- سني أون لاین - http://sunnionline.us/arabic -

باكستان في عين العاصفة

Imageتواجه باكستان تحديات خطيرة وتهديدات كبيرة تستهدف وجودها. ويسعى جل أعدائها وبعض أصدقائها السذج لإلحاق الضرر بها غير آبهين بالخسائر التي سوف تضر الجميع حتى بأنفسهم. وتعتبر الحدود الباكستانية الأفغانية -التي تمتد لألفين وأربعمائة وثلاثين كيلومترا وتشمل ولاية الحدود الشمالية وولاية بلوشستان- ساحة ساخنة للعديد من التحولات الكبيرة.

ففي ولاية الحدود برزت مجموعات مسلحة تعرف كلها باسم طالبان باكستان رغم أنها تختلف فيما بينها اختلافا كبيرا، وكلها تحتاج إلى علاج مختلف.
وفي بلوشستان تروج النزعات الانفصالية بنفس الوتيرة التي روجت لها العصبيات المقيتة في باكستان الشرقية (بنغلاديش الحالية) في بداية السبعينيات. فما حقيقة هذه الأحداث؟ وما تبعاتها وما آثارها على باكستان وعلى دول المنطقة ككل؟

ولاية الحدود وطالبان باكستان
منذ الهجوم الأميركي على أفغانستان اتهمت هذه الولاية وخاصة الشريط المحاذي للحدود الأفغانية أنها تدعم "الإرهابيين" وتؤوي قادة طالبان والقاعدة.
ومنذ ذلك الحين تشن الطائرات الأميركية وخاصة الطائرات دون الطيار غاراتها على ما يقال إنها "الأهداف الثمينة" حتى تجاوز عدد القتلى خمسة عشر ألف قتيل. إذ لم يتركوا مدرسة أو تجمعا للأفراح أو مراسم للعزاء إلا وقصفوها بحجة وجود "أهداف ثمينة".
أحس سكان هذه المناطق بأنهم بمثابة الأيتام لا مأوى لهم ولا سند. والأنكى أن الجيش الباكستاني شارك القوات الأميركية في متابعة ومعاقبة "الإرهابيين"، لأن برويز مشرف كان قد وقع اتفاقية التعاون مع واشنطن وأصبح حليفها الأول ضد ما يسمى بالإرهاب.
من هذه الخلفية ظهرت مجموعات مسلحة من أهالي المنطقة لتحارب القوات الأميركية ولتحارب الجيش الباكستاني المتحالف معها، ثم تحارب كل من يعارضها الرأي.
وهنا تجدر الإشارة إلى أن ولاية الحدود الشمالية تنقسم إلى قسمين: مناطق تابعة لحكومة إقليم الحدود الشمالية والأخرى مناطق "فاتا" (FATA Federally Administrated Tribal Area) أي منطقة القبائل التي تدار من قبل الحكومة المركزية مباشرة ولا تنطبق عليها قوانين الولاية.
وتنقسم منطقة القبائل إلى سبع وكالات وهي: وزيرستان الشمالية، وزيرستان الجنوبية، باجور، خيبر، كُرّم، مهمند، أورك زئي. لا يختلف سكان هذه المناطق عن معظم القبائل في العالم في كثير من العادات والتقاليد وأبرزها: استقلالية القرار وقوة الشكيمة ومناصرة أبناء القبيلة وأخذ الثأر من المعتدين، وقد يمتد هذا الثأر إلى أجيال متعاقبة.
والسلاح يعتبر زينة للرجال وكذلك وسيلة لتوازن الردع بين القبائل. ومسلحو هذه القبائل كانوا بمثابة السواعد المحاربة التي بها تحرر ثلث ولاية كشمير عام 1947. وبوجودها على الحدود مع أفغانستان لم تكن باكستان في حاجة إلى تعيين قواتها المسلحة هناك، فالقبائل كانت صمام الأمن حتى أيام وجود القوات السوفياتية في أفغانستان.
كل هذه الخلفية التاريخية لم تسعف القبائل أن يقف برويز مشرف وحكومته إلى جانبها ضد القوات الأميركية. فبدأت المجموعات المختلفة تظهر تحت قيادات محلية وتحت مسميات مختلفة، إلى أن أطلق عليها جميعا اسم "حركة طالبان باكستان" رغم أنها ليست كيانا واحدا.
من المفيد أن نشير هنا إلى أبرز هذه المجموعات وتوجهاتها:
