- سني أون لاین - http://sunnionline.us/arabic -

العلّامة الشيخ محي الدين بلوشستاني

المولد والأسرة:
ولد العلامة محي الدين رحمه الله، سنة 1369 في قرية “تبه دز” من القری القريبة من مدينة “زابل” في شمال محافظة سيستان وبلوشستان.
والده وأعمامه وأجداده كانوا معروفين بالعلم والتقوی والتدين وخدمة الدين. فوالده کان واعظا وإماما في مسجد القرية إلی حين وفاته. وعمه الشيخ القارئ “غلام نبي” رحمه الله، مدیر المدرسة الدينية المشهورة (تجويد القرآن) في كويتا، مركز إقليم بلوشستان باكستان، كان من الشخصيات المعروفة المشهورة.

الرحلة لطلب العلم:
هاجر الشيخ محي الدين بلوشستانی طلبا للعلم إلی مدينة “کويتا” في مركز إقليم بلوشستان باكستان، ودرس السنوات الابتدائية علی عمّه القارئ “غلام نبي” مدة ثلاث سنوات، ثم سافر من هناك إلی کراتشي، واشتغل بالدراسة في الجامعة الفاروقية علی مديرها السابق العلامة “سليم الله خانْ” رحمه اللّه، وكان زميلاً للشيخ الشهيد “عادل خانْ” نجل الشيخ “سليم الله” رحمهما الله.
استفاد في كراتشي أيضاً من كبار العلماء كالشيخ المفتي “محمد شفيع عثماني”، والمفتي “نظام الدين شامزئی” رحمهما اللّه.
ثم هاجر فضيلة الشيخ محي الدين من كراتشي إلی مدينة “رحيم يارخان” في إقليم “بنجاب”، وأکمل تعليمه هناك. في “رحيم يارخان” درس التفسير والحديث علی الشيخ المفسر العلامة “عبد الغني الجاجروي” رحمه الله.

الشيخ محي الدين سفيراً إلی خراسان:
فی أوائل الثورة في إيران، وبعد الاستفادة من مناهل العلم في كراتشي، وبنجاب في باكستان، يعتزم الشيخ محي الدين بمشورة العلامة عبد العزيز رحمه الله (مؤسس جامعة دار العلوم زاهدان) على رحلة علمية إصلاحية إلى منطقة محرومة وبعيدة في شمال خراسان. يقرر الشيخ محي الدين أن يرحل للتعليم والدعوة والإصلاح إلى مدينة “صالح آباد” في خراسان.
أهالي قرية “درخت توت” التي تبعد على مسافة عشرة كلم من “صالح آباد”، وأكثر سكانها من البلوش السنة، والبعض منهم من أقارب الشيخ محي الدين رحمه الله، كانوا أول المضيفين للشيخ. تولّى رحمه الله إمامة المسجد في هذه القرية، لكن كانت همته وإرادته أوسع، فكان يفكر لكل المنطقة، وبل لمحافظة خراسان الواسعة. كان رحمه الله يفكر للرقي الواسع، والتطور العلمي والديني الكبير لكل البلاد، لذلك فكر في تأسيس مسجد جامع في مدينة “صالح آباد”، و”صالح آباد” لم يكن فيها جامع قبل هذا، ولم يكن في المنطقة مدرسة شرعية ودينية، وعدد العلماء كان قليلا جدا، فكان تأسيس هذا الجامع في “صالح آباد” من أكبر نشاطات الشيخ محي الدين رحمه الله، وكان أفضل مكان للتعليم والتربية والارتباط مع الناس.

