- سني أون لاین - http://sunnionline.us/arabic -

كفر اليهود بما أنزل الله وحسدُهم (تفسير آيات 90 إلى 96 من سورة البقرة)

بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنفُسَهُمْ أَن يَكْفُرُوا بِمَا أَنزَلَ اللَّـهُ بَغْيًا أَن يُنَزِّلَ اللَّـهُ مِن فَضْلِهِ عَلَىٰ مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ ۖ فَبَاءُوا بِغَضَبٍ عَلَىٰ غَضَبٍ ۚ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ مُّهِينٌ ﴿٩٠﴾

التفسير المختصر
{بِئْسَمَا اشْتَرَوْابِهِ أَنفُسَهُمْ} بئس ما باعوا به حظّ أنفسهم من الآخرة في ظنّهم حيث خلّصوها عن الذلّ بترك السيادة والرئاسة، {أَن يَكْفُرُوا بِمَا أَنزَلَ الله بَغْيًا} يكفرون حسدا وطلبا لما ليس لهم وفسادا في الأرض، {أَن يُنَزِّلَ الله مِن فَضْلِهِ عَلَىٰ مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ} يعنى محمدا صلى الله عليه،ۖ {فَبَاءُوا بِغَضَبٍ عَلَىٰ غَضَبٍ}ۚبسبب كفرهم بمحمد صلى الله عليه وسلم والقرآن. {وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ مُّهِينٌ}يراد به إذلالهم.

فائدة:
إنّهم استحقوا غضب الله وسخطه مرتین، وذلك بسبب كفرهم مرّة وبسبب حسدهم مرّة أخری. ووصف العذاب بالمهین فی حق الكفار، لأنه یسبب الهوان والذل، أمّا عذاب المؤمن العاصي فيكون لأجل تطهيره من الذنوب، وليس للإهانة.
وفي الآيات التالية ذكرت أقوالهم التي يثبت منها كفرهم وحسدهم.
**

وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا بِمَا أَنزَلَ اللَّـهُ قَالُوا نُؤْمِنُ بِمَا أُنزِلَ عَلَيْنَا وَيَكْفُرُونَ بِمَا وَرَاءَهُ وَهُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقًا لِّمَا مَعَهُمْ ۗ قُلْ فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنبِيَاءَ اللَّـهِ مِن قَبْلُ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ ﴿٩١﴾

التفسير المختصر :
{وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا بِمَا أَنزَلَ الله} من القرآن وسائر الكتب الإلهية، {قَالُوا نُؤْمِنُ بِمَا أُنزِلَ عَلَيْنَا} أي التوراة، {وَيَكْفُرُونَ بِمَا وَرَاءَهُ}أي القرآن، {وَهُوالْحَقُّ مُصَدِّقًا لِّمَا مَعَهُمْ ۗ قُلْ فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنبِيَاءَ الله مِن قَبْلُ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ }إنما أسند إليهم قتل الأنبياء مع أنه فعل آبائهم لأنهم راضون به، وهم في صدد قتل نبيهم.

فائدة:
ادّعی الیهود أنهم یؤمنون بالتوراة ولا يؤمنون بكتاب آخر، فصاروا كافرین. وأمّا قولهم: {نؤمن بما أنزل علینا} یدلّ علی حسد فیهم حیث لا يقبلون ما أنزل علی غیرهم. و ردّ الله سبحانه وتعالی قولهم بثلاثة دلائل؛ الدلیل الأّول: لمّا كانت الكتب جمیعاً من الله، وثبت بالبرهان كونها من الله، فلماذا یكفرون بها ویصرّون علی الإيمان بالتوراة وحدها.
الدلیل الثانی: إنّ القرآن الكریم یصدّق ما فی التوراة، فالذي ینكره ولا يؤمن به، كأنّه ینكر التوراة أیضاً ولا یؤمن به.
الدلیل الثالث: إنّ قتل الأنبیاء كفر وجريمة مستنكرة، فلماذا قتلتموهم، وهم یعلّمون ویبلّغون أحكام التوراة؟! ألیس هذا كفر بالتوراة؟! إذن ثبت كفرهم وطغیانهم وبطلان دعواهم.

