- سني أون لاین - http://sunnionline.us/arabic -

نظرة موجزة إلى قضية مسجد أهل السنة في طهران، في حوار مع “محمد آريا نجاد”

"محمد آريا نجاد" من النخب البلوش الساكنين في طهران. يأتي كل سنة إلى معرض الصحافة والإعلام، وله أهدافه من التجول في المعرض. يقرأ عناوين المجلات والجرائد بدقة، ثم يختارها. 
كنت جالسا في غرفة مجلة "نداي اسلام" (مجلة فصلية لأهل السنة والجماعة في إيران) إذ طلع علينا رجل كهل، طلب العدد الأخير من المجلة ودفع سعرها. سأل هذا الرجل باللغة البلوشية فجأة: "هل قدمتم من زاهدان؟" هذا السؤال كان جوابا للسؤال الذي تبادر إلى ذهني السؤول من أين هو؟ بعد تبادل الحديث اقترحنا عليه إجراء مقابلة. الجواب كان إيجابيا. 
تجولنا في المعرض، واخترنا مجلة تخصصية ناقشت حياة العلامة ابن تيمية رحمه الله. نظرا إلى الضجيج وكثرة الأصوات، خرجنا إلى ساحة المعرض. جلسنا في زاوية من ساحة المصلى الكبير، وتحاكينا عن ماضي أهل السنة وحاضرهم في طهران.
السيد "آريا نجاد" ولد سنة1352  من الهجرة في مدينة "إيرانشهر" في بلوشستان. أمضى الدراسات المتوسطة إلى الصف التاسع في زاهدان، ثم أتى إلى طهران ليواصل دراسته في طهران. قال لنا في حواره أنه من البلوش الأوائل الذين أتوا للدراسات العالية إلى طهران. وكان يذكر أسماء مثل "رحيم بخش رحيمي" من مدينة "سراوان"، و"أمان الله ريغي" و"محمد كوشيار" الذين قدموا إلى طهران بعده ووجدوا فرصة الدراسة. 
أنهى "محمد آريا نجاد" مراحل الدراسة الثانوية في دار الفنون في طهران، ثم التحق بالجامعة ودرس في فرعي التجارة والحقوق. ثم رجح أن يواصل عيشه في طهران، ويقضي حياته من طريق المشاغل الحرة.
"محمد" من نخب البلوش ومن الناشطين لأهل السنة في طهران، ويحمل معه خواطر وذكريات كثيرة بشأن تطورات أهل السنة في طهران قبل الثورة وبعدها. وهو من أصحاب "عبد الرحمن فرامرزي"، مؤسس مجلة "كيهان"، ومن نخب أهل السنة في جنوب إيران. كان "محمد" في ذلك الوقت ناشطا في مجلة "كيهان"، ويقضي أيامه في المجلات والجرائد، وهو الآن بعد قضائه 83 سنة من عمره، يذهب كل يوم في الثامنة صباحا إلى مكان عمله، ويتعاون مع عدد من المجلات الاقتصادية؛ والحياة في عاصمة مثل طهران لم تكن سببا لينسى لغته وثقافته.
في زاوية من المصلى وفي أمسية من أمسيات فصل الخريف، نجلس لنستمع حكايته. "آريا نجاد" من أقارب الشيخ "قمر الدين ملازهي" رحمه الله وعم العالم الشهير الشيخ "نظر محمد ديدكاه"، وهو يفتخر بمحبته للشيخ "عبد العزيز ملازاده" رحمه الله، مؤسس دار العلوم زاهدان ومن أبرز علماء أهل السنة، وتحدث عن رحلاته معه. يتكلم باللهجة التي تعودت آذاننا سماعها، ويجيب عن أسئلتي وأسئلة زميلي بهدوء وارتياح حول مسجد أهل السنة في طهران.

سألنا: هل كان لدى أهل السنة قديما هوية معينة أم لا؟ وهل كان لهم مسجد؟
أجاب مؤكدا: لا! في ذلك الوقت الذي قدمت أنا إلى طهران، كان هناك شخصان من أهل السنة أستاذان في جامعة طهران؛ الأستاذ "أحراري" الذي كان من أهل السنة في "بيرجند"، وكان يدرس الفقه الحنفي، والسيد "محمد شيخ الاسلامي" الذي كان يدرس الفقه الشافعي. عندما جئنا إلى طهران تعرفنها عليهما، لأننا لما جئنا أول مرة إلى طهران بحثنا عن أهل السنة. منزل "شيخ الإسلامي" كان كبيرا وقريبا من جامعة طهران، لكن منزل السيد "أحراري" كان قصيرا. كنا نذهب أيام الجمعة إلى بيت "شيخ الاسلامي" ونؤدي الصلاة، وكان يأتي أفراد كثيرون من المواطنين الأكراد والتركمان والبلوش والفرس لتأدية الصلاة، ولم يكن إمام معين للصلاة أيضا. الدكتور السيد "أسعد شيخ الاسلامي" هو نجل السيد "محمد شيخ الاسلامي" أستاذ حاليا في كلية الالهيات والفلسفة.