1-مجموعة بيت الله محسود من وزيرستان الجنوبية حيث توجد قبيلتان أساسيتان، قبيلة محسود التي ينتمي إليها هو وقبيلة وزير، وبين القبيلتين تنافسات قبلية تاريخية.
2- مجموعة ملا نذير وهو زعيم طالباني آخر في وزيرستان ينتمي إلى قبيلة وزير ويركز معظم نشاطه ضد القوات الأميركية في أفغانستان دون أن يتعرض للقوات الباكستانية، خلافا لمحسود الذي تبنى كثيرا من العمليات ضد قوات الأمن وأعلن أنه يواصل هذه العمليات على الصعيدين الأفغاني والباكستاني إلى أن تتوقف الغارات الأميركية.
3- مجموعة ملا فقير في منطقة باجور والذي يقول إنه يريد الدفاع ضد الهجمات الأميركية على غرار ملا نذير.
4- مجموعة ملا فضل الله زوج بنت ملا صوفي محمد ومعقله منطقة سوات، ومطلبه الأساسي تطبيق الشريعة في الإقليم والذي يؤدي إلى التقليل من النفوذ الحكومي المباشر وهذا يعني تلقائيا إنهاء سياسات التحالف مع الأميركان.
5- مجموعة صوفي محمد الذي ينتمي إلى منطقة ملا كند، برز اسمه في بداية التسعينيات عندما رفض مبدأ الانتخابات وطالب بتطبيق الشريعة هناك. تلقى دعم بعض القنوات الحكومية التي رأت في ذلك تقليلا لنفوذ الجماعة الإسلامية في الإقليم.
وقعت معه حكومة بينظير بوتو عام 1994 اتفاقية إنشاء المحاكم الشرعية، لكنها لم تر نور التنفيذ. وأثيرت القضية مرة أخرى عام 1998 عندما كان نواز شريف رئيسا للحكومة فوقع الأخير أيضا اتفاقية إنشاء المحاكم ولكنها نفذت تنفيذا مؤقتا ومبتورا.
بعد أحداث 11/9 أعلن صوفي محمد دعم قوات طالبان بعشرة آلاف مقاتل من المنطقة، وبالفعل دخل إلى الأراضي الأفغانية مع عدد غير يسير من المسلحين.
عاد صوفي محمد إلى باكستان بعد سقوط حكومة طالبان وألقي عليه القبض ولم يفرج عنه أو بالأصح لم يقبل الخروج من السجن إلا قبل أشهر قليلة وبعد أن برزت المجموعات الآنفة الذكر إلى الساحة.
توسط بين مجموعة فضل الله والحكومة لتوقيع اتفاقية تكوين المحاكم الشرعية والتي تشهد أنفاسها الأخيرة لأسباب نجملها فيما بعد.
6- مجموعة منغل باغ في منطقة خيبر طابعها الأساسي الخلافات بين البريلوية والديوبندية (مدرستان مختلفتان لأتباع الإمام أبي حنيفة، فالبريلوية أقرب إلى الصوفية تعظم أصحاب الأضرحة. أما طالبان فجلهم ينتمون إلى الديوبندية).
7- مجموعات مسلحة في منطقة هنغو طابعها الأساسي طائفي (الشيعة والسنة).
8- مجموعات مسلحة تضم العصابات الإجرامية يقومون بالاختطاف ونهب البنوك وتدمير المدارس، معظمهم مدفوعون من الجهات الخارجية أو من يسعى لتصفية الحسابات مع معارضيه أو مع الحكومة، ومن ثم تعتبر أخطر العناصر المسلحة في المنطقة. بعض هذه العناصر دخل في صفوف المجموعات المختلفة.
هذه هي مجمل خارطة القوى المسلحة في ولاية الحدود، وكما تبين هي مجموعات ذات نوازع وطموحات وانتماءات مختلفة لكنها تذكر كلها باسم طالبان باكستان، وتنسب إليها كل العمليات حتى وإن كانت من قبل القوات الأميركية أو من قبل الاستخبارات الهندية التى فتحت عشرات المكاتب والقنصليات في الأرضي الأفغانية على طول الحدود الباكستانية.
أبرز ما يمكن أن نشير إليه في هذا الصدد وعلى سبيل المثال هو تفجير مسجد جمرود قبل حوالي شهرين أثناء صلاة الجمعة والذي راح ضحيته مئات من المدنيين ونسب إلى طالبان. في حين أعلنت القيادات المسلحة المعروفة براءتها من هذا التفجير رغم أنها تتبنى ما تقوم به من العمليات، ويقول أهالي المنطقة إنهم سمعوا أزيز طائرات دون الطيار في الوقت نفسه وعلى الموقع نفسه.

