- سني أون لاین - http://sunnionline.us/arabic -

تقرير عن الجلسة الاستشارية مع العلماء وأساتذة الكتاتيب القرآنية

انعقدت الجلسة الاستشارية مع العلماء وأساتذة الكتاتيب القرآنية في المناطق المحرومة من محافظة سيستان وبلوشستان، يوم الأربعاء 29 من ذي الحجة في الجامع المكي بمدينة زاهدان.
في هذه الجلسة التي تعقد سنويا باستضافة جامعة دار العلوم زاهدان، يشارك العلماء وأساتذة الكتاتيب القرآنية في القرى والمناطق الهامشية من محافظة سيستان وبلوشستان، التي تنشط تحت إشراف جامعة دار العلوم، ويقدمون تقاريرهم حول نشاطاتهم القرآنية والتعليمية في تلك المناطق، وينتفعون أيضا بتجارب واقتراحات وتوجيهات الآخرين، وكذلك بنصائح وتوصيات الأساتذة الكرام.
في هذه السنة، انعقدت هذه الجلسة يوم الأربعاء في ثلاث حلقات مختلفة (صباحا ومساء) بحضور مجموعة من أساتذة المدارس القرآنية في المناطق المختلفة، في الجامع المكي بمدينة زاهدان.
في جلسة الصباح وزعت استمارات على المشاركين وأساتذة هذه المدراس القرآنية ليسجلوا فيها تقارير نشاطاتهم واقتراحاتهم ويفوضوها إلى رئيس شؤون الكتاتيب. ثم شكر فضيلة الشيخ عبد الحميد الجميع على حضورهم في هذه الجلسة الاستشارية ورحب بهم.

