- سني أون لاین - http://sunnionline.us/arabic -

إلى أين تسير البلاد؟!

تعيش بلادنا في هذه الأيام أزمات حادة في الأصعدة المختلفة سواء الاقتصادية أو السياسية أو الاجتماعية أو….، وليست هذه الأزمات وليدة سنة أو شهور بل هي تعود لسنوات بعد الثورة الإسلامية وهي نتاج السياسات الداخلية والخارجية التي اتخذتها الحكومة تجاه شعبها وتجاه الشعوب العربية والإسلامية المجاورة وطريقة تعاملها مع العالم.
يحكم إيران بعد الثورة الإسلامية جناحان يتناوبان في الحكم، جناح الأصوليين المقرب إلى النظام الحاكم وجناح الإصلاحيين الذي يهتف بالإصلاح في تجديد الوعي وكيفية التعامل مع العالم ومع الغرب ولكن كلا الجناحين يتققان في القواسم المشتركة ويتبعان في الأصل منهج النظام السائد. ولم يستطع الجناحان خلال فترة حكمهما الاحتواء على الأزمات الموجودة فحسب بل كلما توغلا في الحكم ازدادت الأوضاع سوءا وما نشاهده اليوم ليس إلا نتيجة حكمهما الخاطئ طيلة عشرات السنين.
كانت من نتيجة السياسات الخاطئة أن دخلت البلاد في دوامة من المشكلات الحادة التي قصمت ظهر البلاد وأدخلتها في نفق مظلم يصعب الخروج منه. وأصبحت البلاد تئن تحت وطأة المشاكل الاقتصادية الحادة.
وإن مما يضمن رقي البلاد وازدهارها هو فسح المجال للمصلحين والذين وإن لم يكونوا في صلب الحكم إلا أنهم يلمسون ما يعانيه الشعب ولديهم حلول للخروج من الأزمات والمشاكل ويشهد التاريخ أن الحكومات التي فتحت أمام الناس مجال النقد وأصغت إلى مطالب الشعب والمصلحين خرجت من العواصف الضخمة التي كادت أن تودي بها، وأما التي لم تصغ إلى نصح الناصحين بل اتهمتهم بالسذاجة والخيانة وكممت أفواههم بحجج واهية.. ازادت سوءا ودخلت في فخ صعب عليها الخروج منه. وفيما يتعلق بالأوضاع الراهنة في البلاد مع الأسف لم يكن مجال النقد والاعتراض مفتوحا حتى يتدخل المصلحون والذين يهمهم شأن الشعب والبلاد أن ينتقدوا السياسات الخاطئة ويشيروا إلى مواضع الضعف والقوة ويقيموا الأود ويصلحوا الأخطاء بل مما زاد الطين بلة أن كل من انتقد أسكت صوته إما بالتهديد أو بالسجن أو بإلصاق تهم واهية فسُدّ بذلك منافذ الإصلاح ويئس المصلحون من الأوضاع الراهنة أو كادوا.
كان لأهل السنة والجماعة الذين يشكلون ربع سكان البلاد ويعدون ثاني الأكثرية الساحقة نصيب كبير في النقد وإبداء النصح ولم يألوا في ذلك أي جهد وعلى رأسهم فضيلة الشيخ عبد الحميد إمام وخطيب أهل السنة في إيران، فهو كان ولا يزال ينتقد السياسات الخاطئة التي تسير بالبلاد نحو هاوية السقوط وينصح الحكام بما يعود إلى نفع البلاد وبما يضمن خروجها من الأزمات الراهنة التي تعصف بها.
