- سني أون لاین - http://sunnionline.us/arabic -

الإيمان الكامل

إنّ أقلّ درجات الإيمان بالآخرة، نفس التصديق الذي لا يجوز الاكتفاء بأقلّ منه. هذه الدرجة من فكرة الآخرة قد لا تصرِف صاحبها من معاصٍ كالزنا والسرقة وغيرها. ومثلها كوصفة طبية كتبها الطبيب للمريض تشتمل على مجموعة من الأمور ليحصل بها المريض شفاء كاملا، لكنّ المريض لم يستعمل ما في الوصفة بكاملها، بل استعمل نصفها، فلاشكّ أن الاستفادة بنصف ما في الوصفة سوف ينفعه الدرجة الأدنى من الفائدة، ولا ينفعه نفعا كاملا. هكذا هذا النوع من التصديق، فسينقذ صاحبه من العذاب الدائم في النار، لكن لا يكون سببا للنجاة الكاملة. كما أنّ المعاصي قد تصدر ممّن هو على هذه الدرجة من الإيمان.

أمّا الدرجة الأخرى من الإيمان، هو التصديق الذي يترتّب عليه الأثر الكامل، وهذا هو التصديق الكامل، ومن كان على هذه الدرجة من الإيمان، لن تصدر منه معاصٍ كالزنا والسرقة وغيرها.
فالتصدیق بالله ورسوله له درجات مختلفة. التصدیق الکامل هو الذی تترتب علیه آثار کاملة، بحیث تصرف صاحبه من المعاصي كلّها. والتصديق الناقص هو الذي تترتب عليه آثار ناقصة بحيث يتخلّى صاحبه عن بعض المعاصي ويصدر منه البعض.
إنّ الدرجة الناقصة من التصديق مثل وصفة طبية ناقصة، حيث تعطي نفعا ناقصا. فصاحب هذه الدرجة من التصديق قد ينجو من عذاب النار الخالد، لكن لن يحصل على النجاة الأوّلية التي هي نجاة كاملة.
والمرتبة الأولى من الإيمان تشبه وصفة كاملة؛ فكما أنّ الوصفة الكاملة يحصل منها نفع كامل، كذلك الإيمان الكامل يحصل منه نفع كامل، بحيث يستحقّ صاحبها النجاة من النار، ويستحق نعما وهدايا من جانب الله تعالى أيضا.
وبإمكاننا توضيح ذلك من خلال مثال آخر، بأنّ نفترض شخصين كلیهما يصدّقان بأنّ السمّ مهلك، لكن أحدهما رغم تصدیقه بأن السمّ مهلك، قام بتناول السمّ فهلك، والآخر لم يأكل السمّ، فلا شك أن كليهما صدّقا بأنّ السمّ مهلك، لكن الشخص الأول لم يكن تصدیقه كاملا؛ لأنّ أثر تصدیقه بإهلاك السمّ لم يترتّب، ولم يمنعه من تناول السمّ. والثانی کان تصديقه کاملا حيث ترتّب علیه الأثر، فمنعه من تناوله.
أو بتعبیر آخر، إذا أخبر أحد بقدوم الحاکم، فسمع شخص هذا الخبر ولم یقم بعمل، ولم یهتم بمظهره، وجلس إلی جانب دون أن يرفع رأسا. من الواضح أنّه لم یصدّق خبر قدوم الحاکم تصدیقا کاملا، بل اعتبره أمرا عادیا. فلو کان تصدیقه کاملا، لترتّب علیه أثره من القيام والاهتمام وغير ذلك من التكلفات التي يفعلها المرء لدى قدوم الحكام والملوك.
هکذا الإیمان الصادق والکامل یترتّب علیه أثره الكامل، ویظهر أثره فی كل خطوة من حياة صاحبه. إنّ صاحب إيمان كهذه لن يعص الله، ولن يغفل، بل يتدارك ما فاته في الماضي، ويجتنب المعاصي في المستقبل.

(قبسات من «خطب حكيم الأمة أشرفعلي التهانوي»،ج۱ص۱۲۸-۱۲۹)