- سني أون لاین - https://sunnionline.us/arabic -

نظرة إلى حياة الشيخ “أحمد ناروئي” رحمه الله تعالى

إن الله تعالى نصر دينه الكامل في كل عصر برجال صادقين قائمين على الحق. اقتضت مشيئة الله تعالى أن يتربى رجال لخدمة هذا الدين الحنيف ويبارك في عمرهم. كان من هؤلاء الصادقين والمصلحين والمشفقين لأهل السنة والجماعة في إيران، الشيخ أحمد رحمه الله تعالى، الذي لا يشك أحد في أنه من كبار العلماء والقادة لأهل السنة في إيران.
في هذه الوجيزة نحاول أن نقدم إلى القراء شرحا بسيطا من حياته المباركة ونشاطاته الدينية.

المولد والنشأة:
ولد الشيخ أحمد بن عبد الكريم سنة 1383 من الهجرة في مدينة زاهدان. درس العلوم الإبتدائية في المسجد العزيزي (الجامع القديم في مدينة زاهدان) وجامعة دار العلوم زاهدان. كما يروي فضيلة الشيخ عبد الحميد أن والدة الشيخ أحمد الكريمة قدمت به إلى دار العلوم زاهدان للدراسة سنة 1391من الهجرة النبوية.
استفاد الشيخ رحمه الله من أساتذة كبار مثل الشيخ عبد العزيز رحمه الله، مؤسس جامعة دار العلوم زاهدان، والمفتي خدا نظر رحمه الله، وفضيلة الشيخ عبد الحميد والشيخ نذير أحمد سلامي وغيرهم من أساتذة جامعة دار العلوم في ذلك الوقت. ثمّ دفعه الشوق وكذلك مشورة بعض الأساتذة والمشفقين إلى الرحلة لأجل اكتساب العلوم الشرعية والاستفادة من الأجواء العلمية في البلاد.
لقد جرّب رحمه الله تعالى البيئة العلمية والروحية لمدارس كثيرة في باكستان مثل معهد بدرالعلوم حمادية في رحيم يار خان، ودار العلوم فيصل آباد، وتخرج أخيرا من جامعة فاروقية في كراتشي.
استطاع الشيخ أحمد رحمه الله برحلته من مدرسة إلى مدرسة ومضي سنوات في مدارس مختلفة، أن يدرس شتى العلوم الدينية على مجموعة طيبة من أبرز علماء باكستان، كالشيخ الموحّد “عبد الغني الجاجروي” والمفتي “نذير أحمد”، والمفتي الشهيد الدكتور “نظام الدين شامزي” والشيخ “عنايت الله” رحمهم الله، وشيخ الحديث “سليم الله خان” حفظه الله.

العودة إلى الوطن:
بعد دراسة استمرت سنوات واستفادة من العلماء الكبار، عاد رحمه الله إلى الوطن وإلى مولده بزاد من العلوم والتجارب.
في البداية اشتغل بالتدريس في مدرسة “قاسم العلوم” في زاهدان واشتغل بالتدريس أربع سنوات في هذه المدرسة. ثمّ حضر رحمه الله باقتراح فضيلة الشيخ عبد الحميد، مدير جامعة دار العلوم زاهدان إلى هذا المر كز العلمي والديني الكبير، سنة 1408، واستمر في مهنة التدريس وتربية الطلبة والإصلاح بين الناس إلى أن وافته المنية.

خصائص الشيخ أحمد الذاتية:
الشيخ أحمد رحمه الله كان من الشخصيات المعدودة التي يمكن أن يلاحظ الناظر بوضوح في تعامله وأخلاقه استعدادات مختلفة وسجايا أخلاقية بارزة. من أبرز خصائصه:
1-الوجه الطلق: كان رحمه الله حسن الخلق، وجيد التعامل ومنفتحا. في أصعب الظروف لم يكن التبسم يفارق وجهه؛ وهكذا كان رحمه الله يلقى مخالفيه ومعارضيه. يقول  أصحابه وملازموه إن انفتاح الشيخ رحمه الله في التعامل كان يعم الجيمع من الأهل والأولاد إلى العامة والمخالفين.
2- تحمل النقد: لم يكن الشيخ أحمد يخاف النقد والانتقاد، بل كان يستقبل الانتقاد، وكان يسمع انتقاد أصحابه بهدوء واطمئنان كامل، ثم تنطلق لسانه بما كان يراه لازما ضروريا.
3-المهارة في التدريس: طلبة جامعة دار العلوم يعرفون الشيخ أحمد رحمه الله بمهارته المحيرة في تدريس الكتب وحل المسائل المعقدة. وكان رحمه الله رغم مشاغله الكثيرة يواصل تدريس الكتب الهامة إلى نهاية حياته المباركة. كان الحب والود يسودان بيئة حلقات تدريسه.
4- الوعي والبصيرة العالية: من خصائص الشيخ أحمد رحمه الله تعالى، وعيه وفهمه الثاقب للقضايا والمسائل العالمية. تحليله للمسائل المختلفة كان يحكي عن دقة نظره في المسائل السياسية والاجتماعية المختلفة.
وفقا لما قاله فضيلة الشيخ عبد الحميد حفظه الله، إن تحليل الشيح أحمد للقضايا والمسائل الهامة كان يترك تأثيرا كبيرا في مسئولين كبار في مستوى الوزراء ورئاسة الجمهور. وهذا كان السبب في أن يحضر عنده الكثير من أهل السنة وخاصة في محافظة سيستان وبلوشستان لحل المشكلات السياسية والمشورة حول المسائل الهامة.
5- الوسطية والاعتدال: في القضايا السياسية كان دائما يتخذ موقفا معتدلا وكان يراعي حقوق جميع الأقوام والمذاهب.
نظرا إلى أن الشيخ أحمد رحمه الله كان نائبا لفضيلة الشيخ عبد الحميد في الشؤون السياسية والإجتماعية، يثق به الناس والمسئولون، ويراجعونه في القضايا الهامة، ولم يكن يتخذ قرارا في القضايا الهامة من دون مشورة الشيخ عبد الحميد حفظه الله وسائر زملائه.
6- المهارة في حل النزاعات: كان للشيخ رحمه الله خبرة ومهارة كافية في حل النزاعات العائلية والقبلية، وكان يحل النزاعات القديمة التي استمرت سنوات في بضع ساعات. كما قام بحل الكثير من الملفات التي عجزت المحاكم القضائية عن حلها.
7- الحيوية والنشاط: رغم المشاغل الكثيرة، لم يكن توجد علامة من الكلل والتعب على سيماه. بل كان دائما في قمة النشاط والحيوية، وكان يشتغل بالأعمال بكل طاقة ونشاط.
بعد نهاية التدريس كان يذهب إلى مكتب أعماله مباشرة، وكان المكتب مليئا بالمراجعين في الساعات الأولى من اليوم. وفي مكتبه أيضا كان يلقى المراجعين بالانفتاح والانبساط، ويسمع مسائلهم ومشكلاتهم ويقدم لكل مشكلة طريقة مفيدة ومناسبة ومؤثرة.

