- سني أون لاین - http://sunnionline.us/arabic -

مدينة جرجان قبل الصفوية وبعدها

gorganإن مدينة “جرجان” من أهم وأقدم  مدن إيران التي ظهر فيها في وقت غابر من الزمن في عصور وقرون مختلفة جيل من العلماء والفقهاء والأدباء والأولياء والشعراء العارفين، وهي من المدن التي شهدت تقلبات وتطورات في قلب التاريخ الإسلامي، تسر القارئ مرة وتحزنه أخرى. فمن المناسب أن نعرف قدرا بسيطا من هذه المدينة العريقة في العلم والثقافة الإسلامية والتي كثر ما تنسب إليها علماء وفقها وأدباء.

تقع مدينة جرجان من حيث الموقع الجغرافي  في شمال إيران وفي جنوب بحر قزوين، وهي مدينة عظيمة مشهورة فتحت في أيام أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه بعد فتح نهاوند. فلما قتل النعمان بن مقرن وولي خلافته في قيادة الجيوش الإسلامية أخوه سويد بن مقرن جاء إلى الري وفتحها ثم كاتب ملك جرجان “رزبان صول” ثم سارإليها وكاتبه “رزبان صول” وبادره بالصلح على أن يؤدي الجزاء ويكفيه حرب جرجان، فإن غلب أعانه، فقبل ذلك منه وتلقاه “رزبان صول” قبل دخول سويد بن مقرن جرجان، فدخل معه وتمسك بها حتى جبى إليه خراجها ورفع الجزاء عمن أقام بمنعتها، وأخذ الخراج من سائر أهلها وكتب بينه وبينهم كتابا. ثم لما بغى أهلها زمن معاوية رضي الله عنه افتتحها سعيد بن عثمان وافتتح سائر المناطق المجاورة لها أيضا، ثم ارتد أهلها عن الإسلام، حتى افتتحها يزيد بن المهلب في ولاية سليمان بن عبد الملك بن مروان وقام بتشييدها وإعمارها وبنائها.

دخل جرجان من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أبو عبد الله الحسين بن علي  وعبد الله بن عمر وحذيفة بن اليمان  وسعيد بن العاص وسويد بن مقرن  عنه وعبد الله بن أبي أوفى وعبد الله بن الزبير رضي الله عنهم، ويقال الحسن بن علي وسماك بن مخرمة  وهند بن عمرو وعتيبة بن نهاس رضي الله عنهم ممن وردوا هذه البلاد من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

مدينة العلم والعلماء:

وقد توافرعلماء جرجان وتظاهر شيوخها وفضلائها، حيث أفرد بعض من عنوا بتراجم العلماء والفقهاء بجمع كتب تحتوي على أسماء وتراجم علماء وفضلاء جرجان خاصة، كما فعل ذلك  حمزة بن يوسف أبو القاسم الجرجاني في كتابه تاريخ جرجان.د

مشاهير جرجان:
ومن أشهرعلمائها، الإمام عبد القاهر بن عبد الرحمن الجرجاني:
كان عالماً فاضلاً أديباً عارفاً بعلم البيان، له كتاب في إعجاز القرآن في غاية الحسن ما سبقه أحد في ذلك الأسلوب.  قيل من لم يطالع ذلك الكتاب لا يعرف قدره ودقة نظره ولطافة طبعه، واطلاعه على معجزات القرآن، ويعرف الإمام بواضع أصول البلاغة. أخذ رحمه الله النحو بجرجان عن أبي الحسين محمد بن الحسن الفارسي الذي كان من كبار أئمة العربية.
صنف المغني في شرح الإيضاح في نحو ثلاثين مجلداً، والمقتصد في شرح الصغير وكتاب تتمة العروض، والعوامل المائية، والمفتاح، وشرح الفاتحة في مجلد. وله من التصانيف : العمدة في التصريف، والجمل، وكان شافعي المذهب، أشعري الأصول، مع دين وسكون. توفي سنة إحدى وسبعين وأربع مائة.