رسالة العلماء هي إنقاذ المجتمع من الأمراض الظاهرية والروحية:
تطرق فضيلة الشيخ عبد الحميد، إمام وخطيب أهل السنة ورئيس جامعة دار العلوم بمدينة زاهدان، في كلمته، بعد تلاوة آية “والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين”، إلى أهمية مسؤولية العلماء ورسالتهم في المجتمع.
وأضاف قائلا: النعم كلها في الدنيا من المال والمنصب وغيرها، وسائل ليخطو الإنسان خطواته نحو الهدف والرسالة الحقيقية.
وتابع فضيلته:مع الأسف المشكلة التي نعاني منها، أن الناس نسوا غايتهم وهدفهم الأساسي من الحياة. وكل مجتمع يبتلى بهذه المشكلة، تصيبه أمراض روحية ونفسية من القلق والكآبة؛ وفي المقابل كل مجتمع أو شعب يتحرك على الفطرة نحو الهدف الأصلي من حياته، يواصل مسيرته من غير قلق واضطراب. كم من أشخاص في المجتمع يعرفون هدفهم، لكنهم للوصول إليه لا يتحركون، مع أن الجهد والمساعي والحركة بعد الشعور بالمسؤولية والتعرف على الهدف مؤثرة جدا في نجاح الشخص. لقد بذل النبي صلى الله عليه وسلم، وهو أسوتنا، جهودا عظيمة للوصول إلى الهدف بحيث خاطبه الله تعالى قائلا “لعلك باخع نفسك على آثارهم إن لم يؤمنوا بهذا الحديث أسفا”.
وتابع رئيس جامعة دار العلوم بمدينة زاهدان قائلا: عبر التاريخ لما شعر العلماء بمسؤوليتهم في مجتمع وأدوا رسالتهم بطريقة جيدة، فتح الله تعالى على ذلك المجتمع البركات الظاهرة والباطنة. ولو قام العلماء بمسؤوليتهم الأصلية في إصلاح المجتمع، تزول الأمراض الظاهرة والروحية من السرقة والظلم والخيانة والتعدي على أموال الغير، ولكن إذا نسي العلماء مسؤوليتهم تعم المفاسد والأمراض في المجتمع.
واستطرد فضيلته قائلا: الأنبياء لم يألوا جهدا في إصلاح المجتمع، وإنهم بالطرق المختلفة للدعوة سعوا في إصلاح الشعوب والمجتمعات، وإن واجهوا في سبيل دعوتهم مشكلات من قبل مجتمعاتهم وحتى أسرهم، بحيث تعرضوا للضرب والشتم. كذلك الصحابة وأولياء الله تعالى واجهوا في سبيل الدعوة مشكلات ومصاعب واصطفوا لأجل إعلاء كلمة الله تجاه أكبر القوى في عصرهم.
وأشار فضيلة الشيخ إلى حركة الدعوة والتبليغ كحركة دينية في العصر الراهن قائلا: إن أول جماعات لهذه الحركة في مسيرها إلى الحرمين الشريفين بتوجيه الشيخ إلياس رحمه الله مرت ببلوشستان، نحن أيضا ساعدنا هذه الجماعات. كان الشيخ عبد العزيز رحمه الله متأثرا بحركة الدعوة والتبليغ، لأن هذه الحركة كانت تهتم بإصلاح البشر وهدايتهم إلى الدين.
مع الأسف في عصرنا ترسخت المادية في قلوب العلماء وزالت تلك المشاعر والحنين إلى خدمة الدين، لذلك نشعر في الأمور الدينية والعبادية بالتعب والكسل. يقول الله تعالى: “مالكم إذا قيل لكم انفروا في سبيل الله اثاقلتم إلى الأرض أرضيتم بالحياة الدنيا من الآخرة”.
وأكد خطيب أهل السنة في زاهدان: الكثير من الأمة الإسلامية أجانب بالنسبة إلى أحكام الدين والشريعة الإسلامية، ولا يعلمون شيئا عن المقدسات الدينية، ولا يشعرون بالحاجة أيضا في هذه المجالات، والكثير يتوفون على هذه الحالات، وربما يبتلون بعذاب الله تعالى. إن القيام بتعليم وتربية هذه الطبقة من الناس وتبليغ أحكام الدين لهم من وظائف أهل العلم وأساتذة هذه المدارس الدينية. يجب أن لا نحتقر هذا الواجب وهذه المسؤولية العظيمة، ولا نقلل من شأنها، لأنها كانت رسالة الأنبياء الهامة. فلو نجى شخص بسببنا من النار لكان لنا في ذلك أجر عظيم.
وتابع عضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين قائلا: نظرا إلى أن الدستور أعطى للجميع الحرية في مجال تعلم المسائل الدينية، لا ينبغي أن يسدّ أحد باب الحرية عليكم، وعلينا أن نواصل نشاطاتنا مع الاحترام للقانون، ونحافظ على حريتنا، ولا نفقد حريتنا بالهروب عن القانون. يجب أن يكون كافة طبقات الناس من رؤساء القبائل وعامة الناس تابعين للدستور ويحترموه. فنواصل التعليم والتربية بالتدبير والدراية، ونواظب أن لا نتكاسل في هذه المجالات، لأن الوهن والضعف مانعان من التقدم والرقي.
وأوصى فضيلة الشيخ عبد الحميد العلماء وأساتذة المدارس القرآنية في نهاية كلمته إلى الصلاة والعبادات، قائلا: إن العبادات لها تأثير قوي في إصلاح المجتمع، وسبب لتطوير وتغيير الأوضاع في المجتمعات.