ألقى فضيلة الشيخ عبد الحميد من خلال منصة مصلى مدينة زاهدان التي تعد منصة أهل السنة الوحيدة التي يرتفع منها صوت أهل السنة النصح على الحكام بخاصة بعد المظاهرات والاحتجاجات العنيفة التي شهدتها البلاد مؤخرا وبعد سقوط العملة إلى أدنى مستوياتها، وكان لآراء فضيلة الشيخ البناءة أثر كبير في الشعب الإيراني حيث تفاعلوا مع ما يقترحه الشيخ للخروج من الأزمات التي تشهدها البلاد ولكن مع الأسف لم تصغ الحكومة إلى النصائح والاقتراحات التي قدمها فضيلة الشيخ عن منصة أهل السنة فحسب بل حاولت إكسات صوت الشيخ بالتهديد والإرعاب، وأخيرا حدثت مجزرة الجمعة الدامية التي راح ضحيتها قرابة مأة مصل وأصيب ثلاثمائة شخص من الأبرياء الذين جاؤوا ليؤدوا فريضة الجمعة ولم يكن لهم في القضية أي ناقة وجمل.
مجزرة الجمعة الدامية قطعت آخر خيط من خيوط الأمل والرجاء من الحكومة وقطعت صلة قاطبية أهل السنة بالحكومة. وما زال الشعب يتجرع مرارة المجزرة ومازال الشعب مندهشا من تلك الفاجعة الفظيعة التي قلما يوجد نظيرها في تاريخ المجازر، ومازال الشعب يتساءل لماذا حدثت هذه المجزرة ومن كان وراءها وبأي ذنب قتل هؤلاء الأبرياء الذين جاؤوا ليلبوا نداء الحق، ولم يكن لهم ذنب إلا أن يقولوا ربنا الله؟!
حادثة الجمعة الدامية التي كانت محاولة فاشلة لإسكات صوت أهل السنة لم يُسكت أهل السنة بل أصبحت انطلاقة جديدة في تاريخ المظاهرات والاحتجاجات بخاصة في بلوشستان، حيث لم يفتر فضيلة الشيخ عبد الحميد خاصة وأهل السنة بصفة عامة عن مطالبهم بل ازدادوا صمودا وإلحاحا على الإصلاح، وتشكلت بعد مجزرة الجمعة الدامية مظاهرات منددة بالمجزرة ومطالبة بالقبض على مرتكبي المجزرة وإدانتهم وتقديمهم إلى المحكمة لينفذ عليهم الحكم كما وطالب المعترضون الحكومة بالإصغاء إلى مطالب أهل السنة والجماعة وإلى تحقيق العدالة والتنمية.
ولكن مع الأسف ما زالت علامات الاستفهام والتساؤلات الكثيرة عالقة في الأذهان فيما يتعلق بالجمعة الدامية، ولم تقدم الحكومة جوابا مقنعا في هذا الصدد ومازالت الحكومة تنتهج منهج القهر والقسر، وليعلم أن العنف لا ينتج إلا العنف، وعليه فإن معاملة الحكومة القاسية مع محتجي بلوشستان وأهل السنة وعدم الإصغاء إلى مطالبهم المشروعة لم يولد إلا الغضب والهجران، ولم ينتج إلا التشاءم وزاد الرقعة اتساعا، واتسعت الفجوة أكثر فأكثر.
وقد أثبت أهل السنة في كل الأزمات التي حلت بالحكومة وفي كل المناسبات الحكومية كفاءتهم وكانوا في جنب المسؤولين وشاركوا الانتخابات بصورة فعالة وضمنوا الأمن والسلام على الحدود رغم كل الممارسات الممنهجة ضدهم، فهل نصيبهم بعد كل هذا الرصاص والسجن والكبت؟!
ترى، كيف يمكن الخروج من هذه الأزمات؟ وهل تعود الثقة المفقودة بين الحكومة والشعب؟ وهل يمكن لأهل السنة أن يجلسوا على طاولة التفاوض مع الحكومة؟ وهل للحكومة عزم صادق على عقاب مرتكبي المجزرة؟! وهل يمكن للحكومة احتواء الأزمة الاقتصادية الحادة التي قصمت ظهر الشعب؟
يبدو أن الأوضاع تسير نحو الأسوأ إذا لم يتم إعادة النظر في سياسات الحكومة، ولكن هل ستعيد الحكومة النظر في سياساتها وتغير منهجها القسري أم مازالت تنتهج منهج القمع والقهر وتسجن أكبر عدد ممكن من الشعب المعترض على الأوضاع المتأزمة وتغلب على الشعب بالسكين والرصاص؟! وإلى أين ستسير البلاد عندئذ؟!