خطوط الالتقاء ومصير الاتفاقيات

لو نظرنا إلى القواسم المشتركة بين معظم هذه المجموعات المسلحة فهي:
أ- كلها (إلا المدفوعين من دول الجوار) عناصر وطنية لا تؤيد أية نزعة انفصالية. ويمكن أن يؤدي تقوية هذا الجانب الوطني وإبرازه في النهاية إلى إشراك كل هذه الفصائل في عمليات الدفاع المشترك عن المصالح الوطنية العليا.
ب- كل هذه الفصائل ترفض الاحتلال الأميركي لأفغانستان وترفض انبطاح الحكومة الباكستانية أمام الإملاءات الأميركية.
ج- كلها عناصر مسلحة وعنيدة لا يؤدي استخدام السلاح والعنف ضدها إلا إلى مزيد من العنف وإراقة الدماء بما يولّد الضغائن والثأرات القبلية.
استثمار هذه المعطيات الثلاثة يمكن أن يوفر الأرضية الصلبة للقضاء على موجة العنف في المنطقة. ويعرف القاصي والداني أن محاولات عديدة بذلت في هذا الصدد وعقدت عشرات الجولات من المفاوضات باسم "لويا جيركا" أي الوفد الكبير للمصالحة.
بعض هذه المفاوضات أدى إلى عقد اتفاقيات بين الحكومة والمسلحين، لكن الغريب أن كل الاتفاقيات نسفت قبل تنفيذها وانتقدت من قبل الإدارة الأميركية ثم أصبحت حبرا على ورق عندما قامت القوات الأميركية أو قامت بعض العناصر المجهولة بتنفيذ غارات وهجمات مسلحة على المنطقة قبل الشروع في تنفيذ بنود الاتفاقية أو قبل إتمامها.
وفي بعض الأحيان ماطل أحد الطرفين في التنفيذ، وفي هذه الأثناء شهدت المنطقة تطورات عسكرية أشعلت موجات جديدة من المواجهات الدامية. آخر هذه الجولات كان في سوات. فانهيار الوضع الأمني أدى إلى جولات مكوكية من المفاوضات، أعلن صوفي محمد أنه سوف يكون وسيطا فيها، ثم وقعت الاتفاقية وسميت "اتفاقية سوات لتطبيق الشريعة" (رغم أنها كانت مجرد إنشاء المحاكم الشرعية) فعاد الأمن والاستقرار إلى المنطقة.. غير أن الإدارة الأميركية أطلقت أبواقها الإعلامية.. ثم أمطرت بتصريحاتها الرسمية لتصف الاتفاقية بالخنوع أمام المسلحين وبأن الحكومة الباكستانية قد فشلت في سيطرتها على المسلحين الذين أصبحوا قاب قوسين أو أدنى من العاصمة وأن سيطرة "طالبان باكستان" أصبحت خطرا واقعيا على باكستان وعلى سلاحها النووي.
ثم رأينا كيف توقفت حكومة زرداري والحكومة الإقليمية عن تنفيذ آخر بنود الاتفاقية وهي إنشاء محكمة الاستئناف الشرعية وتعيين قضاتها بمشورة مع "طالبان". وفي الوقت نفسه تقدم بعض العناصر المسلحة إلى مناطق مجاورة لسوات، الأمر الذى أدى إلى مواجهات عنيفة بين الجيش الباكستاني و"طالبان". بمعنى آخر لفظت اتفاقية سوات أنفاسها الأخيرة.. اشتعلت المنطقة كلها بنيران أبنائها من الطرفين، الجيش ومسلحي "طالبان"، قتل فيها أحد أبناء صوفي محمد أيضا.
طبعاً حدث كل هذا والرئيس زرداري في أول زيارة رسمية له إلى واشنطن مع توأمه الرئيس الأفغاني حامد كرزاي. رحبت إدارة أوباما بالعمليات المسحلة ضد "طالبان باكستان" وأبدت ارتياحها على نسف الاتفاقية.
وهنا يأتي السؤال الكبير: من المستفيد من الدوران في هذه الحلقة المفرغة من العنف والعنف المضاد والتي دخلتها باكستان منذ مجيء القوات الأميركية إلى المنطقة؟ مئات الألوف من سكان المنطقة (حوالي 800 ألف) أصبحوا مهجرين في بلدهم، آلاف القتلى سقطوا من الطرفين، وهو في الأصل طرف باكستاني واحد.

غليان بلوشستان
في خضم هذه الأحداث المتسارعة والمؤسفة في ولاية الحدود، تشهد ولاية بلوشستان موجة من الغليان. أحزاب قومية مسلحة بدأت تدعو إلى الانفصال والاستقلال عن باكستان (لا سمح الله) وقياداتها الموجودة في العاصمة الأفغانية كابل وفي بعض مناطق بلوشستان تقول علنا إنها تتلقى الدعم من أصدقائها في الهند وفي واشنطن "لنيل الحرية".
الصحف الهندوسية تنشر عشرات المقالات والمقابلات مع المفكرين الهنود والتي تبدي فرحتها بأن "وقت الحصاد قد حان". الصحف الأميركية تثنّي على مثل هذه الكتابات وتنادي بضرورة إعادة خارطة الشرق الأوسط التي لا تكتفي بفصل بلوشستان بل تنص على إنشاء دويلات طائفية وعرقية جديدة في المنطقة.
هذا الوضع الخطير والقابل للانفجار في بلوشستان يحتاج إلى دراسة متأنية ومفصلة كما يحتاج إلى رسم إستراتيجية إقليمية موحدة وعاجلة.

المصدر: المختصر