الشيخ عبد الغني البدري: التعليم والتبليغ وإصلاح المجتمع، رسالة الأنبياء و العلماء من بعدهم
قال فضيلة الشيخ عبد الغني البدري، نائب رئيس جامعة دار العلوم في الشؤون التعليمية، في كلمته في هذه الجلسة: هذه الجلسة أقيمت كجلسة استشارية بين العلماء وأساتذة المدارس القرآنية في المناطق المحرومة، والمراد من المناطق المحرومة هي المناطق التي لا يوجد فيها تخطيط منظم ومناسب في مجال التربية والتعليم الديني. نظرا إلى هذا المطلب يجب أن يسئل الذين ذهبوا إلى هذه المناطق أنفسهم، هل حدث تغيير وتطور منذ أن قدموا إلى هذه المناطق في مجال مكافحة الجهل أم لا؟ هل وفقنا في إصلاح المفاسد الاجتماعية أم لا؟ هل استطعنا أن نسوق الناس إلى الدين والتعلم والقضايا الاجتماعية أم لا؟ مع إجابة هذه الأسئلة نستطيع أن نستنتج أن البرامج والتخطيطات من قبل المشرفين كانت مثمرة أم لا.
وأضاف فضيلته مشيرا إلى أن العلماء ورثة الأنبياء: من ثم أن الرسول صلى الله عليه وسلم يعتبر أسوة للمسلمين جميعا وخاصة للعلماء، فبالنظر إلى الآيات القرآنية، نعرف أن على عاتقه كانت واجبات ومسؤوليات أربعة هامة، وعلى العلماء الذين هم ورثة الأنبياء أن يقتدوا بالنبي صلى الله عليه وسلم في العمل بهذه المسؤوليات.
المسؤولية الأولى: تعليم الدين التي أشيرت إليها في آية “ويعلمهم الكتاب”.
والمسؤولية الثانية: التبليغ.
والمسؤولية الثالثة: التزكية والإصلاح.
والمسؤولية الرابعة: الجهاد في سبيل الله.
في نهاية هذه الجلسة، قدم الكثير من المشاركين من المناطق المحرومة، توجيهاتهم واقتراحاتهم في مجال النشاطات الدينية والتعليمية في تلك المناطق.

الشيح المفتي محمد قاسم القاسمي: الأمة المسلمة أمة مبعوثة ومختارة
أشار فضيلة الشيخ محمد قاسم، رئيس دار الافتاء التابعة لجامعة دار العلوم زاهدان، في كلمته في الجلسة الاستشارية، بعد تلاوة آية «ولتكن منكم أمة يدعون إلی الخير ویأمرون بالمعروف وینهون عن المنکر»، و«جاهدوا في الله حق جهاده هو اجتباكم وما جعل علیكم في الدين من حرج» و«من أحسن قولا ممن دعا إلی الله وعمل صالحا»، وقراءة حدیث: «من كانت الآخرة همّه جعل الله غناه في قلبه وجمع له شمله وأتته الدنيا وهي راغمة، ومن كانت الدنيا همّه جعل الله فقره بين عينيه وفرّق شمله ولم يأته من الدنيا إلاّ ما قدر له»، إلى أن الأمة المسلمة أمة مبعوثة.
وأضاف قائلا: إن الله تعالى اختار الأمة المسلمة وعين لها غاية ورسالة، والنبي صلى الله عليه وسلم الذي وضع اللبنة الأولى لهذه الأمة، يعني الصحابة، بين رسالته بوضوح تام أدركه كافة الصحابة رضي الله عنهم أجمين. مع أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يخص علم بعض الأشياء لرجال خاصة من الصحابة، لكن في بيان هذه الغاية العظيمة لم يكن فرق بين الصحابة الكبار مثل عمر بن الخطاب وربعي بن عامر الذي لم يكن من الصحابة المشهورين.
حضر ربعي بن عامر بلاط رستم رئيس جيوش الدولة الساسانية، فسأله رستم: ما جاء بكم؟ قال ربعي بن عامر مقولة سجلها التاريخ إلى يومنا هذا، فقال: “الله ابتعثنا لنخرج من شاء من عبادة العباد الى عبادة الله ومن ضيق الدنيا الى سعتها ومن جور الأديان الى عدل الاسلام”.
وتابع فضيلته قائلا: يقول العلامة أبو الحسن الندوي رحمه الله: قال ربعي في جواب رستم: “الله ابتعثنا”؛ كان بإمكانه أن يستعمل تعبيرات أخرى موضع “ابتعثنا”، مثل “جاء بنا” و”أرسلنا” و”إنما جئناكم”، وكذلك كان بإمكانه أن يستعمل صيغة المفرد بدل الجمع، لكن نظرا إلى أن من قوانين اللغة العربية “كثرة المباني تدل على كثرة المعاني” فكأن ربعي بن عامر أراد بصيغة “ابتعثنا” أن يبين هدفا كبيرا، ومعنى واسعا، واستعمل الكلمة التي تستعمل للأنبياء، ليبلغ هذه الرسالة أن الله تعالى لم يخترني أنا، بل اختار كل واحد من أبناء هذه الأمة  إلى يوم القيامة “لنخرج العباد من عبادة العباد إلى عبادة الله وحده ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام ومن ضيق الدنيا إلى سعتها”.
وتابع أستاذ الحديث في جامعة دار العلوم زاهدان إلى بيان نقاط في كلمة هذا الصحابي الجليل: “ضيق الدنيا” هي مجموعة من العادات والتقاليد التي قد حصر الإيرانيون أنفسهم فيها مع أنهم كانوا أثرياء ويتمتعون بإمكانات رفاهية كثيرة، لكنهم مع ذلك كانوا يشعرون بالنقص. الملوك الإيرانيون لم يكونوا يسافرون من غير الخدم والحشم، بل كان يرافقهم آلاف من الخدم والطباخ والرقاصة. لكن الإسلام يريد أن يربي إنسانا مثل عمر لا يكون مقيدا بالمادة والدنيا، ولا يعلق بها قلبه، ولا يكون أسيرا للدنيا. هذه هي السعة التي كان يتمتع بها ربعي بن عامر رضي الله عنه مع قلة الإمكانات والماديات مقابل رستم الذي كان في ضيق من كثرة الأموال والماديات. نتيجة هذه الفكرة ورسالة الصحابة لم يتحمل الإيرانيون تجاه هجمات الجيوش الإسلامية التي كانت تقتات بخبز بائت.
وقال رئيس دار الافتاء مخاطبا النشطاء في المجالات الدينية: أنتم ذهبتم كمعلمين إلى المناطق المحرومة لتقوموا بمهمة التربية، وتقوموا بتكوين أشخاص مثل ربعي بن عامر للعالم. ومن ثم أن الله تعالى “اجتباكم وهومولاكم”، فلا تقلقوا من قلة الإمكانات، لأنكم مبتعثون. لم يرسلكم المسؤولون، بل الله تعالى اختاركم لهداية البشر. العلامة السرهندي والشيخ إلياس نماذج من العلماء المعاصرين الذين قاموا بأعمال عظيمة بإمكانات قليلة. اشتغلوا أنتم أيضا بالذكر والدعاء والتضرع إلى جانب عملكم، لعله يقوم من تلك المناطق أشخاص مؤثرون في العالم.

