- سني أون لاین - http://sunnionline.us/arabic -

تكوين الرجال؛ جانبٌ يجب التركيز عليه أثناء دراسة السيرة

[كلمةٌ للأستاذ الشيخ المفتي محمد قاسم القاسمي، رئيس دار الإفتاء التابعة لجامعة دار العلوم زاهدان، قالها في مؤتمرٍ أقيم في موضوع “التربية والتعليم في السيرة النبوية”، أقامه قسم “التخصص في الدعوة والفكر الإسلامي” في جامعة دار العلوم زاهدان مساء الأربعاء 7 صفر ١٤٤٠].

إنّ السيرة النبوية هي الشكل العملي والتطبيقي لتعاليم نزل بها القرآن الكريم، لذلك لمّا سئلت أم المؤمنين عائشة الصديقة رضي الله عنها: «كيف كان خلق النبي صلى الله عليه وسلم؟ أجابت: كان خلقه القرآن.»
يقول العلامة القارئ “محمد طيب” رحمه الله، مدير جامعة دار العلوم ديوبند سابقا في بيان معنى هذا الحديث: “رسول الله كان قرآنا ناطقا يتحرك”.
فما ورد في القرآن الكريم بيّنه النبي الكريم بأقواله وأفعاله وتقريراته للأمة، لأنه الشاهد، ويقول القرآن الكريم: {إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا}، يعني شاهدا ناطقا، شاهدا يعمل كما أمره الله ويريد منه، شاهدا يقاتل في سبيل الله ويعبد ربّه ويعلّم الناس.
في الحقيقة سيرة الرسول الكريم سيرة جامعة وكاملة؛ تتطرق إلى بيان العبادات والاعتقاديات والأخلاقيات، وإلى الأسلوب الصحيح في التعايش، وتتحدث عن السلوك المناسب المطلوب مع الأولاد من البنات والبنين، والأقارب والضيوف وأهل الإيمان جميعا.
إن رسول الله صلى الله عليه وسلم علّم أمته كيفية التعامل في الفرح والحزن، وعند النفع وعند الضرر، وفي المرض وعند العافية، وأثناء هجوم الأعداء وغلبة الرجال.
فعندما نقرأ كتاب “الحصن الحصين”، نرى أن هذا المعلّم لم يترك صغيرا ولا كبيرا إلّا وعلم أمته كيفية سؤاله من الله تعالى. لكن الجانب الأهم في سيرة الرسول الكريم، أنه لم يكن يؤدّى دوره كواعظ أو مبلّغ فقط بأن يقول: {وما علينا إلا البلاغ}، بل كان ركّز على تكوين الرجال؛ على تكوين من يقوم برسالته من بعده. للعلامة الشاه وليّ الله الدهلوي رحمه الله تعبيرٌ في هذا المجال وضّحه الإمام الندوي رحمه الله تعالى: “الشاه ولي الله يعتقد أن بعثة رسول الله تختلف عن بعثة سائر الأنبياء، فبعثة الرسول مشتملة على بعثتين: بعثة الرسول نفسه، وبعثة الأمة، والأخيرة يصفها الشاه ولي الله الدهلوي بالبعثة المقرونة، فالرسول مبعوث وأمّته مبعوثة”.
لذلك استخدم رسول الله صلى الله عليه وسلم لأمته هذا التعبير لما خاطب أصحابه: “إنما بعثتم ميسرين، ولم تبعثوا معسرين”. والصحابة رضي الله عنهم كانوا يعتقدون ذلك حيث كانوا يقولون: «الله ابتعثنا…»
والبعض يفسّر قول الله تعالى: {كنتم خير أمة أخرجت للناس} بخير أمة بعثت للناس…
على كل حال، لو ألقينا نظرة إلى عموم الأحاديث، نرى أن كلمة البعثة وصفت بها الأمّة، بمعنى أن هذه الأمة مبعوثة مكلفة.
لذلك لم يكتف رسول الله صلى الله عليه وسلم بالوعظ والتبليغ، بل كان يسعى أن يعيش مربيا ومعلما ومكوّنا للرجال، وكل همّه أن يربّي تلاميذ باحثين للحق، قائمين بالرسالة، وعارفين لرسالاتهم قائمين بها. فقد ربّى أبابكر الصديق، وعمر الفاروق وعثمان ذا النورين وعلي المرتضى.
هكذا بالنسبة إلى النساء، فمن مصالح تعدد الزوجات أنه أراد أن يكوّن من الأزواج المطهرات معلمات للأمة.
فالجانب المهم الذي يجب ان نهتم به هو أن نرى كيف كان رسول الله يكوّن الرجال؟
والجانب المهم الآخر أنه كان يكوّن رجالا قادرين على مهمة التربية وتكوين الرجال، لذلك يقول الله تعالى: {هو سماكم المسلمين من قبل وفي هذا ليكون الرسول شهيدا عليكم وتكونوا شهداء على الناس}. الوصف الذي وصف به الرسول الكريم، وصف به الأمة حيث قال: {وتكونوا شهداء على الناس}. فالصحابة شهداء كما كان الرسول صلى الله عليه وسلم شاهدا. والبعض فسروا الآية بأنكم معلمو الناس، ورسول الله معلمكم، وبتعبير آخر، رسول الله أسوتكم وأنتم أسوة الناس جميعا.

إن الأمة المحمدية اليوم تعاني من فراغ في هذا الجانب، فالواجب على المصلحين والعلماء والمعلمين والدعاة والنخب، أن يبذلوا جهودهم في إحياء الشعور بقيام الدور والمسؤولية والرسالة في أفراد الأمة، ليعرفوا أنفسهم، وأن يروا مكانتهم أعلى وأرفع. فإذا وصلت الأمة إلى هذه القناعة، سيحدثُ تغيير، لأنهم بهذه القناعة يرون أنفسهم محتاجين إلى بعض التعليمات والتغييرات ليكونوا مربين ومعلمين.
وهذا جانب مهم في السيرة النبوية يجب الاهتمام به ليعلم المرء المسلم أنه إذا درس الطب مثلا وداوى المرضى، يكون مختلفا عن الذي يستمع خطبة في الطب من محاضر، لأنه يجب أن يؤدي دورا في المجتمع، ويجب أن يكون معالجا لآلام الناس.
فلا بد من التركيز على هذا الجانب في المدارس الدينية والجامعات وبين كافة طبقات المجتمع، وعلى المسلمين أن ينظروا كيف كان نبيهم صلى الله عليه وسلم يصنع الرجال؟ وعليهم أن يقتنعوا بأنهم يحملون رسالة، وعليهم واجبات.
يقول الإمام ابو الحسن الندوي رحمه الله تعالى: «إن حياة الأمم أيها السادة الكرام بالرسالة والدعوة، وإن الأمة التي لا تحمل رسالة ولا تستطحب دعوة، حياتها مصطنعة غير طبيعية، وإنها كورقة انفصلت عن شجرتها».
هناك في الأمة من لا يعرفون هذه الرسالة، ولا يعلمون الدعوة التي كلفوا بالقيام بها، فيبتعدون عن الأعمال في بداية الأمر، ثم يصبحون أجانب لتعاليم الإسلام شيئا فشيئا؛ لذلك يجب التركيز على هذا الجانب أكثر أثناء دراسة السيرة النبوية الكريمة.