تأسيس مدرسة “تعليم القرآن” الدينية:
بعد إنشاء الجامع الكبير في المدينة، كانت الحاجة ماسة إلى تأسيس مدرسة لتعليم الدين والمسائل الدينية لأبناء السنّة، لذلك أنشأ في عام 1402 مدرسة “تعليم القرآن” الدينية.
هناك قصص غريبة حول بناء هذه المدرسة، وحول كيفية جمع التبرعات العامة، وكيف سارع الفقراء من أهل القرية بأموالهم وأنفسهم للتبرع على بناء هذه المدرسة.
حضر في افتتاحية هذه المدرسة علماء كبار مثل المفتي “خدانظر” (رئيس دار الإفتاء في جامعة دار العلوم زاهدان)، والشيخ “نظرمحمد ديدكاه”، والشيخ “محمود”، والشيخ الشهيد “عبد الملك ملازاده”، والعلامة “شهداد” والعديد من العلماء البارزين في بلوشستان وخراسان.
كان العلامة “عبد العزيز” رحمه الله (مؤسس جامعة دار العلوم زاهدان، يعتني بهذه المنطقة وبنشاطات الشيخ محي الدين رحمه الله اعتناء خاصا، و كان رحمه الله يتابع دائماً القضايا، ويسأل عن أوضاع المنطقة وأحوالها.
كان لمدرسة صالح آباد تأثير كبير في المنطقة، تربى فيها حفاظ ماهرون، وطلابها كانوا يقومون بتغطية المنطقة بأكملها خلال أشهر رمضان لإمامة المصلين، وكان عدد الطلاب يتزايد باستمرار، وجاء أشخاص من جميع أنحاء محافظة خراسان وخارجها لدراسة العلوم الشرعية.
وكان الشيخ محي الدين يولي اهتماماً كبيراً بمعلمي وطلاب المدرسة، فقد كان يحضر المدرسة ليلاً ونهاراً، وكان وقاره وهيبته كافيتان لنظم المدرسة والتأثير على الأساتذة والطلبة.

الارتباط مع عامة الناس:
كان الشيخ رحمه الله قوي الارتباط مع مختلف القبائل والعشائر في أحياء “صالح آباد” و”سرخس” و”تربت جام”. كان يحترم رؤساء العشائر، و كان يتواصل دائمًا مع الناس في كل فرصة، ويعلمهم المعتقدات، ويزكيهم عاداتهم وتقاليدهم. كان الشيخ رحمه الله يحارب بشدة عبادة القبور، وشد الرحال للضرائح، فكان يتلو آيات التوحيد، ويترجمها ويفسرها للناس في اجتماعاته، ويسعى في إزالة الشركيات والبدعات من القبور، فلم يكن يعرف تعبا ولا وهنا، ولا خوفا ولا لوما في هذا الطريق. فكان يحمل راية التوحيد، منتقلا من قرية إلى قرية، وكان يبلغ المسائل والقضايا والتعاليم الدينية بكل حب واحترام وصراحة وشجاعة.

الاعتقال والسجن والعيش في المنفی:
اعتقل الشيخ محي الدين سنة 1405 في مشهد، وبقي في المعتقل لمدة سنة. ثم نفي إلى منطقة “تيران” من توابع “نجف آباد” في “اصبهان”، لمدة خمس سنوات، ثم عاد رحمه الله بعد خمس سنوات إلى “صالح آباد” سنة 1411، لكنه سرعان ما اضطر لمغادرة صالح آباد، وأقام في زاهدان. لم تطل إقامة الشيخ محي الدين في زاهدان أكثر من أربع سنوات، فقد هاجر إلى أفغانستان، وبقي في أفغانستان يشتغل بنشاطات دعوية وإصلاحية وثقافية، وبقي في أفغانستان إلى أن احتلت الولايات المتحدة الإمريكية أفغانستان، فهاجر من أفغانستان إلى مدينة “كويتا” في إقليم بلوشستان في باكستان.

الوفاة:
لقد أمضى الشيخ محي الدين الأيام الأخيرة من عمره في المشكلات والأمراض، إلى أن توفّي صباح يوم الجمعة 6 شوال 1441، بعد ما قضى عمره في خدمة العلم والدين. رحمه الله رحمة واسعة وأسكنه فسيح جناته.