الشيخ عبد الحميد: الحفاظ على المسائل الدينية للناس مسؤوليتنا

وانتهت الجلسة الاستشارية مع العلماء وأساتذة المدارس القرآنية في المناطق المحرومة بنصائح وتوجيهات فضيلة الشيخ عبد الحميد، بعد صلاة المغرب في الجامع المكي.
قال فضيلة الشيخ عبد الحميد في كلمته: الحفاظ على المسائل الدينية على كاهل العلماء. معظم الأنبياء في شبابهم وقبل الشباب اشتغلوا برعي الأغنام. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أنا أيضا في شبابي رعيت أغنام أهل مكة مقابل الأجر. وموسى عليه الصلاة والسلام كان رعى الغنم لشعيب لمدة عشر سنوات. النقطة الهامة في رعي الغنم للانبياء أن يتعلموا كيفية قيادة مجموعة والحفاظ منها، ليستعدوا في المستقبل لقيادة أشخاص المجتمع. كما أن الغنم لها عدو خطير وهو الذئب وتحتاج إلى راعي وحارس لتبقى محفوظة من الذئب، فالبشر أيضا لهم عدو خطير وهو الشيطان ويجب أن يكونوا حذرين بالنسبة إلى هذ العدو.
وتابع فضيلته: على هذا الأساس الناس يحتاجون في المجتمع الإسلامي إلى قادة ومحافظين وحرس، وعلى العلماء حراسة الأمور الدينية للناس، وعلى العلماء أن يكونوا بشكل مستمر مراقبين لأعمال الناس وتصرفاتهم في المجتمع، ولو شاهدوا نقصا عليهم أن يسعوا لتداركه.
وأشار فضيلة الشيخ عبد الحميد إلى نشاطات العلماء في المناطق المحرومة، قائلا: يجب أن نعلّم أبناء المسلمين في الكتاتيب القرآنية بشكل صحيح وبمراعاة التجويد، وفي هذا المجال ننتفع بتجارب الأشخاص الناجحين في التعليم، ونراعي أيضا التقوى، ونحافظ على الصلاة وذكر الله تعالى.