقادات البناءة، والحريات المشروعية، أهم الأزمات الداخلية.
واستطرد فضيلته قائلا: عدم تحمل المخالفين والمعارضين مشكلة كبيرة تتحدى البلد. إطلاق سراح السجناء السياسيين، ورفع الإقامة الجبرية عن المحبوسين بعد الانتخابات الرئاسية عام 2009، واستماع مطالب الشعب، والحوار مع المعارضين، من شأنه أن يساعد في حل المشكلات الداخلية.
واعتبر فضيلة الشيخ عبد الحميد “الاستقرار السياسي” كأحد طرق الخروج من الأزمات الداخلية والخارجية، وأضاف قائلا: عدم الاستقرار السياسي هو سبب هذه الأزمات. توفير الحريات المشروعة والقانونية، والاهتمام بالانتقادات البناءة، ومراعاة حقوق الأقليات، والاهتمام بمطالب الشعب، وإزالة التصعيدات الخارجية، سيقربنا من الاستقرار السياسي.

أسباب المشكلات الاقتصادية في البلاد سياسية
وأشار فضيلة الشيخ عبد الحميد إلى المشكلات الاقتصادية في البلاد، معتبرا أن جذورها سياسية، قائلا: الأزمات السياسية وغياب الاستقرار السياسي، السبب الأصلي للأزمات الاقتصادية الراهنة في البلاد.
وصرح فضيلته قائلا: المشكلة الأصلية في البلاد ليست اقتصادية، بل هي سياسية؛ فإن حلت المشكلات السياسية في البلاد، ستقل المشكلات الاقتصادية تبعا لها.
وأضاف فضيلته قائلا: ننصح العسكريين أن يجتنبوا من التنافس في المجالات السياسية والاقتصادية، ويهتموا بواجبهم الأصلي ويشتغلوا به؛ ولا شك أن هذا يزيد من شعبيتهم ومكانتهم في قلوب الشعب الإيراني.

عدم الاهتمام بالكفاءات في التوظيف، هو العامل الثاني للأزمات الداخلية
و أعرب مدير جامعة دار العلوم زاهدان عن قلقه بسبب تجاهل مبدأ الكفاءة في الاستخدامات في المناطق المختلفة من البلاد، وتابع قائلا: مع الأسف لا يتم استخدام الأفراد والمديرين في المستويات والقطاعات المختلفة على مبدء الكفاءة والجدارة في الأشخاص، وهذه السياسة تحول دون وصول المؤهلين الأقوياء والأمناء إلى المناصب العامة، بحيث فوض كثير من المناصب إلى أشخاص ضعفاء وعاجزين يفتقدون الأهلية والجدارة، ولا يملكون الأمانة الكافية للعمل للمهام الموكلة إليهم.
وتابع فضيلته قائلا: المفاسد الإدارية الكبيرة تدل بوضوح إلى أن استخدام المديرين لم تسلك مسارا صحيحا، ودفع البلاد نحو المأزق، وهذه قضية يعترف بها الجميع بمن فيهم المسؤولون والشعب.

الشعب يشعر بخيبة أمل من الإصلاحيين والأصوليين
ووصف فضيلة الشيخ عبد الحميد التيارين الإصلاحي والأصولي بالفاشلين في حل مشكلات البلد، وتابع قائلا: التاريخ السياسي للبلاد يشير إلى فشل التيارين الإصلاحي والسياسي، وإلى أنهما لم يتمكنا من القيام بشيء تجاه مشكلات الشعب الإيراني وخروج البلاد من الأزمات الراهنة. الشعب يشعر بخيبة أمل من الإصلاحيين وكذلك الأصوليين.

البرلمان عاجز من أن يوصل البلاد إلى مكانها الطبيعي
وأشار فضيلة الشيخ عبد الحميد إلى القوة التشريعية في البلاد قائلا: البرلمان الحالي الذي هو حصيلة مجلس صيانة الدستور، رغم نشاطه خلال العقود الأربعة الماضية، ليس في وضع يمكن له أن يوصل البلاد إلى مكانه الطبيعي الذي يليق بالشعب الإيراني، ويزيل التحديات من الطريق.
وتابع فضيلته قائلا: في البرلمان يوجد أشخاص أقوياء، لكنهم في الأقلية، لكن الجزء الكبير من النواب لا يملكون القدرات الكافية.

سياسة مجلس صيانة الدستور في الرفض والقبول، أحد أهم أسباب المشكلات الداخلية في البلاد
ووصف فضيلة الشيخ عبد الحميد “تقييم مجلس صيانة الدستور لقبول أهلية الأفراد ورفض قبولها” بأحد أسبات الأزمات الإدارية في البلاد، وتابع قائلا: من المشكلات الرائجة في البلاد، تضييق دائرة قبول الكفاءات ورفضها من جانب مجلس صيانة الدستور. لقد كانت السياسة الحالية لمجلس صيانة الدستور سببا لئلا يتمكن المؤهلون والأقوياء من أبناء الشعب من الوصول إلى البرلمان ورئاسة الجمهورية وسائر القطاعات الانتخابية.
واستطرد فضيلته قائلا: تقتضي الشروط الراهنة للعالم أن ننظر إلى المسائل من خلال السعة الموجودة في الدين الإسلامي، ونكون أسوة لغيرنا، لكننا مع الأسف لم نستطع أن نكون أسوة لغيرنا حتى الآن، وعجزنا من أن نقدم أسوة متطورة من الإسلام تكون متفقة مع الظروف العالمية الراهنة، وتسترعى انتباه العالم.