محمد بن يحيى الجرجاني الفقيه الحنفي:
قرأ الفقه على أبي بكر الرازي حتى برع فيه، وعليه تفقه أبو الحسين ابن القدوري، وحدث عن عبد الله بن إسحاق بن يعقوب النصري وأبي أحمد الغطريفي، روى عنه أبو سعد إسماعيل بن علي السمان الرازي وأبو نصر الشيرازي، وذكره الخطيب أبو بكر في التاريخ ولم يذكر له رواية، وتوفي سنة ثمان وتسعين وثلاث مائة.

المنجم أبو بكر الإسماعيلي الجرجاني الشافعي:
الفقيه الحافظ، ولد سنة سبع وسبعين ومائتين وسمع من الزاهد محمد بن عمران المقابري الجرجاني سنة تسع وثمانين ورحل لطلب العلم وسمع ببغداذ والكوفة والبصرة والأنبار والأهواز والموصل، وصنف الصحيح والمعجم وغير ذلك. وروى عنه الحاكم والبرقاني وجماعة من العلماء. قال الحاكم: كان واحد عصره وشيخ دهره وشيخ المحدثين والفقهاء وأجلهم في الرياسة والمروءة والسخاء، ولا خلاف بين عقلاء الفريقين من أهل العلم فيه، توفي سنة إحدى وسبعين وثلاث مائة.

أبو القاسم الجرجانيّ الحافظ:
حمزة بن يوسف  القرشي السَّهمي، من ولد هشام بن العاص:
روى عنه البيهقي وغيره، وصنَّف التَّصانيف وتكلَّم في الجرح والتَّعديل. وتوفي سنة سبع وعشرين وأربع مائة.

أبو عامر الجرجاني:
كان أديباً أريباً فاضلاً مليح الخط صحيح الضبط حسن التأليف، له نظم ونثر.
له كتاب يسمى بالبيان في علوم القرآن. وكتاب عروق الذهب في أشعار العرب وكتاب سلوة الغرباء وقلائد الشرف في الشعر، وغير ذلك سمع من أبي سعد ابن رامش وأبي نصر ابن رامش المقرئ.

السيد على بن محمد الحسينى الجرجانى:
عالم الشرق ويعرف بالسيد الشريف، وهو من أولاد محمد بن زيد الداعي بينه وبينه ثلاثة عشر أبا. ولد سنة 740، اشتغل ببلاده وقرأ المفتاح على شارحه، وكذا أخذ شرح المفتاح للقطب عن ابن مؤلفه مخلص الدين بن ابى الخير، وقدم القاهرة وأخذ بها عن أكمل الدين وغيره وأقام بسعيد السعداء أربع سنين ثم خرج الى بلاد الروم، ثم لحق ببلاد العجم وصار إماما في جميع العلوم العقلية وغيرها متفردا بها، مصنفا في جميع أنواعها، مبتحرا فى دقيقها وجليلها، وطار صيته فى الآفاق وانتفع الناس بمصنفاته فى جميع البلاد وهي مشهورة في كل فن يحتج بها أكابر العلماء وينقلون منها ويوردون ويصدرون عنها، فمن مصنفاته المشهورة شرح المفتاح وشرح المواقف العضدية وشرح تذكرة الطوس وشرح الجغميني فى علم الهيئة وشرح فرائض الحنفية وشرح الوقاية وشرح الكافية بالعجمية وله من الحواشى حاشية على أوائل الكشاف وعلى أوائل شرح مختصر المنتهي للعضد وعلى أوائل البيضاوي وعلى الخلاصة للطيبي وعلى التجريد لنصيرالدين وعلى المطالع وعلى المطول وعلى شرح الشمسية وعلى الطوالع للإصبهاني وعلى شرح هداية الحكمة وعلى شرح حكمة العين وحكمة الإشراق وعلى الرضي فى النحو وعلى الخبيصي وعلى العوامل الجرجانية وعلى رسالة الوضع وعلى شرح الإشارات للطوسي وعلى التلويح والتوضيح وعلى إشكال التأسيس وعلى تحرير اقليدس وله تفسير الزهراوين، وله مقدمة فى الصرف بالعجمية ورسالة فى الوجود، وله كتاب التعريفات، وله مصنفات غيرهذه، وتصدى للإقراء والإفتاء، وأخذ عنه الأكابر وبالغوا فى تعظيمه، لا سيما علماء العجم والروم، فإنهم جعلوه هو والسعد التفتازاني حجة في علومهما وقد جرت بينهما مباحثات فى مجلس تيمورلنك واختلف الناس في عصرهما وفيما بعده من العصور من المحق منهما وما زال الاختلاف بين العلماء في ذلك دائرا في جميع الأزمنة ولا سيما علماء الروم، فإنهم يجعلون من جملة أوصاف أكابر علمائهم أنه كان يميل إلى ترجيح جانب الشريف أو إلى ترجيح جانب السعد لما جرى بينهما من الشغلة وقد كان أهل عصر صاحب الترجمة يفتخرون بالأخذ عنه ثم صارمن بعدهم يفتخرون بالأخذ عن تلامذته ومصنفاته نافعة كثيرة المعانى واضحة الألفاظ قليلة التكلف والتعقيد .
توفى رحمه الله  يوم الأربعاء سادس ربيع الآخر سنة 816 بشيراز وقيل فى أربع عشرة وثمان مائة.