تفنيد دعوى اليهود الإيمان بالتوراة
وَلَقَدْ جَاءَكُم مُّوسَىٰ بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِن بَعْدِهِ وَأَنتُمْ ظَالِمُونَ ﴿٩٢﴾

التفسير المختصر
{وَلَقَدْ جَاءَكُمْ مُوسَى بِالْبَيِّنَاتِ} التوحيد والرسالة، {ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ} إلها، {مِنْ بَعْدِهِ} ذهاب موسى إلى الطور، {وَأَنْتُمْ ظَالِمُونَ}.

فائدة:
المراد بالبيّنات هي الدلائل والبراهين التي كانت تدلّ على نبوّة سيدنا موسى عليه السلام قبل أن تنزل التوراة مثل العصاء واليد البيضاء وانفلاق البحر وغيرها.
وقد سيقت هذه الآية والتي بعدها ردّا على اليهود الذين كانوا لا يؤمنون بالنبي صلى الله عليه وسلم ويزعمون أنهم مؤمنون بشريعة لا يطالبهم الله بالإيمان بغيرها.
وخلاصة الرّد: أنّكم تدعون الإيمان وتشركون بالله صريح الشرك مما يؤدي إلى تكذيب موسى عليه السلام بل وإلى تكذيب الله سبحانه وتعالى أيضا.
ومن الجدير بالذكر، أنّ اليهود الذين كانوا في زمن النبي صلى الله عليه وسلم، لم يتخذوا العجل إلها، ولم يعبدوه، وإنّما خوطبوا بهذا الكتاب، ونسبت إليهم جريمة أسلافهم، لأنّهم كانوا يدافعون عنهم ويثنون عليهم خيرا ولا يتبرأون من عملهم، فصاروا مثلهم ومشاركين لهم في الإثم، فاستحقوا هذا الردّ في القرآن الكريم.
فلا غرابة إذن أن يكذّب اليهود الذين عاصروا رسول الله صلى الله عليه وسلم رسالته، وقد كذّب أسلافهم سيدنا موسى عليه الصلاة والسلام، فقد ورثوا ذلك كابرا عن كابر فقد كفر أسلافهم بتكذيبهم نبيهم موسى عليه الصلاة والسلام.

***

وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا مَا آتَيْنَاكُم بِقُوَّةٍ وَاسْمَعُوا ۖ قَالُوا سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ ۚ قُلْ بِئْسَمَا يَأْمُرُكُم بِهِ إِيمَانُكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ ﴿٩٣﴾

التفسير المختصر
{وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ} لأجل أخذ ذلك الميثاق، {خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ} من الأحكام، بـ{ِقُوَّةٍ وَاسْمَعُوا}استجيبوا وأطيعوا، {قَالُوا سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا} قالوا ذلك بلسانهم خوفا، {وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ}حبه، {بِكُفْرِهِمْ} بسبب كفرهم السابق حيث بعد مجاوزتهم الأوثان رأوا أمة تعبد الأوثان فطلبوا من سيدنا موسى عليه الصلاة والسلام أن يتخذ لهم أيضا إله مثل إلههم، {قُلْ بِئْسَمَا يَأْمُرُكُمْ بِهِ إِيمَانُكُمْ} أنتم رأيتم الأفعال التي هي نتائج الإيمان الذي تزعمون. تلك الأفعال قبيحة وسيئة، فيعلم أن الذي تدعونه ليس بإيمان، لأن الإيمان لا يأمر بمثل هذه الأفعال، {إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ}.

فائدة:
المعاصي وأسباب السخط الصادرة من اليهود وما ترتّب عليها من العقاب والعتاب والمسببات الأخرى، قد حدث على النحو التالي: ما إن عبر بنو إسرائيل البحر المالح حتى نطقوا بكلمة الكفر، وإن تابوا بعد أن وبّخهم سيّدنا موسى عليه السلام وأنذرهم، لكن للتوبة أقسام ودرجات فلعدم التوبة الخالصة الصادقة بمستواها الرفيع منهم بقي على قلوبهم من أدران ما ارتكبوه من المعاصي ما أدّى إلى عبادة العجل.
ثمّ إنّ منهم من وجب عليه القتل قبولا لتوبته ومنهم من قبلت توبته بلا قتل كما ذكره بعض المفسّرين ولكن توبتهم كانت ضعيفة ضئيلة أيضا، وأمّا الذين لم يعبدوا العجل فهم أيضا لم يسلموا من آثار تلك المعصية لما فرطوا فيما وجب عليهم من الابتعاد والتبرّي من أصحاب العجل.
فضعْفُ توبتهم أو عدم كراهيتهم للكفر أثّر في قلوبهم، حتى أصبحوا مهملين للدين إلى أن رفع الله فوق رؤوسهم الطور بميثاقهم. ولما لم تكن توبتهم توبة نصوح بقيت في قلوبهم من ظلمة المعصية ما حملهم على عبادة العجل فعوقبوا جزاء ما فعلوا من سوء، ثم رفع الله تعالى الطور فوقهم ليتوبوا، وليستسلموا، ويعطوا الميثاق.