ما زال التمييز جاريا ضد أهل السنة في إيران
وأشار رئيس منظمة اتحاد المدارس الدينية لأهل السنة في محافظة سيستان وبلوشستان، إلى مشكلة التمييز ضد أهل السنة، وتابع قائلا: مع الأسف رغم مرور أربعين سنة من عمر الثورة، لم تتحسن أوضاع أهل السنة فيها، ويواجهون أنواعا من التمميزات والمضايقات.
وصرح فضيلته قائلا: وجود أهل السنة في الإدارات لا يكاد يذكر، وقليل جدا، ولم يراع التوازن في هذا المجال، وأهل السنة يشكون من هذا، ويتوقعون بفارغ الصبر أن يُستخدم مؤهلوهم وكفاءاتهم.

لا تراعى الحريات الدينية في بعض المناطق بحق أهل السنة
وأشار فضيلة الشيخ عبد الحميد إلى “غياب الحريات الدينية” كمشكلة أخرى من مشكلات أهل السنة قائلا: رغم أن أهل السنة لديهم حرية نسبية في مناطقهم، لكنهم في المدن الكبرى والمناطق التي يعيشون فيها كأقلية يواجهون ضغوطات ومضايقات، ولا يمكلون حرية كاملة في ممارسة العبادات وتعليم أبنائهم، ولا يؤذن لهم ببناء المساجد، وفي بعض المناطق يواجهون مضايقات حتى بشأن إقامة الصلاة في المصليات.
واستمر فضيلته قائلا: لا تراعى الحريات الدينية والاعتقادية في بعض المناطق التي يعيش أهل السنة فيها كأقليات. فإخوتنا وأخواتنا في محافظة خوزستان يتعرضون للضغوط بسبب المسائل الاعتقادية، وهذه الضغوطات كما أنها تجلب سخط الله تعالى، تغاير الدستور مغايرة صريحة.
وأضاف مدير جامعة دار العلوم زاهدان قائلا: يشكو أهل السنة من عدم وجود مساجد في طهران، ويقولون: النصارى واليهود لهم كنائسهم وبيعهم في طهران، والزرادشتين لديهم معابدهم، ونحن فخورون بأن هناك حرية للأقليات الدينية، لكن الشكوى لماذا لا يؤذن لأهل السنة ببناء المساجد؟
وأضاف فضيلته قائلا: مع الأسف تجري تدخلات عابثة في الشؤون الدينية لأهل السنة في بعض المحافظات كمحافظات “خراسان” أو مدينة “بم” و”كرمان” ومناطق أخرى، مع أننا لا نجد في أي مكان للعالم أن تتدخل الحكومات والدول في شؤون الناس الدينية، حتي الروس الذين كانوا يمارسون أكبر قدر ممكن من الضغط والتمييز ضد المسلمين والديانات الأخرى، توصلوا الآن إلى هذه النتيجة أنهم يجب أن يغيروا سياستهم، ويجب أن تكون لأتباع المذاهب والديانات حريتهم الدينية والمذهبية. بناء أكبر جامع للمسلمين في موسكو بالقرب من الساحة الحمراء وقصر الكرملين نموذج على هذا التغيير في سياسة قادة روسيا.
وتابع فضيلته قائلا: تشير الدراسات أن المسلمين لديهم مساجد وجوامع في جميع العواصم غير الإسلامية، ويمارسون عباداتهم من صلاة الجمعة والعيدين بحرية تامة. في الرياض عاصمة المملكة العربية السعودية مسجد للشيعة يقيمون الجمعة والعيدين. فلا توجد تقييدات على الصلاة والقيام بالعبادات في أي مكان من العالم.

أهل السنة يشكون من إهمال رسالة المرشد بشأن إزالة التمييزات
وأشار خطيب أهل السنة إلى رسالة كتبها إلى المرشد، وردّ المرشد على تلك الرسالة قائلا: الرسالة التي كتبت إلى المرشد والجواب الحافل بالأمل الذي كتبه المرشد وفقا للظروف الراهنة والمعرفة الصائبة، أثارت إشادة الجميع، لكن عمليا لم يستجب أحد لمحتوى هذه الرسالة ولم يسع لتطبيقها عمليا، لا مجلس الأمن، ولا بيت المرشد، ولا أي مكان آخر؛ هذا كان مرسوم المرشد، وكان يجب أن ينفذ. فأهل السنة يشكون من إهمال هذه الرسالة، وجعلها رسالة بلا قيمة مؤثرة في مجال العمل والتطبيق.

الإصرار على السياسات القديمة يُبقي البلاد في الأزمات
وقال فضيلة الشيخ عبد الحميد: إذا أردنا أن نستمر على السياسات الماضية، ونجري تلك البرامج والسياسات، لا نأمل في المستقبل، فمن الممكن أن يكون القادم لصالح من يريدون التغيير الأساسي.
وصرح فضيلته قائلا:علينا أن نزيل من هذا النظام الضغوطات والمضايقات والتقييدات التي لا توجد في الدين الإسلامي، ونطبق الرؤية القرآنية الدينية الواسعة. إذا استطعنا تنفيذ هذه التغييرات، يمكن لنا أن نأمل في حل الأزمات الداخلية والخارجية وجلب مرضاة الشعب.

الكلمة الأخيرة
وصرّح فضيلته قائلا: نحن كمواطنين نريد الخير والصلاح للشعب، ونقول هذه الكلمات عن شفقة وإرادة الخير. رسالتنا للمسؤولين أننا إن لم نعد التفكير في سياستنا، ولم نغير هذه السياسات بشكل عاجل، من المحتمل أن نواجه تحديات جادة في المستقبل، لكننا إن قمنا بتعديل سياسات البلد، ستحل الشكلات والأزمات، سواء قمنا بالمفاوضات مع الولايات المتحدة أم لم نقم.