سألنا السيد "محمد آريا نجاد" هل كانت جهود في عهد النظام السابق لبناء مسجد لأهل السنة؟
أجاب: كتبنا سنة 1373 من الهجرة رسالة إلى الشاه، وقدمنا طلبا لمسجد لأهل السنة في طهران. وكان "شيخ الاسلامي" و"أحراري" من أساتذة جامعة طهران يتابعان  القضة. الرسالة وصلت إلى "أسد الله علم"، وزير الشاه. "أسد الله علم" أحال القضية إلى إمام وخطيب الشيعة في طهران السيد "حسن إمامي". "إمامي" كان يعتبر نفسه قريبا من علماء "قم"، وأسرته كانت تتولى خطابة الجمعة وإمامتها في طهران منذ عهد الصفوية إلى نهاية الحكومة البهلوية. 
قال "إمامي" لنا يجب الاستفسار من علماء ومراجع "قم". وبعد متابعة القضية لأسابيع وسنوات، قالوا لنا إن بني مسجد مثل هذا، يكون مسجد ضرار. وهكذا توقفت جهود أهل السنة في متابعة قضية المسجد في زمن الشاه، لكن المصليات بقيت تنشط.

قال "آريا نجاد" في جواب سؤالنا حول متابعة قضية مسجد أهل السنة بعد الثورة:
بعد الثورة سادت البلاد بيئة دينية. مؤسس الجمهورية الإسلامية كانت لديه معرفة مع الشيخ عبد العزيز رحمه الله، وهذه المعرفة تعود إلى زيارة العلامة عبد العزيز رحمه الله لآية الله خميني في العراق. آية الله كفعمي، خطيب الشيعة في زاهدان، كان تلميذ آية الله خميني ومن أصحاب العلامة عبد العزيز في زاهدان. بمشورة الشيخ عبد العزيز رحمه الله، كتبنا رسالة وذهبنا إلى آية الله خميني.
مؤسس الثورة وافق على طلبنا، وتمت إحالتنا إلى مؤسسات ووزارات، كالمسكن، والإرشاد، وإدارة الأوقاف. تشكلت هيئة أمناء تضم ثمانية أشخاص. ثلاث من أعضاء الهيئة كانوا من البلوش، وثلاث من الأكراد، وآخران من منطقة التركمان وجنوب إيران، وتقرر أن تخصص أرض للمسجد ليس لها مالك. الأرض التي بني عليها بعد ذلك مسجد بلال للإذاعة والتلفاز، خصصت لمسجد أهل السنة أولا. 
بدأ أعمال التسطيح، ونقلنا مواد البناء، لكن منعت البلدية ظاهرا، وقيل لنا لابد من تأييد البلدية، وقمنا نتابع القضية مدة ثلاث سنوات، وذهبنا إلى آية الله خميني ليمنع البلدية من تصرفها المغاير للقانون، لكن لم تحل المشكلة. 
بعد وفاة آية الله خميني، ذهبنا إلى مرشد الثورة آية الله خامنه اي، لكن الجهود كانت بلا جدوى.
وقصارى الكلام أن مساعي وجهودا كبيرة جرت لحل قضية مسجد أهل السنة في طهران، وفي بعض الأحيان جرى تخصيص أراضي له، لكن مؤسسات رسمية كالبلدية وغيرها قامت بالمنع.

أشار السيد "آريا نجاد" إلى أوضاع أهل السنة قبل الثورة قائلا:
 في الجملة أهل السنة كانوا ضعفاء، لكنهم تقدموا بعد الثورة، والسبب أن الحساسيات المذهبية أثيرت بعد الثورة، لذلك أصر أهل السنة على حفظ هويتهم، وهذا الأمر أدى إلى تقدمهم. لكن في عهد الشاه لم يكن أي مضايقات أو ممانعات في استخدام البلوش في المؤسسات المختلفة.

وأكد ردا على سؤال: البلوش بأي طريق أو أسلوب يطرحوا مطالبهم، فإنه يبقى المذهب جزء لا ينفك من هويتهم. لا يمكن لهم طرح مطالبهم بالتغاضي وكتمان هويتهم المذهبية.  

في الختام طلبنا من "محمد آريا نجاد" أن يقص لنا من ذكرياته مع العلامة عبد العزيز رحمه الله، ووجهات نظره حول فضيلة الشيخ عبد الحميد حفظه الله، فقال: 
كنت مع الشيخ عبد العزيز منذ قدم إلى إيران، وعندما كان عضوا في مجلس خبراء القيادة، كان يأتي مع سيارة الأجرة، وقد تأثر السائق بظاهره حيث قال أريد أن أعتنق مذهبكم! كان الشيخ يقول: نحن مسملون جميعا، ولا مانع من أن تصلي أنت معنا.
اعتقد أن الشيخ عبد الحميد يتابع منهج الشيخ عبد العزيز رحمه الله، وهو شخصية عالمي وناجح.