****

حرصهم على حياة الدنيا
قُلْ إِن كَانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الْآخِرَةُ عِندَ اللَّـهِ خَالِصَةً مِّن دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ ﴿٩٤﴾ وَلَن يَتَمَنَّوْهُ أَبَدًا بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ۗ وَاللَّـهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ ﴿٩٥﴾

التفسير المختصر
ادّعى اليهود وزعموا أن نعم الآخرة خاصة لهم. أنزل الله تعالى الآيات التالية تفنيدا لدعاوي اليهود هذه، {قلْ إِنْ كَانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الْآخِرَةُ عِنْدَ الله خَالِصَةً مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ} تصديقا لهذه الدعوى {إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ}في هذه الدعوى،{وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَدًا بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ}من الأعمال السيئة والكفرية {وَالله عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ} إن الله يعلم أحوال الظالمين، وإذا اقترب موعد معاقبتهم، يطلعهم على جرائمهم ويخبرهم بعقابهم.

فائدة:
وقد ذكر الله تعالى زعمهم هذا في مقام آخر : { وَقَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَةً} , و { وَقَالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَى } , و{ وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاءُ الله وَأَحِبَّاؤُهُ} .
يتبين من خلال هذه الدعاوي أن اليهود يزعمون أنهم على الحق، فلا جرم أنهم فائزون، وينجون من العذاب يوم القيامة، وقالوا : إننا على الحق، فلا ندخل النار، ولو دخلناها بسبب من المعاصي، لن نخلد فيها بل سنخرج منها بعد قليل. وكانوا يقولون: أما المطيعون الطائعون منّا هم أبناء الله وأحباءه ومن المقربين لديه، وأمّا العاصون منا فمن تاب منهم أو غشيته الرحمة فهم أيضا يدخلون الجنة من أول أمرهم، ومن مات مجرما لن يخلد في النار، بل سيدخله الله الجنة، ولن تمسه النار إلا أياما معدودة.
بغضّ النظر عن شناعة بعض هذه الدعاوي، فالقول بعدم الخلود في النار لمن يكون على الدين الحق صحيح صادق، لأن الذي يستقيم على الدين الحق، لا يخلد في النار وإن ألقي فيها بسبب معاصيها.
ولكن لما نسخ الله دينهم، ولم يبق دينهم صحيحا حقا، فبطل زعمهم أنهم على الحق. ولأجل هذا ردّ الله تعالى عليهم وأبطل زعمهم وكذبهم في آيات كثيرة بطرق شتى.
جدير بالتدبر أن الله سبحانه كذّب دعواهم ههنا بطريقة عجيبة، وذلك أنه أمرهم أن يتمنوا الموت إن كانوا صادقين في دعواهم، فإن لم يطلبوا الموت بعد هذ التحدي بأفواههم ولم يتمنوه يثبت أن أقاويلهم كاذبة ومزاعمهم باطلة.
ثمّ أخبر الله تعالى أنهم لن يتمنوه وهكذا كان، لأنهم كانوا يعرفون حق المعرفة أن النبي صلى الله عليه وسلم صادق، والمؤمنون على الحق، وهم على الباطل فخافوا أن يدركهم الموت إثر تمنيهم الموت فيدخلوا النار، فلم يتمنوه، ولم يتفوهوا به لما اعتراهم من الهيبة، فثبت كذبهم وبطل دعوى كونهم أبناء الله وأحبّاءه.
ولو كانوا صادقين في زعمهم، لتمنوه ولما سكتوا تجاه هذا التحدي السافر، بل اغتنموا الفرصة لتكذيب هذا النبي الذي يعادونه ويبغضونه أشدّ البغض ولتفوهوا به فوهة رجل واحد.
ففي إفحامهم تجاه هذا التحدي السافر وسكوتهم أمام هذا الإعلان الكاشف، دليل صريح على كذبهم وبرهان ساطع على صدق الإسلام وحقّه، ولا بد من ذكر نقطتين ههنا؛ الأولى، أن هذا الخطاب لليهود الذين كانوا يعيشون في زمن النبي صلى الله عليه وسلم، وعادوه بعد ما عرفوه، وإليهم وُجّه هذا الخطاب.
الثانية، لا يقال: لعلهم تمنوا الموت بالقلب، وإن لم يتمنوه باللسان، لأن الله سبحانه وتعالى العليم بما في الصدور يخبر بـأنهم:{لم يتمنوه أبدا}، ولو تمنوا الموت بالقلب، لأقروا بذلك ولأظهروه لما فيه نجاحهم، لأنهم تُحُدوا بذلك، ولما فيه تكذيب لتحدي النبي صلى الله عليه وسلم، فما كان لهم أن يسكتوا.
وكذلك لا يقال: لعلهم تمنوه بالقلب واللسان ولم يشتهر بين الناس ما تمنوه ؛ لأنهم لو فعلوا ذلك لاشتهر بين الناس، ولأصبح حديث الناس، وذاع في مشارق الأرض ومغاربها، لأن الذين يعادون الإسلام ويبغضون أهله يكثرون على المسلمين وأنصارهم ويزيدون عليهم عددا وعتادا. فلو حدث شيء من ذلك: لنادوا به على رؤوس الخلائق وأعلنوا به على المآذن، ولموّهوه وعظموه لما فيه إحرازهم المعايير التي جعله النبي صلى الله عليه وسلم معيارا للحق وميزانا للصدق. فلو كان كذا لأبدوه وأظهروه لما فيه استيلاءهم على النبي صلى الله عليه وسلم. فلو صدر منهم ذلك لأشاعوا به حتى يردوا الناس عن دينهم.