جرجان بعد الصفوية:
تمكن الصفويون من السيطرة على معظم مناطق إيران بمساعدة القبائل القزلباشية، وكان القاجار من أبرز وأقوى هذه القبائل والتي كان الصفويون خائفين من ناحيتهم لأجل ازدياد  قوتهم. وكانت للقاجار اليد الطولى في انتصار الصفويين على خصومهم في أنحاء إيران. لذلك قام الصفويون إلى نفي القاجار والقبائل القزلباشية القوية الأخرى إلى مناطق مختلفة من إيران مثل خراسان وجرجان التين لم تكتمل سيطرتهم عليها بعد، فقاموا بنفي القاجار إلى جرجان ليصيبوا بسهم واحد مرميين: الأول تضعيف هذه القبائل ونفوهم عن السلطة والطمع فيها، والثاني تمكين الأمن وكبح الثورات المضادة لسياسات الصفويين في مثل هذه المناطق وإثارة الحروب الطائفية وتهجير أهل السنة منها.
فقد أبيدت معظم مراكز السنة نتيجة هذه الحروب الطائفية التي كانت قد خططت لها من قبل الصفويين في جرجان، حيث أصبحت مدينة جرجان التي كانت تنافس نيشابور ومرو وغيرها من المدن الإيرانية في العلم والتعليم الديني وكانت مركزا كبيرا للعلم والثقافة الإسلامية والتي كانت من حيث الموقع الجغرافي واقعة بقرب من مدينة “كنبد ” التي هي إحدى أهم المدن في محافظة كلستان (وهي من المحافظات الشمالية التي يقطنها غالبية أهل السنة والجماعة من أبناء إيران) لا أثر لها في الوجود، إلا أن هناك مدينة بإسم جرجان تعد اليوم مركز محافظة المذكورة وهي أكبر مدينة لهذه المحافظة وتقع في جنوب المحافظة وشمال طهران عاصمة إيران، ويشكل أهلها حاليا عرقيات متنوعة من الفرس والبلوش والتركمان. وقد هاجرجماعات من القزاق إلى هذه المنطقة وسكنوها وضواحيها في أوائل التسعينات، وقد رجع الكثيرون إلى بلادهم إثر تحرير أراضيهم من احتلال الإتحاد السوفياتي.
ومعظم أهل جرجان اليوم يتكلمون باللغة الفارسية وينتمون إلى المذهب الشيعى، كما أن الطوائف الأخرى من البلوش والتركمان من مسلمي أهل السنة في هذه المدينة.