أعماله ونشاطاته:
الشيخ أحمد رحمه الله الذي كرّس حياته في التعليم والتعلم وخدمة الإسلام والمسلمين، له ملف باهر، وإن نظرة عابرة إلى أعماله ونشاطاته تبيّن هذه الحقيقة.
إليكم بعض أعماله ونشاطاته:
– أستاذ الحديث والفقه في دار العلوم زاهدان. كان رحمه الله يتولى تدريس سنن أبي داؤود منذ سنوات عديدة.
– نائب رئيس جامعة دار العلوم زاهدان في الشؤون الإدارية والمالية.
– رئيس الهيئة الإدارية للصندوق العزيزي للقروض الحسنة. هذا الصندوق الذي تم تأسييسه من قبل إدارة جامعة دار العلوم زاهدان لأجل نشر المصارف الإسلامية، لقد قدم خدمات مفيدة ومؤثرة في مجال إعطاء القروض والتسهيلات للمحتاجين.
– مسئول دار التحكيم في جامعة دار العلوم زاهدان.
– عضو المجمع الفقه الإسلامي لأهل السنة في إيران.
– مسئول مشفى خديجة الكبرى الخيري.
– عضو الهيئة الإدارية لمؤسسة محسنين الخيرية.
– المشرف العام السابق على موقع “سني أون لاين” (الموقع الرسمي لأهل السنة في إيران).
الجدير بالذكر أن الشيخ رحمه الله بذل جهودا كبيرة في مجال رقي جامعة دار العلوم زاهدان وشعبها المختلفة، بما في ذلك موقع “سني أون لاين”، وقد تحمل مشكلات ومصاعب في هذا الطريق ولأجل الحفاظ على استقلال هذا المركز العلمي والمذهبي.
من المشكلات التي تحملها رحمه الله في سبيل الله تعالى نستطيع أن نشير إلى قضائه عدة أشهر في السجن، حيث تم اعتقال فضيلته وأودع السجن عام 1414 لمدة أكثر من خمسة أشهر. كما قضى فضيلته رحمه الله قرابة ستة أشهر في سجن مدينة مشهد عام 1429 من الهجرة.
– عندما كان يغيب فضيلة الشيخ عبد الحميد عن خطبة الجمعة لأجل رحلاته الدينية والدعوية، كان يلقي خطبة الجمعة فضيلة الشيخ أحمد رحمه الله.
في الحقيقة، كان الشيخ رحمه الله موضع ثقة تامة لفضيلة الشيخ عبد الحميد حفظه الله، وكان ذراعه الأيمن، وعونا له في حمل العبء العظيم والمسؤولية التي يتحملها. لأجل ذلك قرره فضيلة الشيخ نائبا له في شئون جامعة دار العلوم وإمامة الجمعة، وكان يوفده ممثلا إلى كبار المسؤولين.

الوفاة:
توفي الشيخ أحمد رحمه الله، بعد سنوات من الدراسة والتدريس والإصلاح بين الناس، يوم الإثنين 16 من جمادى الأولى سنة 1435 عن عمر يناهز الخمسين، نتيجة حادث مرور. وتم تشييع جثمانه يوم الثلاثاء 17 جمادى الأولى، بحضور عشرات الآلاف من الشعب المؤمن من مدينة زاهدان وسائر المدن والمحافظات، وأودع جثمانه الثرى في مقبرة زاهدان.
“إنا لله وإنا إليه راجعون. رحمه الله وأسكنه فسيح جناته مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين”.