****

وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَىٰ حَيَاةٍ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا ۚ يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ وَمَا هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذَابِ أَن يُعَمَّرَ ۗ وَاللَّـهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ ﴿٩٦﴾

التفسير المختصر
{وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ} فهم أكثر حرصا من الناس العاديين على الحياة المادية، فلن يتمنوا الموت أبدا، {وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا} بل الأغرب أنهم أكثر حرصا على هذه الحياة من المشركين، {يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ وَمَا هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذَابِ أَنْ يُعَمَّرَ} فلو عمر واحد منهم هذه المدة لن ينجوا من عذاب الله، {وَالله بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ} من السيئات التي تجعلهم مستحقين للعذاب الإلهي.
فائدة: ذكر الله سبحانه وتعالى من صفات اليهود الشنيعة ما يوجب الحيرة ويثير الإعجاب، وذلك أن اليهود أحرص الناس على الحياة، وهم أحرص على الحياة الدنيا من المشركين الذين لا يؤمنون بمعاد ولا يعتقدون بنعيم الآخرة ولا جحيمها، وهم يقولون: {إن هي إلا حياتنا الدنيا} فهؤلاء المشركون الجاحدون لو تمنوا طول الحياة والبقاء في الدنيا فلا غرو ولا عجب ؛ لأن الدنيا هي كل ربيع ونعيم يتوقعونه.
وأما اليهود فكانوا يزعمون أنهم أولياء الله والمتقربون لديه وأن الآخرة ونعيمها خالصة لهم من دون الناس ومع ذلك يتمنون طول الحياة والبقاء في الدنيا ويكرهون الموت الموصل إلى الآخرة ونعيمها، فهذا ما يثير الإعجاب والتسائل. وهذا إن دل على شيء فيدل على كذبهم وبطلان مزاعمهم على أن الآخرة ونعيمها خالصة لهم. فالواقع المرّ الذي يعرفه اليهود أيضا: أن الله قد أعدّ لهم جحيما وسعيرا وعذابا أليما ومأواهم النار, لأجل ذلك يتمنون الحياة الطويلة فرارا من العقاب وما أعد الله لهم من العذاب.